العروض واللغة

http://www.scribd.com/doc/2576086/formation-of-classical-arabic

http://www.jstor.org/stable/601598?seq=1#page_scan_tab_contents

Journal of American Oriental society 106.2

Prosody and the initial formation of Classical Arabic

FARHAT J. ZIADEH

UNIVERSITY OF WASHINGTON

العروض ودوره في تكون اللغة العربية

استرعى انتباهي ما تضمنته هذه الدراسة من رأي قد تكون له أهمية وتبعات فقررت ترجمتها وإضافة ما يخطر لي من تعليق حولها .

سألون تعليقي بالأزرق.

يقصد بالعربية في هذا المقال اللغة العربية الفصحى الكلاسيكية كما عرفت في العصر الجاهلي.

كما يستعمل الكاتب Arabia لتعني الامتداد العربي من الشام لليمن مرورا بالجزيرة العربية وقد اخترت لذلك ترجمة الإقليم العربي.وحقه أن يترجم بـ(العربية ) على غرار تركيا ألمانيا فرنسا، ولكن إبلاغ المفهوم المقصود بذلك سيلتبس نتيجة الواقع وقصد اللغة .

ص- 333

لعب العروض العربي دورا كبيرا في تشكيل العربية ، وإجمالا فإن العلماء يتفقون على أن الفصحى كانت لغة تعم القبائلsuper-tribal ويستعملها شعراء الجاهلية. ولم تكن اللغة الدارجة لقبيلة أو مجموعة من القبائل

إن هذا القول ركيزة للموضوع، ولا أرى تلازما بين القول إن العربية كانت تعم القبائل كلغة شعرية كما يفيد السياق ولم تكن اللغة الدارجة لقبيلة أو مجموعة قبائل.

وهكذا فلم تكن العربية لغة طبيعية بل كانت لغة ( مهذبة – مصنّعة – مولّفة – cultivated ) تكونت لتلائم الغرض الذي وضعت لأجله وهو الشعر بمشاكله العروضية لا سيما الوزن. وكذلك لخدمة السجع.

هكذا يقرر الكاتب أن الشعر حصرا لا سواه هو سبب وجود اللغة العربية ، فكل قبيلة أو مجموعة قبائل كانت تتفاهم بلهجتها الخاصة. ولولا الشعر ما كانت هذه الفصحى لتكون أصلا

وثمة دليل على أن الوزن والقافية كانا فاعلين في صياغة البناء الصرفي للغة من خلال حملهما الشعراء على ابتكار صيغ كلامية جديدة وتعديل صيغ أخرى وبشكل عام تكوين ملامح اللغة لتخدم الوزن وأحيانا القافية. والدليل على ذلك هو نتائج عملية التنميط ( القولبة ) كما عرفناها في الشعر الجاهلي والقرآن [ الكريم ] والأعمال الأدبية الأخرى.

يرى العلماء المسلمون التقليديون أن اللغة العربية الفصحى ( الكلاسيكية) لغة قريش وبها نزل القرآن [ الكريم ]. ولكن وجهة النظر هذه مثار تساؤل من قبل اللغويين العرب المحدثين الذين يرون أن العربية قد تطورت وصارت ذات هوية مستقلة عن اللغة المحكية لدى قريش أو تميم أو أية قبيلة أخرى. ( ويشير الكاتب في الهامش إلى مقالة للسيد الدويك باسم اللغة العربية المشتركة – الشرق الأوسط – 14-8- 1983) .

إن الجزم بأن العربية لم تكن لغة لأية قبيلة ولا حتى قريش أمر في غاية الخطورة، ولا يقوم رأي كاتب كائنا من كان دليلا كافيا على صحة ذلك في وجه تواتر أن العربية كما نعرفها كانت لغة قريش على الأقل.

أشار العلماء إلى أن الشعراء في سعيهم لإيجاد الكم المناسب لموقع وزني معين أو قافية معينة استدعوا لهجات القبائل المختلفة لترفدهم بما يناسب الوزن والأمثلة على ذلك كثيرة منها demonstrative pronouns ، أسماء الأفعال وجموع التكسير.

واستعارة الألفاظ من من اللهجات ربما تساعد في تفسير الرصيد الثري من المترادفات المستعملة في الشعر العربي للأشياء والمفاهيم والأفعال.

تمضي هذه الورقة إلى أبعد من مجرد الاقتباس مما كتب هؤلاء لتقدم الدليل على أن الوزن والقافية كانا فاعلين في صياغة البناء الصرفي للغة من خلال حملهما الشعراء على ابتكار صيغ كلامية جديدة وتعديل صيغ أخرى وبشكل عام تكوين ملامح اللغة لتخدم الوزن وأحيانا القافية.

ليس الأمر في هذا مقصورا على العربية فهو يمتد إلى اليوناينة. يقول M Parry في مقدمة ( لغة هومر في الشعر ) بإن الشاعر في صياغته لشعره قد يستعيد عناصر أسلوبية من زمن سحيق أو يعدل أسلوبه التقليدي لينتج عنصرا جديدا أو يتبنى مفردة أو استعمالا لسواه لانعدتم وجود بديل له في كلاكه. بل قد يلجأ تحت ضغط الوزن إذا توليد صيغ لم يسبق لها وجود لإقامة وزن البيت.

يقول H. A. R. Gibb في حديثه عن فجائية الشعر الجاهلي :" لقد أتى حين على الجزيرة العربية كانت فيه خواء. ثم تلت ذلكبرهة فإذا هي حافلة بالشعراء في شمالها ينشدون قصائد رائعة تضج بالحيوية والخيال بلغة في منتهى الرقي والثراء. ولا يصح هذا إلا إذا عرفنا البرهة بأنها مدة من التاريخ كافية لتطوير ( لغة راقية) تستجيب بدقة لمتطلبات الوزن والقافية. يقول Charles James Lyall .في مقدمة الشعر العربي القديم :

ص- 334

من العسير تحديد بداية الشعر عند العرب بأي درجة من الدقة. ويعود أول شعر وصلنا إلى المائة والثلاثين عاما التي سبقت الهجرة0 وهؤلاء الذين تروى أشعارهم ليسوا من بدأوا الشعر، بل من يعتمدون مرجعية لقوانين القصيدة .

وما لدينا من أشعار من نتاج هؤلاء الشعراء البارزين من قصائد لا يمكننا إلا اعتباره حصيلة تعلم ومراس طويلين في الشعر. إن القدر الكبير من تعقيد المقاييس للقافية والكمّ الوزني واتخاذ نهج محدد لمواضيع أشعارهم بغض النظر عن المدى الذي يفصل الشاعر عن الآخر، كلها تشير إلى دراسة طويلة ( study and cultivation ) لفن القول وإمكانات اللغة، دراسة لم يصلنا من تسجيلها شيء.

وندفع في هذه الورقة بأنه في خلال هذه الفترة الطويلة التي شملت تعهد فن التعبير وقدرة اللغة على التعامل معه، فإن بعض ملامح اللغة قد تم تحويرها أو تعديلها أو حتى اختراعها لاستيعاب الوزن والقافية . وكانت محصلة ذلك العربية العربية التي حملت النص القرآني مع بعض التعديلات التي اشتقت على ما يبدو من لهجة قريش والتي درجت منذئذ كلغة أدبية.

ومن هنا يطرح سؤال محق، هل ترانا نضع العربة قبل الحصان بقولنا إن الوزن صاغ اللغة في حين أن من الطبيعي أن تصوغ اللغة الوزن حيث أن اللغة سابقة للوزن.

قد يصح هذا القول على اللغات الطبيعية ولكن العربية كما تقدمت الإشارة تم تطويرها كلغة صناعية – مصنّعة ( artificial ) عابرة للقبائل بهدف صياغة الشعر ليكون مفهوما في الإقليم العربي من سوريا شمالا إلى اليمن جنوبا ولهذا كان عليها أن تستجيب لمتطلباته. على أن قاعدة اللغة لا بد أنها كانت لهجة أو لهجات في شمال الإقليم العربي حيث برع الشعراء الأوائل.

