nathareyyah-suleiman

كتاب (نظرية في العروض العربي ) للأستاذ سليمان أبو ستة صغير الحجم كبير الأثر. وهو يمثل باكورة في مجال العبور الواعي من العروض إلى علم العروض.

طريقة ترميزه حدت من إفادتي منه، وقد قال لي بعض أهل الرقمي الذين نصحتهم بقراءته بأنه لو ( ترجم ) إلى مصطلحات الرقمي لأمكنهم التواصل معه والإفادة منه

وقد تمكنت بحمد الله من (ترجمته) إلى لغة الرقمي. وسيكتشف أهل الرقمي التقارب بينه وبين الرقمي مضمونا.

والنص الذي نقلته مأخوذ من الرابط :

http://www.mojtamai.com/books/index.php?option=com_k2&view=item&id=3535:%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A&limitstart=1

من المحتمل وقوع اضطراب في التنسيق، فالرجاء ممن يقع على شيء من ذلك أن ينبهني له مشكورا لأعدله. إن من يتقن الرقمي سيكتشف ما قد يكون حصل من ذلك

هناك حالات انعكس فيها اتجاه الأرقام بحيث تبدأ من اليسار وتتجه لليمين بعكس الواقع فليُنته إلى ذلك.

.

تــمـــهيـــــد

الشعر هو فن الكلام الموقع على نسق معين ، وبذلك فإنه يشترك مع الموسيقى ، التي هي فن النغم ، في أكثر عناصرها رسوخاً وهو الإيقاع . وقد لحظ ابن سينا هذه الصلة حين عرّف الإيقاع بقوله :

" الإيقاع هو تقدير ما لزمان النقرات ، فإذا اتفق أن كانت النقرات منغمة كان الإيقاع لحنياً . وإن اتفق أن كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها كلام كان الإيقاع شعرياً ، وهو بنفسه إيقاع مطلقاً " .

ومع ذلك فلكل من الشعر والموسيقى تقديره الخاص لزمان هذه النقرات ، وهو ما يُعبّر عنه بالوزن الذي يرى البعض أنه صورة من الإيقاع . ويرجع الاختلاف في التقدير إلى اختلاف التعبير الصوتي عن النقرات في كلا الفنين . فالمقطع اللغوي في الشعر يعبر عن نقرة واحدة ، وربما كان زمانها يسمح بانقسامها إلى نقرتين متواليتين في زمن لا يزيد عن زمن النقرة المتصلة ، ولكن لا تستطيع أن تبلغ بالانقسام إلى أكثر من ذلك . وأما النغمة في الموسيقى فتملك من الحرية ما يمكنها من الانقسام إلى أجزاء متناهية في الصغر ، ولذا فإن الوزن الموسيقي يسمح بائتلاف أي عدد منها يتحقق به التساوي الرياضي في قسمة النغم .

ويبلغ الإيقاعان الشعري والموسيقي غاية ائتلافهما معاً حين يُشرَع في الغناء ؛ وعندئذ يصبّان في لحن واحد ، مما يؤكد قول الشاعر القديم :

تَغَنّ بالشعر إمّا كنتَ قائلهُ إنّ الغناء لهذا الشعر مِضمارُ

فاللحن ، أساساً ، يعمل على تهيئة الترتيب الملائم لمقاطع الكلام بحيث تتخذ النسق الوزنيّ الخاص بها، ومع اطراد النظم عليه ، بمعرفة النغمة التي تخصه ، يصبح وزناً مقبولاً في الذوق العام .

ولا شك أن نشأة الشعر ، في أساسها ، ارتبطت بالغناء سواء كان ذلك ممثلاً بالحداء الذي جاء أكثره على بحر الرجز ، أو في أهازيج العمل والقتال وما أشبهها ، مما أضاف إلى ذخيرة الوزن أنساقاً باتت مقبولة للنظم في أي غرض يشاؤه الشاعر الذي انتقل من الغناء إلى الإنشاد بعد أن ترسخت الأوزان في ذاكرته .

والإنشاد هو فن للأداء الشعري أقل تكلفا من الغناء وأيسر شروطا في متطلباته ؛ ومع ذلك فلم يكن إلا قلة من الشعراء يجيدونه ؛ لأنه كالخطابة يحتاج إلى ملكة التأثير وتوصيل الأحاسيس ، بل ويفوقها في تسخيره للإيقاع الذي يحدث تأثيرا شبه منوّم على المتلقين . وفي رأيي أن الإنشاد الجيد يكشف عيوب الوزن أكثر مما يكشفها الغناء الذي قد يغطي هذه العيوب عبر وقفاته الموسيقية ، أو إطالته لزمن بعض المقاطع مما لا يكون مقبولا في الإنشاد أو القراءة العادية للشعر .

ونحن لا نعني بهذا الغناء ذلك النوع البدائي الذي كان سببا في نشأة الأوزان ؛ لأننا نعتقد أنه كان أبسط كثيرا وأقرب في نغمته إلى الإنشاد نوعا ما ، وإنما نعني الغناء المتطور مع الحضارة والمتأثر بتيارات من خارج الجزيرة العربية جعلته يعتني يإيقاعات جديدة لم تكن مألوفة أو مطروقة من قبل .

ومن المؤكد أن السبب في نشأة الأوزان الجديدة والمعقدة بعض الشيء لما سمي بالموشحات يرجع إلى التطور الكبير في الغناء وما صاحبه من إمكانيات في تجويده . ولكن ظلت هذه الأوزان حبيسة اللحن الخاص بكل منها ولم تكتسب سيرورة في النظم كما اكتسبته الأوزان القديمة ؛ لأنها لم تملك القدرة على تبسيط أدائها وجعله يُتناقَل عبر الإنشاد .

ويتميز الشعر العربي بخاصية فريدة في إيقاعه ، وهي أنه يعتمد في نَظْمه على نوعين من النقرات : يسمى الأول سبباً والثاني وتداً . ولما كان النظام المقطعي في العربية مبسطاً للغاية ، وكان معظم الاستخدام اللغوي منصباً على عدد محدود من أشكاله المقطعية ، فإن دور النقرات يصبح كبير الأهمية في جعل المقاطع يتميز بعضها من بعض برنين إيقاعي خاص لكل منها تبعا لنوع هذه النقرات ، ومقدار ما تحمله من شحنة إيقاعية .

وكان الخليل قد أقام نظامه العروضي على أساس من هذه النقرات ؛ ولكنه ميّز فيه بين نوعين من السبب ، فجعل كلا منهما وحدة وزنية قائمة بذاتها ، وسمى الأول خفيفا والثاني ثقيلا . ومع أن في هذه التسمية ما يشعر بأن الخليل مدرك للطبيعة الإيقاعية للنقرات ؛ إلا أنه حين يتجه إلى تحليل النقرات الثابتة ليحدد من خلالها الوتد ، يجد نفسه مضطرا إلى تمييز نوعين منه كذلك ، وهو يسمي أحدهما مجموعا والآخر مفروقا ، ولا بد أنه التفت في هذه التسمية إلى موقع المتحركين من الساكن في الوتد ، فإذا كان تاليا لهما انفسح بذلك المجال لاجتماعهما ، وإن وقع بينهما افترقا

والخليل يقرر أن في السبب خاصية لا تفارقه إلا نادرا ، وهي أنه عرضة للتغير في ثانيه سقوطا أو سكونا . ويبدو أن هذه الخاصية المفترضة ظلت هاجسا يلازم الخليل في محاولته الدؤوب لإيراد شواهد لم يدل أحدا على نسبتها ـ ودعك من قبح وزنها ـ لينفي أي احتمال لوقوع الوتد المجموع بعد ثلاثة أسباب متوالية . فإذا توالى سببان كان حتما عند الخليل أن يكون الوتد ثالثهما، فإن لم يكن الوتد هنا مجموعا فلا بد أن يكون مفروقا . ولكي يؤكد الخليل هذا الزعم نجده يحرص على إيراد شاهد مجهول النسبة يكون فيه العنصر التالي للوتد المزعوم سببا بدلالة سقوط ثانيه .

ولن نعرض للوتد المفروق في بحر السريع فهذا بين الوهم ، وقد عرض له غير واحد من الباحثين ؛ ولكننا سنعرض للوتد المفروق في بحري المنسرح والخفيف . فأما المنسرح فشاهده الذي فيه تأكيد لسبب يلي وتده المفروق هو قوله :

مَنازِلٌ عَفاهُنّ بِذي الأرا كِ كلّ وابلٍ مُسْبِلٍ هَطِلِ

وهو شاهد واضح الصناعة ، بدليل خبن كل أجزائه ما عدا الضرب ، وهو ما لا يُتصوّر وروده إلا موضوعا بقصد توضيح زحاف الخبن فيه . وقد نغض النظر عن الزحاف في قوله ( عفاهن ) ، وأما قوله ( بذي الأرا ) ففي أوله سبب مزاحف عند الخليل ليتأكد به الزعم بوتد مفروق قبله .

وقد حاولت أن أجد أمثلة على هذا المنوال فلم أعثر على بيت يوافقه . وأما الخفيف فجاء فيه الخليل أيضا بهذا الشاهد :

يا عُمَير ما تُظهِر من هواكَ أو تُجِنّ يُستكثَر حين يبدو

وهو مثال موضوع لبيان الكف في أجزائه ؛ ولكن أغرب ما فيه أن يستدل منه على سببية العنصر التالي لوتد الخليل المفروق .

وقد تعرض الأخفش لمثل هذا الزحاف ولم يكن منكرا للوتد المفروق ، وإنما لندرة الزحاف في السبب بعده . قال : " ولم نجد ذهاب نون مستفعلن إلا في شعر لابن الرُقيّات وزعموا أنه كان سبق اللحن ، فمن جعله إماما جوز حذف نونها . ومن لم يجعله إماما لم يجوز حذف ذلك ، قال :

يَتّقي الله في الأمور وقد أفـ ـلَحَ من كان همه الاتّقاء

لام الاتقاء مكسور ، وليس في همه واو بعد الهاء . ويجوز أن لا يكون في هذا البيت زحاف على وجهين : أما وجه ، فقطع ألف التخفيف وهو ضعيف . والوجه الثاني أن تثبت الواو ؛ لأن الحرف الذي بعدها قد تحرك ، وإنما كانت تسقط لسكونه .

فإذا كان لا يوجد نظير لشاهد الخليل إلا بيت مشكوك في إمامة قائله ، وفي طريقة قراءته التي تترجح على سلامته من الزحاف ، تأكد لنا أن شاهد الخليل موضوع لغرض التمثيل على زحاف مصطنع .

ونعود إلى السبب ، وهو عند الخليل حرفان ، فإذا كان ثانيه ساكنا سمي خفيفا ، وإن كان ثانيه متحركا سمي ثقيلا ؛ أي أن الفرق بينهما هو في زيادة الحركة على ثانيه .

ومع أن السبب الخفيف والثقيل كلاهما يفقد ثانيه بالزحاف عند الخليل ، كما أن ثاني الثقيل يسكن فلا يكون بينه وبين الخفيف من فرق يذكر في توالي حروفه ؛ إلا أن الخليل يصر على أن كلا منهما وحدة زمنية مستقلة بذاتها ، وذلك أن معيار التثقيل بينهما هو ظهور الحركة على ثاني السبب .

ولو قال الخليل إن نقرة السبب الخفيف تختلف في إيقاعها عن نقرة السبب الثقيل التي تبيح ظهور الحركة على ثانيه ، مما لا يكون في الخفيف ، لكان أكثر انسجاما في وصفه ، ولجعل منهما وحدة واحدة في الأصل ، مع جعل الثقل نوعا من الزحاف الملتزم إذا أراد أن يفرق بين بحرين كالهزج والوافر أو الرجز والكامل .

ومع ذلك فلم يلتزم الشعراء دائما بالتثقيل في السبب ، وورد عنهم ما يدل على الخلط بين البحور التي ذكرناها . وقد حسم الخليل مسألة التمييز بين هذه البحور المختلطة بالنظر إلى ظهور ما يدل على السبب الثقيل ؛ فإن كانت القصيدة تبدو من الرجز ، وقد أتممت من قراءتها على هذا الإيقاع تسعة وتسعين بيتا وجاء البيت الذي يكمل المائة بسبب ثقيل فيه ، فالقصيدة كلها عند الخليل من الكامل . فهل معنى ذلك أن إيقاع الرجز هو ذاته إيقاع الكامل في تسعة وتسعين بالمائة من أبياته ؟ وهو ما لانظنه ، أم أن المسألة تعني اختلافا في الإيقاع تدركه الأذن المدربة ولكن الخليل تخلص من طرحها على هذا النحو بتقريره التحكمي .

والأمر نفسه ينطبق على الإيقاع بين الهزج والوافر . غير أن الخليل ربما لم يلتفت إلى هذه الظاهرة من الخلط في بحر السريع ، وخاصة في عروضه التي وزنها :

مستفعلن مستفعلن فَعِلن

ومنها قول المرقش :

هل بالديار أنْ تُجيب صَمَمْ لو كان رسْمٌ ناطقاً كَلّمْ

وعدة أبياتها خمسة وثلاثون بيتا ، جاء فيها بالسبب الثقيل في ثلاثة أبيات هي حسب ترتيبها في المفضليات :

18- ما ذنبنا في أن غزا مَلِكٌ مِن آلِ جَفْنةَ حازِمٌ مُرغِمْ

21- بيضٌ مَصاليتٌ وجوههمُ ليست مياهُ ِبحارِهم بِعَمَمْ

34- والعَدْوُ بين المَجلِسينِ إذا ولّى العَشِيّ وقد تَنادى العَمْ

ولم يقل الخليل إن هذه القصيدة يجب أن تعد من الكامل في عروضه الثانية بضربيها ، انسجاما مع حكمه في التفريق بين الرجز والكامل أو الهزج والوافر ، بل إنه استشهد بأحد أبياتها على ضرب من السريع متناسيا حكمه السابق .

والخلاصة في مسألة الوحدات الوزنية ، وهي عند الخليل أربع وحدات هي : السبب الخفيف والثقيل والوتد المجموع والمفروق ، أن من الممكن إقامة النظام العروضي على وحدتين منها هما : السبب الخفيف ، مع الإشارة إلى تثقيله على سبيل الزحاف الملتزم ، والوتد المجموع الذي قد يظهر في النسق بعد سبب أو سببين أو ثلاثة ، فلا يبقى ما يبرر الاحتفاظ بفكرة الوتد المفروق على الإطلاق .

وقد حاول الجوهري التخلص من فكرة الوتد المفروق بوصفه وحدة مستقلة ؛ وذلك بأن جعله صورة من الوتد المجموع يتم فيها التفريق بين متحركيه على سبيل الزحاف ، وبهذا اختصر بحور الخليل إلى اثني عشر بحرا بعدّه المنسرح من الرجز ، حيث تكون مفعولات فيه صورة من مستفعلن بعد تفريق وتدها ، فتصير مستفعلن : مستفعِنْلُ ، وتنقل إلى مفعولات ، وكذلك الأمر في المقتضب الذي يعده الجوهري من الرجز بنفس الطريقة .

والذي نراه أن الجوهري لم يحسم قضية الوتد المفروق بشكل جوهري ؛ فهو متفق مع الخليل في أن عدد الوحدات الوزنية أربع من بينها الوتد المفروق ، ولكن اختلافه مع الخليل هو في عدد الأجزاء التي تتألف من هذه الأسباب والأوتاد . فبينما يرى الخليل أن عدة الأجزاء ثمانية ، نجد الجوهري ينكر منها الجزء مفعولات بحجة أنه " منقول من مستفعلن مفروق الوتد ؛ لأنه لو كان جزءا صحيحا لتركب من مفرده بحر كما تركب من سائر الأجزاء " .

والجوهري ، كذلك ، يتغاضى عن وجود الوتد المفروق في مستفعلن من الخفيف وفاعلاتن من المضارع ولا يرى في هذين الجزئين فرقا عما في مستفعلن في الرجز وفاعلاتن في الرمل ؛ وإلا فكيف يعتبر المضارع مركبا من الهزج والرمل ، ويعد الخفيف مركبا من الرمل والرجز . وكان يجب النظر إلى أن عدد الأجزاء الحقيقي هو عشرة عند الخليل باعتبار ما تتركب منه هذه الأجزاء من أوتاد مختلفة.

والخلاصة في عمل الجوهري أنه كان يسعى إلى نوع من التبسيط السطحي والمخل بعمل الخليل الذي وصف بالتعقيد من زمن بعيد ، ومع ذلك فهو لم يحل مشكلة الوتد المفروق حلا جذريا ، وإنما اقتصر همه على تجنب الإشارة إلى الجزء مفعولات في الأبنية التي وضعها الخليل .

وعلى نحو شبيه بذلك ، نجد حازم القرطاجني يعمل على تغيير تجزئة المنسرح بحيث لا تظهر فيه مفعولات لأنها تنتهي بوتد مفروق يعتقد أنه كالسبب الثقيل لا يقع في نهاية جزء ، ولذلك فهو يرى أن تجزئة المنسرح تكون أفضل على النحو الذي " تكون النقلة فيه من الأثقل إلى الأخف ومن الجزء إلى ما يناسبه ، فبدأوا بالتساعي وتلوه بسباعي يناسبه وتلوه بخماسي يناسب السباعي ، والتزموا الخبن في الضرب وهو جزء القافية . وهذا الوزن هو المنسرح وبناء شطره :

مستفعلاتن مستفعلن فاعلن

والخبن في فاعلن في العروض أحسن " .

وكلام حازم لا يقطع بنفي الوتد المفروق من بناء المنسرح ، فإذا علمنا أن هذا الوتد هو أحد الأرجل الستة التي تتركب منها عنده أجزاء جميع الأوزان ، وأنه لا ينكر إلا مجيء الوتد المفروق آخر الجزء ، ترجّح من ذلك أن قصده من تجزئته للمنسرح كان نقل الوتد إلى منتصف الجزء بدلا من نهايته .

وإذا كان حازم ، مثله مثل الجوهري ، لم يستطع أن يتخلص من شبح الوتد المفروق ، وبالتالي فلم يشر أحد منهما لإمكانية بناء الأوزان بدون الحاجة إلى هذا الوتد ، فإن السعي إلى حل جذري لهذه القضية يبدو أنه لم يتوقف . وقد جاء هذا الحل في صورة اقتراح من المستشرق الألماني " بلوخ " Bloch هو أن تُبنى تجزئة المنسرح والخفيف على الأسباب الخفيفة والأوتاد المجموعة فقط . وبذلك يضيف تفعيلة جديدة تتألف من ثلاثة أسباب ووتد مجموع . ولست على يقين من أبعاد هذه المحاولة الجريئة وما إذا كان يقصد إلغاء الوتد المفروق كلّية من نظام العروض العربي . ومع ذلك يبدو لي اقتراح "بلوخ" جديرا بالأهمية ، وينبغي دراسته بشكل أكثر تعمقا إذا سنحت الظروف للاطلاع على أصل بحثه المنشور بالألمانية عام 1959 م .

ويبدو لي أن مسألة اختصار عدد المكونات الوزنية في النظام العروضي القائم على الأسباب والأوتاد ليست جديدة ، فقد أشار الدمنهوري إلى أن " بعضهم أنكر السبب الثقيل لأنه لا يوجد إلا مع الخفيف ، والخفيف قد يوجد بدونه . فلما كان الثقيل ملزوما للخفيف لم يكن أهلا بنفسه " .

