قالوا عن البحور

سألني غير سائل عن سبب تسمية البحور بأسمائها وعن ملاءمة بعض البحور لبعض المعاني والمناسبات. هذه

إجابة ليس لي فيها سوى تجميع مادتها. والأرقام في الجدول تشير إلى المصادر

وتحت عنوان العاطفة والوزن يقول الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر (ص 175):

(والأزرق تعليق مني)

" يربط الغربيون في بحثهم وزن الشعر، بينه وبين نبض القلب الذي يقدره الأطباء في الإنسان السليم بعدد 76 مرة في الدقيقة ويرون صلة وثيقة بين نبض القلب وما يقوم به الجهاز الصوتي، وقدرته على النطق بعدد من المقاطع. ويقدرون أن الإنسان في الأحوال العادية يستطيع النطق بثلاثة من الأصوات المقطعية كلما نبض قلبه نبضة واحدة. فإذن عرفنا أن بحرا كالطويل يشتمل على 28 صوتا مقطعيا - (وجاء في الهامش تعليقا على هذا أنظر الأصوات اللغوية ص 88 ولم أطلع عليه. ولعله يقصد بها عدد المقاطع من 1 و 2 في الوزن التالي: 1 2 2 1 2 2 2 1 2 2 1 2 2 2 فعددها = 14 في الشطر أو 28 في البيت) – أمكننا أن نتصور أن النطق ببيت من الطويل يتم خلال تسع نبضات من نبضات القلب.

على أن نبضات القلب تزيد كثيرا مع الانفعالات النفسية، تلك التي يتعرض لها الشاعر في أثناء نظمه فحالة الشاعر النفسية في الفرح غيرها في الحزن واليأس ونبضات قلبه حين يتملكه السرور سريعة يكثر عددها في الدقيقة ولكنها بطيئة حين يستولي عليه الهم والجزع ولا بد أن تتغير نغمة الإنشاد تبعا للحالة النفسية فهي عند الفرح والسرور سريعة متلهفة مرتفعة وهي في اليأس والحزن بطيئة حاسمة.

كل هذا جعل الباحثين يعقدون الصلة بين عاطفة الشاعر وما تخيره من أوزان لشعره. والمرء وإن كان يستطيع في النفس الواحد أن ينطق بمقاطع كثيرة إلا أن قدرته في هذا محدودة يسيطر عليها ما هو فيه من حالة نفسية.

وهو حين يكون هادئا وادعا أقدر على النطق بمقاطعه الكثيرة دون أن يشوبها إبهام في لفظها وهو أقل قدرة على هذا حين يكون متلهفا سريع التنفس كما هو الحل في الإنفعالات .

ويجد المنشد مشقة وعنتا حين يحاول وصل بيتين من البحر الطويل في نفس واحد ولا يكاد ينتهي من البت الثاني حتى نسمعه ينطق بالألفاظ مع جهد كبير وقد تخللها بعض الإبهام ولم تتضح للسامع ويظهر أن اقصى ما يستطيعه المرء في الإنشاد دون مشقة وإجهاد ومع وضوح الألفاظ هو ذلك القدر من المقاطع الذي نجده في البحر الطويل أو البسيط فالمنشد يحتاج إلى إعادة التنفس بعد كل بيت من أبيات هذين البحرين إن لم يكن في وسط البيت الواحد. (يبدو لي أن المنشد يتوقف بعد كل شطر لأي بحر كان طويلا أو قصيرا وليجرب ذلك القارئ بنفسه ) ذلك هو السر في أن الأوزان الشعرية عند كل الأمم لا تزيد مقاطع البيت منها على قدر معين.وربما كان العرب القدماء من أطول الأمم نفسا في الشعر لكثرة نظمهم من بحر كالطويل أو البسيط وندرة المجزوءات في أشعارهم .

والشاعر حين ينشد شعره يستعيد تلك الحالة النفسية التي تملكته في أثناء النظم حتى يشركه السامع في كل أحاسيسه ويشعر بشعوره. أم نحن الآن حين ننشد شعر القدماء فيندر أن نضع أنفسنا في ذلك الوضع النفساني الذي كان عليه الشاعر القديم في أثناء نظمه ويؤدي هذا حتما إلى نقص التعبير أو التصوير في إنشادنا. ولكن المنشد المجيد والممثل الماهر يستطيع أن يحل نفسه مكان الناظم وأن يشعر بشعوره ثم ينقل مثل هذا الشعور إلى سامعيه .

ونحن بعد هذا نسأل أنفسنا : هل كان الشاعر القديم يتخير لسعره من الأوزان كا يلائم عاطفته ؟ وهل جاء ت هذه الأوزان المختلفة تبعا لاختلاف الشعور عند الناظمين من القدماء ؟

قد يكون من العسير أن نجيب عن مثل هذه التساؤلات إجابة مقنعة وذلك لأنا لا نرى في مقاطع هذه الأوزان المتباينة ما يوحى بمثل هذا فهي كلها تخضع لروح عام في توالي المقاطع ولا يفرق بينها إلا كثرة المقاطع أو قلتها فمنها الكثير المقاطع ومنها المتوسط في عدد المقاطع ومنها القصير المجزوء .