تحسن مقارنة النص السابق بالنص الذي تقدم في أول الصفحة 333 وكلاهما تحته خط. ونص تلك الفقرة يقرر أن العربية :" لم تكن اللغة الدارجة لقبيلة أو مجموعة من القبائل . ليست العبارتان سواء وبينهما شبه تناقض.

كما يحسن أن نقارن العبارة ذاتها بما يلي مما أورده د. عبد الرحمن الفقيه:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=109117&postcount=2

"الذي جاء في صحيح البخاري(3364) قال ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم

فهذا يدل على أن إسماعيل عليه السلام تعلم العربية من جرهم

قال الحافظ ابن حجر في الفتح(6/403)

قوله (وتعلم العربية منهم) فيه اشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا

وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية

وقد وقع ذلك من حديث بن عباس عند الحاكم في المستدرك بلفظ أول من نطق بالعربية إسماعيل وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل

وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها

ويشهد لهذا ما حكاه بن هشام عن الشرقي بن قطامي أن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم فاسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم وقال بن دريد في كتاب الوشاح أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ثم إسماعيل قلت وهذا لا يوافق من قال إن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية) انتهى.

وقال العيني في عمدة القاري(15/258)

قلت ليس فيه تضعيف ذلك لأن المعنى أول من تكلم بالعربية من أولاد إبراهيم إسماعيل عليهما الصلاة والسلام لأن إبراهيم وأهله كلهم لم يكونوا يتكلمون بالعربية فالأولية أمر نسبي فبالنسبة إليهم هو أول من تكلم بالعربية لا بالنسبة إلى جرهم .

بين عبارة الكاتب وما أورده د. عبد الرحمن الفقيه شبه اتفاق

بنبغي للدليل المقدم بحكم طبيعة الأشياء أن يأخذ الظروف بعين الاعتبار فهو يأتي ضمن نتائج عملية تشكل اللغة كما عرفناها في الشعر الجاهلي والقرآن والأعمال الأدبية. يمكن تبيّن عملية تنميط اللغة في هذه المواطن في محاولة من اللغة للاستجابة لمتطلبات الوزن والقافية والسجع.

هنا نقطة ينبغي أن لا تفوتنا إذ لا يتوقف في رأيه حول قيام الشعر بدور في تكوين اللغة وتنميطها، ولكنه يشمل القرآن الكريم في القيام بهذا الدور، وكأن القرآن الكريم لم ينزل بلغة مكتملة – بغض النظر عن اختلاف كيفية اكتمالها - بل أنه لعب دورا في تشكيل البنية الأساسية للغة العربية . وفي هذا ما فيه من خطورة . والمعروف أن الشعر الجاهلي يعتبر مرجعا لتفسير القرآن الكريم الذي أنزل " بلسان عربي مبين "

ومن الضروري أن نحذر مما قد يثيره قولنا في بداية هذه الورقة من أن لدينا شكا بأن العروض العربي أسهم في تكوين- تشكيل formation العربية، ولكن التشكيك أحيانا يضخم الخوف من أن نتوهم الدليل حيث لا دليل، وإذا قارفنا ذلك فأملنا أن يقومنا القرّاء.

محذور توهم الدليل حيث لا دليل أشد ما يكون ضررا عندما يأتي في نتيجة افتراض رؤيا مسبقة واختيار زاوية النظر للمعطيات بحيث تبدو داعمة لتلك الرؤية. هذا الافتراض الذي بقدر ما يمكن أن يوهم بالدليل حيث لا دليل فإنه قد يخفي الدليل عندما يكون مخالفا لتلك الرؤية بل قد يلونه باللون المناسب لاتخاذه دليلا معاكسا لمدلوله الموضوعي لصالح دعم الرؤية المسبقة.

أول دليل ساطع الوضوح هو الظاهرة اللغوية التي صاغهاالنحاة قانونا باسم ( التقاء الساكنين ). من المعلوم أن اللهجات العربية العامية الحديثة تتعامل مع تجمعات السواكن ( التقاء الساكنين ) وفي ظل غياب دليل نفي فإن لنا أن نفترض أن اللهجات القديمة تعاملت مع التقاء السواكن بنفس الطريقة

هل هذا نهج علمي ؟ يصلح ركيزة لبناء استنتاج عليه.

ألا يتبع ذلك أن تلك اللهجات القديمة – في ظل غياب دليل نفي – كانت كذلك تشبه اللهجات الحديثة في التحرر من الإعراب واختلاف مخارج الحروف وغير ذلك، بل ربما جازلنا أن نعتبر أن اللهجات العامية الحديثة نسخة طبق الأصل عن اللهجات القديمة. وهذا طبعا لو افترضنا – جدلا – صحة مقولة أن العربية لغة مصطنعة ناتجة عن تركيب الشعر لمزيج من تلك اللهجات القديمة، مضى به صعدا في سلم الارتقاء ليكون الفصحى التي عادت للهبوط تارة أخرى لتشبه أصلها لأو أصولها من تلك اللهجات.

بل إن لمن يأخذ برأي الكاتب أن يصف لنا وصفة للارتقاء بالعاميات العربية وتوحيدها والعودة بها بتكرار العملية الأولى باستبعاد الفصحى واستبعاد تعليمها وإطلاق العنان للهجات العامية لكي تعيد مسارها الأول منتجة لغة فصحى. وكل ما علينا في هذه الحال هو أن نشترط جعل الشعر العامي في كل بقعة عربية مفهوما لدى أهل البقاع الأخرى.

بل لماذا تصح مقول الكاتب ولا تصح المقولة التالية الموازية لها :

" إن أغلب اللهجات العامية العربية لا تسمح بالتقاء الساكنين وفي ظل غياب دليل نفي فإن لنا أن نفترض أن اللهجات القديمة تعاملت مع التقاء السواكن بنفس الطريقة التي لا تسمح بالتقاء الساكنين."

ويحضرني في هذا المقام ما أذكره من مباراة في كرة السلة كان فيها أحد الفريقين من مصر ولا زالت ترن في أذني طريقة نطق 20 twenty ( تِونْ 3 ) بكسر التاء كما لا زلت أذكر طريقة لفظ صديق من العراق من أيام الدراسة لكلمة street ( سِتْ 2 ) بكسر السين. ناهيك عن الأغلبية العظمي من لهجات جزيرة العرب وهي مهد الفصحى يندر فيها التقاء الساكنين. والتمييز هنا قائم بين الساكنين ( السّبْتْ ) والمد الذي يعقبه سكون مثل ( بابْ )

فلماذا تكون مقولته مقدمة على هذه المقولة ؟ وإذا كانت كل منهما لا تقيم دليلا من ذاتها على صحتها فما الذي يصرف الحجة عن إحداهما المستندة إلى أغلبية اللهجات ويقيمها للأخرى المستندة إلى أقليتها ؟

يقول تعالى في إثبات وحدانيته وخلقه الكون :" أخلقوا من غير شيء أم هم الخالقون "

فهو سبحانه عندما يستبعد أدلة النفي يعرضها أولا ثم يقيم العقل حكَما عليها.

وهذا هو المنهج الحق الذي لو لجأ له الكاتب لكانت حجته دامغة في حال تهافت أدلة النفي التي قد يوردها.

هل هذا نهج علمي ؟ يصلح ركيزة لبناء استنتاج عليه.

ألا يتبع ذلك أن تلك اللهجات القديمة – في ظل غياب دليل نفي – كانت كذلك تشبه اللهجات الحديثة في التحرر من الإعراب واختلاف مخارج الحروف وغير ذلك، بل ربما جازلنا أن نعتبر أن اللهجات العامية الحديثة نسخة طبق الأصل عن اللهجات القديمة. وهذا طبعا لو افترضنا – جدلا – صحة مقولة أن العربية لغة مصطنعة ناتجة عن تركيب الشعر لمزيج من تلك اللهجات القديمة، مضى به صعدا في سلم الارتقاء ليكون الفصحى التي عادت للهبوط تارة أخرى لتشبه أصلها لأو أصولها من تلك اللهجات.

