nabati-lahajat

18-العروض والشعر الشعبي واللهجات

أرى من واجبي للأخذ بإيجابيات هذا الموضوع وتجنب سلبياته أن أقدم له باقتباس بعض الفقرات من المؤلف القيم (الفصحى ونظرية الفكر العامي) للعلامة مرزوق بن صنيتان بن تنباك، حيث ذكر في المقدمة عن الاهتمام بالأدب الشعبي: "وهو أمر معقول إن اتخذ الحيز المناسب له" ولم يتعده إلى غيره وهو كما جاء في (ص-13):"إن الهدف من انتشار العامية في الجزيرة والخليج هو الهدف نفسه من المحاولات التي سبق أن تكرر مثلها في أجزاء من الوطن العربي والإسلامي، وهو فصل الأمة في نهاية المطاف عن تأريخها الحضاري القوي وحتى عن دينها، ثم قطع صلة الحاضر الضعيف الذي تعيشه عن الماضي الذي يجب ألا ننساه، وسد المنافذ التي يتسرب منها الفكر الإسلامي والتأريخ الأصيل للدولة الإسلامية." إلى الحد الذي عقد فيه اجتماع بناءا على طلب من منظمة اليونسكو (ص-203) كان مما أوصى فيه المجتمعون (ص-208): "تشكيل لجنة من المتخصصين لدراسة صيغة علمية لكتابة اللغة المحلية لتدوين أنماط الأدب الشعبي." كان لا بد من هذا الاستطراد للتمييز بين (ص-114):"العامّيّة في حدودها المعقولة المقبولة وحيزها الذي تحتله في كل لغة من لغات الدنيا. لأنها لا تملك فكرا ولا تنظيرا ولا آراء تصاغ من أجل تبرير استعمالها وتقنينها. وبين (ص-115):" الفكر العامي الذي يتبناه المثقفون الذين يجعلون من العامية قضية فكرية جدلية يثيرون حولها الآراء ويدافعون عنها ويخططون بقدرة علمية وتنظيم فكري محكم لانتشار العامي في كل شيء لغة وثقافة وسلوكا. .....وهو مصدر القلق والخوف لا على اللغة العربية الفصحى ......لكنه مصدر قوي لتمزيق الأمة العربية الواحدة إلى أمم بعدد اللهجات التي تنتشر فيه [فيها]، وتقسيم الشعب الواحد داخل الدولة الواحدة في كل قطر عربي إلى أقاليم ولهجات عامية تحاول كل منها أن تسود غيرها من اللهجات."

سبق أن نشرت لي جريدة الرياض الغراء في أربع حلقات في (خزامى الصحارى) الجزء الأكبر من هذا الموضوع وأبدأ بها كما وردت بأقل تعديل يقتضيه التسهيل أو التوضيح والإحاطة وتجنب تكرار التعريف بالعروض الرقمي في بداية كل حلقة، وتصحيح بعض الأغلاط المطبعية، وقد آثرت نشرها مع مقدمتها لأنها مبسطة وربما تؤدي الغرض لبعض المهتمين دون الرجوع لسائر الكتاب.

1. الشعر الشعبي والعروض رقميا (في العدد10667 بتاريخ6/5/1418)

أشير ابتداءً أن موضوع هذه المقالة وما يليها عن الشعر الشعبي مقتصر على أوزانه وإيقاعاته وذلك ضمن الإطار الذي بينه الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك في مؤلَّفه القيم (نظرية الفكر العامي )

وسيتبين للقارئ أن معظم أوزان الشعر الشعبي مأخوذ من الفصيح وأن في الجيد منه -وهو المنسجم مع السليقة العربية بعض أوزان ودروب للنظم لم أجدها في الفصيح، ويمكن رفده بها. إن من شأن تمكن بعض ناظمي الشعر الشعبي من صيغة مبسطة من العروض أن يساعدهم على إتقانه والارتقاء به نحو الشعر الفصيح.

وهنا تقديم باختصار شديد للوزن باستعمال الأرقام تمهيدا لتطبيقه على الشعر الشعبي. آملا أن أثير الاهتمام بهذا العلم الجميل من علوم العربية-العروض .

الوزن بالأرقام هو تيسير للوزن بالتفاعيل حيث يعبر عنها بالأرقام في محاولة لتجنب تعدد مصطلحات العلم المذكور وتحبيبه للنفوس، ويلزم في هذا المقام التعرف على نوعين من المقاطع كل منهما ينتهي بحرف ساكن أو حرف علة (ألف أو واو أو ياء) يعتبر بمثابة الساكن.

الأول مقطع من حرفين متحرك يليه ساكن مثل (لَنْ) و(لا)ورمزه (2) إثنان.

والثاني مقطع من ثلاثة أحرف الأول والثاني متحركان يليهما ساكن مثل (نَعَمْ) و(متى)ورمزه (3) ثلاثة، وفيما يلي أمثلة على وزن بعض الكلمات والعبارات القصيرة:

بلادي = (بِلا=3)+(دي=2)=23 ومثلها فعولن=(فعو=3)+(لن=2)=23

يلاحظ أن كل حرف ساكن أو حرف علة هو نهاية لمقطع إما (2) أو (3)، (ولك.أن تجمع 22 على 4)، والمعتبر في ذلك هو اللفظ فنكتب التنوين نونا على سبيل المثال.وبدايةً تطبيق ذلك على بيت من الشعر الفصيح لوضوح لفظه على وجه واحد.

ونفْسٌ كلَّما اشتاقت لرؤياكم زجرناها

ونفْ=3/سُنْ=2/كلْ=2/لَمَشْ=3/تا=2/قَتْ=2 ووزن الشطر =223223=4343

لِرُؤْ=3/يا=2/كُمْ=2/زَجَرْ=3/نا+2/ها=2 ووزن الشطر الثاني=223223=4343

ويلاحظ تساوي شطري البيت حيث لكل منهما نفس الوزن (الأرقام).وهي 43أو مفاعيلن مرتين في كل شطركما يلاحظ القارئ جواز جمع 2+2على 4 ولكن 3 لا تجمع مع غيرها.

تطبيق على الشعر الشعبي:

في الشعر الشعبي ظاهرة غير موجودة في شعر الفصحى وهي ورود السكون (ه) بعد حرف مد في وسط الشعر مثل

:مرحومْ يا=مر(2)+حو(2)+مْ(ه -رمز السكون) +يا(2)=22 (ه)2=4 (ه)2

وهي معادلة من حيث الوزن لقولنا :(مرحومِ يا) بكسر الميم

مرحومِ يا =مرْ(2)+حو(2)+مِيا(3)=322=34

وبالتالي فإن كل سكون (ه)قبلها حرف مد وبعدها (2)=(ه)+(2)= (1) + (2)=3 ولدى تقطيع تركيب مثل (مرحوم يا)سيجد القارئ مرحومِْ بسكون وكسرة معا على الميم والمقصود أنها إن لفظت مسكنة أو محركة فالوزن واحد.في الحالتين .

