tafkeer-aroody

رسالة الخليل من خلال منهجه الذي يتناوله الرقمي تشجيع التفكير. من فاته هذا أضاع أثمن ما في رسالة الخليل لأمته عبر القرون.

بعض الأخبار والروايات صحيح وبعضها باطل. والتمييز يكون صعبا أحيانا وسهلا أحيانا أخرى، ولكنه في كل الحالات يتطلب إعمال

التفكير. وعدم إعمال التفكير يجعل المرء يتقبل الغث والسمين والمنسجم والمتناقض ذاتيا. وأيسر ما يكشفه الحد الأدنى من التفكير تلك

الروايات التي تحمل دليل بطلانها في ذاتها. وهنا ساضرب أمثلة بعضها حصل وبعضها تخيلي القصد منه الإيماء إلى ما لا يمكن قوله

صراحة لخروجه عن مجال العروض. وإن كان داخلا في نطاق رسالة الخليل لأمته في كل شيء.

1- بعض المواطنين في بلد عربي وصلتهم مخالفات مرور لسياراتهم تاريخها يسبق موديل السيارة. ربما قبل شرائها بعام أو أكثر.

2- طالب إشتكي زميله لأستاذه قائلا إنه عض أذنه. فقال زميله إن زميله المشتكي قد عض نفسه ( اذن نفسه ) واتهمه زورا وتمضي

النكتة بأن أستاذه علق قائلا :" وهل هو جمل أو زرافة ليفعل ذلك "

3 - ذاك الذي يقول إنه يسرق ليتصدق بما سرقه .

مثل هذا وأكثر يتم تصديقه لدى الأمم التي يتضخم لديها منهج الحفظ على حساب منهج التفكير. كمن حرف سادتُهم دينَهم من

التوحيد لتعدد الآلهة فحرموا عليهم التفكير قرونا لأنه يكشف زيف ذلك. الأمر الذي أدى إلى نبذ الدين كلية في الغرب بعد النهضة.

وأعجبني جدا مقال قرأته من سنين في مجلة الخطوط السعودية " أهلا وسهلا " عن التفكير باعتباره الفريضة الأولى في الإسلام.

لقد بلغ من تعسف مناهضي التفكير أن يُصادر مبدأ التفكير إن لم يؤد في كل صغيرة وكبيرة إلى صواب. فكأن الخيار هو بين تفكير

لا يأتي نتائجَه الباطلُ من بين يديها ولا من خلفها - وهذا محال على الصعيد البشري - وانعدام تفكير تنعدم معه مناقشة أي سائد يتساوى

في ذاك ما فيه من حق وباطل. حسب التفكير أن يثير التساؤل فإن تصىدى المتسائل للإجابة فخير، فإلا فإن الأجواء الفكرية كفيلة بأن تميز في

المحصلة بين الحق والباطل على ما قد يعتري المسيرة من خطإ أحيانا، وهذه طبيعة المسيرة العلمية.

سأنتناول هنا بعض المقولات العروضية ومنها ما ظل ينتقل عبر القرون مع أن قليلا من التفكير يبين حقيقتها ويسهّل الحكم عليها.

وقد أكون مصيبا أو مخطئا بقدر أو آخر، ولكن لعل نسبة الصواب تكون أعلى في نقد مبدإ أخذ الروايات كما وردت دون محض

تسائل حولها، ومن هذه الروايات الشائعة :

أ - ما ينسبه كثيرون للخليل حول وضع البحور المهملة وأسمائها. فلنتصور الحوار التالي بين شخصين ( زيد ) و ( عمرو)

وهنا سلسلة أسئلة يوجهها زيد إلى عمرو فيجيب عليها

س1- هل وضع الخليل دوائر البحور ؟ الجواب : نعم وهي أساس منهجه.

س2- هل في دوائر البحور محاور لا يبدأ بها وزن من الشعر العربي؟ وأننا إذا سرنا على محيط الدائرة ابتداء منها ستعطينا أوزانا لم يقل العرب عليها؟

وأن هذه هي ما يعرف بالبحور المهملة بأسمائها المعروفة؟ الجواب : صحيح .