وفي محاولة حديثة للباحثة مالنجMaling نجدها تعيد صياغة أبحر الخليل باستخدام ثلاث وحدات وزنية فقط هي السبب مطلقا والوتد المجموع والوتد المفروق ؛ ولكنها ترى كذلك أن التحليل باستخدام وحدتين فقط ، هما السبب والوتد ، يبقى هدفا مرغوبا فيه طالما يبدو النظام القائم على ثلاث وحدات نادراً .

والذي أراه أن أقامة النظام العروضي باستخدام الوحدتين الوزنيتين الأساسيتين : السبب والوتد المجموع يبدو ممكنا إذا أعدنا النظر في كثير من الزحافات المستقبحة التي ذكرها الخليل ، ووضعناها في إطارها الصحيح من حيث أنها تمثل عيوبا في الوزن في مرحلة من تطور الشعر العربي ، وبحيث لا نولي من الأهمية إلا لما اطرد عليه النظم وساغ في الذوق عند معظم الشعراء .

ومما يؤكد لي قبح تلك الزحافات أن ثمة قوانين كان الشعراء يتبعونها بالسليقة ، فيتلافون بها مواضع الزلل في الإيقاع ؛ فإن لم يراعوا هذه القوانين بان الاضطراب في نظمهم . وقد ذكر المعرّي ضروبا من هذا الاضطراب الذي كان الخليل يعده من الزحافات الجائزة لمجرد أنه وجد له بعض الشواهد المتفرقة .

ولا يخرج هذا النظام المقترح على المبادئ الأصيلة في نظرية العروض العربي للخليل بن أحمد ؛ ذلك أن هذه النظرية تبدو أدق في وصفها ، وأقرب إلى التعبير عن طبيعة الإيقاع العروضي في الشعر العربي من كثير من النظريات الحديثة . ويكفي أنها ـ على الرغم من كل ما يؤخذ عليها ـ لم تقصّر طوال القرون عن مواكبة التطور في أوزان الشعر العربي ، ولم تكف عن متابعة ظواهر هذا التطور بالتحليل كلما دعت الحاجة إلى ذلك .

بسم الله الرحمن الرحيم

مـــقـــدمــة

وضع الخليل بن أحمد نظريته في العروض العربي ، وجعلها " ميزاناً للشعر بها يعرف صحيحه من مكسوره " . غير أنه لا الوحدات التي وُزِن بها الشعر ، ولا القواعد التي أرساها للوزن استطاعت أن تميّز بين ما يطّرد في النظم وما لا يطّرد ؛ وبمعنى آخر ، لم تُعنَ هذه النظرية بتحديد الفروق التي تميز جيد النظم من رديئه .

وقد حاول كثير من العروضيين سدّ هذا النقص بالإشارة إلى الحَسَن والصالح والقبيح من الزحاف في كل وزن على حدة ؛ إلا أنهم وقفوا في ذلك عند حد التقدير الشخصي ، ومعظمه غير مقبول ، ولم يحاول أحد منهم وضع معيار موضوعي يكتسب صفة العمومية في هذا التمييز .

وربما كان الأخفش هو الوحيد الذي يستثنى من بين هؤلاء بمحاولته وضع قاعدة عامة لتحديد ما يحسُن من الزحاف ، وذلك من خلال فكرة اعتماد السبب على الوتد بعده . إلا أن هذه القاعدة تصبح موضع خلاف حين تطبق على بحور كالطويل والبسيط وغيرهما ، ثم إن من الزحاف المستحسن ما قد يكون في السبب الذي لا يعتمد على وتد مثلاً .

ومن هنا جاءت فكرة محاولة تطوير نظرية العروض العربي بحيث تصبح أقدر على وصف ما اطرد في النظم ، وما طاب في الذوق من أوزان . وقد كان للملاحظات السديدة للمعري في تحديده لما يطّرد من النظم وما لا يطّرد ـ بالنظر إلى سعة استقرائه للشعر من جهة ، وسلامة ذوقه الإيقاعي من جهة أخرى ـ أكبر الأثر في استلهامي لقواعد النظم ، وثقتي من ثم بعمومية تطبيقها .

إن الفترة الزمنية التي تفصلنا عن عصر المعري تمتد إلى عشرة قرون ؛ ومع ذلك فحين نقرأ رسالته إلى النُكَتي البَصْري نحسبه يتحدث إلى أحد الشعراء المعاصرين اليوم ، وحين نرجع إلى دراسته لأوزان المتنبي وقوافيه نستطيع بيسر ، وبمجرد تغيير الشواهد فقط ، أن نجعلها دراسة لأوزان شاعر كشوقي مثلاً .

وكلي أمل في أن يضيف هذا البحث جديداً إلى نظرية العروض العربي وفاء لذكرى مؤسسها الخليل بن أحمد الفراهيدي .

سليمان أحمد أبو ستة

عمان في 24 / 6 / 1992

النظام الصوتي:

أنواع الأصوات اللغوية :

يتألف النظام الصوتي للعربية من أربع وثلاثين وحدة صوتية موزعة على النحو التالي :

1- الحركات القصيرة ، وهي : الفتحة ، والضمة ، والكسرة .

2- الحركات الطويلة ، وهي : ألف المد ، وواوه ، وياؤه كما في نحو : نار ونور ونير .

3- أنصاف الحركات ، وهي: الواو والياء لغير المد ، كما في نحو : وجد، يجد،حوض،بيت.

4- الصوامت ، وتشمل باقي الأصوات كالهمزة ، والباء ، والتاء ، ...إلخ .

نسق توالي الأصوات :

تتوالى الأصوات في العربية بحيث يراعى فيها ما يلي :

1- عدم البدء بحركة أو بصامتين متواليين .

2- عدم توالي ثلاثة صوامت .

3- عدم الوقف على حركة قصيرة .

أما عن البدء بحركة ، فلا يوجد في العربية كلمة تبتدئ بالحركة ؛ بل تكون تالية للصامت دائماً . وأما البدء بصامتين ، فكثير من الكلمات ما يبتدئ بصامتين متواليين من نحو ما يرد على صيغة (استفعل) ومصدرها ، كاستقام واستقامة أو ما يرد معرّفاً بلام التعريف كالشمس والقمر مثلاً . ولكي يتلافى العربي البدء في نطقه بصامتين متواليين يورد قبلهما صوت الهمزة المحركة ، وتسمى همزة التخفيف . وأما عن توالي ثلاثة صوامت فهذا أيضا كثير الورود ، ولكن يتم تلافيه بتحريك الأول منها كما في قولنا : الاستقامة . فاللام والسين والتاء ثلاثة صوامت متوالية ، ولذلك لا بد من تحريك اللام بالكسر . وبعضهم يورد همزة التخفيف قبل السين ، وهو ضعيف .

وأما لتلافي الوقف على حركة قصيرة ، فالشائع في ذلك أمران :

الأول : حذف الحركة الأخيرة ، كالوقف على الباء في قولنا : هذا كتابْ .

والثاني : إشباع الحركة الأخيرة ، كالوقف على ألف المد في قولنا : قرأت كتابا .

أنصاف الحركات :

تعتبر أنصاف الحركات نوعاً مستقلاً في النظام الصوتي للعربية لما في طبيعة النطق بها من اختلاف واضح عن النطق بالحركات الخالصة من جهة ، والصوامت من جهة أخرى .

ولما كانت الشروط التي يتحدد بها نسق توالي الأصوات في العربية لا تأخذ في اعتبارها إلا التمييز بين الحركة والصامت فقط ؛ فإن الأمر يتطلب إدراج أنصاف الحركات التي تسمى أيضاً أنصاف الصوامت في واحد من هذين القسمين الرئيسيين .

وعلماء الأصوات متفقون على أن أنصاف الحركات أقرب من حيث طبيعة النطق بها إلى الحركات الخالصة ؛ ولكنهم حين ينظرون إلى الخواص الوظيفية لهذه الأصوات يجدونها ألصق بالصوامت ، ولذلك فإنهم يعتبرونها من الأصوات التي تسلك مسلك الصوامت .

وهذا المسلك هو ما يتيح البدء بنطقها خلافاً للحركة ، وهو أيضا ما يوجب تحريكها إذا توالى بعدها صامتان كما في قولنا مثلاً : اقرأ الكتاب أو اكتب . الواو في ( أو ) نصف حركة متبوعة بصامتين هما الكاف والتاء ، ولذلك لزم تحريكها تلافياً لتوالي ثلاثة صوامت . وهي في هذا المثال أيضا نظير لهمزة القطع في ( اقرأ ) المتبوعة بصامتين هما لام التعريف والكاف .

ولكن هناك حالة نادرة يسلك فيها نصف الحركة مسلك الحركات الخالصة ، فكما يتوالى بعد صوت المد أحياناً صامت مضعّف نحو دابّة وضالّة ، كذلك يمكن توالي هذا الصامت المضعّف بعد نصف الحركة كما في نحو دويبّة ( تصغير دابّة ) وأصيمّ ( تصغير أصمّ ) ، ومع ذلك فالثقل واضح في نطق مثل هذه الكلمات ، ولذلك ندر استخدامها .

أشكال المقاطع اللغوية :

يتخذ النطق بالأصوات اللغوية شكل نبضات بعضها قصير في مدته ، والآخر طويل . ولا يقلّ ما يتألف منه المقطع عن صوتين ، ولا يزيد بحال عن أربعة أصوات .

وفي العربية ثلاثة أشكال من المقاطع هي :

1- المقطع القصير : وهو يتألف من صامت فحركة قصيرة نحو : بِ ، بُ ، بَ .

2- المقطع الطويل : وهو نوعان ، مغلقٌ يتألف من صامت فحركة قصيرة فصامت ، نحو : قدْ ، أو ، لَمْ . ومفتوحٌ يتألف من صامت فحركة طويلة ، نحو : ما ، ذو ، لي .

3- المقطع المديد : وهو يتألف بزيادة صامت على المقطع الطويل بنوعيه ، نحو : بابْ ، بيتْ، نهرْ . بالوقف على هذه الكلمات .

النبر اللغوي :

وهو في معظم تعريفاته لا يخرج عن كونه نوعاً من البروز " لأحد الأصوات أو المقاطع بالنسبة لما يحيط " . وهو يستخدم في بعض اللغات كالإنجليزية مثلا للتفريق بين المعاني ؛ ولذلك يهتم اللغويون بتحديده في قواميس تلك اللغات ، على خلاف العربية ، فإن أصحابها مع اختلافهم في قواعد النبر تبعاً للهجاتهم لا يختلفون في معاني الكلمات . ولعل ذلك كان من أهم الأسباب في عدم التفات اللغويين القدامى لظاهرة النبر .

أما في العصر الحديث فقد زاد الاهتمام بظاهرة النبر من زاويتين :

الأولى : فيما يتعلق بدراسة اللهجات المحلية والمقارنة بين بعضها وبعض .

والثانية : تتعلق بدراسة الأوزان الشعرية من جوانبها المتصلة بالكم أو النبر ، والخلاف الذي نشب حول أهمية أي من هذين الجانبين وغلبته في العروض العربي .

ولما كان النبر في العربية لا يؤثر غالبا في تحديد معنى الكلمات ، فإنه في الشعر خصوصا يفرق بين وزن ووزن كما في الشطر التالي :

يقرأُ أو يَكتبُ أو يَستَلْقِي

فإن وقع النبر على المقطع الثاني من ( يقرأ ) و ( يكتب ) ترجحت قراءة الشطر على وزن الرجز . وإن انسحب النبر إلى المقطع الأول منها أصبح الوزن من الخبب .

ومع ذلك فلا يمكن الاعتماد على النبر في تحديد الأوزان الشعرية لأن ثمة أسساً أكثر فاعلية يتم فيها تحديد الأوزان في دقة أكبر ؛ وإن كان يمكن القول إن هذا الأثر الملاحظ للنبر في التفريق بين بعض الأوزان هو أثر جانبي . وقد بالغ بعض الباحثين في درجة تأثيره إلى حد أنهم حاولوا بناء نظام عروضي شامل من خلال هذا النوع من الملاحظات المتفرقة .

ومن هذه الآثار الجانبية للنبر ما نجده في بعض الضروب حيث يلاحظ انتقال النبر من مكانه المألوف على أحد مقاطع الكلمة إلى موضع آخر يستوجبه الوزن كما في قول المتنبي من البسيط :

أزورُهمْ وسَوادُ الليلِ يَشفعُ لي وأنثني وبياضُ الصُبحِ يُغرِي بي

فلكي يستقيم الإيقاع في إنشاد هذا البيت ، لا بد من نقل النبر في كلمة ( يغري ) من مقطعها الأول إلى الثاني . وبذلك يمكن القول إن النبر هو نتيجة للسياق الإيقاعي المعين وليس سبباً فيه . وهذا السياق الإيقاعي هو ما يتحدد بعناصر ستتم دراستها في التثقيل التالي الذي يتناول النظام الإيقاعي للشعر العربي .

النظام الإيقاعي:

يتألف النظام الإيقاعي للشعر العربي من نوعين من النقرات يسمى الأول سبباً والثاني وتداً . وتتمثل هذه النقرات صوتياً في شكلين من المقاطع هما القصير والطويل بنوعيه . أما المقطع المديد فلا يقع إلا على آخر نقرات النسق عند الوقف التام ، وضمن شروط معينة لوروده ؛ فإن لم تتوفر هذه الشروط يبقى المقطع الطويل هو الغالب على آخر نقرات النسق . ومن البديهي أن المقطع القصير لا يقع آخر النسق ؛ لأنه لا يوقف عليه .

تقدير أزمان النقرات :

يمكن اتخاذ الوحدات الصوتية مقياساً لتقدير أزمان النقرات ؛ فالمقطع القصير يتألف من وحدتين وبذلك يكون الزمن القياسي له مساوياً ( 2 - وحدتين) ، والمقطع الطويل المغلق يتألف من ثلاث وحدات وزمنه يساوي ( 3 – ثلاث وحدات) ، أما المقطع المفتوح فيتألف من وحدتين ولكن زمن الوحدة الثانية هو ضعف زمن الأولى وبذلك يكون زمن هذا المقطع مساوياً ( 3 - ثلاثة وحدات) كذلك . وعلى هذا النحو أيضا يساوي زمن المقطع المديد ( 4 – أربع وحدات) .

وتمثل هذه المقاطع رداء لفظياً للنقرات الإيقاعية من سبب ووتد .

السبب :

أما السبب فنقرة تتراوح في الطول بين حالتي الزحاف وعدم الزحاف الذي قد يزداد في ظروف معينة ليبلغ حداً لا يفي المقطع الطويل بالتعبير عنه ؛ مما يؤدي إلى انقسام نقرته إلى نقرتين منفصلتين .

ويسمى السبب إذا كانت حركته تتراوح بين عدم الزحاف والزحاف خفيفاً ، كما يسمى السبب إذا زادت درجة عدم الزحاف فيه عن حد معين ثقيلاً . وفي هذه الحالة من زيادة الكم الإيقاعي للسبب تنشأ حركة جديدة تتراوح ما بين التثقيل والتخفيف .

ويعبّر المقطع القصير عن السبب في حالة الزحاف ، وكذلك يعبر المقطع الطويل عن السبب في حالة عدم الزحاف . ولما كان زمن المقطع القصير يساوي وحدتين ، وزمن المقطع الطويل يساوي ثلاث وحدات، يصبح متوسط زمن السبب الخفيف وحدتين ونصفاً . وفي كثير من الحالات لا يسبب انتقال السبب بين الزحاف وعدم الزحاف أي خلل في انتظام الإيقاع ؛ لأن هذه الحركة تتذبذب حول متوسط زمن الخفيف بزيادةٍ أو نقصٍ مقداره نصف وحدة .

ولكن في بعض الحالات يلتزم السبب إما الزحاف وإما عدم الزحاف ، وبالتالي تتجمد حركته الإيقاعية فلا يتخذ إلا المقطع القصير وحده ، أو الطويل وحده ، بحسب ما هو عليه من التزام للقبض أو للبسط .

كذلك يعبّر المقطع الطويل عن السبب الثقيل في حالة جعله خفيفا ، ويعبّر المقطعان القصيران المتواليان عن هذا السبب في حال انقسام نقرته من شدة الطول إلى نقرتين منفصلتين . ولما كان زمن المقطع الطويل يساوي ثلاث وحدات ، وزمن المقطعين القصيرين يساوي أربعاً ، فإن متوسط زمن السبب الثقيل يكون مساوياً ثلاث وحدات ونصفاً ، وهو ما يزيد بمقدار وحدة واحدة عن متوسط زمن السبب الخفيف .

وبذلك فإن الرنين الإيقاعي للمقطع الطويل ـ إذا كان معبّراً عن سبب خفيف ـ يختلف بشكل محسوس عن الرنين الإيقاعي لهذا المقطع حين يعبّر عن سبب ثقيل . والأذن المدربة تدرك هذا الاختلاف حين نقرأ البيت التالي :

القَلبُ مِنها مُستريحٌ سالِمٌ والقلبُ مِنّي جاهِدٌ مَجهودُ

وقراءته تحتمل مجيئه على الرجز إذا أسرعت في زمن النطق به ، وتحتمل مجيئه على الكامل إذا أبطأت في نطق مقاطعه . فالفرق بين إيقاعي الرجز والكامل ناشئ فقط عن الاختلاف بين بعض أسباب البحرين من حيث الخفة والثقل .

الوتد :

وأما الوتد فنقرتان ثابتتان ، ونسبة زمن النقرة الأولى إلى الثانية هو 2 : 3 ، حيث تُشغل النقرة الأولى بمقطع قصير والثانية بمقطع طويل . وإذا نحن قارنّا نقرة الأولى بنقرة السبب في قبضه نجدها أقصر منها زمناً ؛ وإن كان ذلك الفارق ضئيلاً ولا يمكن قياسه بالوحدات الصوتية وأشكالها المقطعية المحدودة . كذلك الأمر إذا قارنا نقرة الوتد الثانية بالسبب مبسوطاً ؛ فإننا نجدها أطول زمناً وإن كانت لا تصل إلى الحد الذي تنقسم فيه إلى نقرتين كالسبب الثقيل .

ومع ذلك فقد وجدنا في بعض ما نُظم بالعامية أمثلةً على فَصْلِ نقرة الوتد الثانية ، فمن ذلك أغنية مشهورة لفيروز تقول فيها :

زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة

وهي على وزن مجزوء الوافر ، وكان لَحّنها قديماً الشيخ سيد درويش ، والشاهد فيها أن اللام الثانية والسين والنون من كلمتي ( كل سنة ) جاءت في ثلاثة مقاطع قصيرة على وتد مفاعيلن بدلا من مقطعين قصير فطويل .

والمثال الثاني ورد في أبيات للشاعر العامّي بيرم التونسي غنتها أم كلثوم ، حيث تقول :

الأوله في الغرام والحبِّ شَبَكوني

والثانية بالإمتثال والصبرِ أَمَروني

والثالثة من غير ميعاد راحوا وفاتوني

وهي على مشطور البسيط . وأما الشاهد فيها فهو ورود نقرة الوتد من ( مستفعلن ) الثانية منفصلة في الشطرين الأول والثاني .

وربما كان ذلك مقبولا في العامية لأنه وضع للغناء الذي يتصرف بالمقاطع اللغوية تبعاً للإيقاع اللحني؛ وليس هذا الإيقاع بالضرورة مطابقا تماما للإيقاع الشعري وشروطه . ولو ظهر هذا التصرف في نقرة الوتد الثانية من الشعر الفصيح لعُدّ كسراً .

ولم نورد هذين المثالين من الشعر العامي إلا لنبيّن أن النسبة التي قدّرناها بين نقرتي الوتد تقريبية ؛ لأننا نقيس بمقاطع يعتمد زمنها أساساً على زمن هذه النقرات الحقيقي وليس العكس . ولعله يجدر بنا القول إن تقدير زمن النقرات من سبب ووتد يرجع إلى الطَبْع وحده ؛ فمن العبث إذن أن نسعى إلى تحديد رياضي قاطع في مسألة الإيقاع الشعري .

