تداعيات الخفيف

تداعيات بحر الخفيف

تداعيات – 1

قبل تبلور الرقمي بالصورة التي انتهيت إليها من شمولية النظرة كتبت الكثير مما يصح أن يطلق عليه خواطر أو تداعيات عروضية. هنا أعيد نشر بعضها بعد بعض التعديل، راجيا النظر إليها على أنها مجرد خواطر عروضية. وهي وإن كانت كذلك فقد تحمل فائدة التعبير عن الطلاقة التي يتيحها الرقمي وتسهيل الإحصائيات العروضية. وكثير منها يساعد على بلورة العديد من الأسئلة غير الجزافية التي قد تكون محاولة الإجابة عليها مبعثا لحراك بحثي يفيد العروض

سأبدأ بتداعيات متعددة حول بحر الخفيف مكونة من عدة مشاركات تحت نفس العنوان

قمت بدراسة بضع قصائد من بحر الخفيف وهو من أكثر البحور تدويرا، إن لم أكثرها. وإلى جانب التدوير فيه قمت بتحديد التفعيلة الوسطى في كافة الأشطر هل هي 4 3 أم 33 ( وإن شئت هل هي مستفعلن أم متفعلن) وذلك في القصائد التي مطالعها كالتالي:

1- التدوير وخبن مستفعلن 232322232

2- أو تحول 222إلى 212=32

( تحول 2 3 222 3 2 3 2 إلى 2 3 2 21 3 2 3 2= 23233232)

1-المتنبي(1): أتراها لكثرة العشاق تحسَب الدمع زينةً في المآقي

2-المتنبي(2): إن يكن صبر ذي الرزية فضلا تكن الأفضل الأعزّ الأجلا

3-أبو تمام: ما عهِدْنا كذا بكاء المشوق كيف والدمع آية المعشوق

4-المعري :عللاني فإن بيض الأماني فنيت والظلام ليس بفاني

5-البحتري:صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس

6-شوقي :اختلاف النهار والليل ينسي أذكرا لي الصبا وأيام أنسي

تداعيات - 2

الوتد المفروق

من تعلموا العروض بالأسلوب الرقمي لم تتح لهم فرصة التعرف على الوتد المفروق.

في المشاركة السابقة كتبت ( مستفع لن ) وسر كتابتها بهذا الشكل في العروض التفعيلي راجع إلى ما يعرف في العروض التفعيلي بالوتد المفروق. وهو ما لا يرد في الرقمي، ومن تعلموا العروض بالأسلوب الرقمي لم تتح لهم فرصة التعرف عليه.

في العروض التفعيلي ثمة وتدان:

مجموع=11ه = 1 2 = 3 وهو ما نعرفه في الرقمي بالوتد.

ومفروق (ولنرمز له رقميا) =1ه1 =12 =3 ولم نتعامل معه في الرقمي.

ولا يوجد هذا الوتد المفروق إلا في بحور دائرة (د- المشتبه) ويمثله المحوران (9) و (8)

وهذه فرصة لشرح الوتد المفروق لا في الخفيف فحسب بل بشكل شامل في دائرة ( د – المشتبه ).

لنرجع إلى دائرة المشتبه في ساعة البحور سنجدها تتميز عن سائر الدوائر بشيئين

الأول هو وجود المحور (9)

الثاني أن وزن المحور 8 = 1

وهذه لو أردنا تمثيلها رقميا لكانت هكذا

المظلل بالأحمر وتد مجموع 1 2 = 3 عند مستجير أو مفروق 2 1 عند الخليل

المظلل بالأزرق سبب

المظلل بالأصفر قابل للزحاف لدى الخليل أو مستجير لا يتفقان عليه

التوأم الوتدي 2 1 2 هو الموجود في الواقع الشعري وهو جمع نفي الزحاف في المحورين 9 و 5 كليهما لدى الخليل ومستجير.

( جدول – 1)

على جريي في التداعيات على أنها مذكرات عروضية شخصية أنشرها أسمح لنفسي ببعض الترخص من صرامة الطرح العلمي وأدخل فيها قدرا من الذات والخواطر لا يجوز أن تطرح لو كان البحث علميا خالصا. فليعلم القارئ الكريم ذلك وليسامحني فيه مشكورا.

التركيب 222 سواء في الحشو أو الضرب ( نهاية العجز) مصدر أغلب قضايا العروض العربي.ورأيت في جدولة وترقيم ما أتخيله من تاريخه في العروض فيما يخص الحشو والتعبير عن ذلك بلغة الأرقام مدعاة لربط ما يكتنف هذا التركيب في ذهن القارئ بشكل منطقي .