س 3 - الا يتبع ذلك أن الخليل هو من وضع هذه البحور وأسمائها ؟ الجواب : كلا وهذا الاستنتاج خطأ.

والجواب على أسئلة زيد يأتي حوارا بين زيد وعمرو

عمرو : هل تعتقد أن الخليل هو الذي وضع أسماء البحور المهملة ؟ زيد : لست وحدي كثيرون يعتقدون ذلك.

عمرو : هل تعتقد أن الأخفش تدارك ( المتدارك ) على الخليل؟ زيد : نعم

عمرو : يعني الخليل وضع أسماء البحور المهملة جميعها ونسي المتدارك ؟ فنبه إليه الأخفش ؟ زيد : ربما

عمرو : فكر قليلا واسنتنتج ما شئت.

زيد : إن لم يكن الخليل قد وضع البحور المهملة فكيف جاءت؟ ومن أسماها ؟

عمرو : منهج الخليل يقوم على جمع كل الاحتمالات وتكثيفها.. وأوزان الشعر العربي كلها (بل الكلام العربي كله ) أسباب وأتاد لا غير، ويتكون من المفردات التالية:

السببيبن البحريين 2 2 = 4

الفاصلة 2 2

الوتد المفروق 12

السبب البحري 2

السبب الخببي 2

الوتد المجموع 3 = 21

وهذه تتوزع على خمس دوائر صنفها الخليل لتستوعب البحور وضُمّت هذه الدوائر معا لاحقا في ساعة البحور التي تمثل بنيانا رياضيا متماسكا.

المحاور التي لا تنفك منها بحور، ناتج ثانوي غير مقصود في تلك الدوائر لم تكن تعني الخليل في شيء. من جاء بعده أخذ من الدوائر هذا البعد

وركز عليه ناسيا بعدها المنهجي، ثم بدأ سواه ينظم على تلك البحور البيت والبيتين لستعملوها شواهد عليها. ولأن عناصر التركيب محدودة فقد

كانت الدوائر محدودة والبحور محدودة وما سمي بالبحور المهملة كذلك محدودة.

إن كا ن لا بد من وصف لهذه الأوزان يستعمل فيه لفظ البحور فهو ( البحور الوهمية ) وليست ( المهملة )

ب - نسبة ما سمي بالبحور المهملة إلى المولدين ويردد ذلك كثيرون، كما جاء في ( أهدى سبيل ) :" فكل ما يخرج عن الأوزان الستة عشر أو الخمسة عشر

فليس بشعر عربي، وما يصاغ على غير هذه الأوزان فهو عمل المولدين .....وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان لأن أذواقهم تربت على إلفها واعتادت التأثر

بها......لذلك راينا أن المولدين لم يطيقوا أن يلتزموا تلك الأوزان الموزونة من العرب فأحدثوا أوزانا أخرى منها ستة استنبطوها من عكس دوائر البحور"

خلط في خلط في خلط..

1- " أذواق الموليدن تربت على البحور المهملة " سبحان الله ! الخليل في دوائرة قسمان قسم للعرب وقسم للمولدين.

2- "هم استنبطوها من عكس دوائر الخليل" ، يعني لم يأْلفوها كمال قال بل استنبطوها، ويعني أن الخليل لم يعرفها

3- من شعراء المولدين المعروفين في تاريخ الشعر العربي في العصر الباسي أبو نواس وبشار بن برد وابو تمام

ومسلم بن الوليد فهل ضاقت بحور الشعر العربي بهؤلاء فلجؤوا إلى البحور التي ألفوها واستبطوها بعكس

دوائر الخليل ؟

4- وعلى فرض أن هناك سوى هؤلاء ينطبق عليهم هذا الوصف فما هي أسماؤهم ؟

5 - واين الشعر الذي كتبوه عليها ؟ لا شيء سوى ما تتناوله كل كتب العروض من البيت ذاته أو البيتين ذاتهما على كل بحر والتصنيع واضح في تفصيل شواهد على هذه الأوزان.