جاء في خزامى الصحارى في جريدة الرياض ليوم السبت 20/4/1418 للشاعر الشعبي راضي عبد الرحمن الراضي :

ولْلي حفرْ لاخيهِْ جرفٍ وقعْ فيه ينجى وياقعْ فيه راعي الحبايلْ

ويسمى الشطر الأول من البيت الصدر والثاني العجز

وهكذا ترى أن وزن كل من الشطرين 322/322/232 مع زيادة سكون في الصدر.

ومن ديوان الليل والحرمان للأستاذ خالد عبد الرحمن حمد الفهيد في طبعته الأولى من قصيدة سمراء ومطلعها:يا اهل الهوى مسحور بالعينينْ /والقلب والله زادت شجونهْ

وفيها يقول :يا ليتني ما عرفت الزينْ / ولا عرفت اللـي يعرفونهْ

صدر البيت الأول=يهْ2/للْ2/هوى3/مسْ2/حو2/رِْبل3/عي2/ني2/نْ ه=34/34/ 4ه

عجز البيت الأول=ولْ2/قلْ2/بِْولْ3/لَـهْ2/زا2/دَتِـشْ3/جو2/نُهْ2= 34/34/ 4

ويرى القارئ تعادل رِْبل بسكون الراء مع دَتش بتحريك الدال وكل منهما تساوي3

وزن صدر البيت الثاني=يا2/لي2/تِْني3/ما2/عرفْ3/تِزْ2/زي2/نْ ه= 43234ه

وزن عجز البيت الثاني=وَا=1/لا2/عرفْ3/تلْ2/لي2/يعرْ3/فو2/نهْ2=432233 يلاحظ في البيت الثاني أن الصدر يبدأ بالوزن 22=4 والعجز يبدأ بالرقم 3=21 وهوجائز ويسمى في الشعر بالزحاف وتحل 3محل4 (أو 1 محل 2) .ولكن الأحمر يبين في وسط العجز في البيت الثاني =2 خلافا لمثيلاتها في سائر الأشطر التي تساوي22 وهذا ما يجعل الوزن مكسورا أو مختلا، ويستقيم الوزن بإضافة كلمة (قد) بحيث يصبح الصدر:(يا ليتني ما قد عرفت الزين.) ويصبح وزنه:يا لي تني=322/ما قدْ عرفْ=322/تزْ زي نْ=22ه ويساوي 34/34/4ه فيتساوى بذلك مع العَجُز.

2. تحليل بعض القصائد الشعبية بالأرقام (في العدد10670 ،بتاريخ 9/5/1418)

أولا : هذه القصيدة من ديوان قطرات من الشعر الشعبي من جمع عبد الله بن عبار العنزي وهي لأم مطلق عقيلة ثاني بن عقلان الضبيب وقد تذكرت زوجها إذ حنَّت ذلوله

1-يا بكرتي لا تحنـيني الحمل مل هو زبـون لكْ

2-قردتك وانتي قردتيني والله خلقني عـذاب لكْ

3-لو الله باغي لك الزيني هلحين أبو عبيد حيّ لكْ

4-ترجع عليك المضاعيني مع السـلف زاهي دلّـكْ

وزن هذه الأبيات كما سيرى القارئ=34/32/4وتجد تقطيعها في الجدول التالي طبقا للإنشاد الذي يحقق هذا الوزن ، ثم القراءات الأخرى التي قد ترد سواءا لاختلاف اللهجات أو غربة القارئ وجهله باللهجة والوزن المطابق لكل قراءة.وهذا يبين كيف يمكن للعروض أن يساعد في تحقيق نص شعري بتقرير القراءة التي تحقق الوزن.

ثانيا:وهذه الأبيات الأربعة الأولى من قصيدة لرشيدان بن موزة كما أوردها

الدكتور. مرزوق بن صنيتان في كتابه (الفصحى ونظرية الفكر العامي )

ووزنها =34/34/232 وحركات الأحرف كما في الجدول:

1-يا الله يا فرّاج يا راعـي الافراج يا مبدل عسر الـليالي بلين

2-تفرج لمن بيته على درب مسهاج كنه لحاله ماش حوله قطين

3-وليا سرى من عندنا كـل هراج يا زين طق رقابهن هاضليني

4-وقولة هـلا قدام يثـنن الدراج من حاطر ما فيه كنه وشين

في البيت الرابع وردت في أوله (و-قولة هلا =323=1+322)ويتكرر هذا كثيرا في الشعر الشعبي.لاحظ الطرق الثلاث التي يمكن أن تنطق بها يثنن الادراج ودور العروض في في التعرف على اللهجات.

3-مما يشبه الفصيح من أوزان الشعر الشعبي(العدد10677 بتاريخ16/5/1418)

أخذت أوزان البحور وأسماءها في الشعر الشعبي من كتاب(الشعر النبطي –أصوله-فنونه-تطوره)لمؤلفه طلال عثمان المزعل السعيد وبينت ما يقابلها من أسماء بحور الشعر الفصيح. أما الشواهد فأخذتها منه ومن سواه.

يرى المؤلف أن الشعر الشعبي يختلف من لهجة عربية إلى لهجة عربية أخرى ، ولكن الشعر النبطي أو البدوي واحد في جميع العالم العربي، ويُرجع تسميته بالنبطي أو البدوي لأنه مستنبط من الشعر الفصيح وينطق باللهجة البدوية، وهو يرجع إلى بني هلال أول من نظم فيه وهم نشروه في رحلتهم من نجد إلى المغرب العربي وما زال ينطق بذات اللهجة في بوادي الخليج والجزيرة وامتدادها من اليمن حتى العراق وبادية الشام وسيناء وهو ذاته في بادية السودان والمغرب العربي

بحوره-أوزانه –وأمثلة عليها

1-الهلالي وينسب إلى بني هلال ويقول إنه أصل الشعر النبطي

أ-يقول راشد الخلاوي[1]:

يقول الخلاوي حاضر الراي صايبه مصاب الحشا ما دهى بادهى مصايبه

ومجروح روحن صابها سابق القضا والارواح أشباهن للاقدار صايبه

يقو3/لل2/خلا3/وي2/حا2/ضْـِرِرْ3/را2/يِـْصا3/يْـِبه3 =23/43/23/33

فعو /لن /مفا /عي / لن /فعو /لن /مفا /علن وهذا هو بحر الطويل كما يدعى في علم العروض، وهو ذو قافية واحدة للبيت بشطريه باستثناء المطلع حيث للشطر الأول (الصدر)نفس قافية الشطر الثاني (العجز)وهو يشبه الفصيح في هذا فيما يعرف بالتقفية والتصريع، وهما تعبيران عن اتفاق نهاية الصدر مع نهاية العجز لفظا ووزنا.كما أنه يشبه الفصيح بالتزامه القبض وهو ورود مفاعيلن=43 في آخر الصدر على مفاعلن=33. وعندما يأتي آخر الصدر مفاعيلن نرى الشاعر يعطي كل شطر قافية مختلفة جاعلا منه بيتا مستقلا وكأنه أحس بفطرته عدم جواز أن تكون مفاعيلن تامة =43في نهايتي شطري بيت واحد وبالتالي ذي قافية واحدة. فجعل منه نوعا من مشطور البحر الطويل بقافيتين، كما في قول غتار العصيمي2

ملاذي من الغربة وحرزي من النكبات تفضل علي بسترك وسمح دروبي

ترى الوقت من كلمة ولد لين كلمة مات أقل يقليل من انتظاري لمكتوبي

ملا3/ذي2/منلْ3/غر2/به2/وحر3/زي2/منن3/نك2/با2/ت(ه)=23/43/23/43 ه =فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن وهو الطويل التام مضافة إليه السكون في الصدر

ويلاحظ هنا كيف يقرر الوزن لنا قدرا كبيرا من لهجة الشاعر دون أن تكون لنا سابقة معرفة بها بحيث يكون نطق عجزي البيتين كالتالي وذلك حسب المقاطع:

الأول:تِفَضْ3/ضَلْ=2/عَلَيْ=3/يِبْ22/سِتْ=2/رَكِوْ=3/سَمْ=2/مِحِذْ=3/نو=2/بي=2

الثاني:أَقَلْ=3/لِبْ=2/قلي=3/لِمْ=2/نِنْ=2/تِظا=3/ري=2/لَِمَكْ=3/تو=2/بي=2

ب-ويقول عبد الرحمن حمير القحطاني3

وعين بكت ما حصلت للدمع موق وليـل طويـل غير كـل الليالي

ولا جفت الدمعة ولا يبست عروق ولا حاصل حب ولا القلب سالي

23/43/23/23 ه =وهو من الطويل المحذوف حيث43ß23 في آخر الشطر.+(ه)

2-الصخري نسبة إلى بني صخر ومعظمه حزين الوقع ويسمى في بعض بلدان الخليج العربي بالفراقي لكثرة القول فيه عن الفراق، ومنه قول حمد المغلوث4

ألا واعـز تـالي مـن نـحيب ومن نوحي على فرقة حبيبي

ومن جرحن سطا باقصى الضمير عجز عنه المداوي والطبيب

=43/43/23 وهو من الوافر المعصوب (مفاعلَتن=313 ß مفاعلْتن223) وبالنسبة للقافية ينطبق عليهما ينطبق على الهلالي.

3-المسحوب:سمي بذلك كما يقول المؤلف لأن العازف يسحب قوس الربابة سحبا بطيئا ويسحب نفَسه مع سحبة القوس. وهو مربوط بقافيتين واحدة لكل شطر إحداهما ساكنة والأخرى متحركة في الغالب، ومنه قول راشد بن جعيثن 5:

الله يعين العين تبـكي على الزينْ اللي عليه القلب مخطر وشاقي

ذكراه تجرحني على القلب جرحين جرح لماضينا وجرح الفراقي

34/34/232 مستفعلن مستفعلن فاعلاتن وهو وزن السريع كما يراه د.أحمد مستجير في كتابه الأدلة الرقمية لبحور الشعر العربي. ويقول المؤلف إنه يكتب بقافيتين.

4-الهجيني : من الهيجنة وهي الغناء السريع وكل ما ليس هلاليا ولا صخريا ولا مسحوبا يطلق عليه كما يقول المؤلف الهجيني ومنه:

أ-لأحمد رشيد الجوفي6

يا دموعي وادعي من وادعتني والعزا خليه عنوان القصيدهْ

الظروف بحكمها ما طاوعتني خلت العذال تفرح بالمكيدة

حاربوني والليالي حاربتـني ما احتيالي والليالي لي عنيدة

232/232/232 =فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، وهو الرمل.والملاحظ أن البيتين الأول والأخير فصيحان صحيحان وزنا ونحوا، وببعض المزيد من العناية يمكن لقائلها أن يكون شاعرا بالفصحى.

ب-يقول خالد الفهيد

سافرت عنكم وحالي صار به نقصان منهو يلوم الذي فارق هوى بالهْ

شفت العذاب الذي يطرونه العربان أثر المحبـة تشيب منهو بالحـاله

وهموم قلبي اصبحت انا بها غرقان ما غير افكر وقلبي زادت اهواله

ولقرب هذه الأبيات من الفصحى يمكن تفصيحها بأدنى جهد على النحو التالي:

سافرت عنكم وحالي صار في نـقصانْ من ذا يلوم الذي أودى هوى بالهْ

شُفْتُ العذاب الذي قد وصّف العربانْ هذا مشيب الهوى من فرط أهوالهْ

شفت الغرابيل من بـعدٍ لـكم ألوانْ عاف الفـؤاد لذيذ النوم من حالهْ

أصبحت من همِّ قلبي في الهوى حيرانْ دأبـي أفـكّر فـي قلبي وأهوالهْ

والوزن واحد في الشعبي والفصيح وهو من البسيط34/32/34/4 +(ه)في الصدر

فانظر إلى استيعاب الفصحى لصفتين في الشعبي وهما وجود قافيتين في البيت وتقبل السكون بعد الشطر الأول.وترى في قائلها ملامح شاعر بالفصحى.

جـ-تقول فتاة الوصل8:

جفني لهيره ما نعسْ كلْما تذكر رمسته

أسعد بحكيه لي رمس كالقمْر تاضي وجْنته

قولي إذا شفته احتبس (و)قلبي مقره وسكنته

ماحْلا جماله لي يلس كالبدر تومض بسمته

34/34 = مستفعلن مستفعلن من مجزوء الرجز

د-ويقول طلال صالح العتيبي9

دمعة عيّت تحوّل وعيّـت لا تروح تـقتل جفـون حزينه بدمع ممـتلي

ولوعة تجلس وتاقف على روس الجروح وضيقة بالصدر حلت وعيت تنجلي

232/ 232/ 3223 ه=فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن وهو المديد التام ،ومنه قول أبي العتاهيه: للمنون دائرات يدرن صرفها ثم ينتقيننا واحدا فواحدا

هـ-يقول نواف بن عصاي10:

وش بلاها سنينك ظالمه ما تروف أتعبتني وراها بين روح وتـعالي

لاتقولين لي باكر تزين الظروف لا ظروفك تزين ولا تحقق وصالي

232/3223/232=32/232/32/232 وهذا هو الممتد .جاء في أهدى سبيل

(ص.-204) أنه مما استحدثه المولدون كقول القائل:

صاد قلبي غزال أحور ذو دلال كلما زدت حبا زاد مني نفورا

ووزنه فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن.