ما بين هذين القوسين{2} يشير إلى رقم السطر في الجدول رقم-1 أعلاه.

(جدول -2)

ولهذا عمد إلى ضمه إلى أول متحرك بعده في المحور (8) ليجعل منهما معا وتدا أسماه

ما تقدم ومثلت له في بحر الخفيف ينطبق على البحور التالية من دائرة المشتبه، بغض النظر عن تفاصيل حدود التفاعيل وتسمية مقاطع المحاور.

جدول – 3

المنطقة المظللة تمثل منطقة الصراع بين المحورين 9 و 5 على متحرك المحور 8

وواقع الحال في المنطقة المظللة 2 1 2 أن الزحاف أيا من الرقمين 2 لا يقبل الزحاف فهي إذن منطقة وتدية تشمل توأما سياميا وتديا يمينه وتد مفروق ويساره وتد مجموع. يعني:

ما قاله الخليل من أن الجزء الأحمر في 2 1 2 وتد مفروق لا يزاحف صحيح وفاته أن يقول إن الرقم 2 غير الأحمر لليسار لا يزاحف كذلك

وما قاله مستجير من أن الجزء الأحمر في 2 1 2 وتد مجموع لا يزاحف صحيح وفاته أن يقول إن الرقم 2 غير الأحمر لليمين لا يزاحف كذلك

وهذان السطران الأخيران تجسيد لرأي د. مصطفى حركات.

والمنطقة المحاطة بالإطار السميك هي المنطقة ذات الإيقاع الخببي الذي يجب للتخلص منه في البحرين القصيرين (التراقب - وزا) ويستحب فيه في البحرين الطويلين ( التعاقب – جزأ)

ويمثل ما تقدم تناول بدلالة الأرقام والمحاور أهمية الرقمي في تجاوز وهمية حدود التفاعيل، وفي وحدة المعالجة بعيدا عن تعقيدات المصطلحات.

فعلى سبيل المثال يسمى حذف ساكن كل من الأسباب التالية ( تحول 2 إلى 1) كما يلي في مصطلحات العروض التفعيلي

ما الصواب فيهما؟

ماذا يقول الرقمي؟

للحديث بقية بإذن الله

في هذه البحور 2 2 2 3 مشتركة ، ولو أردنا التعبير عنها تفعيليا مع إظهار هذا المشترك لكان التعبيبر كالتالي

الخفيف = 2 3 – 2 2 2 3 – 2 3 2 = فاعلن مستفعيلتن فاعلاتن

المنسرح = 4 3 – 2 2 2 3 – 1 3 = مستفعلن مستفعيلتن فَعِلُنْ

المضارع = 3 – 2 2 2 3 – 2 = فعو – مستفعيلتن – لُنْ

المقتضب = 2 2 2 3 – 1 3 = مستفعيلتن - فَعِلُنْ

تداعيات - 3

3- الرقم 6 = 222 أم 222 لها أن تأتي 11 22 =231 ؟

الأرقام الزوجية في بحور الشعر العربي ثلاثة هي

تم الرمز ل2 الخببية لاحقا بالرقم 2 فليتنبة لذلك القارئ الكريم

بحثنا متعلق بالرقم 6 في حشو بحور دائرة المشتبه، والهدف من الجدول أعلاه هو وضع هذا البحث في إطار شمولية تناول العروض.

ماذا يعني القول بأن السبب الأول في الرقم 6=222 في حشو بحور دائرة المشتبه خببي؟ أنه يعني مجيء 6 = 11 2 2 = 1 3 2

إنه يعني أن وروده سببا ثقيلا=11 في شطري البيت يبقي البيت مستساغ الوزن.

لنأخذ أمثلة على البحور التي يرد هذا الرقم في حشوها:

ماذا لو حولنا السبب الأول 2 من 6 =222 إلى 11 بحيث تصبح 6 =11 2 2 = 231 في كل من الشطرين؟

يبقى البيت مستساغا في ذاته. ولربما نازع وزنه بعض الشيء وزن سائر الأبيات لقربه من خصائص وزن بحور أخرى.

ماذا لو حولنا السبب الأول 2 من 6 =222 إلى 11 بحيث تصبح 6 =11 2 2 = 231 في أحد الشطرين وأبقيناه 2 بحيث تظل 6=222 في الشطر الآخر ؟

هنا يزداد احتمال تصارع اختصاص وزنين في ذات البيت بين الشطر والعجز.