إن القول بأن هذه ( البحور المهملة ) - والأحرى أن تسمى أوزانا لا بحورا - ناتجة عن عكس بحور الخليل أو مشتقة من دوائره شيء يوصّف واقع الدوائر، ولكن القول بأن هذه البحور المعكوسة كانت متنفسا للمولدين الذين ضاقت بهم بحور الخليل أمر لا دليل عليه. والأهم من هذا كيف يتم تداول هذا الأمر قرونا دون تمحيصه ؟ ثقافة الحفظ التي تلبست العروض – لسوء حظه – هي المسؤولة عن ذلك. فإن الاعتناء بملكة الحفظ يتم على الأغلب على حساب التفكير. فالعيب ليس في الحفظ بل في منهج الحفظ على حساب التفكير. وذلك نظير القول " ليس العيب في التفاعيل بل في أخذها بمعزل عن نهج الخليل ". الحفظ والتفاعيل متداخلان وهما – على فائدتهما في حفظ المعلومة – يركزان على تجميع المعلومات وحفظها. وليس فيهما من دافع يدفع القارئ إلى الربط والتفكير، الأمر الذي يؤدي إلى تغييب ثقافة التفكير. ومالم يكن لدى القارئ حافز ذاتي على التفكير فإن تركيزه على الحفظ سيجعله بمثابة الأرشيف الذي يحوي المعلومات فيستدعيها عند الحاجة لها ويعتبر أن تقدمه في هذا السبيل متناسب مع كفاءة أدائه في التذكر والاستدعاء فيكاد في ذلك يساوي بين الأساس والفرع وبين الشائع والشاذ. إن القول دون دليل بأن بحور الخليل ضاقت بالمولدين فلجأوا إلى (البحور المعكوسة) ليجدوا فيها متنفسا كالقول إن المولدين ضاقت بهنم الألفاظ العربية فاختاروا من ( العين الشامل ) ألفاظا جديدة بعضها مثل ( ببص : وهنا يضعون لها تعريفا ) ناتج من عكس حروف ( صبب = صبّ!) . وهكذا سيخرج علينا ( المبدعون ) باختراع ألفاظ جديدة ربما يتواضعون بنسبتها إلى (العين العام) وينتهي الأمر بعد حين بفوضى لغوية بل لغة تنكر العربيةَ وتنكرها العربيةُ. مثل هذا وأكثر حدث للأسف في العروض على أيدي بعض الشعراء والعروضيين، ومن يريد أدلة فالعديد منها في موضوع [ بحور جديدة !]

ولينظر القارئ إلى ما يلي حول البحور المهملة ويتأمل :

دراﺳﺔ وﻣوازﻧﺔ - اﻟدواﺋر اﻟﻌروﺿﻳﺔ ﻣﻬﻣﻼت اﻷوزان ﻓﻲ A Comparative Study

- نسبة القول بالبحور المجزوءة وجوبا إلى الخليل

جاء في العيون الغامزة على خيايا الرامزة :" وقال ابن واصل إنما سُمي مجتثاً أخذاً من الاجتثاث الذي هو الاقتطاع، فلما كان منقطعاً في دائرة المشتبه من بحر الخفيف كان مجتثاً منه، والمخالفة بينه وبين الخفيف من حيث التقديم والتأخير. وهذا البحر، أعني المجتث، مبني في الدائرة من ستة أجزاء على هذه الصورة: مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن، مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن "

وقد ذهب غير عروضي إلى مثل هذا من الربط بين الخفيف والمجتث ( مجتث الخفيف )، والمنسرح والمقتضب ( مقتضب المنسرح) من جهة وإلى استكمال وصف مدار كل من المجتث والمقتضب على الدائرة فيما أسموه المجتث والمقتضب التامين. ولا يخفى ما في هذا من ازدواج بين الناحية العملية وتصور وجوب استكمال الدائرة. فيما بعد الوزن لا فيما قبله. علما بأن أحكام الضرب هي ذاتها بين كل من الخفيف ومجتثة وبين المنسرح ومقتضبه - ولنسم العلاقة بين كل زوجين بالاجتثاث - وهذا ما يجعل العلاقة بين المجتث والخفيف في قوة العلاقة بين الخفيف ومجزوئه، إن لم تكن أقوى. وهو ما سأفصله، وعليه يقاس ما بين المنسرح و مقتضبه/مجتثه وأما المضارع فيجمع بين صفتي الاجتزاء ( الإسقاط من آخر الشطر ) والاجتثاث ( الإسقاط من أول الشطر)

المظلل بالأصفر فيما يلي محذوف فعلا في واقع الحال يرد بالتأصيل.

ما كتب بهذا اللون هو الدارج من استكمال ما تنص عليه الكتب من بقية بحر مجزوء وجوبا في هذا السياق.

مجزوء الخفيف لو أكمل دائرته لانتهى بالخفيف لأنه يستكمل ما سقط من آخر الخفيف

مجتث الخفيف لو أكمل دائرته لخرج عن الخفيف لأن ما يأتي على الدائرة بعده مختلف عما سقط من أول الخفيف وصولا إلى مجتثه.

ذكرني هذا بأن التدوير على ساعة البحور لا يصلح إذا اكتنف الضرب علة إلا بعد تأصيلها. لأن من شأن التدوير دون تأصيل العلة أن تدخل في الحشو فتفسده. وفي هذا الصدد يبدو لي الاجتثاث من أول البحر كعلة كبرى لا تنفي نسب البحر المجتث أو المقتضب ولكن لا يصلح معها التدوير إلا بالتأصيل والتأصيل إنما يكون برد ما حذف من الأصل. وما حذف هو في أول البحر ، وافتراض انتمائه لوزن آخر يكمل الدائرة هو افتراض وهمي شأنه شأن افتراض البحور المهملة. بينما الجزء من آخر البحر لا يفسد التدوير لأن تدويره بذاته عودة لأصله ، يؤكد هذه الرؤية لمجتث الخفيف (أ) أن ضربه هو ذات ضرب الخفيف وزنا وأحكاما.

وإذا كان الكلام عن البحور المهملة كليا لا شأن للخليل به بدلالة أنه لم يذكر المتدارك، وأن كل ما قيل حولها هو من كلام العروضيين بعد الخليل الذين وسعوا التدوير ليتجاوز الواقع ومقصد الخليل ، أفليس من المنطق أن نحمل ما ورد من افتراضات تنزع المجتث من سياق الخفيف وتتمه بنهاية لا وجود لها في الواقع على ما حملنا عليه قول العروضيين في البحور المهملة ثم نسبة ذلك باطلا للخليل ؟

خلاصة ما أطرحه : كل ما في الأمر أن بعض المحاور لا تصلح لتكون بداية لبحور جديدة تفك منها. ولكننا لو تجاهلنا هذا وبدأنا منها فسنحصل على أوزان لم تقل العرب عليها شعرا. وهذا غير واقعي ولا يؤخذ به ولا يحتكم إليه. وإن صح قولي ففيه الرد على كل من عد نقصًا في منهج الخليل احتواء دوائره على البحور المهملة وما أسموه بالجزء الوجوبي من أوزان خارج بحور الخليل.

يراجع بهذا الصدد موضوع البحور المهملة التي هي أشبه ما تكون بالجذور المهملة في العربية والتي أحصاها الخليل قبل بدئه بمعجم العين وهي الأغلبية لكثرة اجتمالات الجذور ، بينما البحور المهملة محدودة لقلة الجذور الداخلة في نظام الوزن . وكأنما كل نظرة شمولية تحتوي جردا على العام النشط والمستثنى المهمل.