و-وبالمناسبة فقد جاء في أوزان المولدين كما ذكر في أهدى سبيل ص. 204 المستطيل وهو مقلوب الطويل ووزنه43/23/43/23=343/232/232 وشاهده عنده : لقد هاج اشتياقي غرير الطرف أحورْ أدير الصدغ منه على مسك وعنبرْ

ولم أطلع على مثيل له في الشعر الشعبي. وإذا تأملت الأوزان (د،هـ،و) أعلاه وسمينا 232 =س =فاعلاتن، وتركيب المقاطع343 =ص =مفاعيلاتنا، وجدنا الأوزان المذكورة كمايلي: د =س س ص = فاعلاتن فاعلاتن مفاعيلاتنا

هـ=س ص س= فاعلاتن مفاعيلاتنا فاعلاتن

و- =ص س س= مفاعيلاتنا فاعلاتن فاعلاتن

ز-ويقول عادي بن رجا بن عادي بن رمال11

وعند الجود كلك جود أجود من سريع النودْ//بذلت ولا خذلت ولا عذلت فلان وفلاني

خلق ربي يمينك من ندى والكف به ممدودْ من صخا ماهي مزاج احيان واحياني

43/43/43/43 ه وهذا لون من الهزج ،في ما عدا عجز البيت الثاني فهو

=من2/صخا3/ما2/هي2/مزا3/جحْ2/يا2/نوحْ3/يا2/ني2=232/232/232/2، ويستقيم الوزن لو قال: ذا من صخا ماهي مزاج احيان واحياني

ومن أشهر الألحان الشعبية في بلاد الشام العتابا والميجنا كقولهم12

يطولكْ طولْ عود الزّانْ لوْ مالْ وشعْركْ حيّر الجدّالْ لوْ مالْ

وابـوكي ما قبلْ فضه ولا مالْ وكيف الراي عندك والجوابْ

وزن كل من الأشطر الثلاثة الأولى=43/43/23 ه والرابع الأخير 43/43/3 ه

وهذان البيتان من الوافر أو الصخري مع بعض التعديل حيث يعتبر كل بيتين وحدة واحدة وللأشطر الثلاثة الأولى نفس القافية التي تختلف عن الشطر الرابع وزنا ورويا فيلاحظ أن كل شطر ينتهي بـ (23 ه=مفاعيلْ)ما عدا الرابع الذي ينتهي بـ(3ه=مفاعْ) بحذف (2) من التفاعيل المناظرة في الأشطر الأخرى، وهو ما يتيح للمغني أو يتطلب منه مد الألف في كلمة جواب في محاولة لتعويض المد المحذوف، ويدرك من يعرف اللحن ما في ذلك من جمال.

3. مواضيع متفرقة

أ-الهلالي والمسحوب

يقول خالد الفهيد

1-كفاني بها الدنيـا هواجيس وحلومْ وردك علي زود الصاع صاعينِ

3 2 /3 2 2 / 3 2 / 3 2 ه 3 2 / 3 2 2/ 3 2/3 2 2

2-من لامني من الناس انا اقول معلوم ويا الله صبرني على كل واشينِ

22/3 2 2/ 3 2 / 3 2 ه 3 2/ 3 2 2/ 3 2/ 3 2 2

3-أرجي عسى ذا الحال يا زين ما يدوم يصخف لحالي كـل منهو يراعيني

3أ-2 2/ 3 2 2 / 3 2 /3 2 ه 2 2 /3 2 2/ 3 2/ 3 2 2

3ب- 2 2 3/ 2 2 3/ 2 3 2 ه 2 2 3/2 2 3/2 3 2 (2)

نرى الأشطر تبدأبـ23أو22.وزن البيت الأول من الهلالي أو الطويل بلغة العروض وهو:

فعولن-23/مفاعيلن-223/فعولن-23/مفاعيلن-223.أما البيت الثاني وهو من نفس وزن البيت الأول فإنه يبدأ بـ 22=عولن بدل 23 =فعولن وهذا جائز حتى في الشعر الفصيح ويعرف بالخرم. أما في البيت الثالث فقد تكر الخرم في الصدر والعجز ،ولو أخذنا البيت الثالث لرأينا أنه يمكننا تقطيعه بطريقتين،الأولى (3أ) متأثرين بالبيتين السابقين ووزنه إذ ذاك=عولن مفاعيلن فعولن مفاعيلْ أو مفاعيلن ، ولو نظرنا إليه بمعزل عن البيتين السابقين له لكان الأوْلى أن يكون تقطيعه كما في (3 ب)=34/34/232 ه وهذا يعني مستفعلن مستفعلن فاعلاتن +(ه) وهذا وزن المسحوب أو السريع على رأي. والجدول التالي يبين قابلية البيت للوزنين.

فإن ورد مثل وزن البيت الثالث في قصيدة معظم أبياتها من الهلالي اعتبر هلاليا حول الخرم أوله من فعولن=23إلى عولن=22.وإن ورد مثل البيت الثاني في قصيدة معظم أبياتها من المسحوب عد منه على اعتبار أن التفعيلة الأولى في العجز 323=ا+322 أي أنها (وَ+مستفعلن )وهذا ما يعرف في الفصحى بالخزم. والفرق بين الفصيح والشعبي أن الخرم والخزم حالتا نادرتان تلحقان أول الصدر ،بينما هما شائعتان في أول الصدر والعجز من الشعبي لدرجة قد تبدو معها بعض القصائد محيرة بين المسحوب والهلالي .

ب-الزحاف والعلة

يطلق كل من التعبيرين على حالات معينة يجوز فيها أن يتغير الوزن عن صورته القياسية ولا يتسع المجال هاهنا للتفصيل ، ومن ذلك:

§ ما تقدم ذكره من نقصان حرف وهو الخرم أو زيادة حرف وهو الخزم.