بل إن لمن يأخذ برأي الكاتب أن يصف لنا وصفة للارتقاء بالعاميات العربية وتوحيدها والعودة بها بتكرار العملية الأولى باستبعاد الفصحى واستبعاد تعليمها وإطلاق العنان للهجات العامية لكي تعيد مسارها الأول منتجة لغة فصحى. وكل ما علينا في هذه الحال هو أن نشترط جعل الشعر العامي في كل بقعة عربية مفهوما لدى أهل البقاع الأخرى.

بل لماذا تصح مقول الكاتب ولا تصح المقولة التالية الموازية لها :

" إن أغلب اللهجات العامية العربية لا تسمح بالتقاء الساكنين وفي ظل غياب دليل نفي فإن لنا أن نفترض أن اللهجات القديمة تعاملت مع التقاء السواكن بنفس الطريقة التي لا تسمح بالتقاء الساكنين."

ويحضرني في هذا المقام ما أذكره من مباراة في كرة السلة كان فيها أحد الفريقين من مصر ولا زالت ترن في أذني طريقة نطق 29 twenty nine ( تِونْ 3 ) بكسر التاء كما لا زلت أذكر طريقة لفظ صديق من العراق من أيام الدراسة لكلمة street ( سِتْ 2 ) بكسر السين. ناهيك عن الأغلبية العظمي من لهجات جزيرة العرب وهي مهد الفصحى يندر فيها التقاء الساكنين. والتمييز هنا قائم بين الساكنين ( السّبْتْ ) والمد الذي يعقبه سكون مثل ( بابْ )

فلماذا تكون مقولته مقدمة على هذه المقولة ؟ وإذا كانت كل منهما لا تقيم دليلا من ذاتها على صحتها فما الذي يصرف الحجة عن إحداهما المستندة إلى أغلبية اللهجات ويقيمها للأخرى المستندة إلى أقليتها ؟

يقول تعالى في إثبات وحدانيته وخلقه الكون :" أخلقوا من غير شيء أم هم الخالقون "

فهو سبحانه عندما يستبعد أدلة النفي يعرضها أولا ثم يقيم العقل حكما عليها.

وهذا هو المنهج الحق الذي لو لجأ له الكاتب لكانت حجته دامغة في حال تهافت أدلة النفي التي قد يوردها.

[طالما أن أصول العربية تسمح بالتقاء الساكنين] فلم تنكرت العربية لذلك ؟ ربما كان الجواب كامنا في وزن الشعر العربي المكون من سلسلة من المقاطع :

ليس هذا بصحيح فليس في الشعر العربي الفصيح كله كلمة ( رادِدٌ ) بدل (رادّ ٌ) أو (ما رِرُن) بدل ( مارٌّ ). في الشعر العربي بيت أو بيتان يترددان كشواهد على التقاء الساكنين. والبيت المشهور في ذلك ووردت فيه كلمة (التقاصّ) :

ورمنا قصاصاً وكان التقاصْـ ...(م).....ـصُ حقاً وحتماً على المسلمينا

3 2 3 2 3 2 3 ه .....3 2 3 2 3 2 3 2

http://thopaiti.8m.net/b-3.htm

وعلق ابن رشيق علي هذه الصورة فقال : "وليس في جميع الأوزان ساكنان في حشو بيت إلا فى عروض المتقارب ؛ فإن الجوهري أنشده وأنشد المبرد قبله … البيت السابق . قال الجوهري : كأنه نوى الوقوف على الجزء وإلا فالجمع بين ساكنين لم يسمع به في حشو بيت".

والدكتور المجذوب يعد هذه الحالة من غرائب المتقارب يقول : "ومن غرائبه أيضاً أنه قد تجيئ في وسط بيته كلمات من نوع "تحاب" ، "تضاد" ، "شواذ" وهذه لا يكاد يقبلها شئ من الشعر فى وسط البيت اللهم إلا فى جزء القافية مثال ذلك :

رمينا قصاصاً وكان التقاص حقاً وحتماً على المسلمينا

وهذه رواية أخرى للبيت السابق لكنها لم تغير فى تقطيعه . ثم يخطأ المجذوب هذه الرواية ويجعل العروضيين سبباً في ذلك ليستشهدوا بها علي هذه الحالة . يقول : "وأحسب أن رواية البيت الصحيحة "وكان القصاص" فغير العروضيون فيه ليستشهدوا به وهذا أمر لا يكاد أصحاب الشواهد يتورعون من مثله".

من المؤكد أن اللغويين عرفوا أن أكثر المقاطع شيوعا في اللغة هما المقطعان 1 و2 وعليه يمكن القول إن الشعراء قد حافظوا على تلك الخاصية الأصيلة في اللغة أو أنهم خضعوا لها (harked back )

أذكر مقولة للأستاذ محمد قطب مضمونها أن التوصل لنتائج علمية يتطلب أمرين

الأول : معطيات علمية

والثاني : الربط بينها بطريقة علمية

وأغلب الضلال وأخطره ما يأتي من الربط غير العلمي بين الحقائق العلمية أو التي تبدو علمية لأنه يضفي على الضلال ثوبا علميا غير حقيقي. في حين أن المغالطات في ذات الحقائق العلمية أسهل انكشافا.

اللغويون عرفوا مقاطع الشعر هذه حقيقة ... كيف يترتب على معرفة اللغويين هذه موقف يتخذه الشعراء ؟ ثم هذه الخاصية الأصلية التي أخذ بها الشعراء ما علاقتها بالتقاء الساكنين، وإذا كانت سيادة المقطعين القصير 1 والطويل 2 هي المقصودة في سيادتها على ما يتصوره الكاتب أصولا للغة فكيف ينسجم هذا مع القول إن أصول اللغة كانت تسمح بالتقاء الساكنين. أم ترى أن الكاتب يعني شيئا آخر غير سيادة المقطعين 1 و 2 ؟

وأما الصنف الثاني من الأدلة فهو جموع التكسير وصيغها الجمّة وللمرء أن يتساءل لماذا تكثير جموع الأسماء الجامدة. تقدم القول بأن الشاعر العربي لجأ إلى اللهجات القبلية المختلفة ليتزود منها بصيغ جمع التكسيرالتي تناسب الوزن والقافية، وقد يلجأ الشاعر إلى استخدام صيغة جمع تكسير ما أو حتى لتعديل صيغة ما، بإضافة تاء التأنيث أو إشباع حركة لتناسب الوزن . ولاختبار الافتراض الأول سألت عددا من زملائي دارسي العربية ( المستعربين – Arabists ) عن معنى كلمة أشهر، فأجمعوا على أنها جمع شهر وأردفوا أنها لم تستعمل في العربية [ شعر العربية كما يفهم من السياق]. ولكن لو أن شاعرا استعملها وتبعه آخرون لكانت أصبحت جمعا قياسيا شأنها شأن سواها من الجموع الشائعة.

لا تتضح لي علاقة افتراض عدم استعمال ( أشهر ) في شعر العربية بسياق الموضوع.

رجعت للموسوعة الشعرية لإحصاء أشهُر وشهور، فوجدت الواقع يناقض ما ذهب إليه الكاتب ومستشاروه، ووجدت كلمة أشهر جمع شهر شائعة على قدم المساواة مع كلمة شهور، وكانت النتائج كالتالي :

ومن تلك الأبيات :

ولدى إحصاء أشهُر وشهور في الموسوعة في كل العصور كان ورود كل منهما نحو 120 مرة.

مهما تكن العلاقة بين رأي الشاعر في ( أشهُر ) وموضوعه فإن تناقض رؤيته مع الواقع في هذه الجزئية ليس في صالح موقفه ككل.