ولا يخفى عل المتأمل أنه في حالتي المنسرح والخفيف فإن التفعيلة الأولى التي تم اجتثاثها واقعيا هي ذات التفعيلة الأخيرة التي تمت إضافتها افتراضيا مع انحياز وحدة أحكام الضرب بين المجتث وأصله الواقعي إلى افتراض الاجتثاث الواجب وليس الجزء الواجب.

إن تأمل الشكل التالي على ضوء ما تقدم وفهمه من شأنه أن يوضح افتعال إشكالات صنعها الوهم والجهل بمنهج الخليل.

د – نسبة الخبب للمتدارك ثم الزعم أن ذلك ما يقتضيه الحفاظ على عروض الخليل.

لن أتطرق لتفصيل الناحية العلمية في الموضوع وسأقتصر على ما يتعلق بالنقل دون عقل.

سادت نسبة الخبب للمتدارك طويلا ولم يشذ عن ذلك إلا القليل حديثا، هذا القول هو يتضمن أمرين:

1- الأول أن المتدارك من بحور الخليل، وليس الأمر كذلك فشأنه عند الخليل كشأن بقية البحور المهملة .

2- القول بوجود القطع في الحشو. فلنسلم بشرعية انتماء المتدارك لبحور الخليل، أفلا ينبغي أن يسري عليه ما يسري عليها من أحكام ؟ فمن أين جاءت شرعية القطع في حشو بحر خليلي ؟

الخليل لم يذكر لا المتدارك ولا الخبب في دوائره، والخليل يرفض دخول العلة (غير الخزم والخرم) في حشو البحور، فكيف تصير نسبة الخبب للمتدارك وما تتطلبه من قطع في الحشو التزاما بعروض الخليل ؟

تصير في منهج الحفظ المؤدي إلى النقل دون عقل.

ويحسن الاطلاع على بعض المواضيع حول الخبب

هـ - ترديد قول حازم القرطاجني عن المضارع دون مناقشته

يقول حازم القطاجني كما نقل عن (منهاج البلغاء 268 )

" وأما المضارع ففيه كل قبيحة، ولا ينبغي أن يعد من أوزان العرب "

من حق حازم القرطاجني أن يقول رأيه، ولكن أن يروى هذا القول قرونا دون أن يناقش فأمر مستغرب.

من أزواج البحور ما لا يفرق شطر الواحد عن آخر بمتحرك أشبه بالخزم أو الخرم. ويبقى الإيقاع في كليهما على نفس الدرجة من الصحة والقبول.

المتقارب 3 2 3 2 3 2 3

اللاحـق 2 2 3 2 3 2 3

من السريع 3 3 2 2 3 2 3

من المديد 2 3 2 2 3 2 3

قول الشاعر محمد السحار على الرجز سائغ

يَـا سَاكـنَ الفـؤَادِ =أَرْجـوكَ لا تُـعَـادِ

دَعْ مَا بَـدا جُحـوداً =مَا زلْتُ فـي ودادي

أَنْـتَ الهُيَـامُ منّـي =وَالسحْرُ أَنتَ عُمْري

رَقَّ الفُـؤَادُ قَلْـبـي =وَالشَوقُ مَنْ يُنَـادي

فكيف لا يسوغ على المضارع القول:

أيَـا سَاكـنَ الفـؤَادِ =لأَرْجـوكَ لا تُـعَـادِ

ودَعْ مَا بَـدا جُحـوداً =فمَا زلْتُ فـي ودادي

وأَنْـتَ الهُيَـامُ منّـي =وَكالسحْرُ أَنتَ عُمْري

يرقّ الفُـؤَادُ قَلْـبـي =وَبالشَوق مَنْ يُنَـادي

وكذلك الأبيات التالية المشهورة على المضارع

أرى للصبا وداعا *** وما يذكـر اجتماعا

كأن لم يكن جديرا *** بحفظ الذي أضاعا

ولـم يصبنا سـرور *** ولم يلـهـنا سـماعا

فجدد وصال صب *** متى تعصه أطاعا

وإن تدن منه شبرا *** يـقـربـك مـنه باعا

وما يناظرها من مجزوء الرجز:

هبْ للصبا وداعا *** لا يذكـر اجتماعا

إذْ لم يكن جديرا *** لا بل وكم أضاعا

لـم يصبنا سـرور *** لم يلـهـنا سـماعا

جدد وصال صب *** إن تعصه أطاعا

إن تدن منه شبرا *** يـسلكْ إليك باعا

يقبلان معا أو يرفضان معا

وـ - القول بضياع كتاب الخليل في العروض

ثمة إجماع تقريبا على ضياع كتاب الخليل في العروض.