بما يعني أنه إذا قررنا – ولا بد- أن تحول السبب الأول في 6 من 2 إلى 11 يخرج الوزن من البحر فإنه لا يخرجه من الشعر. فالذي يمنعه من ممارسة شخصيته الخببية كاملة بالظهور في وجهها الثاني وهو السبب الثقيل (2)=11 ليس ثقل الوزن بل تنازع الاختصاص.

لنأخذ أمثلة الآن على البحور المتقدمة

أما ما جاء في ملحق الجدول وهو:

6 في 63 تصبح بالتخاب 2211 =231 ، 2112=312

آخر أعجاز سائر البحور غير بحور مجموعة 2

فإن هذا هو الذي استحسن أخي الدكتور عمر خلوف جزئيته في بحر الخفيف:

2 3 2 3 3 2 11 2 = 2 3 2 3 3 2 1 3

كم ستكون فائدة العروض لو قام أخي بما وهبه الله من علم وفطرة سليمة بتقييم ما ورد في التخاب في شموليته لا في مجرد إحدى جزئياته متمثلة في تحريف أبيات عبده بدوي لتصبح:

هـبـط الأرض كالصـبـاح سنـيّـا وككـأسٍ مكلّـلٍ بالحبـبْ (بالحبـبِ)

عـزف الحـبّ والمنـى وحـروفـاً كالعصافير إن تطاردْ تُجـبْ (تجـبِ)

وتـغـنّـى كبـلـبـلٍ وتـهــادى كشعاعٍ معطّرٍ مرتقَـبْ (مرتقَـبِ )

مع اتفاقي المسبق معه ومع أخي سليمان في ((أن نقف في وصف الشعر عند حدود الخليل، وما قبلته الذائقة الممعنة في عربيتها خارج حدود الخليل فيُقيم كموزون لا كشعر))، وأضيف ينبغي في وزن مستساغ الشعر الوقوف عند أو دون حدود ما قرر الخليل.

هو أمل يراودني. وما خاب من أمّل كريما كأخي عمر وبقية الأساتذة الكرام.

هل هناك مزيد من التداعيات حول الموضوع ؟ أجل بإذن الله.

حول تداعيات – 3

يقول الأستاذ سليمان أبو ستة :

ألاحظ أن أخي الأستاذ خشان لا يزال منهمكا في تجاربه الوزنية على بنية العروض العربي ممثلة في محاولة إخضاع أسبابه التي اتخذت شكلها النهائي واستقرت عنده منذ أمد طويل إلى أشكال أخرى جديدة مستخدما لذلك مفهوم التخبيب الذي يعني تحول السبب الخفيف إلى ثقيل ضمن شروط معينة .

ما أريد التأكيد عليه في هذه المداخلة هو أن دور العروضي يكون دوما تاليا لدور الشاعر وليس العكس ، فالخليل لم يكتب أوزان العروض الستة عشر ثم طرحها للشعراء كي يجربوا النظم عليها ( على الرغم مما يقال من أنه وضع بحرين هما المضارع والمقتضب وصنع لهما شواهدهما ) وظل دور الخليل محصورا في تتبع ما جرى استعماله في النظم وإهمال ما أهمله الشعراء كما هو الحال في بحر المتدارك المهمل .

الشاعر عبده بدوي كان في توجهاته للبحث عن أشكال جديدة من الوزن عروضيا يهمه في المقام الأول أن يجرب شيئا لم يعهده الشعراء في نظمهم ، من هنا كانت قصيدته على الضرب الثاني من العروض الأولى منالخفيف التي لم يُر من شواهد عليه إلا شاهد الخليل اليتيم :

ليت شعري هل ثم هل آتينهم ............أم يحولن من دون ذاك الردى

ومن هنا أيضا كان احتفاله بقصيدة نازك الملائكة على ما ظنته وزنا مستحدثا لم يطرقه الشعراء قبلها كقولها :

خضراء براقة مغدقة............كأنها فلقة الفستقة

على الرغم من أن هذا الوزن كان معروفا عند بعض الشعراء الأندلسيين .