بتر الوتد :

غالبا ما تتعرض نقرة الوتد الأولى للبتر في نهايات بعض الأشطر أو الأبيات عند الوقف التام . ويسبب هذا البتر الذي ينتج عنه نقص في عدد نقرات النسق خللاً في الإيقاع إن لم يجرِ تعويضه على النحو التالي :

أولاً : ضرورة التزام عدم الزحاف في السبب قبل الوتد المبتور . فإذا كان هذا السبب ملتزماً عدم الزحاف أصلاً ، استُحِب في المقطع الذي يشغله أن يكون مفتوحاً ؛ لأن المقطع المفتوح أقدر من المغلق على التعبير عن زيادة الكم الصوتي .

ثانيا : التزام المقطع المفتوح على نقرة الوتد المتبقية .

وظاهرة بتر الوتد تبدو عامة في معظم الأنساق التي تنتهي بوتد ، أو يلي الوتدَ فيها سببٌ واحد . غير أن الملاحظ في بعض الأنساق أنها تتأبّى على بتر وتدها الأخير مع أنها في الظاهر لا تختلف عن تلك التي تقبل البتر في شيء . وقد أطلتُ التأمل كثيراً في هذه الظاهرة ؛ ولكني لم أستطع الوصول إلى قاعدة لها سوى أني كنت أشعر بثقل واضح للبتر حين يُفرَض على نسقَي الرمل والمتدارك . وأما المتقارب فيلاحظ أن البتر فيه لا يتحقق إلا حين يكون الوتد آخرَ عنصر في النسق ، ومع ذلك يبدو ثقيلاً في الحس .

الأنساق الإيقاعية :

تنتظم الأسباب والأوتاد في أنساق تختلف باختلاف عدد وترتيب هذه الأسباب والأوتاد في كل نسق منها . ويبلغ الحد الأقصى لهذه الأنساق خمسة وأربعين نسقاً في تسع مجموعات ، بحيث تتألف كل مجموعة من عدد من الأنساق المتساوية في عدد عناصرها من الأسباب والأوتاد ، ولكن باختلاف ترتيبها في كل نسق عن غيره في المجموعة ذاتها .

وسنرمز للسبب مطلقاً بالرمز ( 2 ) وللوتد بالرمز ( 3 ) . وفيما يلي قائمة بالمجموعات الوزنية الأساسية :

1-...... 2

2-...... 3 2

3-...... 3 2 2

4-...... 3 2 2 2

5-...... 3 2 3 2 2

6-...... 3 2 3 2 2 2

7-...... 3 2 3 2 2 3 2

8-...... 3 2 3 2 2 3 2 2

9-...... 3 2 3 2 2 3 2 2 2

وتمثل هذه المجموعات الوزنية التسع جميع الأنساق الوزنية الممكنة في الشعر العربي ، ما هومستعمل منها وما هو مهمل .

وتحتوي كل مجموعة على عدد من الأنساق يساوي عدد عناصرها من الأسباب والأوتاد . وفيما يلي قائمة بجميع الأنساق الوزنية حسب ترتيبها في كل مجموعة :

1-1...... 2

1-2...... 3 2

2-2...... 2 3

1-3...... 3 2 2

2-3...... 2 2 3

3-3...... 2 3 2

1-4...... 3 2 2 2

2-4...... 2 2 2 3

3-4...... 2 2 3 2

4-4...... 2 3 2 2

1-5...... 3 2 3 2 2

2-5...... 2 3 2 2 3

3-5...... 3 2 2 3 2

4-5...... 2 2 3 2 3

5-5...... 2 3 2 3 2

1-6...... 3 2 3 2 2 2

2-6...... 2 3 2 2 2 3

3-6...... 3 2 2 2 3 2

4-6...... 2 2 2 3 2 3

5-6...... 2 2 3 2 3 2

6-6...... 2 3 2 3 2 2

1-7...... 3 2 3 2 2 3 2

2-7...... 2 3 2 2 3 2 3

3-7...... 3 2 2 3 2 3 2

4-7...... 2 2 3 2 3 2 3

5-7...... 2 3 2 3 2 3 2

6-7...... 3 2 3 2 3 2 2

7-7...... 2 3 2 3 2 2 3

1-8...... 3 2 3 2 2 3 2 2

2-8...... 2 3 2 2 3 2 2 3

3-8...... 3 2 2 3 2 2 3 2

4-8...... 2 2 3 2 2 3 2 3

5-8...... 2 3 2 2 3 2 3 2

6-8...... 3 2 2 3 2 3 2 2

7-8...... 2 2 3 2 3 2 2 3

8-8...... 2 3 2 3 2 2 3 2

1-9...... 3 2 3 2 2 3 2 2 2

2-9...... 2 3 2 2 3 2 2 2 3

3-9...... 3 2 2 3 2 2 2 3 2

4-9...... 2 2 3 2 2 2 3 2 3

5-9...... 2 3 2 2 2 3 2 3 2

6-9...... 3 2 2 2 3 2 3 2 2

7-9...... 2 2 2 3 2 3 2 2 3

8-9...... 2 2 3 2 3 2 2 3 2

9-9...... 2 3 2 3 2 2 3 2 2

وتعبر هذه الأنساق بشكل مباشر تقريباً عن مختلف الأشكال الوزنية في الشعر العربي قديمه وحديثه ، مما أشار إليه الخليل أو استدركه عليه العروضيون . ولم تتطرق هذه الدراسة لأوزان الموشحات التي لا شك أن عدداً كبيراً منها يوافق هذه الأوزان سواء ما كان منها مستعملاً في الشعر أو مهملاً .

ولم نشر إلى السبب الثقيل في هذه الأنساق ؛ وإن كان يمكن تحديد موضعه في حالتين :

الأولى : حيث لا يشترك الوتد في تأليف النسق ، وبالتالي يكون السبب المقصود هو الثقيل فقط .

والثانية : عندما يتبادل السبب الثقيل مع الخفيف موضع أول السببين في التشكيل الثنائي فقط ، وعندها لا يجب أن يكون في النسق الإيقاعي كله سبب حرّ الحركة قبضاً وبسطاً .

أساليب النظم الشعري :

يجري النظم على أساس من تكرار النسق الإيقاعي المعين عدداً من المرات في كل بيت من أبيات القصيدة . ويتناسب هذا العدد تناسباً عكسياً مع عدد العناصر التي يتألف منها النسق الإيقاعي ؛ فكلما صغر النسق زاد احتمال تكرره عدداً أكبر من المرات ، والعكس بالعكس ومع ذلك فقد كان الشاعر دوماً حراً في الوقف عند الحد الذي يشاؤه في عملية التكرار أو عدمه .

ففي نسق الرجز ، مثلاً ، يبلغ طول البيت أحياناً ستة أنساق ، نحو قول عنترة :

ما دمتُ في أرض العداة غدوةً إلا سقى سيل الدما بقاعها

وأحياناً أربعة أنساق ، نحو قول الشريف الرضي :

يا منجِزاً وعيدَهُ وماطلاً ما وَعَدا

أو ثلاثة أنساق كما في قول ذي الرمّة :

قلت لنفسي حين فاضت أدمعي

يا نفسُ لا مَيّ فمُوتي أو دَعي

ما في التلاقي أبداً من مَطمع ِ

أو نسقين كما في قول دريد بن الصِمّة :

يا ليتني فيها جَذَعْ

أخُبّ فيها وأضع

أقودُ وَطْفاء الزمع

أو حتى نسقاً واحداً بلا تكرار له كقول سلم الخاسر :

موسى المطرْ

غيثٌ بكرْ

ثمّ انهمَرْ

والأمثلة السابقة ، ما عدا الأخير منها ، هي الذائعة في النظم منذ القديم ، وهي النماذج التي أقرها الخليل في نظامه العروضي ، وتتصف بثبات العدد المعين من الأنساق في كل بيت من أبيات القصيدة. غير أن الشعر الحديث بدأ منذ أواسط هذا القرن في عدم الالتزام بعدد من الأنساق في كل بيت . ومما نظمته في مطلع عام 1967 قولي من قصيدة على الرجز :

بكيت للسنابل الخضراء في حقول قريتي

لمِنجَلي وفأسيَ القديمْ

ورثتُهُ ،

وللحَمام رفّ في سماء بلدتي

بكيت إذ فقدت في لهيب غربتي

بساطة الحياة

ومن ذلك يمكن تحديد أساليب النظم التي خَبِرها الشعر العربي خلال مسيرته الطويلة في نوعين رئيسيين هما : النظم المقيد والنظم الحر .

أما النظم المقيد فهو قسمان : قسم يتصل فيه النظم في البيت بلا انقطاع حتى الوقف التام عند الضرب ، وقسم ينقطع فيه النظم في منتصف البيت عند العروض ، لتوقّفٍ قصير ، يستمر بعده النظم حتى الوقف التام . والعروض والضرب هما آخر تشكيل سببي ووتد في كل شطر من شطري البيت ، ولذلك فالبيت المتصل لا عروض له .

وأما النظم الحر فأبياته متصلة النسق مهما بلغ عددها ، ومهما طال البيت الذي تُعرَف نهايته عند الوقف التام .

وقد بالغ بعض الشعراء في تأخير الوقف التام إلى آخر القصيدة فيما يعرف بالتدوير ، ولكن الغالب هو في تفاوت أطوال الأبيات تفاوتاً محدوداً حسب مقتضيات المعنى ، أو تحقيقاً لنوع من جماليات الشكل الموسيقي في النظم .

والأنساق التي تصلح للنظم الحر ، لأنها قابلة للتكرار بأكثر من غيرها ، هي الأنساق التي تضمّها المجموعات الوزنية الثلاث الأولى ، وتشتمل على ثمانية بحور هي :

الخبب ، والمتقارب ، والمتدارك ، والهزج ، والوافر ، والرجز ، والكامل ، والرمل مع الندرة في استخدام الهزج أو اختلاطه بالوافر . وقد حاول بعض الشعراء المحدثين النظم على أنساق من المجموعتين الرابعة والخامسة ، وبالذات من مُخلّع البسيط والبسيط والطويل ، ولكن لم يكتب لهذه المحاولات الاستمرار . كما حاول محمود درويش استخدام نسق البسيط في النظم الحر بطريقة مغايرة ؛ وذلك بأن كرر الجزء الثاني وهو السبب والوتد الأخيران فقط في قصيدته " المدينة المحتلة " من ديوان " أحبك أو لا أحبك " ، حيث يقول :

الطفلة احترقت أمها

أمامها ،

احترقت كالمساء

وعلموها : يصير اسمها

في السنة القادمة

سيدة الشهداء

وسوف تأتي إليها إذا وافق الأنبياء

وهذا الوزن أقرب إلى النسق رقم ( 4-7 ) ، وهو بحر لم يذكره الخليل ، وكان أول من أشار إليه الجوهري فحازم القرطاجني فنازك الملائكة ، دون أن يعلم اللاحق بما ذكر السابق .

قواعد النظم الشعري :

لا يكتمل البناء الوزني للقصيدة فقط حين يتحدد النسق الإيقاعي ويتقرر عدد مرات تكراره في البيت إذا كان من النظم المقيد ، أو يُترك القرار للشاعر إذا كان النظم حراً . ولكن يكتمل البناء الوزني بشكل نهائي عند تحديد الحركة الإيقاعية للأسباب والأوتاد في أنساقها المتوالية في كل بيت منها .

وتتحدد الحركة الإيقاعية للأسباب بالنظر إلى تشكيلاتها المختلفة في البيت وموقعها منه سواء كان ذلك في الحشو أو العروض أو الضرب . والحشوُ هو ما خلا العروض والضرب من أسباب وأوتاد .

والتشكيلات السببية ثلاثة :

- تشكيل أحادي : وهو سبب لا يليه سبب مثله .

- وتشكيل ثنائي : وهو سببان متجاوران لا يليهما سبب آخر .

- وتشكيل ثلاثي : وهو ثلاثة أسباب متجاورة . وهذا هو الحد الأقصى لتوالى الأسباب .

ويتخذ السبب في حركته إحدى الحالات التالية :

1- حالة حرية الحركة بين عدم الزحاف والزحاف ، وسنرمز له بالرمز ( 2 ) ، وهو رمز السبب مطلقاً .

2- حالة التزام عدم الزحاف ، ونرمز له فيها بالرمز ]2[ ، وهو شرطة مائلة منقوطة من أسفل .

3- حالة التزام الزحاف ، ونرمز له فيها بالرمز [2] ، وهو شرطة مائلة منقوطة من أعلى .

4- حالة تثقيل السبب ، ونرمز له فيها بالرمز (2) إذا كان السبب منفصلاً ، أو بالرمز

( 2) إذا كان السبب متصلاً ، مع التأكيد على أن الرمز الأول يدل على حرية الحركة في السبب الثقيل بين التثقيل والتخفيف ، وأما الرمز الثاني فيدل على حالة التزام التخفيف فقط .

أما الوتد فحركته ثابتة ؛ إلا أنها تتعرض أحياناً في الضرب لعملية البتر التي أشرنا إليها من قبل ، وبذلك يكون رمز الوتد المبتور هو 2* ، وهو لا يلتبس برمز السبب المتصل أبداً .

وفيما يلي بيان بالقوانين التي تحكُم حرية السبب :

1- التشكيل الأحادي :

أ‌- في الحشو : يكون السبب حر الحركة قبضاً وبسطاً .

مثال ذلك من المتدارك :

2 ]2[ 3 2 3 ]2[ ]2[ 3 | [2] 3

حيث يفصل الخط العمودي بين الحشو من جهة ، والعروض أو الضرب من جهة أخرى .

ب‌- في العروض : يلتزم السبب إما عدم الزحاف وإما الزحاف .

فهو يلتزم عدم الزحاف إذا كان أول سبب يسبقه حر الحركة كما في المثال السابق من المتدارك .

وهو يلتزم الزحاف إذا كان أول سبب يسبقه ملتزماً عدم الزحاف ، مثال ذلك من البسيط :

2 ]2[ 3 2 3 ]2[ ]2[ 3 | ]2[ 2*

ج - في الضرب :لا تختلف حركة السبب الأحادي في الضرب عنها في العروض ؛ إلا

إذا تعرض الوتد بعده للبتر فيلتزم عدم الزحاف ، مثال ذلك من البسيط أيضا :

2 2 3 2 3 2 2 3 | ]2[ 2*

2- التشكيل الثنائي :

أ‌- في الحشو :

القاعدة العامة التي تحكم هذا التشكيل هي أنه لا يجوز قبض السببين معاً ،

ومع ذلك يجوز بسطهما معاً ، وكذلك يمتنع قبض السبب الأول منهما إذا

وقع التشكيل بين وتدين ، كما يمتنع قبض السبب الثاني ما لم يكن أول

سبب يليه من بعده ملتزماً عدم الزحاف .

والرجز هو البحر الوحيد الذي لا يتقيد بهذه القاعدة .

ب‌- في العروض :

يلتزم السبب الأول عدم الزحاف ، وبذلك يكون السبب الثاني حر الحركة قبضاً وبسطاً . مثال ذلك من الرمل ( 2-8 ) :

2 3 ]2[ 2 3 | ]2[ 2 3

وليس إلا عروضُ الطويل ما يخالف هذه القاعدة ، ففيه يلتزم السببُ الأولُ الزحاف ليتجمّد هذا التشكيل عند صورة الوتد فلا يفارقها .

ج‌- في الضرب :

لا تختلف حركة هذا التشكيل في الضرب عنها في العروض إلا أن السبب الثاني يلتزم عدم الزحاف أيضاً إذا كان آخر عنصر في البيت ( لأنه لا يوقف على متحرك ) مثال ذلك من الهزج :

3 ]2[ 2 3 ]2[ ]2[

وأما ضربُ الطويل فإن التشكيل السببيّ فيه ، إذ يأخذُ صورة الوتد ، يصبح عرضةً للبتر مثله ، وذلك بأن يفقد سببه الأول ، وعندئذ لا بد من التزام المقطع المفتوح على السبب المتبقّي والوتد قبله . كما لا بد للسبب الذي يسبق الوتد أن يلتزم الزحاف ، وإن كان واقعاً في الحشو ، وذلك نتيجة لالتزام المقطع المفتوح على وتد الضرب .

ويمكن للسبب الملتزم الزحاف في عروض الطويل أن ينتقل إلى عدم الزحاف في ضربه . وفيما يلي بيان الحركة الإيقاعية لبحر الطويل في ضروبه المختلفة :

3 2 3 ]2[ ]2[ 3 2 | 3 [2] ]2[

| 3 ]2[ ]2[

[2] | 3 ]2[

3- التشكيل الثلاثي :

أ‌- في الحشو : يلتزم السببان الأول والثالث عدم الزحاف . أما السبب الثاني فيكون حر الحركة قبضاً وبسطاً مع الميل إلى الزحاف أكثر من عدم الزحاف بنسبة كبيرة تبلغ في قصار البحور كالمضارع والمقتضب أقصاها أي مائة في المائة .

ب‌- في العروض والضرب : تلتزم الأسباب الثلاثة بعدم الزحاف في أولها وثالثها ، والزحاف في ثانيها . مثال ذلك مجزوء الخفيف ( 2-6 ) :

2 3 | ]2[ [2] ]2[ 3

حذف السبب الأخير وزيادته :

يمكن في بعض الأنساق التي تنتهي بسبب أحادي حذفُ هذا السبب في العروض أو الضرب أو كليهما . فمما يلاحظ حذف سببه الأخير في العروض أو الضرب بكثرة بحرُ المتقارب . ومما لوحظ الحذف في ضربه فقط بحر المضارع ، وكذلك يتعرض بحرا الرمل والخفيف للحذف ، وهو ما سنشير إلى أمثلته في الجزء التطبيقي من الكتاب .

كما يمكن لبعض الأنساق التي تنتهي بالوتد زيادةُ السبب الخفيف في الضرب ، وقد لوحظ ذلك في الكامل والمتدارك والرجز . ومع ذلك فهناك من الأنساق التي تنتهي بسبب أحادي ما لا تتعرض للحذف ، كالوافر مثلاً . وهناك من الأنساق التي تنتهي بوتد ما لا يُزاد عليه السبب ، كالبسيط .

ويبدو لي أن الوصول إلى قاعدة عامة تحكم حذف السبب أو زيادته يحتاج إلى مزيد من الاستقصاء لمعرفة الشروط الخاصة بالحذف والزيادة ، لا سيما وأن هذه الظاهرة قد تكون محل اعتراض من البعض لمجرد أن بعض أمثلتها لم تلاحظ في الشعر القديم .

العلاقة بين الوحدات الصوتية والوحدات الإيقاعية :

تنشأ بين الوحدات الإيقاعية ومقابلاتها الصوتية علاقة محددة تتمثل في الانتقاء الدقيق للأسباب والأوتاد في حركتها الإيقاعية لأشكال من المقاطع اللغوية التي تلائم هذه الحركة في مختلف مناطق البيت من حشو وعروض وضرب . ومن أبرز مظاهر هذه العلاقة وأشدها وضوحاً امتناع الأسباب أو الأوتاد عن استخدام المقطع المديد في الحشو والعروض ، والاقتصار على استخدامه في بعض الأضرب دون بعض . ومن الممكن تفسير عدم استخدام المقطع المديد في الحشو بثقل ظهور هذا المقطع في وصل الكلام ، وهو ما يلاحظ تجنبه في النثر أيضاً ، إلا للضرورة في المعنى أو للتصريف فيما يُشتق من الفعل المضعّف . ومع أن الشاعر قادر على التصرف في الكلام بحيث لا يضطر إلى إيراد المقطع المديد في التخفيف ؛ إلا أننا لا نعدم العثور على أمثلة تبدو من الندرة بحيث لا تصلح أن تكون قاعدة لإباحة استخدام المقطع المديد في الحشو . فمن ذلك قول حافظ إبراهيم :

فغنّ ربوع النيل واعطف بنظرة على ساكني النهرين واصدح وأبدع

ولو قال : على ساكن النهرين لاختلف المعنى بين المفرد والجمع . ومما لاحظته في قصيدة لي على الخبب ( عام 1966 ) قولي :

تتخثّر بالحزن حوافّ الليل الحالك

يستلقي فوق القرميد

والشيخ يقص حكاية

....