ولد الخليل بالبصرة عام 100هـ وقيل انتقل إليها صغيرا من عُمان، وتوفي على روايتين سنة 170هـ أو 175 هـ

تولى الرشيد الحكم عام 170 هـ

أي أن الخليل عاش في فترة من فترات ازدهار الحضارة العربية الإسلامية.

حفظ العرب شعرهم في الجاهلية ، ومن ذلك ما كان من أبيات قالها أعرابي هنا وآخر هناك في الصحراء قبل انتشار الكتابة.

أمة يبلغ حرصها على شعرها هذا الحد منذ أميتها وجاهليتها ويستمر حرصها وطيدا عليه في عصورها المتتالية، هل يعقل أن يضيع كتاب الخليل حول نظام هذا الشعر ووزانه في زاهي عصورها وفي حاضرة ثقافية وفكرية كالبصرة ؟

الحد الأدنى أن يطرح هذا السؤال. لعله لم يسبق طرحه.

سأجتهد في الإجابة وما سأقدمه هو مجرد احتمال قد يكون له نصيب من الصحة. ولا أملك علىيه دليلا إلا مرافقتي للخليل من خلال أعوام طويلة قضيتها معه في العروض الرقمي متلمسا سبل تفكيره وما تطرحه شمولية نظرته ودقتها من رؤية لا يمكن معها للمفكر أن يحول بينها وبين التطلع إلى آفاق الحياة والدين والسياسة والاقتصاد ومحاولة تقييم ما يمارس فيها. أجد ذلك في نفسي فهما أفضل ورؤية أوضح تأطر التفاصيل أطرا في سياق الكل، وترفض الحكم على الجزئية إلا من خلال الكل الذي ينتظمها، فلا تقبل تعبير " خمارة التقوى "، وليس الاستنكار للتقوى ولكنه لإضافة الخمارة إليها. وما قضية الشبر المقدس من ذلك ببعيد. هذه النظرة الشمولية تبين التموضع بين الحق والباطل والاستقامة على المنهج واستغلاله كما يبين اللعب بالألفاظ وحرف دلالاتها. طبعا أغلق فمي لأني لا أستطيع في هذا المجال إلا إغلاقة. لكن كل من يتفاعل مع تفكير الخليل في العروض سيجد تفكيره يمتد إلى تلك الآفاق، فمستوى التفكير كالماء في الأواني المستطرقة. لا يعلو في جهة ويهبط في أخرى إلا بتدخل يفسد اتصال الأنابيب.

هل يعقل أن يكون هذا أثر فكر الخليل علي وأنا أتلمس مساره بعد قرون – حتى لو انحصر تعبيره في العروض – ولا يكون له أثر على الخليل ذاته، أو على من عاصروه ودرسوا كتابه ؟ يصعب نفي ذلك.

فإذا ربطنا ما تقدم بانحراف الأمة فيما هو أهم كثيرا من العروض وهو ما لا يخفى على القارئ، وما يسببه فكر الخليل من كشف للحقائق يؤدي إلى الإضرار بالمستفيدين من ذلك الانحراف ، أفلا يكون من الممكن أن الكتاب قد أحرق أو أعدم لهذا السبب سواء لعينه أو ضمن تيار تعميم ثقافة الحفظ وتعطيل التفكير، لا سيما وأن ما هو أهم من كتاب العروض

قد حرف، والحمد لله الذي حفظ نص كتابه، ورغم ذلك يساء تفسيره لمصلحة هذا أو ذاك.