قيس بن الحدّادّية ( جاهلي) :

وَحَسبُكَ مِن نَأيٍ ثَلاثَةُ أَشهُرٍ وَمِن حَزَنٍ أَن زادَ شَوقَكَ رابِعُ

مالك الهذلي ( جاهلي ) :

أَمالِ بنَ عَوفٍ إِنَّما الغَزوُ بَينَنا ثَلاثَ لَيالٍ غَيرُ مَغزاةِ أشهُرِ

الأعشى ( مخضرم ) :

فَكَأَنَّها لَم تَلقَ سِتَّةَ أَشهُرٍ ضُرّاً إِذا وَضَعَت إِلَيكَ جِلالَها

المخبل السعدي : ( مخضرم ):

فَرَعى بِصُوَّتِهِ ثَلاثَةَ أَشهُرٍ وَاِهراقَ ماءُ البَقلِ في الأَسآرِ

لبيد بن ربيعة العامري :

هَلِ النَفسُ إِلّا مُتعَةٌ مُستَعارَةٌ تُعارُ فَتَأتي رَبَّها فَرطَ أَشهُرِ

المرار بن المنقذ ( إسلامي ) :

هَلِ النَفسُ إِلّا مُتعَةٌ مُستَعارَةٌ تُعارُ فَتَأتي رَبَّها فَرطَ أَشهُرِ

الأخطل ( أموي ) :

وَأَطعَمَ أَشهُرَ الشَهباءِ حَتّى تَضَرَّجَ عَن مَنابِتِهِ الحَسارُ

جرير ( أموي ) :

أَجهَضنَ مُعجَلَةً لِسِتَّةِ أَشهُرٍ مِثلَ الفِراخِ جُلودُهُنَّ تَمَوَّرُ.

وكمثال حقيقي على هذه العملية فإن للمرء أن ينظر إلى (عجاف )في الآية القرآنية جمع عجفاء لتناسب سمان

ص- 335

الآية [ الكريمة – يوسف ] 43 :" وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ " حيث عجاف توازي – تناسب سمان، ويقول المفسر البيداوي " المعتاد أن تجمع عجاف على عجف ولكن لأن ثمة ( نقيضا بلاغيا - rhetorical antithesis ) طباقا فقد عدل صرفها إلى عجاف ليناسب صرف سمان. إذا كان هذا يتم في القرآن [ الكريم ] بغرض التناسب والموازاة فإن من المحتم أن يكون قد تم في الشعر خدمة للقافية والوزن.

وهنا نحتاج إلى وقفة .

إن قوله أن هذه الصيغة عجاف ما وجدت إلا لغرض القرآن الكريم فير التناسب بين سمان وعجاف يتضمن أنها لم تعرف قبل ذلك. وردت هذه الكلمة مرتين في الشعر الجاهلي حسب الموسوعة الشعرية

سمّاك اليهودي :

ألسنا ورثنا الكتابَ الحكيمَ على عَهدِ مُوسى فَلَم نُصرَفِ

وأنتم رعاءٌ لشاءٍ عِجافٍ بِسَهلٍ تهامَةَ والأَخيفِ

عميرة بن جعل التغلبي :

لِيالِيَ إِذ أَنتُم لِرَهطِيَ أَعبُدٌ بِرَمّانَ لَمّا أَجدَبَ الحَرَمانِ

وَإِذ لَهُم ذودٌ عِجافٌ وَصِبيَةٌ وَإِذا أَنتُم لَيسَت لَكُم غَنَمانِ

ولم ترد ( عُجف ) التي يفترض الكاتب أنها الصيغة الأولى في الشعر الجاهلي حسب الموسوعة.

هكذا يزول ما توهمه الكاتب من أن تلك اللفظة قد جيء بها على غير سابق مثال لتناسب كلمة سمان. وهذا طبعا لا يقلل من جمال استمعمال اللفظتين معا.

ثم لنمد نظرنا قليلا في الآية الكريمة :" وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ "

إذا كان الأمر استحداثا لهذه الكلمة لتناسب سمانا فلم لم يتم الأمر ذاته بين خضر ويابسات ليقال ( يُبْس ) ثم إن ( عُجْف ) لو وردت لما خلت من تناسب لفظي مع خُضْر ، ولما عدم اللغويون ملاحظة جمال في ذلك رغم وربما بسبب وقوع كل منهما في جملة فربما كان في الربط بينهما ما يشير إلى الربط الموضوعي بين مضموني الجملتين.

لسان العرب

قال الفراء: عَجُفَ وعَجِفَ وحَمُق وحَمِقَ ورَعُن ورَعِن وخَرُق وخَرِق. قال الجوهري: جمع أَعجَف وعَجْفاء من الهُزال عِجاف، على غير قياس، لأَن أَفعلَ وفَعْلاء لا يجمع على فعال ولكنهم بنوه على سِمانٍ، والعرب قد تبني الشيء على ضدّه كما قالوا عَدُوّةٌ بناء على صديقة، وفعول إذا كان بمعنى فاعل لا تدخله الهاء؛ قال مِرْداسُ بن أَذَنَةَ: وإنْ يَعْرَيْنَ إنْ كُسِيَ الجَواري، فَتَنْبُو العَيْنُ عن كَرَمٍ عِجافِ وأَعْجَفه أَي هَزَله.

وقوله تعالى: يأْكلُهنّ سَبْع عِجافٌ؛ هي الهَزْلَى التي لا لحم عليها ولا شحم ضُرِبت مثلاً لسبع سِنين لا قَطْر فيها ولا خِصْبَ.

وفي حديث أُم مَعْبَد: يَسُوق أَعْنُزاً عجافاً؛ جمع عجفاء، وهي المَهْزولةُ من الغنم وغيرها.

وفي الحديث: حتى إذا أَعْجَفَها ردَّها فيه أَي أهْزَلها.

وفي لامية الشنفرى الشاعر الجاهلي استعمل كلمة ( خيوطة ) جمعا لكلمة خيط بدل كلمة خيوط وهي الأكثر شيوعا، وواضح أنه فعل ذلك لتناسب وزن الطويل

وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

وبدون التاء المربوطة في خيوطة لا يستقيم الوزن إذ التاء جزء من الوتد .

يعتمد مؤلفو المجاني الحديثة (almajani al-hadithah ) على تعليقات مؤلفي العصر الوسيطبأن التاء تفيد جمع الكثرة ولكن ( خيوط ذاتها) جمع كثرة لأنها ليست من صيغ جمع القلة.

لنأخذ النصوص الأربعة التالية لعجز البيت

1- خُيوطَــةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

2- خُيوطُ ـة مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

3- خُيوطٌ لـ ـمارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

4- خُيوطُ ذوي نَوْلٍ تُغارُ وَتُفتَلُ

يتصور من لا يعرف العربية من القول بأن التاء هذه التي أضيفت لضرورة الوزن

1- إما أن يكون الشاعر قد أضافها لأنه لا يمكنه أن يعبر عن المعنى إلا بهذه الصياغة. حيث أن الصيغة رقم 2 ينكسر بها الوزن لأن الوتد يضحي سببا. وفي الصيغ 3، 4 ، 5 بديل صياغة يؤدي المعنى ذاته دون انتقاص جمال التعبير أو الإخلال بالنحو، ولنا أن نتخيل بدائل عدة في هذا المجال. ولما كان الشاعر قد استعملها دون اضطرار لها فهذا دليل على أنها أصيلة مناسبة لتعبير سوي مناسب للوزن وليس بها من التغيير ما أملاه الشعر.

2- أو أن تكون هذه الكلمة شائعة جدا في الشعر العربي في الجاهلية بحيث يجوز للكاتب أن يتصور - لأسبابه التي لا أقره عليها – أنه لا يستغنى عن إضافة هذه التاء.

وردت هذه الكلمة في الموسوعة الشعرية ثلاث مرات هي :

1 – الشنفرى المتوفى سنة 554 م

وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

2- تميم بن أبي وهو شاعر مخضرم توفي سنة 657

فَرِيساً ومَغْشِيّاً عَلَيْهِ كَأَنَّهُ خُيُوطَةُ مِارِيٍّ لَوَاهُنَّ فَاتِلهْ

3- صفي الدين الحلي المتوفى سنة 1349 م

يَجُسُّ مِنَ الأَوتارِ صُهباً كَأَنَّها خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ

إنه نص واحد في كل الشعر العربي ( خيوطة ماري ). فهل هذا النص اليتيم كاف للاستدلال به على ضرورة إضافة هذه التاء لغرض إقامة الوزن ؟

في المقابل فإن كلمة خيوط لم ترد في الشعر الجاهلي في الموسوعة ووردت فيها في كافة العصور 24 مرة.