ولكن يبدو لي أن الإنشاد الجيد يتكفل أحيانا بالتخفيف من ثقل هذا المقطع بحيث قد يمرّ دون أن يُلتفت إليه . كذلك يمتنع استخدام المقطع المديد في العروض ؛ لأنها وإن كانت مظنّة للوقف ، إلا أن الوقف عليها غير تام كما هو الحال في الضرب . وأشهر الأمثلة على ورود المقطع المديد في العروض، وأكثرها معرضاً للخلاف ، شاهد الخليل على القصر في عروض المتقارب :

فرُمْن القصاص وكان التقاصّ حتماً وفرضاً على المسلمينا

وبعضهم يرى أن " الرواية الجيدة : وكان القصاصُ ، حتى لا يجتمع ساكنان " .

وأما في الضرب ، حيث يكون الوقف تاماً وبذلك تتهيأ الظروف لوقوع المقطع المديد ، فإن الملاحظ على إمكانية استخدامه أنها ترتبط بشروط معينة يمكن بيانها في القاعدة التالية :

عند الوقف التام ، يجوز استخدام المقطع المديد على الوتد الصحيح غير المسبوق بسبب ملتزم الزحاف، كما يجوز استخدامه على السبب ما لم يكن مسبوقاً بالوتد .

ومن الممكن استنادا إلى هذه القاعدة تفسير ورود المقطع المديد على أضرب لم يذكرها الخليل ، ومع ذلك نجدها مقبولة في الحسّ ، أو ورود المقطع المديد على شذوذ في بعض الأضرب ، وإن كان الخليل أقرها في نظامه .

فمما لم يُسمع في الشعر القديم ورود المقطع المديد على ضرب الوافر الذي ينتهي بسببين ، ويمكن تسميته بمصطلح الخليل " الإسباغ أو التسبيغ "، ومع ذلك ظهر في الشعر الحر . تقول فدوى طوقان:

على أبواب يافا يا أحبّائي

وفي فوضى حطام الدور

بين الردْم والشوك

وقفتُ وقلت للعينينْ

قفا نبك

على أطلال من رحلوا وفاتوها

تنادي من بناها الدارْ

وتنعى من بناها الدارْ

....

ففي قولها ( العينين ) و ( الدار) مقطع مديد . وقد شذّ شاهد الخليل على التسبيغ في الرمل وهو قوله:

ياخليليّ ارْبعا واستخبرا رسماً بعسفانْ

ويرجع الشذوذ فيه إلى ورود المقطع المديد على السبب المسبوق بالوتد . وقد رأى المعرّي أن " هذا الوزن لم تستعمله العرب ، وأن هذا البيت من وضع الخليل " .

كما شذّ ما نُسب استدراكُه إلى الأخفش من إثباته للقصر في ضرب الهزج ، شاهده :

ولو أُرسلتُ من حبك مبهوتاً إلى الصينْ

لوافيتك عند الصبح أو حين تُصلّينْ

وذلك للسبب نفسه .

ويلاحظ الثقل في ضرب الرجز المبتور الوتد ، شاهده :

كأنني فوق أقبّ سهْوقٍ جأْبٍ إذا عشّر صاتي الإرنانْ

والخليل يعد الشطر الثاني من السريع بوتد مفروق في آخره . والسبب في ثقله راجع إلى وقوع المقطع المديد على الوتد المبتور ؛ وإن كنا نلاحظ تمرد الرجز على معظم القواعد بشكل لا نظير له في غيره من البحور .

وغير المقطع المديد ، هناك المقطع المديد بنوعيه : المغلق والمفتوح . ومع أن هذين النوعين متساويان في الطول بحيث يمكن التبادل بينهما بحرية على الأسباب والأوتاد ؛ إلا أنه يلاحظ في بعض الأضرب امتناعها عن استخدام المقطع المغلق ، وإيثارها للمقطع المفتوح .

والسبب في ذلك يرجع إلى إمكانية المد في المقطع المفتوح ليفي بمتطلبات زيادة الكم الإيقاعي في السبب أو الوتد بما لا يستطيعه المقطع المغلق . وكنا أشرنا إلى وجوب استخدام المقطع المفتوح أو استحسان وروده في بعض ضروبه عند حديثنا عن ظاهرة بتر الوتد .

أما في غير حالة البتر ، فيلاحظ في بعض الضروب امتناعها على الانتهاء بمقطع مغلق ، وهي تلك التي يُشترط في قوافيها الإطلاق . والقاعدة العامة لذلك هي أنه : يمتنع إيراد المقطع المغلق على الوتد المسبوق بسبب ملتزم الزحاف . والشواهد على ذلك كثيرة ، ويمكن التماسها في ضروب البسيط ، والمديد ، والمنسرح ، والمقتضب وغيرها مما يكون الوتد مسبوقا بسبب ملتزم الزحاف .

وربما لوحظ ورود المقطع المغلق في أمثلة يبدو أنها تمثل شذوذاً لهذه القاعدة ، ولكن بشيء من التأمل في الأصوات التي تؤلف نهاية لهذا المقطع يتبين أن الفتح فيها أقرب من الإغلاق ، ولو من باب الشيوع الذي تصطبغ به بعض الصوامت كالهاء والكاف حين يدل الأول على التأنيث أو يكونان من الضمائر . فمن ذلك قول المتنبي مما لا شذوذ فيه ، وهو من المنسرح :

لا تحسبوا ربعكُم ولا طلله أوّلُ حيّ فراقُكم قتله

قد تلفت قبله النفوس بكم وأكثرت في هواكم العذلة

والفتح واضح في صوت الهاء حيث يخرج النفس بقدر من الحرية عند النطق بها في الوقف . لكن الكاف لا يمكن أن توصف إلا بالإغلاق وذلك أن النفس ينحبس عند النطق بها ، ومع ذلك يمكن تلمّس قربها من أصوات المد أو الهاء في أنها مثلهن شائعة بوصفها ضمير مخاطب متصل . ومن هذه الزاوية يمكن الدفاع عن بيتين لابن الرومي يرى فيهما المعري وإبراهيم أنيس ثقلاً ناجماً عن التقييد فيما يجب فيه الإطلاق . قال ابن الرومي ( من الوافر ) :

أبا عثمان أنت قريعُ قومكْ وجُودك للعشيرة دون لومكْ

تمتّع من أخيك فما أراه يراك ولا تراه بعد يومكْ

القافية :

وهي ظاهرة صوتية تتردد في نهايات الأبيات عند الوقف التام ، ويؤدي الالتزام بها إلى تحديد حركة الأسباب والأوتاد في الضرب بحيث تجمد عند صورة معينة لا تفارقها إلا بالقدر الذي تسمح به القافية . ولو لم يكن للقافية مثل هذا الدور في تثبيت صورة الضرب لقل عدد الضروب التي أثبتها الخليل . ولو رجعت إلى القصائد التي ينوع أصحابها في القافية لوجدت ضروبها تختلف مع أنها لا تخرج عن وحدة الوزن سواء كان ذلك على النمط المقيد أو الحر من النظم .

والقافية ، تحديداً ، هي صوت الرويّ وما قد يليه من أصوات مع نوع الصوت الذي يسبقه ، ولنسمّه ـ توسّعاً في المصطلح ـ الردْف . وهذا الردف إذا كان حركة قصيرة ، وكان ثاني صوت يسبقه ألف مدّ ، التُزم هذان الصوتان بعينهما ، وليس بنوعهما فقط ، وتسمّى هذه الألفُ ألف التأسيس .

وإذن فكل الأصوات التي ذكرناها في القافية تلتزم بعينها إلا صوت الردف حين لا تكون القافية مؤسسة ، وكل ما يخالف هذا التحديد يدخل في باب عيوب القافية التي أفاض العروضيون في ذكرها. فمن ذلك الإقواء والإصراف ، وهما اختلاف حركة الروي ، ومثاله الذي اشتهر في قول النابغة :

من آل مية رائحٌ أو مغتدي عجلان ذا زادٍ وغير مُزوّد

وقوله بعد ذلك : وبذاك خبّرنا الغرابُ الأسْودُ

فحاء بالإقواء وهو اختلاف المجرى بين الضمّ والكسر . وهذا العيب يدخل في عدم الالتزام بما يلي الرويّ من أصوات . ومن العيوب في اختلاف الروي ذاته ما يُسمّى بالإكفاء والإجازة ، كقول الراجز :

ما تنقمُ الحرْب العوان منّي

بازلُ عامين حديثٌ سنّي

لمثل هذا ولدتني أمّي

ويسمى العيب هنا إكفاء إذا تقاربت مخارج حروف القافية . أما الإجازة فتطلق على ما تباعدت مخارجه من صوت الروي ، كقول بعضهم :

خليليّ سيرا واتركا الرحل إنني بمهلكة والعاقبات تدورُ

فبيناه يشري رحله قال قائل لمن جملٌ رخو الملاط نجيبُ

ومن العيوب في اختلاف الردف ما يسمى بسناد الردف ، كقول شوقي :

سلامٌ كلما صليت عرياناً وفي اللبد

وفي زاوية السجن وفي سلسلة القيْد

فالردف هنا صامت في بيت ونصف حركة في الآخر ، وعلى ذلك يعتبر من العيوب ما يسمى بالتحريد ، وهو عند العروضيين اختلاف الضروب في القصيدة الواحدة ، كقول بعضهم في الطويل :

إذا أنت فضّلت امرأ ذا نباهةٍ على ناقصٍ كان المديح من النقْص

ألم تر أنّ السيف ينقُص قدره إذا قيل هذا السيفُ خيرٌ من العُصي

فالردف بمفهومنا هنا صامتٌ في البيت الأول ، وحركةٌ قصيرةٌ في الثاني .

وربما اختلف الضربان من الطويل في قصيدة ، فلا يكون تحريد فيه لأن الردف لم يختلف .فمن ذلك قول على محمود طه في قصيدته " العشاق الثلاثة " :

وأمعن في تفكيره القمرُ الزاهي ومرّ بأرضٍ ذات عشْب وأمواه

يُناجيه منها عاشقٌ ذو ضراعةٍ مناجاة صوفّي لطيف إله

وإذا كان الكم الصوتي لألف المد أعظم مما لها في البيت الأول . ومع ذلك فلا نتفق مع نازك الملائكة في قولها عن هذين البيتين : " إن السمع المدرّب لا يطيق أن يجتمعا ، وإنما ينفر من ذلك نفوراً شديداً . وهي بلا شك تلتفت في ذلك إلى التحريد عند قولها إنه " لم يُسمع قطّ أن العرب جمعوا بين تشكيلتين في القصيدة الواحدة " وليس إلى السمع المدرب ؛ لأن سمع مبدع القصيدة نفسه مدرب أيضاً ، ومع ذلك لم يلفته إلى هذا الفرق الضئيل أو الدقيق في صوت المدّ الذي يحتاج إلى جهاز لقياسه .

ويذكر بعض العروضيين أيضا سناد التوجيه ، وهو اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد ؛ أي أن الاختلاف ليس في نوع الصوت ، بل في عينه . ومن ذلك قول امرئ القيس :

فلما دنوتُ تسدّيتُها فثوباً نسيتُ وثوباً أجُرّْ

ولم يرنا كالئٌ كاشحٌ ولم يفشُ منا لدى البيت سرّْ

وقد رابني قولُها يا هنا هُ ويحك ألحقت شرّاً بشرّْ

ولا نرى ذلك عيباً ، كما لم يره الأخفش عيباً ؛ وإن كان الخليل " لا يرى مانعاً من اختلاف هذه الحركة بين الضمة والكسرة " .

ومع أن ألف المدّ وواوها وياءها هنّ من نوع واحد ؛ إلا أنه لا يتقارض منها في الردف إلا الواو والياء ، وربما كان السبب في ذلك يرجع إلى تقارب الذبذبات المميزة لكل من واو المد ويائها ، وتباعد ذبذبات ألف المد عن كل منهما بما يقرب من الضعف .

الأوزان الشعرية

( 1 ) الخبب :

يتألف نسقه الإيقاعي من السبب الثقيل منفصلاً ومتصلاً ؛ فمما جاء منه في النظم المقيّد متصلاً ما ينسب إلى الخليل بن أحمد قوله :

هذا عمرو يَستعفي مِن زيدٍ عند الفَضْل القاضي

فَانْهَوْا عَمْراً إني أخشى صَول اللَيث العادي الماضي

ومما تَوالى فيه سببٌ منفصلٌ فآخَر متصلٌ قولُ الخليل أيضاً :

سُئلوا فَأبَوا فلقد بَخلوا فَلَبئسَ لَعَمْركَ ما فعلوا

أبكيتَ على طَلَلٍ طَرَباً فَشَجاكَ وأحزنك الطللُ

ولما كان الخليل لم يذكر هذا النسق في نظامه العروضي ، وكان كل ما رُوي على هذا النسق لا يسبق ظهورُه عصرَ الخليل إلا ما يُنسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من قوله على مثال دقّ الناقوس :

حَقّاً حَقّاً حَقّاً حَقّا صِدْقاً صِدْقاً صِدْقاً صِدْقا

يابن الدنْيا جَمْعاً جَمْعاً إنّ الدنيا قد غَرّتنا

يابْنَ الدنيا مَهلا ً مَهلاً لسنا ندري ما فرطنا

ما مِن يَومٍ يَمضي عنّا إلا أوْهَى منّا رُكنا

فإنّ مسألة التحديد القاطع لمولد الخبب تبقى إذن موضع خلاف . وقد نُسب وضع هذا البحر، مرتبطاً مع بحر آخر هو المتدارك ، إلى الأخفش ؛ إلا أن ظهور كتابيه في العروض والقافية يقطعان بزيف هذه النسبة . والاحتمال الأقرب إلى الواقع أن هذا الوزن ظهر في عصر متأخر بقليل عن الخليل والأخفش ، على يد بعض المغمورين ؛ ولكن أرادوا له الذيوع أو شرف الاستعمال بنسبته إلى أهل الفضل والنباهة ممن ذكرنا .

ولا شك أن هذا الوزن هو من أثر الغناء الذي تطور في العصر العباسي ، وفي إيقاعه طرب واضح يشي بهذا الأثر . ومنذ ذلك الحين وحتى أوائل القرن العشرين ظلّ الشعراء يلتزمون وَصْلَ كلّ ثاني سببين في البيت على النحو التالي: (2) 2 (2) 2 (2) 2 (2) 2

مع حرية السبب الآخر بين الخفيف والثقيل ، مثال ذلك قصيدة أبي الحسن القيرواني التي اشتهرت بكثرة معارضاتها وأولُها :

يا ليلُ الصَبُّ متى غدُهُ أقِيامُ الساعة موعدُهُ

رقَد السُمّار وأرّقهُ أسَفٌ للبَين يردّدُهُ

وممن عارضها شوقي بقوله :

مُضناكَ جَفاهُ مَرقدُهُ وبَكاهُ ورَحّمَ عُوّدُهُ

حَيرانُ القلْبِ مُعَذّبُهُ مَقروحُ الجفْنِ مُسهّدُهُ

ولم يُسجّل أي ظهور لإمكانية فصل ثاني السببين المتتاليين إلا في أواسط هذا القرن حين أثارت نازك الملائكة قضية هذا الفصل ، وجادلت فيما ظنه البعض خللا عروضيا وقعت فيه . والواقع أن هذا الخلل المقبول وُجد عند شوقي ولم ينتبه إليه معاصروه في حينه ، يقول :

نَتّخِذ الشمسَ لَها تاجا وضُحاها عَرشاً وهّاجا

ففي قوله ( نتخذ ) يقع الفصل على السبب الثاني بدلا من الأول .

كما وجدتُ عند إيليا أبي ماضي في قصيدته " الأشباح الثلاثة " تصرّفَه في فصل ثاني السببين في أكثر من موضع من البيت ، يقول :

راودَني النوم وما بَرِحا حتى طأطأتُ له راسي

..........

فوقفتُ بعيداً أتطلّعْ فلمحتُ ثلاثة أشباحِ

.........

أو نَجبِل ماء وترابا ونُشِيدُ بيوتاً وقِبابا

وغير ذلك مما لم ينتبه إليه طه حسين في نقده المرّ والهازئ لموسيقى هذه القصيدة .

غير أنه لم يتوال في هذا الوزن سببان منفصلان إلا قريبا ؛ وذلك بعد أن اطرّد النظم في الشعر الحرّ على هذا الوزن اطرادا كبيرا . فمن بدايات ذلك ما جاء في قصيدة للشاعر مجاهد عبد المنعم مجاهد حيث يقول :

كان اكتمل لَها التكوين

ثم تجيء لتستلقي بجوار رجال القرن العشرين

وقد ظل العروضيون ينظرون إلى هذا الوزن على أساس من التفعيلة سواء كانت ( فَعِلن ) أو ( فاعِلُ) أو غير ذلك مما يرونه مؤلفا من أسباب ثقيلة وخفيفة بعد أن كانوا يربطونه بالمتدارك في تفعيلته المؤلفة من سبب فوتد .

وقد رأينا أنه لا موقع للسبب الخفيف في هذا الوزن ، وإنما يتألف بكامله من السبب الثقيل وحده ، وبحيث يمكن للشاعر أن يورد أي عدد من الأسباب المنفصلة بحرية شبه مطلقة، كما في قول معين بسيسو :

منذ خرجنا من تلك الزنزانة

سقطت من يدنا الرمانة

منذ خرجنا من تلك الحجرة فوق السطح

سقط كحجر فوق الأرض الجرح

فقد الذاكرة وفقد حقيبته الجرح

وتقطيع البيت الأخير كما يلي: (2) .. ه 2 (2) (2) (2) (2) 2 (2) 2 2 2

وفيه تتوالى أربعة أسباب منفصلة ، وهو ما لم أجد أحدا من الشعراء بلغ في ذلك مبلغ بسيسو .

ويخضع توالي الأسباب المنفصلة بكثرة لقيد لغوي منع العرب قديما من استخدامه فيما يسمى بكثرة توالي المتحركات ، وذلك لثقله في النطق . ولكن يبدو أن عملية مراعاة النبر تخفف من وطأة هذا الثقل إذا وافق نبرُ الكلمات نبرَ النسق الإيقاعي ، وخاصة في مقاطعه القصيرة حين يزداد تواليها بأكثر من أربعة مقاطع . ففي هذه الحالة لا بد أن يقع النبر على الأول منها ثم الخامس فالتاسع ...وهكذا .

فإذا وافق نبرُ الكلمات الطبيعي هذا النسقَ لم نشعر بخلل في إيقاعه ، كأن تقول مثلا :

جَلَسَ وَقَرَأَ وَكَتَبَ وَقَامْ

فالنبر الواقع على المقطع الأول من كل من ( جلس ، قرأ ، كتب ) موافق تماما لهذا النسق الإيقاعي . وكذلك في قول بسيسو : ( فقد الذاكرة وفقد حقيبته ) يقع النبر الطبيعي ، كما أحسه ، على المقطع ( كَ ) من ( الذاكرة ) ، والمقطع ( فَ ) من ( فقد) .