فإذا نحن استعرضنا الموضوعات التي نظم فيها الشعر الجاهلي رأيناها لا تخرج عن : الفخر والحماسة والمدح بما في ذلك الرثاء هو عندهم مدح الميت والغزل والوصف في بعض الأحيان .

ثم زاد في العصر الأموي كثرة النظم في الغزل و أصبح فنا مستقلا من فنون الشعر كما زاد النظم في الشئون السياسية.

ولما استقر الملك للعباسيين أكثر شعراؤهم مع الموضوعات السابقة من الشعر المجوني ووصف الخمر ومجالس اللهو العبث ووصف الرياض والأزهار أو المناظر الطبيعية .

فهل اتخد القدماء لكل موضوع من الموضوعات وزنا خاصا أو بحرا خاصا من بحور الشعر التي رويت لنا ؟

إن استعراض القصائد القديمة وموضوعاتها لا يكاد يشعرنا بمثل هذا التخير أو الربط بين موضوع الشعر ووزنه: فهم كانوا يمدحون ويفاخرون أو يتغزلون في كل بحور الشعر التي شاعت عندهم. ويكفي أن نذكر المعلقات التي قيلت كلها في موضوع واحد تقريبا ونذكر أنها نظمت من الطويل والبسيط والخفيف والوافر والكامل لنعرف أن القدماء لم يتخيروا وزنا خاصا لموضوع خاص. بل حتى ما سمّاه صاحب المفضليات بالمراثي جاءت من الكامل والطويل والبسيط والسريع والخفيف.

وقد يكون من المبالغة أن تصور أن اشتراك الشعراء في القافية لمجرد اشتراكهم في موضوع الشعر. فالحالة النفسية للخنساء حين كانت ترثي أخاها غير الحالة النفسية التي تملكت أصحاب المراثي من القدماء. شعور الشاعر إذن وإن توقف إلى حد ما على موضوع الشعر، يختلف باختلاف الشعراء واختلاف تأثرهم بعوامل أخرى لا يمكن حصرها.

على أننا نستطيع ونحن مطمئنون أن نقرر أن الشاعر في حالة اليأس والجزع يتخير عادة وزنا طويلا كثير المقاطع يصب فيه من أشجانه ما ينفس عنه حزنه وجزعه. فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحرا قصيرا يتلاءم وسرعو التنفس وازدياد النبضات القلبية. ومثل هذا الرثاء الذي قد ينظم ساعة الهلع. والفزع لا يكون عادة إلا في صورة مقطوعة قصيرة لا تكاد تزيد أبياتها على عشرة. أما تلك المراثي الطويلة فأغلب الظن أنها نظمت بعد أن هدأت ثورة الفزع، واستكانت النفوس باليأس والهم المستمر.

هذا قدر من كلام الدكتور إبراهيم أنيس رأيته ذا علاقة بالموضوع وإن أتيح لي أن أكمل نقل الفصل كله فعلت بإذن الله.

ويخطر لي هنا أن مؤشر م/ع

http://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/meemain

في أي بحر كان قد يكون له علاقة بالموقف المراد التعبير عنه. وطبعي أن يكون الشعر ساعة الانفعال ذا مؤشر أكثر تعبيرا عن الموقف. على أنني أجد أنه حتى في الأشعار التي يكتبها الشاعر في مدة طويلة فإن للمعنى علاقة بتقرير المؤشر، ذلك أن من عبقرية هذه اللغة أن الصيغ – وخاصة الفعلية- المقترنة بمواقف تتطلب قوة تعبير تأتي مجزومة كفعل وجواب الشرط وفعل الأمر. إضافة إلى ما لسليقة الشاعر من تخير للألفاظ الأخرى من غير الأفعال من تعبير عن الموقف. خذ مثلا قول امرئ القيس في وصف حصانه:

مكر مفر مقبل مدبر معاً ..... كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ

حيث م/ع = 8

وخذ قوله في وصف فاطمته

وجيدٍ كجيد الريمِ ليس بفاحشٍ .........إذا هي نصّته ولا بمطّلِ

حيث م/ع = 0.67

***

وحول العلاقة بين البحر والغرض الشعري يستحسن الرجوع للرابطين :

http://www.arood.com/vb/showthread.php?t=597

http://www.archive.org/details/almorshed المرشد إلى فهم أشعار العرب ودلالتها للدكتور عبد الله الطيب

وفيه يتبني الدكتور الطيب وجود علاقة بين البحر والغرض الشعري