ثم لماذا يأتي جمع الجمع خيوطة ونمورة ولا يأتي ليوثة ( جمع ليوث) وجيوشة ( جمع جيوش)

للكاتب أن يرد بأن هذا لا ينفي صياغة العروض للغة ولكنه يحد من قدرته عليها، وأن هناك عوامل تحد من قدرته تلك، وهذا سيفتح بابا للبحث في تلك العوامل، وسيقود ذلك في ظل الأخذ بالشبهة إلى تشتت أكثر.

ليس هذا التساؤل في صالح وجهة نظر الكاتب وحتى لا نقع في ما وقع فيه من تضخيم ما يوافق وجهة النظر علينا أن نقر بأن هذا التساؤل وحده ليس كافيا لنفي وجهة نظره ولكن وروده وسط تساؤلات وقرائن عدة يقوي من وجهة النظر النافية لها.

جاء في لسان العرب :

الخَيْطُ: السِّلْك، والجمع أَخْياطٌ وخُيوطٌ وخُيوطةٌ مثل فَحْلٍ وفُحولٍ وفُحولةٍ، زادوا الهاء لتأْنيث الجمع؛ وأَنشد ابن بري لابن مقبل:

قَرِيساً ومَغْشِيّاً عليه، كأَنَّه….. خُيوطةُ مارِيٍّ لَواهُنَّ فاتِلُهْ

وهنا فائدة مع تداعيات بهذا الصدد

فاجأتني كلمة أخياط ولم أجدها في الموسوعة الشعرية ولكن ماذا لو قال قال الشتفرى

يَجُسُّ مِنَ الأَوتارِ صُهباً كَأَنَّها لماريَّ أخياطٌ تُغارُ وَتُفتَلُ

وفي الحقيقة فإن منع ماري من الصرف التي قادتني لها ضرورة الوزن في هذا البيت نبهني إلى أن ( ماريّ) بهذه الصياغة اسم أعجمي لأنثى ولعله ما كنت أتعامل على أساسه دون وعي في البدائل السابقة. عدت إلى لسان العرب فوجدت :

المَرْوُ: حجارة بيضٌ بَرَّاقة تكون فيها النار وتُقْدَح منها النار؛ قال أَبو ذؤيب: الواهِبُ الأُدْمَ كالمَرُوِ الصِّلاب، إِذا ما حارَدَ الخُورُ، واجْتُثَّ المَجاليحُ (* قوله« الواهب الادم» وقع البيت في مادة جلح محرفاً فيه لفظ الصلاب بالهلاب واجتث مبنياً للفاعل، والصواب ما هنا.) واحدتها مَرْوَةٌ، وبها سميت المَرْوَة بمكة، شرفها الله تعالى. ابن شميل: المَرْوُ حجر أَبيض رقيق يجعل منها المَطارُّ، يذبح بها، يكون المَرْوُ منها كأَنه البَرَدُ، ولا يكون أَسود ولا أَحمر،وقد يُقْدَح بالحجر الأَحمر فلا يسمى مَرْواً، قال: وتكون المَرْوة مثل جُمْعِ الإِنسان وأَعظم وأَصغر. قال شمر: وسأَلت عنها أَعرابيّاً من بني أَسد فقال: هي هذه القدَّاحات التي يخرج منها النار.

ولا أجد لكلمة ( ماري التي قد تشتق من هذا لتدل على القادح ) علاقة بالخيوط

ولكننا لن نعدم علاقة للخيوط مع المعنى التالي :

بن بزرج: المارِيُّ الثوب الخَلَقُ؛ وأَنشد:

قُولا لِذاتِ الخَلَقِ المَارِيِّ

فيكون المعنى الذي في أصل النص الثوب وهذا ما يؤيده ضمير الهاء العائد على ماري في قول الشاعر

فَرِيساً ومَغْشِيّاً عَلَيْهِ كَأَنَّهُ خُيُوطَةُ مِارِيٍّ لَوَاهُنَّ فَاتِلــهْ

وامرأَة مارِيَّةٌ: بيضاء برّاقة. قال الأَصمعي: لا أَعلم أَحداً أَتى بهذه اللفظة إِلاَّ ابن أَحمر، ولها أَخوات مذكورة في مواضعها.

ومارِيةُ اسم امرأَة، وهي مارِيةُ بنت أَرْقَمَ بن ثَعْلبةَ بن عَمرو بن جَفْنَة بن عَوُف بن عَمرو بن رَبيعة بن حارِثة بن عَمروٍ مُزَيْقِياء بن عامر، وابنها الحرث الأَعرج الذي عناه حَسَّانُ بقوله: أَوْلادُ جَفْنةَ حَوْلَ قَبْرِ أَبِيهِمِ، قَبْرِ ابنِ مارِيةَ الكَريمِ المُفْضِلِ

وعندما دون Wright خيوطة كجمع تكسير ذكر أنها نادرة، ولا شك أن تدوينها في القواميس مرده استعمال الشنفرى لها.

الأمثلة الأخرى التي سجلها Wright على هذاالوزن مثل بعولة، عمومة، نمورة ، فحولة تفيد الجمع الذي يشير التجميع أو التصنيف الطبيعي، وليس الأمر كذلك بالنسبة لخيوطة، التي أضيفت لها التاء المربوطة لأسباب عروضية، الأمر الذي يدعو للتساؤل عما إذا كانت التاء في آخر هذه الجموع قد أضيفت لأسباب مماثلة. سنعود لهذا لاحقا ولكننا الآن نركز على جمع الجمع

إذا كانت خيوطة قد وردت في عبارة واحدة في الشعر الجاهلي والإسلامي فإني بحثت في الموسوغة الشعرية عن ( عمومة ، خؤولة، عمومتكم، عمومتنا، خؤولتكم، خؤولتنا، عمومته، خؤولته ، فحولة ) فلم أجد لأي منهما ذكرا في أي بيت شعر فيها.

فلم يكون العروض قد اجترحها إذا لم يستعملها أي شاعر جاهلي.

أهذه خيوطة أم أمراس !

سبقت الإشارة إلى وجود جموع كثيرة كثيرة للأسماء الجامدة، ويمكن السير في مسار مثمر لدراسة صيغ الجموع في الشعر العربي المبكر لتبيين أثر العروض على تراكيبها. إن بحثا سريعا قمنا به في القواميس عن الألفاظ الشائعة في الشعر الجاهلي كأسماء الحيوان ومظاهر الصحراء قد زودنا بنتائج مثيرة للاهتمام.

فكلمة نِمْر أو نَمِر لها على الأقل ثمانية جموع : نمور، أنمر، أنمار نِمار نمارة نمور نمورة وهذه الجموع توافق افتراضيا كل الصيغ الوزنية.

سأضع مقولتين للمقارنة

الأولى : ويمكن السير في مسار مثمر لدراسة صيغ الجموع في الشعر الجاهلي لتبيين أثر العروض على تراكيبها. إن بحثا سريعا قمنا به في القصائد المبكرة للشعراء الجاهليين عن صيغ الجموع ومقارنتها بما ورد في القواميس تبين تطابقا مذهلا بين هذه الجموع في القصائد والقواميس، فلا نكاد نجد كلمة تفيد جمعا في القواميس إلا ووجدناها متكررة في القصائد، فكأنها ما كانت في اللغة أصلا إلا لتلبي طلب العروض.بل يمكننا القول إن العروض أوجدها لتلبية حاجاته

الثانية : ويمكن السير في مسار مثمر لدراسة صيغ الجموع في اللغة العربية. إن بحثا سريعا قمنا به في القواميس عن صيغ الجموع ثم مقارنة ذلك بما ورد منها في الشعر الجاهلي

يبين سعة هذه اللغة التي رفدت الشعر بحاجته كما تتطلبها قوانين عروضة ، هذه الحاجة التي لم تستثمر إلا النزر اليسير من هذه الجموع . وفي هذا رد على من يرون أن العروض صاغ الجموع، ويثبت أن سعة هذه اللغة أكبر بكثير من العروض بكل قوانينه ومتطلباته التي لباها النزر اليسير من الوفرة الوافرة للجموع في قواميس اللغة. هذه الوفرة التي حيرت غير أهل العربية.

أترك القارئ للتأمل في هاتين الفقرتين ومقارنتهما معا من ناحية ومقارنة كل منها مع فقرة الكاتب من ناحية أخرى واستخلاص النتائج وعلى ضوئهما سأستعرض الفقرة التالية التي أوردها الكاتب مثالا على صيغ الجمع.