ومن الممكن أن يقع نبر ثانوي بعد كل نبر رئيسي يفصله عنه مقطع خال من النبر ، هكذا :

.س . .ص .

حيث يشير الرمز ( س ) إلى النبر الرئيسي على النقرة ، والرمز ( ص ) إلى النبر الثانوي ، وهو أضعف من الأول . ولعل ذلك يفسر ثقل قراءتي للبيت الثاني من قول معين بسيسو :

أطلقتُ سَراح الماردْ

فوهبني خمسة عيدانِ ثقاب

ما لم أضع النبر على المقطع ( فَ ) والمقطع ( هـَ ) من كلمة ( فوهبني ) . والأول من حروف العطف ، ونبرُه في العادة إما ضعيف بالمقارنة بما يليه ، أو لا نبر عليه إطلاقا .

( 1-2 ) المتقارب (3 2 ) :

ومن الأمثلة عليه في النظم المقيد قول علي محمود طه :

أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا

أنتركهم يغصبون العروبــــة مجد الأبوة والسؤددا

وليسوا بغير صليل السيوف يجيبون صوتا لنا أو صدى

والنسق الوزني لهذه الأبيات هو :

3 2 3 2 3 2|3 2

]2[|3

حيث يمكن في العروض والضرب حذف السبب الأخير ، وبذلك يدخل السبب قبلهما ، وهو في الحشو أساساً ، إلى منطقة العروض أو الضرب .

ويمكن ورود المقطع المديد على الوتد في آخره ، شاهده الخليلي :

ويأوي إلى نسوةٍ بائساتٍ وشُعثٍ مراضيع مثل السعالْ

وكذلك بتر الوتد ، شاهده :

خليليّ عُوجا على رسم دارٍ خلتْ من سُليمى ومن ميّةْ

ورمزه الإيقاعي :

3 2 3 2 3 2|3 2

]2[|3

وذكر فيه الجوهري ما ورد على ستة أنساق في البيت ، شاهده عنده :

لقد غرّ نفسي مُناها بسلْمى وديني هواها

ولكنه عند الخليل باشتراط الحذف في سببه الأخير في كلا العروض والضرب ، شاهده عند الخليل :

أمن دمنةٍ أقفرتْ لسلمى بذات الغضا

وأرى أن قول الجوهري أعم ؛ لأن الشعراء لم يلتزموا ببيت الخليل تماماً ، قال أبو فراس الحمداني من قصيدته التي أولها :

لأيكمُ أذكُرُ وفي أيكمْ أفكرُ

وهي تجري على هذا النسق الخليلي في ثمانية عشر بيتاً ، منها بيتان أقرب إلى نسق الجوهري وهما قوله:

ولكنْ أداري الدموع وأسترُ ما أسترُ

وقوله :

وإني غزير الذُنوب وإحسانه أغزرُ

وقد جاء في المحذوف سببُه الأخيُر البترُ ، شاهده :

تعفّفْ ولا تبتئسْ فما يُقض يأتيكا

ولا يمتنع ورود المقطع المديد على مسدسه ، وإن لم يذكر الخليل ذلك ، وقد لا يبدو من الصعب الوقوع على أمثلة منه في الشعر الحديث ، أو ما يمنع من محاولة النظم على ذلك .

وكذلك أشار الجوهري إلى مربعه ، قال :

وقفنا هُنيّة بأطلال ميّة

ومما ورد على هذا النسق في الشعر الحر ، حيث يتفاوت عدد الأنساق في كل بيت تفاوتا ملحوظا ، قول محمود درويش من قصيدة " كتابة بالفحم المحترق " :

مدينتنا حوصرت في الظهيرة

مدينتنا اكتشفت وجهها في الحصار

لقد كذب اللون ،

لا شأن لي يا أسيرة

بشمس تلمع أوسمة الفاتحين

وأحذية الراقصين

ولا شأن لي يا شوارع إلا

بأرقام موتاك ،

فاحترقي يا ظهيرة

( 2- 2) المتدارك 2 3

وقد أهمل الخليل هذا النسق في دائرته الخامسة . ولا تدل النماذج التي استدركها العروضيون على قصائد يمكن الرجوع إليها ؛ بل تبدو الشواهد وكأنها مصنوعة للتمثيل على الوزن فقط . فقد ذكروا للنسق المثمن هذا الشاهد :

جاءنا عامر سالماً صالحاً بعد ما كان ما كان من عامر

والصناعة بادية عليه .

وذكروا من مسدسه :

قف على دارهمْ وابكينْ بين أطلالها والدمنْ

ويقع على آخره المقطع المديد ، شاهده :

هذه دارهمْ أقفرت أم زبورٌ محتْها الدُهورْ

أو بزيادة السبب على عروضه وضربه ، شاهده :

دارُ سلْمى بشحْر عُمان قد كساها البلى الملوان

ومن الممكن نسبة هذا الشاهد إلى النسق رقم ( 5-7 ) ، ووزنه :

2 3 2 3 2 3 ]2[

ولم يذكر فيه الجوهري مربعه ، مع أنه كان يصنع الشواهد ( وإن كان يشير كذلك إلى أنها محدثة )، وقد ورد على مربعه في النظم المقيد قول العقاد :

يا له من فم يا لها من شفة

يا لشهد بها كدت أن أرشفه

يا لزهر بها كدت أن أقطفه

حلوة ويحها غضة مرهفة

حسرتي بعدها حسرة متلفة

ويبدو إعجاب طه حسين بهذه الأبيات كبيرا حيث يقول :

" في هذه الأبيات تظهر براعة العقاد ويظهر كل ما يملأ قلب العقاد من غناء يجمع بين الحلاوة والقوة ويغري الملحنين بتلحينها في هذه الأبيات " .

أما الشعر الحديث ، وبخاصة الحرّ منه ، فقد كثر النظم عليه كثرة فائقة . فمن ذلك قول محمود درويش من ديوان " العصافير تموت في الجليل " :

مطر ناعم في خريف بعيد

والعصافير زرقاء ... زرقاء ،

والأرض عيد

لا تقولي أنا غيمة في المطار

فأنا لا أريد

من بلادي التي سقطت من زجاج القطار

غير منديل أمي ،

وأسباب موت جديد

وقد وقف على المقطع المديد كثيرا في هذه القصيدة ، وزاد على الوتد في بعض الضروب سببا كما في قوله ( ذبحتني ) من هذه الأبيات :

وأنا لا أريد

من بلادي التي ذبحتني

غير منديل أمي ،

وأسباب موت جديد

ولعل زيادة هذا السبب في النظم الحر من المتدارك ، مع نقص السبب في نظم المتقارب ، هو ما جعل كثيرا من الشعراء يخلطون في قصائدهم بين هذين الوزنين . ومع ذلك فالغالب على المتمرسين بالنظم السيطرة على إيقاع كل وزن على حدة .

( 1- 3 ) الهزج ومجزوء الوافر

وكلاهما بحر مستقل بذاته ، وإن كان بعض الشعراء يخلطون بينهما في النظم ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وحدة النسق ، وأن أحدهما فرع للآخر ؛ ومع ذلك فإيقاع كل منهما متميز بنوعية أسبابه . ومن النماذج على الهزج قصيدة الفند الزماني التي قالها في حرب البسوس ، ومنها :

صفحنا عن بني ذهل وقلنا القوم إخوان

عسى الأيام أن يرجعن قوماً كالذي كانوا

فلما صرح الشرّ وأمسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا

مشينا مشية الليث غدا والليث غضبان

ونسقه الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم كما رأينا هو :

3 ]2[ 2 3 ]2[ 2

وقد أجاز الخليل في حشوه الزحاف على سبيل المعاقبة ، فإذا رجعنا إلى قاعدة الحركة الإيقاعية للتشكيل السببي الثنائي وجدنا ذلك ممتنعاً ، حيث لا يجوز قبض السبب الأول إذا وقع التشكيل الثنائي بين وتدين . قال الأخفش : " وأما الهزج فتعاقب في مفاعيلن الياء والنون وإن كنا لم نجد الياء أسقطت في شيء من الشعر " . فكيف يجيز المعاقبة إذن ، وهو لم يجد على ذلك شيئا من الشعر ؟

وقال المعري ، وهو يحتكم في ذلك إلى ذوقه السليم :

" والجزء الثالث من الهزج إن أدركه النقص بالكفّ ( وهو سقوط نون مفاعيلن ) لم يُعلم به في الحسّ ، وكذلك الجزءان اللذان قبله ، مثل قول ابن الزبعْرى :

فهذان يذودان وذا من كثبٍ يرمي

وإن أدركه النقص ( وهو سقوط ياء مفاعيلن ) بان ذلك في ا لذوق كقوله :

حللنا بأواراتٍ وأصبحوا بنعمانا "

وأما الوافر فلا يختلف عن الهزج إلا في تثقيل أول السببين المتواليين في نسقه . ومن نماذجه لعمر بن أبي ربيعة فيما ينسب إليه :

كتبتُ إليك من بلدي كتاب مُولّه كمد

كئيب واكف العينين بالحسرات منفرد

ومن أبياته التي يختلط فيها الهزج بالوافر قوله :

ألا يا حبذا نجد ومن أسكنها أرضا

وحياً حبذا ما هم ولو حقدوا لي البغضا

ثم يقول :

فإن تتعاهدي ودّي إذاً تجدينه غضا

على بخلٍ وتصريدٍ وقبض نوالكم قبضا

ومما قلته على هذا النسق من الشعر الحر في قصيدة بعثت بها إلى أمي ( مارس 1968 ) :

أعرف عمق أحزانك

وقسوة غربة الأبناء في قلبك

وأشعر بالدموع تسيل في عينيك من عيني

.....

ومنها :

عزاؤك أننا نحفظ عهدا كان يرعانا

بروض حنانك الزاهر

وطيب فؤادك العامر

....

وقد انسل إيقاع الهزج إلى هذه القصيدة عند قولي ( نحفظ ) ، وهو ما كنت أحس بثقله إذ ذاك ، ولكني كنت أتلافى الثقل بإطالة المقطع ( ف ) حيث كنت أنظم الشعر وقتها على الإنشاد ، ولم يكن لي بالعروض سابق علم .

والنسق الإيقاعي الذي يطّرد عليه النظم ولا يخرج عنه هو :

3 (2) ]2[ 3 (2) ]2[

حيث لا تتعدى الحركة الإيقاعية فيه كون السبب خفيفا أو ثقيلا ، وقد يقع فيه الخرم ، كما في البيت الأول من هذه القصيدة ، وكما في كل نسق يبتدئ بالوتد . وهو ليس من الحركة الإيقاعية للوتد في شيء ، كبتره مثلاً ، وإنما هو تصرف من الشاعر في بدء القول الشعري على النقرة الثانية للوتد مهملاً النطق بالنقرة الأولى ، ولذلك نادراً ما يقع في الشطر الثاني للبيت .

وفي النظم المقيد ، حيث يلتزم الشاعر بالقافية ، تجْمُد الحركة الإيقاعية للضرب إما عند ( 3 (2) ]2[) أو عند ( 3 ]2[ ]2[ ) ؛ وذلك لأن الردف في القافية ، وهو ما يُلتزم فيه نوع الصوت ، يمنع الانتقال في حركة السبب بين التخفيف والتثقيل . وبذلك يمكن الجمع بين الضربين في قصيدة واحدة إذا لم يكن التزام القافية شرطاً .

( 2-3 ) الرجز والكامل ( 2 2 3 ) ، ( (2) ]2[ 3 )

والنسق المثلث للرجز هو أقدم الأوزان في رأي كثير من المؤرخين ، ومن أمثلته التي أدخلها الخليل في بحر السريع قول الراجز :

هل تعرفُ الدار بأعلى ذي القُورْ

غيّرها نأجُ الرياح والمُورْ

ودرستْ غير رمادٍ مكفورْ

وغير نؤيٍ كبقايا الدُعثورْ

والرمز الإيقاعي لهذا النسق هو :

2 2 3 2 2 3|2 2 3

حيث يكون السبب في الحشو حر الحركة بين عدم الزحاف والزحاف ، بلا شذوذ ، في إيقاعه الذي يبدو مع ذلك خشناً . أما الضرب فقد التزم فيه بتر الوتد ، ولذلك التزم السبب قبله عدم الزحاف ( وهي القاعدة الوحيدة التي يخضع لها هذا البحر ) . كما وقع المقطع المديد على الوتد الأبتر ، وهو ما يعد شاذاً فيما عدا الرجز من بحور ، ولذلك ازدادت خشونة هذا الوزن فيما أوردناه من أبيات .

ومع أن بتر الوتد شائع في الرجز كما هو في كثير غيره من البحور ؛ إلا أن ما يختلف فيه الرجز هو بتر الوتد في عروضه . وقد اعتبر العروضيون الشاهد التالي شاذاً من حيث لم يرد مصرّعا في قوله :

لأطرُقنّ حصنهم صباحاً وأبرُكنّ مبْرك النعامةْ

أما حين يجيء مصرّعاً كقوله :

مهامهٌ أعلامُها هُمودُ وماؤها في ورْده بعيدُ

فهو عند الشنتريني شاذ أيضا سواء نُسب إلى الرجز أو السريع .

فكيف ، إذن ، نحسم نسبة مثل هذا الشاهد وخاصة إذا جاء غير مصرّع ؟

والواقع أننا رأينا الرجز أكثر البحور تمرداً على القواعد ، أو بمعنى آخر أكثر حرية في تقبل مختلف التغيرات . ونحن لا نستطيع إهمال وزن هذا الشاهد بحجة قدمه وعدم اطراده في النظم ؛ لأننا وجدناه يطل علينا في قصيدة جميلة لنزار قباني حيث اشتهرت وساغ وزنها بغناء فيروز لها ، يقول نزار :

لا تسألوني ما اسمُهُ حبيبي أخشى عليكم ضوعة الطُيوب

والله لو بُحتُ بأيّ حرفٍ تبعثر الليلكُ في الدُروب

وهناك ظاهرة أخرى في ضرب الرجز ، ربما لم تقع في الشعر القديم ، وتتمثل هذه الظاهرة في حذف الوتد ، وهي ظاهرة شائعة في النمط الحر من النظم ولكن نزار قباني يوردها في إحدى قصائده المقيدة النظم ، يقول :

يا صاحبي في الدفء إني أختك الشمعة

أنا وأنت والهوى في هذه البقعة

في غرفة فنّانة تلفّها الروعة

ومع أننا وصفنا نسق الرجز بالخشونة ؛ إلا أننا نردّ هذه الخشونة إلى وعورة الألفاظ المستخدمة في كثير من أمثلته القديمة ، بالإضافة إلى اعتماد المقطع المديد على وتده المبتور ، ولكن إذا أُحسن النظم عليه فإنه يصبح من أرقّ الأوزان وأعذبها موسيقى . تأملْ قصيدة بدر شاكر السياب " أنشودة المطر " حيث تتهادى موسيقى البحر في أولها ، إذ يقول :

عيناك غابتا نخيل ساعة السحرْ

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ

.....

وبعد ذلك تصطخب الموسيقى لتوافق انفعال الشاعر في قوله :

أصيح بالخليج ياخليجْ

يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى

فيرجع الصدى

كأنه النشيجُ ،

يا خليجْ

يا واهب المحار والردى

ثم حين يحكي الوزن وقع نقرات المطر :

وأسمع الصدى

يرنّ في الخليجْ

مطرْ

مطرْ

مطرْ

أما الكامل فينشأ بعد عملية تثقيل السبب الأول في نسق الرجز على النحو التالي :

(2) ]2[ 3 (2) ]2[ 3| (2) ]2[ 3

| (2) ]2[ 2*

والمثال على ضربه الصحيح من قول عنترة في معلقته :

هل غادر الشعراء من مُتردّم أمْ هل عرفت الدار بعد توهّم

إلا رواكد بينهنّ خصائصٌ وبقيةٌ من نؤيها المُجْرنثم

دارٌ لآنسةٍ غضيضٍ طرْفُها طوع العناق لذيذة المُتبسّم

يا دار عبلة بالجواء تكلّمي وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

وهذا السبب الثقيل هو العنصر الوحيد الذي تتاح له الحركة في النسق ، وهي هنا بين التخفيف والتثقيل فقط .

أما المثال على ضربه الأبتر فمن نحو ما قلته في صباي أرثي العقاد ( 1964 ) :

هتف النعيّ بما أثار شجوني فبكت على إثر الفقيد عيوني

عباسُ ودعت الحياة وإنما خلّفت سفراً خالد المكنون

سنظل نذكر شاعرا ملأ الدنى شعراً يفيض برقة وحنين

ولسوف نحييك الزمان وإنما نحيي الذي خدم الأنام لحين

لله أشكو ما بقلبي كلما طافت بذهني صورة لدفين

وقد التُزم في الردف صوت المد الطويل تعويضاً للنقص في الكم الإيقاعي الناشئ عن بتر الوتد ، وهي ظاهرة عامة أشار إليها العروضيون في حصرهم للضروب التي يجب فيها الردف ( وهو عندهم صوت المد أو نصف الحركة الساكن ) . قال صاحب تحفة الخليل :

المدّ في ضرب الطويل المنحذف حتمٌ وشذّ فيه أن لا يرتدف

وفي الخفيف ما به القصر جرى ومثله في المتقارب انبرى

وما من الضرب به القطع برز من كامل ومن بسيط ورجز

وفي المديد ضربه الذي انبتر والأمر فيما مر وجهه نظر

ونحن لا نرى أن الردف بصوت المد يضارع الردف بنصف الحركة .

وقد ورد نصف المد في ضرب الطويل المنحذف على الشذوذ لأن الأكثر والأليق أن يجيء المد كاملاً، قال شاعر حماسي :

لعمرك ما أخزى إذا نسبتني إذا لم تقل بُطلاً عليّ ولا مينا

ونحن غلبنا بالجبال وعزّها ونحن ورثنا غيّثاً وبُدينا

وأي ثنايا المجد لم نطّلع بها وأنتم غضاب تحرقون علينا

وقد علق المعري على هذه الأبيات في معرض حديثه عما يلتزم من اللين في بعض الأوزان ، قال : " والياء والواو إذا انفتح ما قبلهما ففيهما بعض اللين ، وإن لم يكمل مثل كماله في : عود ، وعيد . وهذا الوزن الذي زعم سيبويه أنه لا يفارقه اللين لا يوجد في شعر العرب إلا على ما قال ، ولو فارقه اللين لضعف وقبح كما ضعف قول امرئ القيس :

ولقد رحلْتُ العيس ثمّ زجرتُها وهْناً وقلتُ عليك خير معدّ

وعليك سعد بن الضّباب فسمّحي سيراً إلى سعدٍ عليك بسعد

أفلا تسمع هذه القافية كيف ضعفت لفقد اللين ؟

أما الشعر الحر فقد جرى فيه استخدام الكامل على نحو يقرب من تصرف الشعراء في الرجز ؛ وأعني بذلك حذف الوتد في بعض ضروبه . قال محمود درويش في قصيدته " قتلوك في الوادي " ك

أهديك ذاكرتي على مرأى من الزمن

أهديك ذاكرتي

ماذا تقول النار يا وطني

ماذا تقول النارْ

هل كنت عاشقتي

أم كنت عاصفة على أوتارْ

وأنا غريب الدار في وطني

غريب الدارْ

( 3 - 3 ) الرمل 2 3 2

وأكثر ما يرد هذا النسق في النظم المقيد ما يكون مربعاً في عدد أنساقه ، نحو قول أبي فراس الحمداني:

إن في الأسر لصباً دمعه في الخد صبُّ

هو في الروم مُقيمٌ وله في الشام قلبُ

واستخدمه المتنبي مسدساً ، قال :

إنما بدر بن عمّار سحابُ هطلٌ فيه ثوابٌ وعقابُ

إنما بدر رزايا وعطايا ومنايا وطعان وضرابُ

ما يجيل الطرف إلا حمدته جهدها الأيدي وذمته الرقابُ

والخليل يوجب في مسدسه حذف السبب الأخير في العروض ، وهو النسق الذي أفردنا له موضعاً آخر تحت رقم ( 2 – 8 ) من قائمة الأنساق الإيقاعية .