ومن ذلك أيضا اهتمامه بنشره في مجلة الشعر التي رأس تحريرها قصيدة للشاعر أحمد مطر قال إنه انساق فيها إلى وزن غير مألوف بجعله صدر البيت من بحر وعجزه من بحر آخر نحو قوله :

أهو الحب أن أرى .........منيّتي في الأماني

كتم الليل همّهُ ............ وهمه أن أعاني

فتلاحظ أنه جمع في البيت ما بين مجزوء الخفيف والمجتث ، وغاب عنه أن شعراء أبوللو كانوا قد حاولوا مثل ذلك في محاولاتهم التجريبية كقول الشاعر الطبيب أحمد زكي أبو شادي :

هاهنا في حِمى الهديرْ ........... ووثبة الموج ثائرا

نطلق الشعر والشعورْ ...........ونجعل الروض شاعرا

وعلى هذا الخلط الذي ابتدعه شعراء أبوللو في محاولاتهم التجريبية يمكن لنا أن ندرج محاولات الاستاذ خشان في تحويره لقصيدة عبده بدوي حيث جاء بشطر من الخفيف مع شطر من وزن غير معروف . وكذلك الأبيات التي جاء بها الدكتور عمر خلوف من خلط الشاعر إبراهيم العريض بين السريع والرجز .

أما تلك الأبيات من الكامل التي تنتهي بتفعيلة مجزولة أو مخبولة فلا يمنع عندي إن جاءت بعض هذه التفاعيل صحيحة أو مضمرة أو موقوصة في قصيدة واحدة من حيث يسمح نظام القافية الجمع بين النوعين المتدارك والمتراكب ، ولا يعني توقف عبده بدوي في قصيدته التي استشهد عمر خلوف عند تفعيلة الضرب الموقوصة وحدها أن ثمة موسيقية خاصة بهذه التفعيلة استوجبت الاقتصار عليها وحدها دون غيرها .

وعلى ذلك آمل أن يخفف أخي خشان من محاولاته التجريبية لتغيير التركيب الجيني لأنوية بعض الأسباب ، فالله وحده يعلم أي أشكال من المخلوقات الوزنية يمكن أن يحدث من وراء ذلك . ونحن نعلم أن الأسباب الثلاثة المتوالية في دائرة المشتبه ( إذا ما تجاوزنا فكرة الوتد المفروق ) تأخذ في البحور الطويلة كالخفيف والمنسرح التتابع 2 ( 2 ) 2 حيث يمكن فقط للسبب الأوسط أن يتخذ أحد شكلي المقاطع القصير والطويل بحرية ، بينما لا يتاح ذلك للبحور القصيرة كالمجتث والمقتضب والمضارع ومجزوء الخفيف التي يلتزم سببها الأوسط بالمقطع القصير وحده

أخي الكريم الأستاذ سليمان أبو سته

مشاركتك في نقاش الموضوع تشريف وإثراء سواء فيما اتفقنا فيه أو اختلفنا. فشكرا لك.

أخي سليمان، هنا نقاط بعضها يتناول ما تفضلت به، وبعضها من شجون ما قاد إليه حديثك القيم.

1- أتفق معك في أن شأن الشعر والعروض كشأن اللغة عامة والنحو، فالشعر واللغة أصلان، والعروض والنحو وصف للظواهر بغرض تسهيل التعليم. وخير منهما إيجاد بيئة لغوية سليمة يتلقى فيها الناشئ الشعر واللغة عامة سماعا فيتقن اللغة استعمالا والشعر (إن كانت لديه الموهبة) إبداعا.

وكما أن اللغة كانت قبل النحو فقد كان الشعر قبل العروض.

2- أرى أن صور الشعر المدونة ينبغي أن تكون محصورة فيما أجمعت عليه الأمة من ما أثبته الخليل، وأن مستساغ الشعر هو (دون ذلك).

3- أقول (دون ذلك)، لأن بعض صور الشعر وزحافاته التي تنص عليها كتب العروض تكاد تخرجه من الشعر للنثر وتخل بموسيقاه، كما يرى ذلك الأستاذ إبراهيم أنيس.

4- في النحو استقرت الأمة على مدرستي البصرة والكوفة، ولكل منهما توجه عام يفسر أغلب ما تراه صحيحا، وما خالفه عدته من الشاذ ولم تقس عليه، وفي العروض فإن كتبه وإن لم تعتبر إلا أقل القليل من الشاذ، فإنها صنفت الزحافات إلى حسن وصالح وقبيح.

تقول سلمك الله :

"ألاحظ أن أخي الأستاذ خشان لا يزال منهمكا في تجاربه الوزنية على بنية العروض العربي ممثلة في محاولة إخضاع أسبابه التي اتخذت شكلها النهائي واستقرت عنده منذ أمد طويل إلى أشكال أخرى جديدة مستخدما لذلك مفهوم التخبيب الذي يعني تحول السبب الخفيف إلى ثقيل ضمن شروط معينة ."