فكلمة نِمْر أو نَمِر لها على الأقل ثمانية جموع : نمور، أنمر، أنمار نِمار نمارة نمور نمورة وهذه الجموع توافق افتراضيا كل الصيغ الوزنية.

تشكل الفقرتان أعلاه مقياسا موضوعيا -من وجهة نظري – لتقرير أحد أمرين

1- إذا كانت هذه الجموع لكلمة نمر واسعة الاستعمال في الشعر الجاهلي كان ذلك لصالح وجهة نظر الكاتب التي تمثلها المقولة الأولى من حيث الإيحاء بعلاقة وثقى مع العروض تجعل لاستنتاجه بأن العروض هو الذي أملاها مبررا وإن لم يكن ذلك الاستنتاج حتميا.

2- إذا كانت هذه الجموع نادرة الاستعمال في الشعر الجاهلي فإن من المنطق أن يكون ذلك مرجحا ولدرجة عالية للمقولة الثانية التي تفيد بأن قاعدة اللغة العربية من السعة تبلغ حدا كبيرا بحكم طبيعتها وأن العروض بكل قوانينه لا يستغل في حالة هذه الجموع إلا النزر اليسير من تلك القاعدة، ويعني ذلك استبعاد أن يكون العروض هو الذي أملى هذه الجموع.

وبالرجوع إلى الموسوعة الشعرية بحثا عن هذه الجموع في الشعر الجاهلي وجدت هذه النتائج

ولكل من الأسماء التالية أربعة جموع على الأقل: بيت ، ثور ، سيف ، شبل ، شارف ، شيخ ، صاحب، صخرة ، طريق، فحل ، فوج ، ( ناقة ولها أحد عشر جمعا )

إن ما تقدم بالنسبة لجموع نمر تنطبق على جموع هذه الكلمات منطلقا وتحكيما وحكما حسب النتيجة مع أخذ وزن الحكم على جموع نمر بعين الاعتبار.

وفي هذا السياق ترد حالة أخرى وهي جمع الجموع ( جمع الجمع ). للمرء أن يتساءل

لماذا ينبغي أن يكون هناك جموع للجموع؟ وهل تؤدي غرضا غير تأمين الصيغة المناسبة للمواضع العروضية.؟

في محاولة منهم لإيجاد تفسير مناسب لجموع التكسير، قام النحويون بتصنيفها إلى ثلاثة أقسام:

أ- جموع القلة وتشمل الصيغ أَفْعُل، أفعال ، أفعلة ، فِعْلة

ب- جموع الكثرة وتتكون من ستة عشر وزنا

جـ - جموع الجموع وتتكون من صيغ أفاعل أفاعيل فعائل فعالين

ولكن الفروق بين جموع القلة والكثرة يكتنفها من الإستثناءات والمواصفات ما يبطلها.

ولما كانت الجموع التي لها جموع في غالبها من جموع القلة، من صيغ أفعُل، أفعال ، أفعلة فقد ظنّ بأن المقصود من جمع الجمع زيادةُ الوحدات المشمولة بالجمع ولكني لا أستطيع تبين أي فرق بين جمع القلة أعراب وجمع الكثرة أعاريب وكلاهما تعنيان البدو إلا تمكين شاعر كأبي نواس من القول على وجه عروضي صحيح :

ص 336

ليس الأعارب عند الله من أحدٍ

ثث

كائنة ما كانت النظرة إلى جمع الجمع وهي مجال للأخذ وارد فإن ذلك لا يفيد أن العروض قد أوجدها لخدمة قوانينه إلا بقدر ما يثبت ذلك أو ينفيه كثرة أو ندرة استعمالها في الشعر. ويصدق عليها ما صدق على تعدد صيغ الجمع( جمع نمر مثلا)، وهو ما سيأتي لاحقا.

ولكني أتوقف عند قول الكاتب : " ولكني لا أستطيع تبين أي فرق بين جمع القلة أعراب وجمع الكثرة أعاريب وكلاهما تعنيان البدو إلا تمكين شاعر كأبي نواس من القول على وجه عروضي صحيح : ليس الأعارب عند الله من أحدٍ "

جاء في لسان العرب

العُرْبُ والعَرَبُ : جِيْلٌ من الناس معروف ، خِلافُ العَجَم

والأعرابي : البدوي ؛ وهم الأعراب ؛ والأعاريب : جمع الأعراب .

ما من دلالة على جمع أعرابي بغض النظر عن الكثرة والقلة إلا أعراب وأعاريب ( أو أعارب).

(أعاريب) توافق الميزان العروضي في : ليس الأعاريب عند الله من أحدٍ

كما أن (أعراب) توافق الميزان العروضي في : لم يجعل الله كالأعراب من أحد

ولم يكن للشاعر أن يستعمل إلا أحد هذين الجمعين. فهل استعمال إحدى الصورتين التي صادف أنها جمع جمع دليل على أنها بالضرورة ما كانت لتكون لولا أن العروض صاغها لهذا الغرض ؟

بعد الرجوع للموسوعة الشعرية بحثا عن أعارب وأعاريب، فوجدت بيتا فريدا يحوي هذه المفردة في العصر الجاهلي لصفية بنت ثعلبة الشيبانية :

أَحيوا الجوارَ فَقد أماتته معاً كلّ الأعاربِ يا بَني شيبانِ

وهل موافقة هذه اللفظة لهذا الوزن في هذه الصياغة اليتيمة في الشعر الجاهلي دليل كاف على أن العروض موجدها لهذاالغرض ؟ وهل يكفي دليل نفي لهذه المقولة القول :" لو لم يكن العروض هو الذي صاغ جمع الجمع لما كانت أي من صيغه قابلة لتناسب الوزن في أي بيت من الشعر العربي " ؟

لو أخذنا بحجة الكاتب لكان لنا – رغم اختلاف الصيغ – أن نستأنس برأيه في كلمة ( أحد) التي لا تقوم مقامها في الوزن كلمة ( واحد ) في بيت أبي نواس . فهل ثمة دلالة في هذا على أن العروض قد صاغ كلمة أحد لهذا الغرض ؟ وقل مثل ذلك عن كثير من الألفاظ على اختلاف صيغها.

أليس لنا وعلى نفس القدر من المنطقية أن نقول ما بين صيغ مفردات هذه اللغة وأوزان صيغها من جمال التناسق والتكامل ما أعطى الشاعر حرية في اختيار تواليف عدة لصياغة شعره.

على أن استعمال أبي نواس لجمع الجمع أعاريب أو أعارب لا يخلو من دلالة لغوية عندما نستعرضه في سياقه:

عاج الشقي على ربع يسائله وعجت أسأل عن خمارة البلد

يبكي على طلل الماضين من أسد لا در درك قل لي من بنو أسد؟؟

ومن تميم ومن قيس ولفهما؟؟ ليس الأعاريب عند الله من أحد

فالشاعر يزري بمجموعات من الأعراب ( أسد، تميم ، قيس وسواهم ) وتبدو كلمة أعاريب أو أعارب أفضل دلالة على تكرر مجموعات الأعراب .

وكان أسلمَ للكاتب – من وجهة نظره طبعا - لو جعل مقولته :

ولكني لا أستطيع تبين أي فرق بين جمع القلة أعراب وجمع الكثرة أعاريب وكلاهما تعنيان البدو إلا تمكين شاعر كالمتنبي من القول على وجه عروضي صحيح :

مَنِ الجَآذِرُ في زِيِّ الأَعاريبِ حُمرَ الحُلى وَالمَطايا وَالجَلابيبِ

لكان نزع من حجتي مني المقولة الأخيرة من تفضيل دلالة الأعاريب على ( أسد وتميم وقيس )

للنحويين [للغويين] تلميح حول سبب وجود جمع الجمع، حيث قالوا :" جمع الجمع يسري على الجمع الذي لمفرده صيغة الجمع" فمثلا أكالب جمع أكلب التي هي جمع كلب قياسا على أنامل جمع أنمل التي تعني رأس الاصبع ( مفردة)

جاء في لسان العرب :

والأَنْمُلة، بالفتح (* قوله «والانملـــة بالفتح إلخ» عبارة القاموس: والانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات التي فيها الظفر، الجمع أنامل وأنملات): المَفْصِل الأَعْلى الذي فيه الظفر من الإِصبع، والجمع أَنامِل وأَنمُلات، وهي رؤوس الأَصابع، وهو أَحد ما كسِّر وسَلِم بالتاء؛ قال ابن سيده: وإِنما قلت هذا لأَنهم قد يستغنون بالتكسير عن جمع السلامة وبجمع السلامة عن التكسير، وربما جمع الشيء بالوجهين جميعاً كنحو بُوَانٍ وبُون وبُونات؛ هذا كله قول سيبويه.