وقد استخدم هذا النسق في الشعر الحر ، وجرى في ضروبه حذف السبب الأخير أحياناً ، وأحياناً اعتماد المقطع المديد على الوتد بعد حذف السبب الذي يليه . فمن الأول قول معين بسيسو :

للثعابين جحورٌ ، للعصافير فننْ

ولكل الناس في الأرض وطنْ

ذلك الوشمُ على صدرك يا حُبلى لمن ؟

أرضعي .. للوائد الأنثى ، وللسبْي الذكرْ

ومن الثاني قول نازك الملائكة :

في دجى الليل العميقْ

رأسُهُ النشوان ألقوهُ هشيما

وأراقوا دمهُ الصافي الكريما

فوق أحجار الطريقْ

والنسق الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم في الرمل هو :

2 3 ]2[ 2|3 ]2[

|3

حيث يمتنع فيه قبض السبب الأول من التشكيل الثنائي للأسباب ، والخليل يجيزه فيما يسميه بزحاف الكف .

( 1- 4 ) 3 2 2 2 نسق مهمل

( 2- 4 ) 2 2 2 3

وهذا النسق هو ما استخدمه البارودي ، ربما قبل غيره ، في قصيدته التي أولها :

املأ القدحْ واعْص منْ نصحْ

وارْو غُلّتي بابْنة الفرحْ

فالفتى متى ذاقها انشرحْ

وقد جاراه شوقي على نفس الوزن في قصيدة طويلة أولها :

مال واحتجبْ وادّعى الغضبْ

ليت هاجري يعرفُ السببْ

والنسق الإيقاعي الذي اطرد عليه النظم في القصيدتين لا يخرج عن القاعدة العامة المقررة لتوالي ثلاثة أسباب ، وذلك على النحو التالي :

]2[ [2] ]2[ 3

ويمكن تسمية هذا النسق بالمقتضب القصير أو ما يقرّب نسبته إلى نسق المقتضب في نظام الخليل ، وليس إلى المتدارك على رأي د . محمد عبد المجيد الطويل ؛ لأن الحركة الإيقاعية لسبب المتدارك في الحشو حرة بسطاً وقبضا ً ، أما في هذا الوزن فتلتزم الأسباب صورة ثابتة على النحو الذي بيناه ، وليس على النحو الذي يتوالى فيه وتدان .

ومما جاء على هذا الوزن باعتماد المقطع المديد على آخره ، وهو مقبول ، قول محمد علي أحمد :

جئتُ من طريقْ بحرُه عميقْ

يسلبُ النُهى سرّهُ الغريقْ

( 3 – 4 ) المخلّع 2 2 3 2

ومما جاء على هذا النسق مفرداً ما يُنسب إلى أبي نواس قوله :

يا منْ لحاني

على زماني

اللهوُ شاني

فلا تلُمني

ولكن المشهور من نظمه هو ما جاء على أربعة أنساق في البيت كما في قول أبي العتاهية :

الله أعلى يداً وأكبْر والحق فيما قضى وقدّرْ

وليس للمرء ما تمنّى وليس للمرء ما تخيّرْ

هوّن عليك الأمور واعلمْ أنّ لها مورداً ومصدرْ

ونسقه الإيقاعي كما يطّرد عليه النظم هو :

2 2 3 ]2[ 2 ]2[ 3 2

وقد رمزنا لسببي التشكيل الثنائي في أوله برمز السبب الحرّ الحركة لأن كلا منهما يمكن قبضه أو بسطه بحرية . ومع ذلك فلا يجب أن تغيب عنا القاعدة التي تمنع السببين المتواليين من الزحاف معاً إلا في بحر الرجز وحده .

وقد رأى د. إبراهيم أنيس في هذا الوزن "نوعاً من المنسرح " وهو ما جعل ثائرة العروضيين تثور عليه ( لعدم إلمامه بمبادئ العروض !) . والواقع أن هذا الوزن أقرب إلى المنسرح من الزاوية التي رآه بها أنيس ؛ فهو لا ينقص عن المنسرح إلا بوتد فقط في آخره ، وقد كان الخليل ينتقص من المنسرح ثلثيه لينسب ما رجزاً على المنسرح منهوكاً .

أما حازم القرطاجني فكان أول من نبّه إلى استقلال هذا الوزن وبُعده عن بحر البسيط ، فهو عنده "عروض قائم بنفسه مركب شطره من جزئين تساعيين على نحو تركيب الخبب وتقديره :

مستفعلاتن مستفعلاتن ، وكأنهم يلتزمون حذف السين من الجزء الثاني لأن السواكن في كل وزن إذا توالى منها أربعة ليس بين كل ساكن منها وساكن إلا حركة تأكد حذف الساكن الثالث وحسن الوزن بذلك حسناً كثيراً ".

وقد مثل لهذا الوزن من قول بعض الأندلسيين :

وحيّ عنيّ إن فزت حيّاً أمضى مواضيهم الجفونُ

وقول أبي بكر بن مجبر :

إنْ سلّ سيفاً بناظريه لم تر فينا إلا قتيلا

وقال : " فمثل هذه النون من قوله ( إن فزت ) مقبولة في الذوق وإن كان حذفها أخف" .

ومع أن المعري لم يكن من دعاة التغيير في نظام الخليل العروضي ، أو لم يشأ أن يكون صاحب مذهب مستقل كالجوهري والقرطاجني مثلا ؛ فإنه ظل محتفظاً بنهج خاص به في النظرة إلى الأوزان وما يعتورها من الزحاف ، وكان له ذوقه السليم في تحسس ما حسن من الوزن أو ما قبح . وكان له إلى جانب ذلك توسع في الاستقراء هيأ له معرفة ما يطرد من الظواهر في الوزن وما يشذ . ولذلك فإن المعري حين درس هذا الوزن عند المتنبي اكتفى بالإشارة إلى أنه " لا يقبح فيه خبن السباعي ولا طيه ، وتنفر الغريزة من خبن الخماسي " . وهو ينظر في ذلك إلى تجزئة الخليل له ، وهي :

مستفعلن فاعلن مفعولن

لكنه لم يحاول أن تبين السبب في نفور الغريزة من خبن الخماسي ( فاعلن ) وكان ذلك شأنه دائماً في كل ملاحظاته العروضية المبثوثة في كثير من مؤلفاته ، وحتى الشعرية منها .

أما د. أحمد كشك فيطرح تفسيراً لعدم خبن الخماسي يستند فيه إلى ما أسماه " فاعلية الاستعمال " ؛ فهذه الفاعلية " أباحت في أطر البسيط أن تراوح بين استخدام ( فاعلن ) و ( فعلن ) وهذا ما سمح به النظام حين ثبت قبول المزاحفة على سواكن الأسباب ؛ ولما أرادت إفراد إيقاع للمخلّع استخدمت إمكانة واحدة لفاعلن سمح بها النظام ولم يرفضها . والفارق بين اعتبارها استعمالا واعتبارها نظاما ، أن الاستعمال فرض قيمة واحدة هي ( فاعلن ) على حين أن النظام مكن كما قلت لوجود قيمتين هما فاعلن وفعلن " .

كأن الدكتور كشك يريد أن يصل من وراء هذا الكلام المصطبغ بمسحة علمية إلى القول : إن الشعراء خبنوا فاعلن في البسيط ولكنهم امتنعوا عن خبنها في المخلع ، وهذا هو ما قاله المعري ؛ إلا أن المعري فسر ذلك بالاستناد إلى الغريزة ، واستند كشك إلى ( فاعلية الاستعمال )، وهو مصطلح غامض إن لم يكن مائعاً .

وقد أحصى د. الطويل ست صور من هذا المخلع يمكن التعبير عنها كلها بالرمز التالي :

2 2 3 ]2[ 2 ]2[|32

|3

وهي لا تتجاوز ما قررنا من قاعدة حذف السبب الأخير واعتماد المقطع المديد على الوتد في الضرب.

أما في الشعر الحر فقد فتحت نازك الملائكة باباً لاستخدام هذا النسق وإن كانت السيطرة على انتظامه تبدو صعبة . تقول نازك في محاولتها الناجحة على هذا الوزن :

بيروت غابة

ومن دماء القتلى على جفنها سحابة

أن ترى البحر ؟ كان بالأمس ها هنا يا بيروت بحر

تكتب أمواجه وتمحو وينثر الشزر والغرابة

( 4-4 ) 2 2 3 2 نسق مهمل

( 1- 5 ) الطويل 3 2 3 2 2

من يستمع إلى قصيدة امرئ القيس التي يقول في بعض أبياتها :

تعلق قلبي طفـ ـلةً عربية

تنعّمُ بالديبا ج والحلْي والحُللْ

ومنها :

فقبّلتُها تسعاً وتسعين قُبلةً

وواحدةً أخرى وكنتُ على عجلْ

وذلك باللحن الذي تغنيه هيام يونس ؛ فإنه يدرك كيف ينقسم وزن الطويل الذي يتميز بالفخامة والجلال ـ حتى قيل منه ثلث الشعر القديم ـ إلى نسقين متساويين في شطر البيت . ولهذا قمت بكتابة البيتين السابقين على تلك الهيئة لتتبين فيها الوقفة بين النسقين في الغناء وكأنها وقفة العروض .

وكل ما قيل في الشعر القديم والحديث على نسق الطويل إنما جاء مربعاً في البيت ، ما عدا محاولة واحدة للسياب في تطويع هذا النسق للنظم الحر ، ولا أعلم إن كان ثمة محاولات أخرى غيرها .

والنسق الإيقاعي الذي يطّرد عليه النظم في الطويل هو :

3 2 3 ]2[ ]2[ 3 2|3 [2] ]2[

|3 ]2[ ]2[

|3 ]2[

أي أن له ثلاث صور وزنية هي :

1- الصورة الأولى ومثالها قول امرئ القيس :

قفا نبْك من ذكرى حبيبٍ ومنزل بسقْط اللوى بين الدخول فحومل

فتُوضح فالمقراة لم يعْفُ رسمُها لما نسجتْها من جنوبٍ وشمأل

2- والصورة الثانية مثالها قول أبي فراس الحمداني :

أراك عصيّ الدمع شيمتُك الصبرُ أما للهوى نهْيٌ عليك ولا أمرُ

بلى ، أنا مُشتاقٌ وعندي لوعةٌ ولكنّ مثلي لا يُذاع لهُ سرّ

3- والصورة الثالثة مثالها قول المتنبي :

لياليّ بعد الظاعنين شُكولُ طوالٌ وليلُ العاشقين طويلُ

يُبنّ لي البدر الذي لا أريدُه ويُخفين بدراً ما إليه سبيلُ

وقد كثر في الشعر القديم ، وبخاصة عند امرئ القيس ، مجيء السبب الأول من التشكيل الثنائي مقبوضا في الحشو ، نحو قوله :

ترى بعر الآرام في عرصاتها وقيعانها كأنهُ حبّ فُلفُل

كما جاء على ندرة شديدة في هذا الوزن قبض السبب الثاني من التشكيل الثنائي نحو قوله أيضاً:

ألا رُبّ يومٍ لك منهُنّ صالحٍ ولا سيّما يومٍ بدارة جُلجُل

ولكن ما يحمد للشعراء بعد امرئ القيس أنهم كفّوا عن مثل هذين الزحافين حتى لا نكاد نجد له أثراً في العصر العباسي وإلى يومنا هذا . وهذا ما يؤكد سريان القاعدة العامة للسبب في تشكيله الثنائي . وقد رفض المعري ، ومن بعده إبراهيم أنيس ، هذين الزحافين في الطويل ، ونظيريهما في البسيط . ولما كان كل منهما يعتمد في ذلك على ذوقه في تقدير الإيقاع المنتظم ، وكان يفصل بين الرجلين قرابة عشرة قرون ، جاز لنا أن نطمئن إلى صحة القاعدة وموضوعيتها التي لا ترتبط بذوق فرد معين في عصر معين .

ومن الظواهر التي تحتاج إلى تفسير في ضرب الطويل الثالث مجيء السبب الأحادي قبل الضرب ملتزماً الزحاف مع أنه واقع في منطقة الحشو . ونحن إذا ربطنا تفسير هذه الظاهرة بظاهرة التزام المقطع المفتوح على الوتد المسبوق بسبب أحادي ملتزمٍ الزحاف وجدنا بين الظاهرتين تطابقاً كبيراً. غير أننا في ظاهرة التزام المقطع المفتوح جعلنا هذا الالتزام نتيجة لالتزام الزحاف في السبب قبله ، وأما في الطويل فيبدو أن التزام الزحاف في السبب هو نتيجة لالتزام المقطع المفتوح على الوتد بعده . ومع ذلك فهما وجهان لظاهرة واحدة .

( 2- 5 ) 2 3 2 2 3 مثنى المديد

لم يذكر الخليل هذا النسق إلا مرتبطاً بالنموذج المربع له في دائرة المختلف ، وجعله نموذجاً نظرياً يجتزئ منه بما يتفق مع الاستعمال . ومع ذلك أهمل الخليل شواهد على مجيء هذا النسق مفرداً في الشطر ، نحو قول الشاعرة فيما أورده أبو تمام في حماسته :

طاف يبغي نجْوةً من هلاكٍ فهلكْ

ليت شعري ضلّةً أيّ شيء قتلكْ

أمريضٌ لم يُعدْ أمْ عدوّ ختلكْ

أمْ تولّى بك ما غال في الدهر السُلكْ

واختلف العروضيون في هذه الأبيات ؛ فمنهم من عدها من تام المديد إلا أنها جاءت مصرّعة ، ومنهم ، كالزجّاج ، من عدها من مجزوء الرمل المحذوف العروض والضرب .

ونسقه الإيقاعي :

2 3 ]2[ 2 3

( 3-5 ) 3 2 2 3 2 المستطيل

وهذا الاسم أطلقه بعض العروضيين على ذلك النسق المهمل في دائرة الخليل الأولى . ويحكون لامرئ القيس أبياتاً على هذا الوزن منها :

ألا يا عيُن فابكي على فقدي لمُلكي

وإتلافي لمالي بلا حرف وجهد

تخطيت بلاداً وضيعت قلاباً

وقد كنت قديماً أخا عزّ ومجد

وبالنظر إلى القافية الدالية نعتقد أنهما بنيا على أصل المستطيل المهمل في دائرة الخليل . ومن هذا الوزن ما ينسبه البعض إلى الهزج بحذف سبب من عروضه وآخر من ضربه، شاهده :

سقاها الله غيثاً من الوسميّ ريّا

ومن الممكن تثقيل سببه فيرد على النسق التالي :

3 (2) ]2[ 3 ]2[

والشواهد على هذا النسق المثقل ترد عند العروضيين في باب الوافر ، ومن ذلك ما نسب إلى الأخفش قوله

عُبيلةُ أنت همّي وأنت الدهر ذكري

ومثله

أشاقك طيفُ مامةْ بمكّة أو حمامةْ

وقد أدخل الجوهري هذا الشاهد الأخير في المضارع .

( 4-5 ) 2 2 3 2 3 البسيط

وهذا النسق أهمله الخليل إلا ما جاء منه مربعاً في البيت . ولهذا النسق عروضان حين يجيء مثنى في البيت :

الأول : 2 ]2[ 3 [2] 3

والثاني : 2 2 3 ]2[ 3

فمما جاء على الصورة الأولى :

صاح الغراب بنا بالبين من سلمةْ

صاح الغراب بنا في ليلةٍ شبمةْ

ما للغراب ولي دقّ الألالُ فمهْ

فليتهُ لم يصحْ ولم يقل كلمة

والملاحظ على هذه الصورة التي لم أجد عليها نماذج أخرى :

أولا : أنه لم يلتزم الخبن في عروض البيت الأخير . والخبن هنا مقابل لقولنا بقبض السبب . وقد أشار صاحب شرح تحفة الخليل إلى ذلك .

ثانياً : بالرغم من ذلك يبقى في البيت كسر يهدد فكرة وجود هذه الصورة أصلاً ، وذلك أن شطري البيت ليسا منفصلين بوقفة عروضية ، بدليل إحساسنا بالكسر الذي نشأ عن قبض السبب في أول الشطر الثاني ؛ ومعنى ذلك أننا لاشعورياً نقرأ البيتين وكأنهما شطر واحد لا شطرين .

ومثل هذه الوقفة ، التي لا نعدها وقفة عروض ، شائعة في إنشاد كثير من الأبيات على وزني الطويل والبسيط ، وقد أشرنا إلى نحو ذلك في مستهل حديثنا عن الطويل .

أما الصورة الثانية فتبدو لنا مستقلة بوصفها من مثنى البسيط . ومن أمثلتها قول المعري :

دُنياك مومُوقةٌ أكثر من أختها

لم تُبق من جزْلها شيئاً ولا شختها

أتى على ذرّها ال آتي على بُختها

فانظر إلى صُنعها وانظر إلى بختها

ولخليل مطران :

فوق الكلام العمل به نجاح الأمل

أيهما مفلح من قال أم من فعل

قبل الشروع اتئد ذاك أوان المهل

ولشوقي مطولة من ثمانية وستين بيتاً كما أحصاها صاحب شرح تحفة الخليل ، ومنها قوله :

طال عليها القدم فهي وجودٌ عدمْ

قد وئدت في الصبا وانبعثت في الهرمْ

بالغ فرعون في كرمتها من كرمْ

وقد عدت إليها في الشوقيات لأجدها بكاملها قد التزم فيها قبض السبب الثاني من كل شطر ، ولم أفهم سر هذا اللزوم الذي لا يلزم .

أما مربع هذا النسق فهو على النحو التالي :

2 ]2[ 3 2 3 ]2[ ]2[ 3|[2] 3

|]2[ 2*

أي أن له ضربين ، أما الأول فنحو قول أبي تمام :

السيف أصدق إنباء من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب

بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهنّ جلاء الشكّ والريب

وأما الثاني فنحو قول جرير :

إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثمّ لم يُحيين قتلانا

يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به وهنّ أضعف خلق الله أركانا

وقد شذ فيه قبض السبب الثاني في التشكيل السببي الأول في الحشو وذلك ممتنع ؛ لأن أول سبب يليه حر الحركة ، ومع ذلك فقد ورد في البيت التالي للمتنبي :

رُبّ نجيعٍ بسيف الدولة انسفكا وربّ قافيةٍ غاظت به ملكا

وقد قال عنه المعري في شرحه لديوانه :

" ولم يزاحف أبو الطيب زحافاً تنكره الغريزة إلا في هذا الموضع . ولا ريب أنه قاله على البديه ، ولو أن لي حكماً في البيت لجعلت أوله ( كم من نجيع ) لأن ( رب ) تدل على القلة ... "

والتشكيل السببي الثاني لا يخرج عن التزام عدم الزحاف في سببيه ، فلا ينقبض الأول لأن التشكيل وقع بين وتدين ، ولا ينقبض الثاني لأن عروض البيت يوجب أن يكون أول سبب يسبقه ملتزماً عدم الزحاف .