§ تحول (2)إلى (1) أو2ß1وينتج عنه تحول فاعلن=32 ßفَعِلن=31، و فاعلاتن= 232ßفعلاتن=231 ومستفعلن=322ßمُتَفْعلن=321=33 وهذا أكثر الأنواع شيوعا ومثال ذلك ما مر معنا في المقالة الثانية من قول الشاعر: "وقولة هلا قداميثنن الدراج" فيصح أن تقرأ:يثْ =2/ننْ2/نَلدْ3/را 2 وبذلك يكون وزن المقاطع

نِنْ نَلِدْرا=232=فاعلاتن، كما يجوز أن تقرأ يثْ 2/نِ1/نَلِدْ 3/را 2وبذلك يكون وزن المقاطع نِ نَلِدْ را=231=فَعِلاتن. وكذلك ما مر في نفس القصيدة :"يا مبدل عسر الليالي بليني "،فإنّ يمْ بدْ دلن= يا مِبْ دِلِنْ=322=مستفعلن، يَمِبْ دِلِنْ=33 =متفعلن.

§تحول 3ß2 ،ومن نفس القصيدة "ول يا سرى من عندنا كل هراجْ"فإذا قرأت (كلِّ هرّاج )كانت كلْ لِهَرْ را=232=فاعلاتن، وإذا قرات (كلْ هرّاجْ) كانت

كلْ هرْ را=222 =فَعْلاتن

جـ-ما يأتي في الشعر الشعبي دون الفصيح

1-ورود السكون بين مدّين ،وفي الفصيح قد تأتي بعد مد في آخر البيت.

2-انتهاء الشطر بزيادة سكون(ه) أو سبب(2)عن مثيله في الفصيح.

3-اختلاف القافية بين شطري البيت الواحد، وهومما يمكن نقله للفصيح.

4-انفراد الشعر الشعبي ببعض الأوزان كما في الفقرة التالية

د-أوزان في الشعبي لم أطلع على مثلها في الفصيح ، وفيما يلي بعضها

1-يقول الشاعر1:

يامرحبا باللي دعيته وحاكاني اعداد ما صلى المصلي ببيت الله

يا مرحبا يا بعد ربعي وخلاني بكتب كلامي لك وببدا بذكر الله

34/34/32/4 =مستفعلن مستفعلن فاعلن فعلن

وهذا وزن جديد والنظم التالي بالفصحى على نفس الوزن

يا مرحبا يا من به قد تولّهْتُ من يوم غبتم لفّني الغمّ والمقتُ

أنظر هرم الأوزان (ص )فوزنه الهرمي=ع6464 وهو ما يخالف منطق الهرم.

2-يقول الشاعر2:

الحمد لله مبدع الكون صانعه جعل لنا كل الطـرايق مسانعه

يالآدمي اغنم زمانك من اوله ما دامت ثماره طريـه ويـانعه

حذراك لا تغريك دنياك بالطمع ما جاك من رزق بها النفس قانعه

34/34/332 لو كان الوزن مقتصرا على شطر أو بيت لربما امكن اعتباره عولن مفاعيلن فعولن مفاعلن ولكن سريانه على الأبيات يرجح اعتباره وزنا مستقلا=السريع+3 أو الكامل المضمرة تفعيلتاه الأوليان والمحورة ثالثة تفاعيله 331ß332 أي=متْفاعلن متْفاعلن موتفاعلن، وعلى هذا الوزن بالفصحى النظم التالي

حمداً لربٍّ قد أتانا رسوله طوبى لقومٍ قد حوتهم سبيله

ما زال فيهم من تعاليم نهجه مغنىً لهم عن قالِ هذا وقيله

وقريب من هذا قولنا :"قد قامت الصلاةُ قد قامت الصلاةْ"

3-ورد في المقالة الثانية قول الشاعرة:

يابـكرتي لا تـحنّيني الحمْل ما هو زبون لكْ

لوالله باغي لك الزيني هلحين ابو عبيد حيّ لكْ

34/32/4=مستفعلن فاعلن مسْتفْ

يرى ع. الطويل1 في الوزن مستفعلن فاعلن=34/32 ما يمكن أن يسمى منهوك البسيط كقول مطران:(فوق الكلام العمل به نجاح الأمل).وهذا ربع أو مطروح البسيط أما المنهوك فهو ثلث الوزن وهذا إن كان البيت شطرا واحدا أولى بهذا الاسم.وبالفصحى من شطرين على مثاله هذا النظم: يا بكرتي لا تجافيني ولْتحمليني إلى حينِ

أو: (ظالمتي في الهوى)صبرا لا تصرمي حبل مضناك

(أهكذا باطلا)جُرْتِ لا وفـق الـله مسعاكِ

4-يقول الشاعر2:عزوتي يا نظر عيني سلام من فقدتك وانا عيني شقيهْ

ما تهنـت عيوني بالمـنام يـوم زلت لياليـك الهنيه

232 /23 / 232(أو ه) =فاعلاتن فاعلن فاعلاتن

وهو وزن جديد كالرمل وقد نقصت تفعيلته الثانية سببا ومثله بالفصحى:

ما تهنت عيوني بالمنامِ مذ توارى حبيبي في سلامِ

هـ-ثمة ملاحظة أختم بها هذه المقالة وهي أن أيا من تفعيلتي مفاعَلَتن=313 ومتَفاعلن= 331 لم تمر بي من غير عصب للأولى تصير به مفاعلْتن =مفاعيلن=223 أو إضمار للثانية تصير به متْفاعلن=مستفعلن=322.

ما تقدم نشر في جريدة الرياض بالقليل من التصرف وفيما يلي استكمال للموضوع.

اللهجة المصرية:إليك عبارات من الدارجة المصرية مكتوبة كما تلفظ ووزنها:

حَتِجِمْتَ=131، بِتْؤلي=32، رَيِحْ فينْ=23ه، حَجِبْهالَكْ=43

والقارئ مدعو لمقارنة هذه العبارات بما يقابلها في لهجته وسيتبين له أن اللهجة المصرية تتميز بالاختصار معبَّرا عنه بقلة مجموع الأرقام الممثلة للوزن، وتندر فيها السكون بين حرفي مد وهذا مظهر من سلاسة وموسيقية هذه اللهجة.

وانظر إلى دور الأرقام في التعبير عن دقائق اللحن من خلال الطرق التي يمكن أن تؤدّى بها كلمة (عليْ) في النغم الصعيدي المشهور (سلّم علي)،أ- عا2/لَيْ2=2 2،

ب- علا3/يْ ه =3ه، جـ- عَلَيْ=3، د- عا2/لا2/يْ ه/=22 ه

4. من وعن كتاب الشعر النبطي لمؤلفه أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري

1-جاء في الصفحة64 :"…وإنما ورث عن أجداده الفصحاء شعرا موزونا ارتسم وزنه في ذاكرته وحذا حذوه كما يفعل العرب وفق أسلوب الـمَتْر." وينقل في ص.94عن د.عبد الحميد حمام عن الباقلاني عن ثعلب أنه قال :"إن العرب كانت تعلم أولادها قول الشعر بوضعِ غيرِ معقولٍ يوضع على بعض أوزان الشعر كأنه على وزن قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل. ويسمون ذلك المتير واشتقاقه من المَـتْر، وهو الجذب والقطع."