الله أعلم.

قد يقول قائل ولكن للخليل كتبا أخرى وصلتنا. أنقل من وكيبيديا :"

كتاب الإيقاع وكتاب العروض يقال إنهما فقدا، لا شك أن منهجية الخليل تسود كل كتبه، لكن بقية عناوين الكتب لا تشي باستعابها له بالقدر الذي يستوعبه علم العروض.

************************************

قد أكون أخطأت في بعض ما ذهبت إليه، وقد يرد علي بعضهم بما يثبت خطئي، ولكنه في رده سيفكر ويربط ويقارن. وهكذا تتحقق رسالة الخليل.

لهذا وسواه من الكثير الكثير أقول إن العناية بمنهج الخليل رسالة فكرية. ولولا سيادة منهج الحفظ لكانت التفاعيل وتعدد الأحكام التفصيلية فيها بانسجام وتوافق جديرة

بأن تقود إلى التعرف على هذا المنهج الذي أبدعها. ولكن سيادة منهج الحفظ التي تحول دون ربط الجزئيات بكلياتها جعلت من التفاعيل ستارا يحول دون كلية المنهج.

ليس من خطإ في الحفظ وله دور عظيم، الخطأ في استبعاد منهج التفكير وتعميم الحفظ واستعماله تجزيئيته حاجزا دون كلية التفكير.

في غياب منهج التفكير وسيادة منهج الحفظ هل يقتصر استخدام التفاصيل لحجب كلية المنهج على العروض ؟

إن من يفهم العروض الرقمي سيلمس معنى ومدى تماسك المنهج المصور لعبقرية الخليل التي يقتصر دورها على تصوير عبقرية العربية

وبناء نظام وزن الشعر فيها في هيكلية رياضية هندسية مطردة دقيقة لا فجوة فيها ندع لزاعم إمكانية فبركة بحور أو تفاعيل عربية جديدة.

كما تبين أن منهج الخليل هو وحده الصحيح في تناول نتاج الذائقة العربية فيما يخص الوزن. وما ذاك إلا لتفرد العروض العربي وثرائه

الباذخ بالنسبة لأعاريض لغات العالم كافة. وجل ذاك راجع إلى طبيعة الوتد 11ه=3 وصفات شخصيته وما تفرضه على الأسباب التي

حولها من صفات وتصرفات. الوتد بهذا التأثير يتفرد به العروض العربي دون أعاريض البشر ، ولهذا فإنه يغيب في أصل اللسانيات

الحديثة التي تصلح لوصف كل أوزان الشعر العالمي بما فيه الشعر العربي، لكنها تقصر عن التقعيد للعروض العربي وذلك لاستبعادها

الوتد... بعض اللسانين العرب يحاولون التوفيق بين مناهج الغربيين ومنهج الخليل. المناهج لا تتوافق بل يسود أحدها الآخر. فليفحص عالم

اللسانيات العربي ما يراه توفيقا بين المناهج الغربية ومنهج الخليل على ضوء الوتد.. فإن وجد نفسه يعطي للوتد شخصيته سواء كرقم 3

أو كتلازم المقطعين الصوتيين القصير والطويل المسكلان للوتد 1 2 = 3 سواء أسماه وتدا أو لم يسمه، فذلك تسويد لمنهج الخليل. وإن

وجد الوتد غائبا عن تقعيده فذلك تسويد للمنهج الغربي.

إنني فخور ببعض من درس دورات الرقمي - في مدة تراوحت من 4 أيام إلى شهرين - فأصبح في مستوى يغبطه عليه كبار العروضيين

الرقمي ككل منهج لا يؤخذ إلا بدراسته في سياقة المتسلسل - دون قفز - من طريقين :

الأول : منتدى العروض الرقمي وهو الأفضل

الثاني : كتيب العروض الرقمي.

ويحسن الاطلاع على موضوع ( العروض العربي ليس علما ! ) https://sites.google.com/site/alarood/laysa-elman