قال المعري : " والجزء الثالث من البسيط : أي حرف سقط منه بان فيه لصاحب الذوق ، وليس كذلك غيره من الأجزاء ، كقول الأعشى :

عُلّقتُها عرضاً وعُلّقت رجُلاً غيري وعُلّق أخرى غيرها الرجُلُ

( 5 – 5 ) 2 3 2 3 2 نسق مهمل

( 1 – 6 ) 3 2 3 2 2 2 نسق مهمل

( 2 – 6 ) 2 3 2 2 2 3 مجزوء الخفيف

من الأمثلة على هذا الوزن قصيدة الفدائي لإبراهيم طوقان ، وأولها :

لا تسلْ عن سلامتهْ رُوحه فوق راحتهْ

وأقل ما يقال في تلك القصيدة الرائعة أنها أبعد ما تكون عن الهزل ، ومع ذلك أجد صاحب شرح تحفة الخليل يقول عن هذا الوزن : " أما المجزوء منه فهو من البحور القصار التي لا تصلح للجدّ " . ومثل هذه الأحكام التعميمية لا يجوز بحيث يحسب القارئ أن هذه الأوزان يمكن أن تفرز عواطف أو تعكس انفعالات معينة .

والنسق الإيقاعي المطرد لهذا الوزن الذي نسبه الخليل للخفيف :

2 3 ]2[ [2] ]2[ 3

وقد يرد مبتور الوتد في الضرب نحو قول المعري :

يا لميس ابنة المُضلّل مُنّي بزاد

ليس واديك فاعلميه لقومي بواد

إنْ تولّيتُ غادياً فبطيءٌ عوادي

ويمكن ورود المقطع المديد على آخره ، ولم يذكر الخليل ذلك ولعله لم يرد في الشعر القديم ، قال ابن حجة :

قُلتُ للخال إذ بدا في نقا جيده السعيد

فُزت يا عبدُ قال لي أنا عبدٌ لكلّ جيد

( 3 – 6 ) 3 2 2 2 3 2 المضارع

ومن أمثلته قول سعيد بن وهب :

لقد قلتُ حين قُرّبت العيسُ يا نوارُ

قفوا فارْبعوا قليلاً فلمْ يُرْبعوا وساروا

فنفسي لها حنينٌ وقلبي له انكسارُ

وصدري به غليلٌ ودمعي له انحدارُ

ونسقه الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم ( على قلّته )

3 ]2[ [2] ]2[ 3 2

وقد استخدمه أبو نواس محذوف السبب في الضرب ، ومعتمداً المقطع المديد على آخره ، يقول :

أيا ليلُ لا انقضيتْ ويا صُبحُ لا أتيتْ

ويا ليلُ إن أردت طريقاً فلا اهتديتْ

حبيبي بأيّ ذنبٍ بهجرانك ابتليتْ

رجوتُ السلوّ عنك فهيهات ما رأيتْ

والخليل والجوهري يجيزان فيه زحافات لا نرى لها محلا في هذا الوزن القصير الذي لا تظهر الحركة الإيقاعية لأسبابه إلا في سبب العروض الأخير .

( 4 – 6 ) 2 2 2 3 2 3 المقتضب

ومن أرق أمثلته قصيدة الأخطل الصغير ، وهي من غناء فيروز حيث تقول :

قد أتاك يعتذرُ لا تسلْهُ ما الخبرُ

كُلّما أطلتُ لهُ في الحديث يختصرُ

في عُيونه خبرٌ ليس يكذب النظرُ

ونسقه الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم :

]2[ [2] ]2[ 3 |[2] 3

|]2[ 2*

حيث يمكن فيه بتر الوتد في الضرب كما في قول الحسين بن الضحاك :

عالمٌ بحُبّيه مُطرقٌ من التيه

يوسُفُ الجمالُ وفرعون في تجنّيه

لا وحقّ ما أنا من عطفه أرجّيه

ما الحياة نافعةٌ لي على تأبّيه

ولم يذكر الخليل هذا الضرب الأخير . وليس في هذا البحر حرية في حركة أي من أسبابه ، وإن كان الخليل أشار إلى المراقبة فيه بين السببين الأول والثاني . غير أن حازم القرطاجني يحمل على العروضيين أو الرواة لتغييرهم " قول القائل :

جاءنا مُبشّرنا بالبيان والنُذُر

فصيروه بتحريفهم وجهلهم بما يضمحل في أصول وضع الأوزان إلى هذا التغيير الفاسد ، وهو :

أتانا مُبشّرنا بالبيان والنُذُر

وذلك ليطّرد لهم رأيهم الفاسد فيما أثبتوه من التراقب الذي لا يصح ولا يثبت ، إذ قد ظهر اضمحلاله في هذا الوزن واضمحلال التجزئة التي توجد فيها الأسباب مهيئة لإمكان وقوع ذلك فيها لولا أنه شيء لا معنى له إلا إفساد الوزن ، والإخلال بوصفه ، والخروج به عن الوضع الملائم إلى الوضع المنافر بالجملة " .

( 5 – 6 ) 2 2 3 2 3 2 المجتث

ومن الأمثلة الرقيقة أيضا على هذا الوزن قصيدة فيروزية للأخطل الصغير ، منها :

يا عاقد الحاجبين على الجبين اللُجين

إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرّتين

ونسقه الإيقاعي المطرد في النظم هو :

2 ]2[ 3 2 3 ]2[

ويجري فيه بتر الوتد في الضرب نحو قول الشيخ على الشرقي :

مسكتُ قلبي لمّا مسكتُهُ مذعورا

بعضُ القلوب طُيورٌ لم تستطع أن تطيرا

ويلاحظ أن بتر الوتد لم يؤثر في توالي الضربين في القصيدة الواحدة ؛ وذلك لأن القافية بكل أصواتها الملتزمة لم تتأثر بهذا التغيير . والخليل يسمي هذه الظاهرة التشعيث .

ولا يقع المقطع المديد على السبب الأخير في ضرب المجتث لأنه مسبوق بوتد كما أشرنا من قبل. وقد وجد د. محمد الطويل أربعة أبيات لأبي بكر بن ظهار في كتاب الذخيرة لابن بسام حيث يقول :

إذا أردت صباحاً فانظُر إلى وجه ساقيكْ

فقد أطلت سؤالاً يا قوم هل غرّد الديكْ

ماذا تريدُ بصبحٍ أو أين ترقى أمانيكْ

وللنجوم مدارٌ عليك والبدرُ يسقيكْ

والثقل باد على هذه الأبيات بسبب من اعتمادها للمقطع المديد في غير محله المألوف والمقبول .

وكذلك وجد نزار قباني تصرفاً في الوزن غير مألوف قبله ، وإن كان يبدو مقبولاً لأنه اعتمد المقطع المديد على الوتد الأخير بعد حذف السبب الذي يليه .

قال نزار في قصيدته ، وهي من ديوان ( أنت لي ) :

تساءلتْ في حنان عن حبّنا كيف كانْ

وكيف نحن استحلنا حرائقاً في ثوانْ

صرنا ضياء وصرنا في دوزنات الكمانْ

فالناس لو أبصرونا قالوا : دُخان الدخانْ

( 6 – 6 ) 2 3 2 3 2 2 نسق مهمل

( 1- 7 ) 3 2 3 2 2 3 2 نسق مهمل

( 2 – 7 ) 2 3 2 2 3 2 3 المديد

وهو العروض الثانية والثالثة من المديد عن الخليل ، وأولى العروضين تجري على النسق التالي :

2 3 ]2[ 2 3|]2[ 3

|]2[ ـ

مثال العروض الأولى من هذا النسق شاهد الخليل :

اعلموا أني لكم حافظٌ شاهداً ما كنتُ أو غائبا

ويمكن لهذه الصورة اعتماد المقطع المديد على آخرها نحو :

لا يغُرّنّ امرأ عيشُه كلّ عيشٍ صائرٌ للزوالْ

كما يمكن بتر الوتد في ضربها ، شاهده عند الخليل أيضاً :

إنما الذلْفاءُ ياقوتةٌ أُخرجتْ من كيس دهْقان

وقد أشار الأخفش إلى أن هذه الصورة نادرة في الشعر القديم ، قال : " والمديد الذي فيه فاعلن وفاعلان لم نسمع منه شيئاً إلا قصيدة واحدة للطرمّاح " .

وقد زاد الأخفش لهذه العروض ضرباً رابعاً شاهدُه :

لم يكُنْ لي غيُرها خُلةً ولها ما كان غيري خليلا

لم يزل للعين في كل ما غبطة حتى رأتني قتيلا

وذلك بزيادة السبب على الضرب في آخره .

أما العروض الثانية من هذا النسق فتجري على النحو التالي :

2 3 ]2[ ]2[ 3|[2] 3

|]2[ 2*

ومثالها شاهد الخليل :

للفتى عقلٌ يعيشُ به حيثُ تهدي ساقهُ قدمُهْ

والمثال على بتر وتدها في الضرب :

رُبّ نارٍ بتّ أرمُقُها تقضم الهنديّ والغارا

وهذه العروض بضربيها أكثر شيوعاً من العروض الأولى ، وأجمل وقعاً ، وخاصة إذا التزم الشاعر بالحركة الإيقاعية المعينة لأسبابها ، وهو ما يوافق الطبع السليم . ومع أن معظم النماذج التي اطلعت عليها لم تكن تخرج عن النسق الذي أثبتّه بالرموز الدالّة على حركة الأسباب والأوتاد فقد وجدت في الأبيات التالية لعمر بن أبي ربيعة خروجاً عن الحركة الطبيعية للأسباب جعلنا نحس بثقل واضح في إيقاعها ، قال عمر :

قد أصاب القلب من نُعْم سُقْمُ داءٍ ليس كالسُقْم

إن نُعْماً أقصدتْ رجُلاً آمناً بالخيف إذ ترمي

بشتيتٍ نبتُه رتلٍ طيّب الأنياب والطعم

وبوحْفٍ مائلٍ رجلٍ كعناقيد من الكرْم

عرضت يوماً لجارتها وهْي لا تبُوح لي باسْم

إسأليه ثُمّة استمعي أيّنا أحقّ بالظُلْم

وافهمي عنا تحاورنا واحكُمي رضيتُ بالحُكْم

فالأبيات الثلاثة الأولى تستقيم على الوزن تماماً ، ولذلك لا نحس بأي ثقل فيها إلى أن نصل إلى البيت الرابع عند قوله : ( عناقيد ) حيث قبض سبباً حقه التزام عدم الزحاف ؛ ومع ذلك يمكن تجاوز الأمر بتنوين ( الدال ) على سبيل الضرورة . ولكن أعجاز الأبيات الثلاثة الأخيرة يتكرر فيها قبض السبب الأول من التشكيل الثنائي الواقع بين وتدين ، وهو ما نحس فيه ثقلاً واضحاً . والخليل يجيز هذا التصرف ويسميه زحاف الكف .

( 3 – 7 ) 3 2 2 3 2 3 2 نسق مهمل

( 4- 7 ) 2 2 3 2 3 2 3 الموفور

وهي التسمية التي وضعتها نازك الملائكة لهذا النسق الذي أشار إليه أول مرة ، فيما يبدو ، الجوهري ممثلاً له بالشاهد التالي :

يا منْ يلومُ فتى عاشقاً لُمْت فلومك لي أعشقُ

وقد جعله مرتبطاً بمجزوء البسيط بعد أن أجرى الطيّ مع القطْع في عروضه وضربه . ويدل قوله: " ولم يجئ عن العرب طيه ، وقد طواه المحدثون " أن هذا النسق كان مستعملاً في عصره ، ومع ذلك فلم نجد عند أحد من معاصريه ذكراً له إلى أن جاء حازم القرطاجني بعده بثلاثة قرون تقريباً ليشير إلى أن بعض الشعراء الأندلسيين وضع على هذا البناء وزناً تقدير شطره :

مستفعلن فاعلن فاعلن

ومثل له بالبيت التالي :

أقصر عن لومي اللائمُ لمّا درى أنّني هائمُ

وقد عاد هذا الوزن إلى كمونه سبعة قرون أخرى ، حتى جاءت نازك الملائكة لتعيد اكتشافه ثانية ، دون علم منها بسابق وضعه . وقصة هذا الاكتشاف كما يرويها د. عبده بدوي أن الشاعرة كتبت إليه رسالة ورد فيها قولها عن طفلته " دالية " الكلمات التالية : ( خضراء برّاقة مُغدقة ) . وقد لاحظت الشاعرة في هذه الكلمات وزناً علمت من بعد أنه غير مستعمل في الشعر العربي ، ولما لاح لها هذا النسق جميلاً سارعت بكتابة الأبيات التالية على وزنه ، تقول :

خضراء ُ برّاقة مغدقةْ كأنها فلقة الفُستُقةْ

الشعرُ سُبحان من لمّهُ والثغرُ سبحان من فتّقهْ

شفاهُها شفقٌ أحمرٌ كم حاول الورد أن يسرقهْ

داليةٌ غضّةٌ عذبةٌ في هُدبها نجمة مشرقةْ

عصفورةٌ حلوة كالرؤى منْ يا ترى صوتُها موسقهْ

الفجرُ أهدى لها قبلةً والروضُ ألقى لها زنبقةْ

وتملأ البيت في فرحةٍ بالضحك والرقص والزقزقة

وقد رد عليها الشعر عبده بدوي بالأبيات التالية :

أشعلت في خاطري حبها يا حبها جل من رقرقه

كانت وراء المنى وردة وفي ضمير السنا سقسقه

وحين زفت مشى نورها فهز أيامي المطرقة

وقال للشعر : قل كلمة فأهرق الشعر ما عتقه

حتى إذا كان منها الشذى والخطو والبسمة الشيقة

والكرم من لثغة عذبة والطير من أحرف مورقة

هزت من الشعر ينبوعه ومن رفيف الشذى أعمقه

فأرسل الصوت في إثرها يقول في فرحة مشرقة

" خضراء براقة مغدقة كأنها فلقة الفستقة "

والنسق الإيقاعي الذي تنتظم به حركة الأسباب والأوتاد على قواعد التشكيلات الثنائية والأحادية هو :

2 ]2[ 3 2 3 ]2[ 3

وعلى هذا النسق المنتظم جرت أبيات عبده بدوي بأحسن مما جاء في نظم نازك الذي اضطرب عند قولها ( دالية ) في البيت الرابع .

ومن الممكن بتر الوتد في الضرب أو اعتماد المقطع المديد على آخره . وكنا أشرنا قبل إلى قصيدة محمود درويش التي يقول في أولها :

الطفلة احترقت أمها

أمامها احترقت كالمساء

وهذا شاهد على ورود المقطع المديد في وزن سبق درويش بالنظم عليه كلاً من نازك وبدوي ، بل وطوّعه للنظم الحر .

( 5- 7 ) 2 3 2 3 2 3 2

انظر ما أوردناه عن نسق المتدارك ( 2- 2 )

( 6-7 ) 3 2 3 2 3 2 2 نسق مهمل

( 7-7 ) 2 3 2 3 2 2 3 نسق مهمل

( 1-8 ) 3 2 3 2 2 3 2 2 نسق مهمل

( 2-8 ) 2 3 2 2 3 2 2 3 الرمل

وهذا الوزن هو الشائع في النظم المقيد حين يُذكر بحر الرمل . ومن أمثلته ، قول المتنبي :

إن هذا الشعر في الشعر ملكْ سار فهو الشمس والدنيا فلكْ

عدل الرحمن فيه بيننا فقضى باللفظ لي والحمد لكْ

فإذا مرّ بأذنيْ حاسدٍ صار ممن كان حياً فهلكْ

ونسقه الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم هو :

2 3 ]2[ 2 3 ]2[ 2 3

ومما ورد باعتماد المقطع المديد على آخره قول زيد الخيل :

يا بني الصيداء ردوا فرسي إنما يُفعل هذا بالذليل

عودوا مهري كما عودته دلج الليل وإيطاء القتيل

ومما ورد بزيادة السبب على آخره قول مهيار الديلمي :

بكر العارض تحدوه النعامى فسقاك الريّ يا دار أماما

وتمشت فيك أرواح الصبا يتأرجحن بأنفاس الخزامى

أجتدي المزن وماذا أربي أن تجود المزن أطلالا رماما

( 3-8 ) 3 2 2 3 2 2 3 2 الوافر

ولا يرد هذا النسق إلا بتثقيل السبب ، ونسقه الإيقاعي على النحو التالي :

3 (2) ]2[ 3 (2) ]2[ 3 ]2[

ومنه معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة ، وأولها :

ألا هُبّي بصحنك فاصْبحينا ولا تُبقي خمور الأندرينا

مُشعشعةً كأن الحُص فيها إذا ما الماء خالطها سخينا

تحُور بذي اللبانة عن هواه إذا ما ذاقها حتى يلينا

( 4-8 ) 2 2 3 2 2 3 2 3 السريع والكامل

أما السريع فنسقه الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم هو :

2 2 3 ]2[ 2 3|]2[ 3

|]2[ 2*

وذلك نحو قول بعضهم في الحماسة :

إنْ أدع الشعر فلم أكره إذ أزم الحقّ على الباطل

قد كنت أجريه على وجهه وأكثر الصدّ عن الجاهل

وقول أبي قيس بن الأسلت ، وهو على الضرب المبتور الوتد :

قالت ولم تقصد لقيل الخنا مهلاً فقد أبلغت أسماعي

أنكرْته حين توسمته والحرب غول ذات أوجاع

من يذق الحرب يجد طعمها مراً وتحبسْهُ بجعجاع

وباعتماد المقطع المديد على الضرب قول المتنبي :

لا تحسُن الوفْرة حتى تُرى منشورة الضفرين يوم القتال

على فتى مُعتقلٍ صعْدةً يعُلّها من كلّ وافي السبال

والحركة الإيقاعية لأسبابه لا تخرج عن النحو الذي أثبتناه . غير أن السببين الأولين وإن جاءا في الرمز الإيقاعي على هيئة الأسباب الحرة الحركة فإنهما لا ينقبضان معاً ، وإن كانا ينبسطان معاً . وقد جاء قبضهما معاً على ثقل واضح في الوزن ، قال صاحب شرح تحفة الخليل بعد أن أورد أبياتا من السريع لعوف بن محلّم الشيباني مشيراً إلى البيت التالي :

وجعلتْ بيني وبين الورى عنانةً من غير نسج العنانْ

" تجد الوزن فيها منساباً متسقاً على كثرة ما دخله من الخبن والطي ، ولكنك حين تصل البيت الأخير تشعر بشيء من الاضطراب والانحراف ، ذلك أن الخبل قد دخل جزءه الأول ( وجعلت ) فحوّله من " مستفعلن " إلى " فعلتُن " .

وقال الأخفش : " وأما السريع فجاز حذف الفاء والسين من مستفعلن فيه ، لأنا قد رأيناهم ألقوا السين وألقوا الفاء فشبهناه بمستفعلن الذي في الرجز وأجزنا إلقاءهما جميعاً.وزعموا أن ذلك قد جاء .

ومفتعلن ومفاعلن فيه حسن ، ومفتعلن أحسن لأنه يعتمد على وتد " .

وقوله : ( زعموا أن ذلك قد جاء ) يدل على ندرة هذا الزحاف إلى درجة الشك في أمثلته ، إن كان سمع بها الأخفش ، ومع ذلك فهو يجيز مجيئها في السريع قياساً على الرجز !