خلف لنا الخليل موروثين مضمونا وصوَرا لذلك المضمون

أما المضمون فهو التفكير الذي لا يليق به وبالخليل إلا الشمولية التي صاغ تفاصيلها في صور البحور والتفاعيل التي أوردها كأسلوب لشرح شامل فكره .

وقد استأثرت هذه الصور الجزئية وهي أسلوب جميل طيلة القرون الماضية بالاهتمام، في حين أن المضمون الفكري الشامل الذي يفترض صدور هذه الصور عنه لم يحظ بالاهتمام اللازم بل لم يفترض أغلب الناس له وجودا أصلا، مع التنويه هنا بإشارات ابن عبد ربه في العقد الفريد له في مقدمة تناوله للعروض، إلا أنه ما لبث أن انصرف عنه قبل أن يوفيه حقه إلى تفاصيل صوره.

والأمر لا يعدو أحد احتمالين: أن يكون افتراضي وجود هذا التصور الفكري الشامل لدى الخليل خطأ أو صواب. وأنا أراه صوابا وكل يوم يزداد اقتناعي بذلك.

وأنا هنا إنما أحاول الوصول إليه وإثباته من خلال تجميع التوصيفات الجزئية للخليل ووضعها في إطار ينتظمها وصولا إلى صورة مثالية تحاول وفق أقل قدر ممكن من القواعد تقديم توصيف شامل لهذه الجزئيات وبمقدار ما تنجح في هذا فإنها تقترب مما أفترضه لدى فكر كفكر الخليل من تصور شامل لا تعدو التفاعيل والبحور والزحافات والعلل أن تكون مجرد صور ومظاهر ووسائل وأساليب لشرحه. وأنا أعتبر نفسي هنا تلميذا للخليل حريصا على هذا الإرث الفكري الأهم والأعظم للخليل.

إن كل من يحاول إثبات نظرية لا بد له من افتراضات يبني عليها نظريته، ولا بد لهذه الافتراضات ونتائجها أن يوضعا موضع التجريب. والتجريب هنا هو للافتراضات وللنظرية وليس للشعر ولا للعروض في صوره وجزئياته التي وصلتنا، فهما أي الشعر وصور العروض وجزئياته المقياس الذي يقرر الصواب والخطأ. على أنني وزيادة على هذا الوضوح في ذهني لذلك، وتوقعا مني لما يمكن أن يحمله الإطار الشمولي من مساحة قد تسمح أثناء التجريب بصور لجزئيات أخرى خارج الصور التي حددها الخليل قد احتطت بجعل هذه النتائج في إطار الموزون لا إطار الشعر. ويُحتمل أن تجد بعض هذه الصور استساغة في الأذن، ومهما وجدت من استساغة فأنا حريص على أن تبقى في إطار الموزون لا الشعر، ولكن لا يعيب هذه النظرة الشمولية أن تكشف عن أنماط جديدة تقبلها الأذن العربية، بل يعتبر ذلك شهادة لصالحها.

أستسمحك في استعارة فقرتك أعلاه مع تعديلها لتصف ما أقوم به على لسان من قد يرى رأيي:

ألاحظ أن أخي خشان لا يزال منهمكا في سياق محاولته اكتشاف ما افترضه صورة كلية للعروض في تجاربه الوزنية على بنية العروض العربي ممثلة في محاولتهاكتشاف ما يفترض وجوده من قوانين كليه تخضع لها إخضاع أسبابه وأوتاده التي اتخذت شكلها النهائي واستقرت عنده منذ أمد طويل ولا يستبعد في ذلك السياق ما قد تقود إليه شمولية نظرته من توصل إلى أشكال أخرى جديدة مستخدما لذلك مفهوم التخبيب التخاب الذي يقوم على أن للشعر العربي إيقاعين بحري وخببي وتداخل الخببي مع البحري يدعى التخاب ويعني فيما يعنيه تحول تكافؤ السببـيــن الخفيف إلى والثـقيل ضمن شروط معينة وحلول أحدهما محل الآخر. وبذلك يقدم فيما يقدم تفسيرا للعلة يقوم على أن الوتد في سياق خببي تحدده تلك الشروط ( وخاصة في نهاية العجز وفي حشو بحور دائرة المشتبه، وبه يفسر مستفعلُ في حشو الخفيف وله في الأخير استطراد وتحفظ يستدعيان توقفا) لا يعود وتدا، وتنتج عن ذلك بعض الأشكال الجديدة من الأوزان التي احتاط لها فنفى عنها صفة الشعر وإن بدت سائغة في السمع وحصرها في وصف ( الموزون ) صونا للشعر من عبث العابثين.