كلمة أنمُل وردت جمعا ولم ترد مفردا فالمفرد ( أنملة )

يقول المتنبي :

وَكَيفَ تَقومُ عَلى راحَةٍ كَأَنَّ البِحارَ لَها أَنمُلُ

أسقط الكاتب هنا تاء أنملة ولم يعرها من الاهتمام ما أعاره تاء خيوطة

في تاء أنملة ما هو لصالح القول بأصالة تاء خيوطة.

وحصروا قولهم هذا فيما أسموه (صيغة منتهى الجموع)

حرف مفتوح – حرف تتلوه ألف - حرف مكسور – حرف ساكن

وبرموز الرقمي = 1 َ.....2=1أ .....2* = 1 ِ ه

والصيغة الثانية

حرف مفتوح – حرف تتلوه ألف - حرف تتلوه ياء – حرف ساكن

وبرموز الرقمي = 1 َ.....2=1أ .....2 = 1ي ......ه

وفي الحقيقة فإن كل صيغ جمع الجموع شبيهة التركيب بجمع المفرد الذي له صيغة الجمع، كما يبين ذذلك الجول التالي. مع ملاحظة أن الجموع التي لها جمع ليست كلها جموع قلة، فإن فِعال وفعْلان من جموع الكثرة وكلاهما له جمع جمع.

لا مناص من الاستنتاج بأنه لما كانت بعض الجموع لها صيغة المفرد فإن اللغة تعاملها ها معاملة المفرد وتعطيها جمعا فندعوه "جمع الجمع " وتلاحظ هذه الظاهرة عند الأميركين العرب الذين يجمعون ( شوز shoes ) على أشواز، كجمع سوق على أسواق. كما يلاحظ أن الجموع التي ليست على صيغة المفرد مثل ( فُعالة ، أفْعِلَة ) ليس لها جمعُ جمعٍ.

وبقدر ما سمحت العربية بتكوين صيغ جمع الجمع فإن لنا أن نفترض أن الشعراء أفادوا من ذلك بشكل كبير، وشجعوا استعماله في ما يناسبه من مواقع عروضية.

فليلاحظ القارئ الكريم اختلاف هذه الفكرة ( استفادة الشعراء من خصائص العربية في أوزان أشعارهم ) عن فكرة تشكيل العروض للغة العربية لتناسب أوزان الشعر. معظم تعليقي دار حول هذه النقطة.

وفي هذا الصدد يعجب المرؤ لماذا كان للجمع ( أكراس - المنازل المتجاورة ) و( أفواج ( جمعا جمع أكاريس و أكارس ، وأفاويج و أفاوج، وهل جيء بالصيغة الثانية حيث تتحول الياء إلى كسرة لتناسب الزحاف، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا اقتصر الجمع أقداح بجمع جمع واحد ( أقادح ) ؟ أيعود ذلك إلى أن أقاديح لم يجر استعمالها في الشعر لتناسب وزنا معينا

ومن الملاحظ أن جعل حرف المد حركة تنطبق على الجمع العادي الذي له صيغة تشبه الجمع [ جمع الجمع ] فإن إعصار تجمع على أعاصير وأعاصر

للكاتب منهج لا يكاد يبتعد عنه حتى يعود إليه، وهذا المنهج يقوم على ملاحظة ما بين العروض واللغة من مشترك قد يراه ترفا لغويا ثم ترجيح كفة أن يكون العروض هو ما أدخله للغة أو شجع على وجوده، والمنطق البديل هو أن ينطلق من الشعر ليرى ما فيه مما يبدو ترفا لغويا – جموع التكسير هنا - ويرى مدى استعمالها حتى إذا تقررت لديه كثرتها كان له أن يطرح احتمال تأثير العروض على اللغة، وبطبيعة الحال فإن سلامة المدخل لا تعني سلامة الاستنتاج بالضرورة. أما خطأ المدخل فهو تفريط في حق احتمالات صواب الحجة.

كل من أفاوج وأفاويج لم تردا في كل الموسوعة في شعر كل العصور العربية فكيف يكون العروض قد لعب ذورا في هذين الجمعين ؟

أكارس لم ترد في الشعر العربي كله في سائر عصوره في الموسوعة الشعرية

أول مرة وردت فيها أكاريس كانت في شعر الشاعر :

الأحوص الأنصاري الشاعر الأموي

نظرت رجاءً بالموقر أن أرى أكاريس يحتلون خاخاً ومنشدا

وهي كذلك آخر مرة وردت فيها في الشعر العربي في كافة العصور حسب الموسوعة الشعرية

فكيف يؤسس بحث على كلمة ( أكاريس ) التي وردت مرة واحدة في الشعرب العربي كله، ثم نفترض أن العروض قد لعب دورا في تحدر أكارس منها لتناسب أغراضه هذه الـ( كارس ) التي لم ترد ولو مرة واحدة في الشعر العربي كله.

لسان العرب

"وكلُّ ما جُعِل بعضه فوق بعض، فقد كُرِّس وتَكَرَّس هُوَ.

والكِرْس: الجماعة من الناس، وقيل: الجماعة من أَيِّ شيء كان، والجمع أَكْراس، وأَكارِيسُ جمع الجمع؛ فأَما قول ربيعة بن الجحدر:

أَلا إِن خَيْرَ الناس رِسْلاً ونَجْدَةً، ....... بِعَجْلانقد خَفَّت لَدَيْهِ الأَكارِسُ

فإِنه أَراد الأَكارِيس فحذف للضرورة، ومثله كثير. "

لدى تأملي في صيغتي مفاعيل / أفاعيل و مفاعل / أفاعل ، خطر لي أن أطرح هذه الاحتمالات للبحث والتقصي بصدد هاتين الصيغتين، واحتمال ورودهما على ثلاثة وجوه

1- هناك في اللغة من الجمع ما يأتي على كليهما ( مفاتح ومفاتيح ) . جاء في ( الصحاح في اللغة )

والمِفتاح مفتاحُ البابِ وكلِّ مستغلق.

والجمع مفاتيحُ ومَفاتِحُ أيضاً.

2- وهناك في اللغة جمع على مفاعيل وهذه قد تأتي لضرورة الشعر مفاعل كما في الاقتباس أعلاه : قد خَفَّت لَدَيْهِ الأَكارِسُ فإِنه أَراد الأَكارِيس فحذف للضرورة، ومثله كثير. ومصابح لم ترد في القواميس رغم كثرة ورودها شعرا إذ وردت في الموسوعة الشعرية 42 مرة منها 34 مرة غير معرفة، ووردت معرفة 8 مرات. وإنما وردت في القواميس مصابيح التي وردت في الموسوعة غير معرفة 269 مرة ومعرفة 74 أي ما مجموعة 343 مرة. ومن صيغ مفاعيل ما لا يأتي على مفاعل كما دنانير لا تأتي على دنانر

3- وهناك في اللغة جمع مفاعل وهذه لا تأتي على مفاعيل، ولعل ذلك راجع لغلبة اختلاف المعنى بينهما كما بين ممالك ( البلاد ) ومماليك ( الناس ). وكذلك ما بين مقاصد ومقاصيد

ابن الرومي :

وإني لنَحَّار لدى الأَزْبِ لا يَني قِرايَ من الكُوم المقاصيد كالهَضْبِ

الكميت بن زيد :

ففي تلك أنت السدى والندى إذا كان مخّ المقاصيد رارا

الشريف الرضي :

وَصَلتُ جَواهِرَ الأَلفاظِ فيهِ بِأَعراضِ المَقاصِدِ وَالمَعاني

المقاصد جمع مقصد أي غاية، لم أعثر على المقاصيد في المعجم ولكن يبدو من البيتين أنها تعني الإبل أو صفة من صفاتها

حسب قاموس Lane فإن جوازٍ [مُعرفةً = الجوازي] كما وردت في هذه القصيدة اعتبرت من قبل بعض الكتاب جمع المصدر ( جزاء ) وبعضهم اعتبرها جمعا لاسم المصدر (جازيَه) بمعنى مكافأة بيما اعتبرها آخرون جمع جازٍ [ معرفةً الجازي ] بمعنى المُكافئ. لا شك أن الشاعر عنى بهذه الكلمة ( جائزة – جزاءً أو تعويضا )، ولكن هذه الكلمة لا تناسب السياق العروضي. ولهذا استعمل كلمة جوازيــ ــه كجمع وهي توحي بصيغة جمع غامضة لجزاء، وترك اللغز للأجيال من بعده.