ومع أن العروضيين اختلفوا في مفاعلن ومفتعلن أيهما أحسن في السريع ، فإنني لم أجد أحداً ينكر مجيء مفاعلن ثاني جزء في شطر السريع . وقد تتبعت عدداً وافراً من نماذج هذا الوزن فوجدت أن الشعراء يتجنبون هذا الزحاف في ذلك الموضع من شطري السريع تجنباً لاشعورياً . ولكن من المفارقات أني وجدت ابراهيم أنيس يستشهد في معرض بيان نظريته في الوزن بهذا البيت من السريع :

لم يفتتن بالمكرمات امرؤ والغانياتُ فتنةُ العابد

ذلك أن أنيس حمل حملة هوجاء على العروضيين أو الرواة الذين جاءوا في الطويل والبسيط وغيرهما بزحافات لها نفس الوقع من القبح الذي لهذا الزحاف في السريع ، ومع ذلك لم يستنكره أو ربما لم يلتفت إليه كغيره من أصحاب الذوق الإيقاعي ، ومنهم المعري مثلاً .

وقد نظم بعض الشعراء قديماً على عروض آخر من السريع ونسقه الإيقاعي كما يلي :

2 2 3 ]2[ ]2[ 3|[2] 3

|]2[ ـ

أي أن لهذه العروض ضربين ، وهما لا يجب أن يتواليا في قصيدة واحدة ، ذلك أن قافية كل ضرب منهما يجب أن تكون مطلقة . فالمقطع المفتوح على الوتد الأخير هو ما يوجبه التزام الزحاف في السبب قبله وكذلك ما يوجبه بتر الوتد . ومع ذلك فالنماذج القليلة التي رويت على هذا الوزن جاءت بتقييد قوافيها مما أتاح الفرصة للجمع بين الضربين في القصيدة الواحدة ؛ لأن نوع الحروف يسمح بذلك . ومن ذلك قول المرقش الأكبر :

هل بالديار أنْ تُجيب صممْ لوْ كان رسمٌ ناطقاً كلّمْ

الدار قفرٌ والرسومُ كما رقّش في ظهر الأديم قلمْ

وعلى نهجها أيضاً قول الأعشى :

أقصرْ فكلّ طالبٍ سيملّْ إنْ لم يكن على الحبيب عولْ

فهو يقول للسفيه إذا آمره في بعض ما يفعلْ

جهلٌ طلابُ الغانيات وقدْ يكونُ لهو ٌ همّه وغزلْ

ومنشأ الاضطراب في هاتين القصيدتين من جانبين :

الأول : عدم اعتماد المقطع المفتوح آخر البيت .

والثاني : عدم التقيد بالحركة الإيقاعية المحددة لهذا النسق .

ويبدو لي أن هذا النسق المنقرض من السريع يمثل الحلقة المفقودة في تطور صورة من الكامل يجري نسقها على النحو التالي :

(2) ]2[ 3 (2) ]2[|[2] 3

|]2[2*

وقد ظهرت بوادر من هذه الصورة في قصيدة المرقش التي أشرنا إليها من قبل . وعلى هذا الوزن من الكامل قصيدة يزيد بن الخذّاق ، أولها :

أعددت سبحة بعدما قرحت ولبست شكّة حازمٍ جلد

لن تجمعوا ودّي ومعتبتي أو يُجمع السيفان في غمد

والخليل يعد هذا النسق من الكامل بثلاثة أجزاء من متفاعلن في الشطر بعد حذف وتد الجزء الثالث في كل من العروض والضرب . أي أنه بالرموز السبب وتدية يأتي على النحو التالي :

(2) ]2[ 3 (2) ]2[ 3 (2) ]2[

ونحن نشك في صحة هذا النسق ؛ لأنه لو كان ذلك صحيحاً لجاز في العروض السبب الثقيل خفيفا كما جاز في الوافر من وزن : مفاعلتن مفاعلتن ، ولجاز أيضاً وقوع المقطع المديد على آخره . ولذا فالأقرب إلى المنطق التقريب ما بين هذا النوع من الكامل وبين السريع ؛ لأن الفرق بينهما لا يعدو تثقيل السبب .

( 5-8 ) 2 3 2 2 3 2 3 2 المديد

وهذا النسق هو الذي مثل له الخليل بالشاهد التالي من قول المهلهل :

يا لبكرٍ أنشروا لي كُليبا يا لبكرٍ أين أين الفرارُ

وعليه القصيدة المنسوبة لتأبط شراً ، وأولها :

إن بالشعب الذي دون سلْعٍ لقتيلاً دمُه ما يطلّ

خلف العبء علي وولّى أنا بالعبء له مستقل

والنسق الإيقاعي الذي يفترض أن يطرد عليه النظم ليصبح سائغاً في الذوق هو :

2 3 ]2[ ]2[ 3 2 3 2

والملاحظ في النماذج الواردة على هذا النسق ، وهي قليلة ، أن الشعراء لا يلتزمون بسط السبب الثاني من التشكيل السببي الثنائي ، كما في قوله :

لقتيلاً دمُهُ ما يطلّ

ومع ذلك نلاحظ ارتباطاً شبه وثيق بين قبض هذا السبب وبين بسط السبب المفرد الذي يليه ، وهو في الحشو . فقد عدت إلى قصيدة تأبط شراً لأجد أن من بين أبياتها الستة والعشرين بيتين فقط لا يتحقق فيهما هذا الارتباط ، وهما :

2- خلف العبء عليّ وولّى أنا بالعبء له مستقلّ

6- بزّني الدهرُ وكان غشوماً بأبيّ جارُه ما يذلّ

ولخلف الأحمر قصيدة من سبعة وأربعين بيتاً على هذا الوزن والروي ، وقد عدت إليها في الأشباه والنظائر فوجدت الارتباط الذي ذكرت متحققا في أبياتها جميعاً .

وبرغم ذلك كله فنحن نلاحظ انصراف الشعراء عن النظم على هذا الوزن ، وكذلك على النسق التالي وهو مجزوء البسيط . ونورد من المسألة رقم 124 من الإمتاع والمؤانسة للتوحيدي ما نرى فيه تفسيراً لهذه الملاحظة . قال أبو علي مسكويه :

" إن المطبوع من المولدين يلزم الوزن الواحد ولا يخرج عنه ما طبعه يطيع ذلك . ولكن ربما سمعنا للشعراء الجاهليين المتقدمين أوزاناً لا تقبلها طباعنا ، ولا تحسن في ذوقنا ، وهي عندهم مقبولة موزونة ، يستمرون عليها كما يستمرون في غيرها . كقول المرقش :

لابنة عجلان بالطفّ رُسومْ لم يتعفّين والعهد قديمْ

وهي قصيدة مختارة في المفضليات ولها أخوات لا أحب تطويل الجواب بإيرادها ـ كانت مقبولة الوزن في طباع أولئك القوم وهي نافرة عن طباعنا ، نظنّها مكسورة .

وكذلك قد يستعملون من الزحاف في الأوزان التي تستطيبها ما يكون عند المطبوعين منا مكسوراً ، وهي صحيحة . والسبب في جميع ذلك أن القوم كانوا يجبرون بنغمات يستعملونها مواضع من الشعر يستوي بها الوزن . ولأننا نحن لا نعرف تلك النغمات إذا أنشدنا الشعر على السلامة لم يحسن في طباعنا والدليل على ذلك أنا إذا عرفنا في بعض الشعر تلك النغمة حسن عندنا وطاب في ذوقنا كقول الشاعر :

إن بالشعب الذي دون سلع لقتيلاً دمه ما يطلّ

فإن هذا الوزن إذا أنشد مفكك الأجزاء بالنغمة التي تخصه طاب في الذوق ، وإذا أنشد كما ينشد سائر الشعر لم يطب في كل ذوق " .

( 6-8 ) 3 2 2 3 2 3 2 2 نسق مهمل

(7-8 ) 2 2 3 2 3 2 2 3 مجزوء البسيط

والأمثلة على هذا الوزن قليلة جداً ، وبعضها مضطرب في النظم ، ولا تتجاوز القصيدة منه بضعة أبيات . فمن ذلك أبيات المرقش

الأصغر ، قوله :

الزقّ ملْكٌ لم كان له والملْك منه طويل وقصيرْ

منها الصبوح الذي يتركني ليث عفرّين والمالُ كثيرْ

فأول الليل ليثٌ خادرٌ وآخر الليل ضبعان عثورْ

قاتلك الله من مشروبةٍ لو أن ذا مرّةٍ عنك صبورْ

والنسق الإيقاعي الذي يفترض أن يطرد عليه النظم كما يلي :

2 ]2[ 3 2 3|]2[ 2 3

|2 ]2[ ـ

ومع ذلك فلا نطمئن إلى إمكانية البتر في وتده الأخير ؛ لأن ضرب هذا النسق يشبه ضرب الرمل ، وليس في الرمل بتر للوتد . أما الشاهد على البتر فيه وهو قوله :

قلت استجيبي فلما لم تجب سالت دموعي على ردائي

فيبدو أنه مصنوع ، ولم يجد صاحب شرح تحفة الخليل من نموذج على هذا الوزن إلا مقطوعة صنعها ابن عبد ربه للتمثيل . وكذلك ما جاء به على الضرب الآخر ، وشاهده :

ماذا وقوفي على رسم عفا مخلولق دارس مستعجم

وإذن ، فلم يبق من ضروب هذا الوزن النادر إلا نموذج المرقش الأصغر الذي جاء باعتماد المقطع المديد على آخره .

( 8-8 ) 2 3 2 3 2 2 3 2 نسق مهمل

( 1-9 ) 3 2 3 2 2 3 2 2 2 نسق مهمل

( 2-9 ) 2 3 2 2 3 2 2 2 3 نسق مهمل

( 3-9 ) 3 2 2 3 2 2 2 3 2 نسق مهمل

( 4-9 ) 2 2 3 2 2 2 3 2 3 المنسرح

ومن أمثلته في الشعر القديم قول ذي الإصبع العدواني في المفضليات :

إنكما صاحبيّ لن تدعا لومي ومهما أضع فلن تسعا

إنكما من سفاه رأيكما لا تجنباني السفاه والقذعا

إلا بأن تكذبا عليّ ولم أملك بأن تكذبا وأن تلعا

لن تعقلا جفرة عليّ ولم أوذ نديماً ولم أنل طبعا

إن تزعما أنني كبرت فلم ألف بخيلاً نكْسا ولا ورعا

والنسق الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم هو :

2 2 3 ]2[ [2] ]2[ 3|[2] 3

|]2[ 2*

فالسببان الخفيفان أول الشطر يمكن لكل منهما أن ينقبض أو ينبسط بحرية وذلك أن أول سبب يليهما ملتزم عدم الزحاف . غير أن السببين لا ينقبضان معاً كما أشرنا إلى مثل ذلك في أنساق أخرى .

وأما الأسباب الثلاثة المتوالية بين الوتدين فإنّ عدم الزحاف لازم في الأول والثالث منهما ، ويميل السبب الأوسط إلى الزحاف أكثر منه إلى عدم الزحاف .

وأما السبب المفرد في العروض والحشو فإنه يلتزم الزحاف دائماً ، ومع ذلك فقد أورد صاحب شرح تحفة الخليل أبياتاً عدة لم يجر فيها الزحاف على الالتزام . إلا أن المطرد في النظم ، وهو أيضاً الأقرب إلى الطبع ، هو مجيء هذا السبب مقبوضاً . ولا يتخلص هذا السبب من قبضه في الضرب إلا بعد بتر الوتد الذي يليه ، ومن ذلك قول المتنبي :

ما سدكت علّة بمورود أكرم من تغلب بن داود

يأنف من ميتة الفراش وقد حلّ به أصدق المواعيد

ومثله أنكر الممات على غير سروج السوابح القود

وهذا الضرب لم يذكره الخليل ، واستدرك عليه .

( 5-9 ) 2 3 2 2 2 3 2 3 2 الخفيف

ومن الأمثلة على هذا البحر قول المعري :

غير مجد في ملتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد

وشبيه صوت النعي إذا قيس بصوت البشير في كل ناد

صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد

خفّف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد

وقبيح بنا وإن قدُم العهد هوان الآباء والأجداد

والنسق الإيقاعي الذي يطرد عليه النظم في هذا البحر هو :

2 3 ]2[ 2 ]2[ 3 2|3 ]2[

]2[|2* ]2[

والضربان الصحيح والأبتر يتقارضان في هذا الوزن لأن القافية ، ردفاً وروياً ، لا تختلف بين هذا الضرب أو ذاك . ولذلك لم يشأ الخليل أن يفرد لهذا الوتد الأبتر ضرباً مستقلاً ، وسمى العلة فيه تشعيثاً وجعله يجري مجرى الزحاف .

ولأن هذا النسق ينتهي بسبب مفرد ، أمكن للشعراء أن يتوسعوا في تنويع النظم بحذف هذا السبب في العروض . فمن ذلك قول أمية بن أبي الصلت :

عينُ بكّي بالمُسبلات أبا الحارث لا تذخري على زمعهْ

وعقيل بن أسودٍ أسد البأس ليوم الهياج والدفعةْ

فعلى مثل هُلكهم خوت الجوزاء لا خانةٌ ولا خدعةْ

وقد جعل الخليل شاهد هذا الضرب قوله :

ليت شعري هل ثُمّ هل آتينهُم أم يحولنْ من دون ذاك الردى

فلم يُلزم الضرب قبض سببه الأخير فيه ( وهو زحاف الخبن عنده ) وحقه الزحاف أبداً ؛ لأن السبب قبله ملتزمٌ عدم الزحاف ، كما أشرنا في قاعدة حركة السبب الأحادي في العروض والضرب .

وكذلك ازداد الشعراء توسعاً في التنويع ، فحذفوا السبب أيضاً في العروض ، فمن ذلك قول جميل بن معمر :

رسمُ دارٍ وقفتُ في طللهْ كدتُ أقضي الحياة من جللهْ

موحشاً ما ترى به أحداً تنسجُ الريحُ تُرب مُعتدلهْ

وببتر الوتد ، على غير تشعيث هذه المرة ، قولُ خليل مطران :

مرّ في بالنا فأحيانا كيف لو زارنا فحيّانا

رشأ والنفارُ شيمته لا لشيءٍ يصُدّ أحيانا

قد سلا عهده ونحن على عهده لا نُطيق سلوانا

ولم يشر الخليل إلى هذا الضرب الأبتر ، واستدركه العروضيون عليه ، وكذلك فإن الخليل جعل العروض والضرب على وزن ( فاعلن ) ، شاهده عنده :

إن قدرنا يوماً على عامرٍ ننتصفْ منه أو ندعْهُ لكُمْ

وكان من حق الخليل أن يلتفت في ذلك إلى ما صنعه في البسيط حين ألزم عروضه والضرب الخبن . وهكذا فإنه يُخيّل لي أن الخليل كان يرسم للوزن طريقاً ويتخذ الشعراء طريقاً آخر يجدونه أقرب إلى الطبع منه إلى الصنع . ومن هذا الصنع ما ترسّم فيه بعض الشعراء درب الخليل على هذا الوزن ، وبخاصة بيته الثاني من الخفيف . فقد نظم عبده بدوي قصيدة على هذا الضرب ، وكأنه لا يقصد إلا إلى محاباة الخليل حيث سلك غيره من الشعراء مسلك الطبع . قال عبده بدوي :

هبط الأرض كالصباح سنيّاً وككأسٍ مُكلّلٍ بالحببْ

عزف الحُبّ والمُنى وحُروفاً كالعصافير إن تُطاردْ تثبْ

وتغنّى كبُلبلٍ وتهادى كشُعاعٍ مُعطّرٍ مُرتقبْ

( 6-9) 3 2 2 2 3 2 3 2 2 نسق مهمل

( 7-9) 2 2 2 3 2 3 2 2 3 نسق مهمل

( 8-9) 2 2 3 2 3 2 2 3 2 نسق مهمل

( 9-9) 2 3 2 3 2 2 3 2 2 نسق مهمل

خـــــاتـــمـــة

لقد حاول هذا البحث أن يحدد ، في قواعد بسيطة وقليلة ، مسلك النظم الشعري على النحو الذي اطرد في نظم الشعراء خلال العصور السابقة وإلى اليوم .

ولقد كان لقائمة الأنساق الإيقاعية التي وضعناها ، لبيان ما يمكن النظم عليه ، دور في تصنيف الأوزان تصنيفاً جديداً . وهذا التصنيف هو ما يتيح إمكانية التنبؤ بما قد يكتشف من أوزان ، ويجعل لهذه القائمة دوراً في علم العروض يشبه الدور الذي للجدول الدوري للعناصر في علم الكيمياء .

ومع ذلك ، فإن هذا البحث لا يضع شروطاً على الشعر والشعراء في تحديد مسارهم ؛ وإنما يتتبع هذا المسار لوصف ما يلاحظ من ظواهر في حركة الوزن والإيقاع .

الـــمــصــادر والــمـــراجــع

- الأخفش ( أبو الحسن سعيد بن مسعدة )

كتاب العروض ، تحقيق : د . أحمد محمد عبد الدايم ، مكة المكرمة ، المكتبة الفيصلية ،1985 م .

- أنيس ( د . إبراهيم )

موسيقى الشعر ، ط 4 ، القاهرة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1972 م .

- التبريزي ( أبو زكريا يحيى بن علي )

الكافي في العروض والقوافي ، تحقيق : الحساني حسن عبد الله ، خانجي وحمدان ، بيروت .

شرح اختيارات المفضل ، تحقيق : د. فخر الدين قباوة ، الطبعة الثانية ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1987 م .

- الجوهري ( أبو نصر إسماعيل بن حماد )

عروض الورقة ، تحقيق : محمد العلمي ، الدار البيضاء ، دار الثقافة ، 1984 م.

- الدمنهوري ( محمد )

الإرشاد الشافي على متن الكافي في العروض والقوافي ، ط 2 ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، 1957 م .

- الراضي ( عبد الحميد )

شرح تحفة الخليل في العروض والقافية ، ط2 ، بغداد ، مؤسسة الرسالة ، 1975 م .

- الشنتريني ( أبو بكر محمد بن عبد الملك بن السراج )

المعيار في أوزان الأشعار ، ط2 ، تحقيق : د . رضوان الداية ، الطبعة الثانية ، المكتب الإسلامي ، 1391هـ 2 1971 م .

- الطويل ( د. محمد عبد المجيد )

في عروض الشعر العربي ، ط 1 ، نادي أبها الأدبي ، أبها ، 1405 هـ .

- عمر ( د . أحمد مختار )

دراسة الصوت اللغوي ، ط 1 ، عالم الكتب ، القاهرة ، 1976 م .

- عياد ( د . شكري )

موسيقى الشعر العربي ، ط1 ، دار المعرفة ، القاهرة ن 1968م .

- القرطاجني ( أبو الحسن حازم )

منهاج البلغاء وسراج الأدباء ، تحقيق : محمد الحبيب بن خوجة ، دار الكتب الشرقية ، تونس ، 1966 م .

- ابن القطاع ( أبو القاسم علي بن جعفر )

البارع في علم العروض ، تحقيق : د. أحمد محمد عبد الدايم ، ط 2 ، المكتبة الفيصلية ، مكة المكرمة ، 1985 م .

- كشك ( د . أحمد )

محاولات للتجديد في إيقاع الشعر ، ط 1 ، مطبعة المدينة ، مكة المكرمة ، 1985 م .

- المعري ( أبو العلاء أحمد بن سليمان )

الفصول والغايات ، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت .

رسالة الصاهل والشاحج ، تحقيق : د . بنت الشاطئ ، دار المعارف ، القاهرة ، 1984 م .

رسائل أبي العلاء المعري ، منشورات دار القاموس الحديث .

- يونس ( علي )

النقد الأدبي وقضايا الشكل الموسيقي الجديد في الشعر العربي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1985 م .

صفحات عروضية