والذي استرعى انتباهي استعمال كلمة مَـتْر لوزن أو قياس الشعر كلفظ اصطلاحي ذي أصل لغوي لابد أن له علاقة بالقياس من جهة وبالجذب والقطع من جهة أخرى، وتصور معي بائع القماش كيف يتتالى عمله من قياس أولا فجذب ثانيا فقطع ثالثا إذن فالمتْر في لغتنا قياس مادي وشعري والعجيب أنه كذلك في اللغة الإنجليزية ولدى رجوعي إلى معاجم هذه اللغة1 وجدت أن كلمة ( ( Meter المستعملة في لغتهم بالمعنى المعروف من أصل يوناني وهو (Metron) مترٌ وبالتنوين ومن معانيها لديهم (Poetic measure) أي مقياس شعري. فهل هذا مجرد صدفة.؟

2-ورد في ص.21 :"أما الشعر العامي فما كان يقتضي برهنة لأننا في قريتنا لا نعرف أوزانا ولا بحورا، وإنما هي ألحان نتمثلها ونهينم بها هكذا مثلا:هها هم، أوههم هاها وبعضهم يتخذ الملالاة بدل الهينمة هكذا يلا لي للا لي ."وواضح أن هذه المقاطع التي هدتهم إليها الفطرة العربية هي نفس ما بدأ به الخليل نعم لا.

هها=يلا=للا=نعم=3 ،ها=هم=لي=لا=2 فالهينمة والملالاة رديفتان للتنعيم.

3-وردفي ص.69 :"وقد يكون للقصيدة ذات الوزن الواحد عدة ألحان غنائية، ولكن ليس كل لفظ يستقيم به اللحن، بل يصلح للحن من ذلك الوزن ما لا يصلح للحن الآخر من نفس ذلك الوزن.وخذْ مثال ذلك قول ابن لعبون:

سقى صوب الحيا مزن تهامى على قبر بتـلعات الحجاز

يعط بها البختري والخـزامى وترتع فيه طفلات الجوازي

وقوله: الا يا بارق يوضي جـناحه شمال وابـعد الخـلان عني

على دار بشرقي الـبراحـة بـقفر مـا بها كود الهبني

قال أبو عبد الرحمن:فوزن هاتين القصيدتين واحد على بحر الهزج التام مفاعيلن مفاعيلن فعولن.والقصيدة الأولى تغنى على لحن القصيدة الثانية ولكن القصيدة الثانية لا تغنى على لحن القصيدة الأولى إلا بتكلف وتصرف في نطق الألفاظ.

قال أبو عبد الرحمن :وهذه ظاهرة قد يحيط بها ذو التخصص الموسيقي، أما أنا فلا أستطيع تعليلها بعلم يقيني أثق به، وإنما على سبيل الظن أقول : هناك ظاهرتان لعل لهما أثرا في اتحاد القصيدتين في الوزن واختلافهما في اللحن

الظاهرة الأولى :اختلاف تجزئة التقطيع كما فلحن قصيدة "سقا صوب الحيا"الخاص بها هكذا: سقا/صوب الحيا مزن تهامى

مفا/عيلن مفا عيلن فعولن

ولحن القصيدة المشترك هكذا:

ألا يا بارق يوضي جناحه

مفاعيلن مفا عيلن فعولن

والظاهرة الثانية :أنه يتفق الوزن العروضي مع اختلاف الوزن الصرفي فكلمة (تهامى) وزنها الصرفي (تفاعلْ)وكلمة (جناحه)وزنها الصرفي (فعالهْ)وكلاهما ذو وزن عروضي واحد هو فعولن.فربما أن بعض الألحان تقتضي خصوص وزن صرفي لا عموم وزن عروضي."انتهى كلام أبي عبد الرحمن.

أقول: بغض النظر عن تسمية البحر بالهزج التام أو الوافر المعصوب فإنني لا أرى في الظاهرة الأولى ما يستعصي على التلحين، فأبيات القصائد المغناة حافلة بمثل هذا الاختلاف الذي لم يحل دون سريان اللحن في سائر الأبيات مع اعتبار التنويعالذي ربما اقتضاه اختلاف المعنى لا الاختلاف في تجزئة التقطيع كمًّا.

أما الظاهرة الثانية ، فإنه لم يكن ليوجد فرق في اللحن بين القصيدتين لو أن نص الأولى كان :(سقى صوب الحيا مزن تهامتْ)بدل تهامى رغم وجود الفارق الصرفي بين تهامت في الأولى وجناحه في الثانية.ولم يكن ليوجد هذا الفارق في اللحن لو ان نص الثانية كان

:(ألا يا بارق يوضي كثيرا) بدل جناحه رغم وجود الاختلاف الصرفي بين تهامى-تفاعل في الأولى وكثيرا-فعيلا في الثانية.أما السبب فيما ذكره المؤلف فأراه يرجع إلى الفرق بين المقطع الممدود والمقطع المسكن الذين ورد تفصيلهما في الملحق التاسع عشر عند الحديث عن الفرق بين:

ألا طيري ألا طـيـري وغني يا عصافيري=223223 / 223223

وبين:مشينا مشية الليث عدا والليث غضبان=223223 /223223

وهنا يصدق قول الدكتور محمد توفيق أبو علي1 بالفرق بين (با=2)و(بأْ=2) وهو فارق في لحن العروض (آخر الصدر)في مطلع القصيدتين المتقدمتين دون أن يعني ذلك -كما يراه -ثغرة في عروض الخليل الذي لا ينبغي أن يكلف بالإحاطة بالتلحين والغناء وتأثير وقع كل حرف وتناسق الحروف وتنافرها وتجاور الألفاظ والتقديم والتأخير في بناء الجملة وربما لهجات القبائل وغير ذلك مما يعتبر دليلا على صحة عروض الخليل بانطباقه في سائر الأحوال على كل ما في هذا وسواه من فروق ومتغيرات.وليس دليلا على قصور أو ثغرة.وعودة إلى القصيدتين فالفارق يكمن في عروضيهما وبالأدق في السبب الأخير من كل منهما أي بين مى=2 في تهامى وحهْ =2 في جناحهْ ، فعروض الأولى=تهامى=23=فعولو=فعولن ، وعروض الثانية جناحهْ=23=فعولؤْ=فعولن.فالأولى عروضها ممدود يستطيع المغني أن يمده كثيرا أو قليلا فيقترب طول مى في تهامى من حه في جناحه وبهذا تغنى الأولى بالمد على لحنها وبالقصر على لحن الثانية.ولا سبيل إلى مد (حهْ )من جناحهْ وهي مسكنة لتشابه المد في القصيدة الأولى إلا بالتكلف والتصرف في نطق الألفاظ كما ذكر أبو عبد الرحمن.وعليه فالفرق في اللحن بين هاتين القصيدتين منوط بخصوص مد أو تسكين آخر السبب الخفيف في العروض.