لسان العرب

الجزاءُ: المُكافأََة على الشيء، جَزَاه به وعليه جَزَاءً وجازاه مُجازاةً وجِزَاءً؛ وقول الحُطَيْئة: منْ يَفْعَلِ الخَيْرَ لا يَعْدَمْ جَوازِيَهُ قال ابن سيده: قال ابن جني: ظاهر هذا أَن تكون جَوازِيَه جمع جازٍ أَي لا يَعْدَم جَزاءً عليه، وجاز أَن يُجْمَع جَزَاءٌ على جَوازٍ لمشابهة اسم الفاعل للمصدر، فكما جمع سَيْلٌ على سَوائِل كذلك يجوز أَن يكون جَوَازِيَهُ جمع جَزَاءٍ.

واجْتَزاه: طَلبَ منه الجَزاء؛ قال: يَجْزُونَ بالقَرْضِ إِذا ما يُجْتَزَى والجازِيةُ: الجَزاءُ، اسم للمصدر كالعافِية. أَبو الهيثم: الجَزاءُ يكون ثواباً ويكون عقاباَ. قال الله تعالى: فما جَزاؤُه إِن كنتم كاذبين، قالوا جَزاؤُه من وُجِدَ في رَحْله فهو جَزاؤُه؛ قال: معناه فما عُقُوبته إِنْ بان كَذِبُكم بأَنه لم يَسْرِقْ أَي ما عُقُوبة السَّرِقِ عندكم إِن ظَهَر عليه؟ قالوا: جزاء السَّرِقِ عندنا مَنْ وُجِدَ في رَحْله أَي الموجود في رحله كأَنه قال جَزاء السَّرِقِ عندنا استرقاق السارِقِ الذي يوجد في رَحْله سُنَّة، وكانت سُنَّة آل يعقوب. ثم وَكَّده فقال فهو جَزاؤه.

وسئل أَبو العباس عن جَزَيْته وجازَيْته فقال: قال الفراء لا يكون جَزَيْتُه إِلاَّ في الخير وجازَيْته يكون في الخير والشر، قال: وغيره يُجِيزُ جَزَيْتُه في الخير والشر وجازَيْتُه في الشَّرّ.

ويقال: هذا حَسْبُك من فلان وجازِيكَ بمعنىً واحد.

وهذا رجلٌ جازِيكَ من رجل أَي حَسْبُك؛ وأَما قوله: جَزَتْكَ عني الجَوَازي فمعناه جَزتْكَجَوازي أَفعالِك المحمودة.

والجَوازي معناه الجَزاء، جمع الجازِية مصدر على فاعِلةٍ، كقولك سمعت رَوَاغِيَ الإِبل وثَوَاغِيَ الشاءِ؛ قال أَبو ذؤَيب: فإِنْ كنتَ تَشْكُو من خَليلٍ مَخانَةً، فتلك الجَوازي عُقْبُها ونَصِيرُها أَي جُزِيتَ كما فعَلْتَ، وذلك لأَنه اتَّهَمه في خليلتِه؛ قال القُطاميُّ: وما دَهْري يُمَنِّيني ولكنْ جَزتْكُمْ، يا بَني جُشَمَ، الجوازي أَي جَزَتْكُم جَوازي حُقُوقكم وذِمامِكم ولا مِنَّةَ لي عليكم. الجوهري: جَزَيْتُه بما صنَعَ جَزاءً وجازَيْتُه بمعنىً.

وثمة صنف ثالث من الأدلة التي نقاربها بحذر لأنها تستند إلى التخمين أكثر من استنادها لأسس صلبة، وهو وجود عدد كبير من المصادر لذات الفعل. يتساءل المرؤ عن مثلا لماذا كان للفعل ( سَمُحَ ) ستة مصادر، 1- سماح 2- سُموح 3- سماحة 4- سموحة 5- سَمْح 6- سِماح

هل يرجع ذلك إلى اختلاف اللهجات أم للضرورة العروضية.

سموحة : لم ترد في الشعر العربي حسب الموسوعة

سُموحا : لم ترد في الشعر العربي كله حسب الموسوعة ووردت سَموحا كصفة بفتح السين

فكيف يمكن للضرورة العروضية أن تأتي بهما ؟

وكما هو معروف للمستعربين فإن للفعل المجرد ما لا يقل عن أربعة وعشرين مصدرا وهي تتكون من :

ص- 337

أ – من الجذر الثلاثي المجرد فعْل ، فَعال ، فُعول ، فاعل ...إلخ

ب- من الصيغ المذكورة اعلاه مع مد حركة الحرف الأوسط فعال ، فُعول ، فعيل .....إلخ

جـ- من تأنيث الصيغ المذكورة بزيادة تاء التأنيث

يبين الرابط التالي العلاقة بين المصدر واسم الافعل واسم المفعول واستعمال كل منهما كمصدر، وهو مفيد وذو علاقة بهذاالموضوع.

http://uqu.edu.sa/page/ar/61318

من التغييرات ذات القيم العروضية وجود وغياب الحركة ( كما في فعْل مقارنة ب فعَل ) وإشباع الحركة والتركيز على لفظها بعد تحولها لمد كما في ( فاعل فعول فعيل ) والتاء المربوطة.

هل تكون الضرورة العروضية هي التي أملت هذه التغييرات ومن ثم تحولت هذه الضرورات العروضية إلى إرث لغوي ؟،

وفي المقابل، لو افترضنا وجود كل هذه الصيغ بمعزل عن الضرورة العروضية، أليس من المغري للشاعر أن يستبق إلى استعمال صيغة لم يطرقها سواه تؤدي غرضه العروضي، وبالتالي ينتج عن ذلك توسيع دائرة مصادر ذلك الجذر ؟

ويأتي على رأس هذا الصنف ما يدعوه النحويون " الترخيم " أي حذف أحد أحرف الاسم عند النداء.

نرى الكاتب على درجات من التزام نظريته في العلاقة بين اللغة والعروض، ففي البداية يكرس دور العروض في صياغة اللغة ثم يظهر قدرا من إتاحة الفرصة لفرضية موازية تقوم على أن العروض أفاد من خصائص اللغة وذلك بقوله:" وبقدر ما سمحت العربية بتكوين صيغ جمع الجمع فإن لنا أن نفترض أن الشعراء أفادوا من ذلك بشكل كبير، وشجعوا استعماله في ما يناسبه من مواقع عروضية" وفي هذا انحياز لنظريته ولكن بدرجة أقل من البداية بحيث لا يستبعد الاحتمال الآخر.

ومن أمثلة ذلك ( أفاطمُ ) بدل أفاطمةُ (صاحِ) بدل صاحبي، يا ( سعا) بدل يا سعادُ إلخ. وقد ورد الترخيم في معلقة امرئ القيس أشهر شعراء الجاهلية مرتين ( أفاطمُ ) في البيت 19 و (أصاحِ) في البيت 70

وددت لو أعرف مدى شيوع الترخيم في النثر مقارنة بالشعر.

في الرابط التالي شرح جيد عن الترخيم وشروطه.

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?28235-%C7%E1%CA%D1%CE%ED%E3&p=187626&viewfull=1#post187626

وللموضوع بقية بإذن الله