نعم أخي

الفرق بين نص فقرتك الأصلي وما تلاه مما تفضلت به وهذه الصياغة أن النص الأصلي يوصد الباب في وجه الرقمي، وهذه الصياغة تترك الباب مفتوحا لترشيد تجربة الرقمي وقد يشمل الترشيد توسيعا هنا وتضييقا هناك مع المحافظة على كلية التصور، وفي هذا الإطار مجال للتوافق والاختلاف.

إن صياغة أسلوب جديد لتقديم النحو العربي لا تعني الخروج على قواعد اللغة، ونادى وينادي بها كثر، ولكن هذه التجربة في النحو لا تجد من الصدود من النحاة العرب ما تجده تجربة الرقمي في محاولته إيجاد صياغة جديدة للعروض العربي من بعض العروضيين العرب مع انطلاقها من عروض الخليل وتقيدها به. ويحضرني هنا ما قاله لي أستاذي أحمد مستجير من أنه لدى تقديم نهجه الرقمي فإنهم قد " كفّروا سيئات أقاربي " وفي ظني أن لذلك أسبابه الموضوعية. ذلك أن النحاة العرب التمسوا أسبابا منطقية في توصيفهم وتفسيرهم لظواهر النحو في اللغة فبقي العقل العربي متواصلا في كل حالاته مع قدر من التفكير في النحو. ولكن العروض العربي قد قدم جزئياتٍ وصوراً في غاية الجمال بل بشكل عبقري فكر فيه صائغها نيابة عن الناس، فاستلموه هضيما جاهزا. فانصرفت أذهانهم مأخوذة بجمال الصياغة إلى الحفظ والمحافظة على هذه الصور. وعبقرية الصياغة هونت على الناس ما يبذلونه من جهد في استظهار صورها، وما في ذلك من ضير، ولكن ذلك أدى فيما أدى إليه إلى ما وصفه الدكتور الدكتور أحمد عبد المجيد محمد خليفة في مقدمة كتابه (في الموسيقى الشعرية ) بقوله " : ...حتى أننا لا نعرف علما من العلوم العربية والإنسانية، قد اكتظ بغريب المصطلحات وجفافها، كما اكتظ بها عروض الشعر العربي وقافيته، .... كل ذلك دفع الكثيرين إلى الإعراض عن تعلم العروض والتنفير منه وإظهاره في صورة بغيضة وثقيلة، لا تتمشى معه طبيعة الشعر وما فيه من جماليات."

وفي ذلك ضير بلا شك، ولكن الضير الأكبر هو ما لحق هذا العلم من تعطيل التفكير والتركيز على الحفظ فيه فتجمد بالتالي. وحيل بينه وبين محاولة التوصل فيه إلى نظرية شاملة. فكأن الأمر في ذلك كالطعام تستخلص عناصره المفيده وتحقن في الوريد لتريح الجهاز الهضمي الذي يلاقي إن دعت حاجة صاحبه إلى الأكل مشاكل في مزاولة مهمته.

التفكير بطبعه شمولي تجريدي موصل إلى الأجزاء والتفاصيل بأقل قدر من الحفظ والاستظهار، والأشكال والتفاصيل معزولة عن صورتها الفكرية الشمولية تستدعي بذل الجهد في حفظ أجزائها.

كل محاولة لا بد فيها من الصواب والخطأ، والارتقاء يتطلب وقتا، ومن يقارن كتابي العروض رقميا وما وصل إليه الرقمي يجد الفارق، ومن شأن إرشادات وانتقادات من يقتنع أصلا بوجود صورة كلية للعروض - وما أظن أخي سليمان إلا من هؤلاء بدلالة محاولته صياغتها في مجموعاته- أن تكون منارا على الطريق.

لأخي احترامي وشكري فلولا احتفائي بقدره لما استطعت كتابة هذه المشاركة الذي أظنها أفضل ما كتبت من مرافعة عن الرقمي في باب الوزن. على أن للرقمي تطبيقات أخرى تأخذ العروض إلى آفاق جديدة.

ثم مزيد من الحوار حول الموضوع على روابطه في منتدى الشمولية:

http://arood.com/vb/forumdisplay.php?f=102