4-ذكر في ص. 144" نوعا من السامر شهر بإتقانه أهل عنيزة وهو قوله:

يا علي صحت بالصوت الرفيع يا مرة لا تذبين القناع

ووزنه: فاعلن فاعلن مستفعلن." = فاعلاتن فعولن فاعلا.وعلى أي حال يبدو مستساغا بالفصحى كما في النظم:(بالتسكين أو إشباع الجر)

يا عليْ صحتُ بالصوت الرفيع قم فقد جادكم غيثُ الربيع

إنّ فـي حصنكم هذا المنيـع مجـدَ قومٍ تزيّـا بالنجـيع.

5. الفصحى والعامية

هذه قضية ذات علاقة بموضوع هذا الباب.يتم تناولها إما انطلاقا من استقطاب يفترض التناقض ويقدم العامية بديلا للفصحى أو على حسابها مجاهرة أو مداورة ، وهذا ما يرفضه كل مؤمن بالكتاب الكريم بل كل عربي مخلص لأمته، وإما انطلاقا من مساحة مشتركة بين الغالبية تجمع مع التمسك بالفصحى الميل الفطري العميق في النفس للموروث الشعبي وخاصة في الشعر والغناء.

إن من الممكن لشخص يجمع بين الأمرين أن يحاول النقل من هذا التراث إلى الفصحى (تفصيحه).فما الذي يمنع تعميم لحن أو شعر شعبي من منطقة معينة على المستوى العربي بنقل كلماته من عامية تلك المنطقة التي قد لا تكون مفهومة في القطر الذي تنتمي إليه تلك المنطقة إلى اللغة الفصحى مع الاحتفاظ باللحن أو الوزن، ثم ليكن بعد ذلك من التنوع والتنافس بين المؤثرات الإقليمية والمحلية في رحاب الفصحى ما يكون، فهو الإثراء والتكامل لا التقوقع والتنابذ.وتحضرني بهذا الصدد أمور لا يتسع المجال لأكثر من ذكرها بغرض تأملها ومنها:

1-ما تم من إحياء لغة مندثرة واستعمالها لا في الآداب فحسب بل وفي العلوم.

2-تفصيل كلمات بلغة ما لتلائم لحناً وموسيقى معدين في لغة أخرى وأدائها بهما.

3-إنتشار المسلسلات المترجمة من لغات أجنبية إلى الفصحى.على امتداد الوطن العربي

4-محدودية انتشار بعض المسلسلات والأفلام العربية العامية لعدم فهم لهجتها

5-تحول بعض الشعراء من العامي إلى الفصيح

6-توفر قدر من الجمال الفني والذوق العربي في كثير من الشعر العامي وقربه للمشاعر حتى دون فهمه إذا ما قيس ببعض أنماط الكلام الفصيح في كل مفردة على حدة ولكن غير المفهوم بالجملة.

7-من الموروث الشعبي ما انحدر إلينا من أجيال معينة بالعامية ولكنه فصيح الأصل فلماذا نقتصر في تأصيله على مرحلة دون ما سبقها وهو خير منها.

8-أليس المتنبي وأبو تمام والشعر الجاهلي تراثا

9-نجاح البرامج التي قدمت الفصحى محكية للأطفال ونطقهم بها بسهولة

10-سمعت من يطالب بترجمة الشعر الشعبي إلى اللغات الأجنبية ، أفلا تعطى الفصحى نفس الفرصة ليتاح للعربي ذو اللهجة المختلفة ما يتاح للأجنبي وذلك أجدى للشاعر.والمتلقي

11-الجامعات التالية درست الطب: بالعربية1

أ-جامعة القاهرة(فؤاد الأول آنئذ) ما بين 1827م-1887م

ب-الجامعة الأميركية في بيروت (الإنجيلية السورية آنئذ) حتى عام 1884م

جـ_جامعة دمشق (المعهد الطبي العربي –1918م) لا زالت تدرس الطب بالعربية

وفيما يلي أمثلة1 تتراوح بين شعر شعبي فصيح تماما وشعبي قريب جدا من الفصيح ويمكن نقله إليه بلمسات بسيطة وغير ذلك تم نقله إلى الفصحى

1. في الحداء، يقول الشاعر :

عـرِّبْ وليدك عرّبه النـار من مقباسها

بنت الردي لا تاخذه لو هو طويلن راسها

34 34 34 34

وبالفصحى : عرّبْ وليدك واهتد النـار من مقباسها

لا تأْخذنْ بنت الردي واترك ضخامة راسها

2. في العرضة ،يقول الشاعر عبد الحمن البواردي:

كان ما تفزع اليمنى ليسراها اعرف ان ما وطا هذيك واطيها

راعي البوق بالنيات يـلقاها من حفر حفرة لازم يقع فيـها

2 3 2 / 3 22/ 3 2 2 =فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن

إن لم تفرج يمين ضيق يسراها من داس تلك اعلمن لا بد واطيها

من باق في نيِّةٍ لا بد يلـقاها وحافـرٌ حفرةً يُلقـى إذن فيها

2 2 3 2/ 3 2 2/ 3 2 2 =34/32/34/4=البسيط

3. في السامري للشاعر عبد الرحمن البواردي:

فزّ قلـبي فـزّ قلـبي يوم شاف الغاوياتِْ

الثـنايا نظـم لـولو بالمبيسم شارعـاتِْ

صاح مصلوب الحنـية والعذارى نايمـاتِْ

يا عليْ ليتكْ تشوفه(تراها) عنقها عنق المهاتِْ

طقت العذرا دفوفه(الدفوفا) ولّعت قلبي وماتِْ

أليس هذا شعرا جميلا ولا ينقصه ليصير فصيحا إلا تسكين رويه واستبدال ما بين القوسين بما قبله،وتسكين كلمتي ليتك وعلي ويسع هذا التسكين ما يجوز للشاعر.

4. يا ريتنا (ليتنا) يا مخيزن ما سكناكِ ولا سقينا رقيق الخصر من ماكِ2

يقول الشاعر بركات الشريف

خاطر بعمرك في لقا كل متعب تحوش الغنـايم والمقادير غالبـةْ

أنا اقول ما خطر يقرب منـية ولا واحدن نجا من الموت صاحبه

ولا تعاب الدوحه إلا من أصلها ولا آفـة الإنسان إلا قـرايـبه

ومفصحا:بعمرك خاطر في لقا كل متعبٍ تحـشْ مغنماً إن المقـادير غالبة

الا فاعلمنْ لا المـوت تدنيه همةٌ ولا واحدٌ نجّى من الموت صاحبَه

وليس يُعـاب المرؤ إلا من اصله وما آفـة الإنـسان إلا أقـاربه

6-وهنا قصيدة لخالد منصور العبيدي2 ويليها غير نظم بالفصحى لنفس المعاني :

روعة قصيدي من روايع فتونك يا اجمل قصيدة شوق قلبي كتبها

أهواك يا عمري وانا في عيونك دمعة شمـوخ ما تـفارق هدبها

حب زرعته في أراضي شجونك بسقيه من نبـع الـوفا في حدبها

حبيبتي والشوق طوق حصونك بجيوش عشق ما شكت لك تعبها

حبيبـتي في لـيل كنه عيونك دقـات قلـبي للملاقي حسبها

من نظرتك كن العذاب بجفونك تاري تواقد لا تـزيدي حطبها

مفصحا على البسيط

يا ربة الحسن قد أنطقت أشعاري لحنا تلاعب من قلبي بأوتار

أهواك عـمراً سقـاه في منابته دمعٌ شموخ به زينت أشفاري

طوقت حصنك بالأشواق مردفةً بالعشق وافى بجيش منه جرار

في ليلة كسواد العـين منك بها دقات قلبي كما أنات قيثار

أوَّاه من نظرة لم تبق من رمقي إلا كباقي هشيم شُب بالنار

الكامل: بـروائعٍ مـن لحـظك الفتان القلب أبدع أروع التبيـان

بك قد فتنت ,أنت سر مدامعي معنى الإباء بدمعي الهتّـان

أودعت حبيَ في رياض شجوننا أسقيه من نبع الوفا الريـان

بحصان شوق قد أتيتك فاتحـا ما كلَّ فارسه وليـس بِوانِ

إني أرقت دجىً كأسـودِ مقلةٍ دقـات قلبي فـيه للحسبان

يا حبذا نـار العيون لهيبـها يجتاح كـل ذريرة بكيـاني

الطويل:بروعة لحظ منـك كان قصيدي قلادةَ عقْـيانٍ لأجمـل جيد

هنيئا لك السكنى بناظر عاشقٍ يُبكِّي بدمع الوجد والتسهيد1

يروّي به منك المحاسـن كلما مضى وابـلٌ منه همى بجديد

ولو كنتِ في حصن بأقصى جزيرةٍ لما كنتِ من عزم الهوى ببعيد

أقاسي الليالي كالعيون كـحيلةً بها عزف قلبي رائع كنشيدي

إذا نظرتْ فالكون أخدود نارها وما ثَمَّ درْبٌ ليس للأخدود

الرمل:من فتون الحب قد صغت القصيدةْ فأتت مثلك في الحسن فريدةْ

إن عيني لـك ما انفكت ملاذا فاسكنيها بالوفا غير طريدة

في رياض الوجد قد أسكنت حبي وله روَّيت من دمعي مزيده

إن تـعالى معقـل دون حبيبي فمجانيق الهوى عندي شديدة

الليـالي حـلكةً عـين حبيبي وفؤادي نـبضه صار نشيده

ويح قلبي مـن عـيونٍ فاتناتِ لم تزل نـيرانها فيه وقيـدة

الخفيف:

اللـمى والخـدود والأحـداق ودموع تهـمي بها الأشواق

والهوى غـرْسه بـقلبي شجونٌ فَلِـقاءٌ يهتـاجها وفـراق

إن همو حاصروك في ألف طوقٍ ليس تحوي غـراميَ الأطواق

كم ليالٍ شرقت فيها بدمعي ورفيقي في خبـطه الخفـاق

شبَّ مـن نظرة بعين مـهاةٍ في هشيمٍ من جسميَ الإحراق

7-وهذه قصيدة 1بعنوان صمت مذبوح مفصحة بالتزام الألفاظ والرّويّين والوزنُ جديد

8-وهذا شعر بالعامية اللبنانية2 تحت عنوان أبلما

آمل أن أكون قد أثرت الاهتمام بعلم العروض لدى الشعراء الشعبيين وشجعتهم على بذل الجهد للارتقاء بشعرهم إلى الفصحى، وهذه نقلة كما بينت بالأمثلة غير عسيرة لمن أوتي الموهبة منهم وهو خير لهم وأبقى وأوسع انتشارا. وآمل أن أكون قد مثلت لصلاحية الفصحى لتلك الأغراض التي قد يقال أنها لالتصاقها بالحياة اليومية ومفرداتها تستعصي على الفصحى كموضوع القصيدة الأخيرة التي لا أظن أن العامية عبرت عنه أفضل من تعبير الفصحى.

العودة للفهرس

[1] الشعر النبطي تاليف طلال السعيدص.47

2 خزامى الصحارى، جريدة الرياض،1/4/1418

3 ديوانه على طرريق الحب ص.135

4 الشعر النبطي ص. 49

5 ديوانه صدى الأشواق ص112

6 مدارات شعبيه، جريدة الجزيرة، 14/4/1418

8 شاعرات من الإماراتجمع وتحقيق حمد أبو شهاب

9 عكاظ الشعبي23/4/1418

10 مدارات شعبيه

11 خزامى الصحارى

12 ( حلحول بين الماضي والحاضر ) تأليف محمد محيسن أبو ريان ص.17

1 ديوان الليل والحرمان لخالد الفهيد

2 قطرات من الشعر الشعبي ،عبد الله عبار العنزي

1 في كتابه (في عروض الشعر العربي)

2 الليل والحرمان ،خالد الفهيد

1 Websters Ninth New Collegiate Dictionery and The American College Dictionery

1 في كتابه علم العروض ص.26

1 من مقال لسمر أزمشلي بجريدة الحياة العدد 12978 بتاريخ 15/9/1998

1 معظمها من كتاب الشعر النبطي لطلال السعيد

2 علق بذهني من أيام الطفولة مما سمعته من بعض كبار السن

2 خزامى الصحارى ،جريدة الرياض 7/5/1418

1 وزن العجز=23/43/23/22 بينما سواه من الأبيات32/23/43/13/23 فإن كان الوزن صحيحا تكون المعادلة التالية صحيحة، 3 (22) 2 =3 (31) 2 وهذا وزن آخر تفعيلتين ويتبع ذلك جواز استبدال تفعيلة خببية بأخرى.

1 لعاشقة الصمت ، خزامى الصحارى بتاريخ 5/5/1418

2 جريدة الحياة 30/6/1997

1