جناية التفاعيل

من القصص التي رسخت في الذاكرة عبر السنين أنه كانت هناك أم ذكية وابن لها ليس بذكائها.وحضته على العمل وأوصته بأن يحتفظ جيدا بأجره،

فخرج وعمل يوما فأعطاه من شغله نقودا معدنية فبقي ممسكا بها بيده وما إن وصل البيت حتى تفقدها فوجدها قد سقطت منه.

قالت له أمه ضع ما تعطى في جيبك.

وفي اليوم التالي خرج للعمل فكان أجره كوب حليب فوضعه في جيبه وما أن وصل حتى كان مبللا بالحليب،

قالت له أمه ليتك وضعته في سطل.

وفي اليوم التالي خرج للعمل فكان أجره قطا فوضعه في سطل فقفز وهرب

قالت له أمه ليتك ربطته في حبل وسحبته

وفي اليوم التالي خرج للعمل فكان أجره فخذا من اللحم فربطه بحبل وسحبه فوصل ملوثا متسخا لا يصلح.

قالت له أمه ليتك حملته على كتفك.

وفي اليوم التالي خرج للعمل فكان أجره حمارا فحمله عائدا إلى البيت.

وللقصة بقية لا دخل لها بموضوعنا.

تلح علي هذه القصة كلما قرأت عن (بحر جديد) تمت صناعته.

لو كان الابن بمستوى ذكاء أمه لقالت له :" إحتفظ بكل ما تعطاه بطريقة تناسبه " ولكن ذلك لم يكن ليعني له الكثير

لو أن الخليل آنس ممن في زمنه مستوى من الإدراك يحيط بفكره فيما يتعلق بالعروض، لقدم لهم فكره بتجريده وشموليته، ولكنه لم يفعل، بل قدم لهم فكره بعد أن اخترع وسيلة إيضاح غاية في الجمال وهي التفعيلة فقسم لهم بموجبها أوزان الشعر العربي إلى بحور. ووصف لهم البحور بدلالتها.

ولكن هذه التفاعيل استدعت حدودا بينها وبدأ كل ما يخص العروض يتكيف طبقا لهذه التفاعيل والحدود التي تفصل بينها، وبدل أن تكون هذه التفاعيل وسيلة إيضاح تقدم فكر الخليل، باتت كيانات ثابتة ونسي فكر الخليل. على أن الخليل قد ترك لنا في معجم العين كما في دوائر العروض ما يدل على صدوره في علمه عن نظرة كلية شاملة. وأنقل من الرابط التالي ما يوضح شمولية فكر الخليل :

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/alkhaleel-wal-arqam

كل فكرة مضمون وأسلوب. ولا يشذ العروض عن هذا. وأعتقد أن الخليل في كل تفكيره كان علميا ومتفاعلا مع الأرقام واعيا على التوافيق والتباديل. وإن وضوح دور الأرقام في معجمه "كتاب العين" مثلاً لا يمكن إغفاله. وهو دليل واضح للغاية على إفادته من الأرقام في حصر الجذور.

فعن حمزة الأصبهاني (6-ص101،102): "ذكر أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير اثنا عشر ألف ألف وثلثمائة ألف وخمسة عشر ألف واربعمائة واثني عشر"=[412 ,315 ,12] ولم يذكر عدد الأبنية المحتملة للثلاثي فأضفتها. (عدد أحرف العربية التي يجوز أن يبدأ بها الكلام =28 - الألف لا يُبدأ بها الكلام، وهي في الفعل الثلاثي من واو أو ياء)

والجدول التالي يبين كيف تم التوصل لهذا الرقم. بل ويبين أنه تم تقديم الاعتبار الحسابي على اعتبار الواقع. وربما وقع شيء من ذلك في العروض كما سنرى.

ويقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "

التفاعيل رائعة في توصيل الصورة الصوتية للسامع وكذلك في تفسير الأحكام الجزئية الخاصة بكل بحر وكل ذلك في مجال العروض

الأمر في علم العروض مختلف فمجاله التواصل مع فكر الخليل ودراسة الذائقة العربية ذاتها واستكشاف القواعد الكلية لأوزان الشعر العربي حسب البرنامج الرياضي الذي أودعه الله للوجدان العربي. ولا تصلح التفاعيل لهذا المجال أبدا. وبعض من دخله بالتفاعيل غير واع على أنها مجرد وسائل إيضاح لمنهج الخليل خبّص تخبيصا شديدا. لا قيمة للتفاعيل إلا بقدر ارتباطها بمنهج الخليل وشرعيتها مستمدة منه.

للمزيد :

الفرق بين العروض وعلم العروض : https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/alfrq-byn-alrwd-wlm-alrwd

[ بحور جديدة ] : http://arood.com/vb/forumdisplay.php?f=83

لعل عصرا من العصور لم يشهد ما يشهده هذا العصر من كثرة اختراعات (البحور الجديدة). ولدى النظر إلى هذه الأوزان نجد أنها تتراوح بين المستساغة والثقيلة. ولكن حتى ما كان منها مستساغا – ويستساغ بقدر ما فيه من التزام بجوهر عروض الخليل- فإن أصحابها غالبا يعبرون عنها بدلالة تفاعيل لا تعبر عن جوهرها المنسجم كليا أو جزئيا مع مع جوهر فكر الخليل. بل إن التفاعيل التي يختارونها لأوزانهم بصدورها عن الشكل التفعيلي وحده تناقض جوهر عروض الخليل، فترى الوزن مستساغا في حالة شكل من أشكال التفعيلة ثقيلا في حال أخرى تزاحف فيها التفعيلة. ذلك أن اتفاق الوزن مع ذلك الشكل التفعيلي كان عارضا فإن تغير الشكل التفعيلي بزحاف بعض وحداته افترق عن حقيقة الوزن.

ولو توفر الوعي على جوهر عروض الخليل لدى أصحابها لالتمسوا لها من أشكال التعبير التفعيلي ما ينسجم وذلك الجوهرعلما بأن الشكل التفعيلي في هذه الأوزان كما في بحور الشعر ليس إلا وسيلة إيضاح للتعبير عن خصائص المقاطع المختلفة.

وأحيانا يبدو لي أن اتفاق الوزن فيما يكتب على هيئة شطرين يكفي لدى البعض لاعتباره شعرا. فإن نوقش قال إن ذائقتي تقبله، وهو أمر لم يقله المعري في المتنبي. ولا يخفى على أحد ما آلت إليه الذائقة من بعد عن أصالتها العربية، ولو أننا ارتضيناها مقياسا لتشتت الشعر تشتت الأمة ولاغترب اغترابها.

فلنمثل لذلك.

1- يقول خليل مطران:

فوق الكلام العمل .......به نجاح العمل

4 3 2 3 .............3 3 2 3

أيهما مفلحٌ ............من قال أم من فعلْ

هنا وزن الشطر مستفعلن فاعلن 4 3 2 3 ، ولنا أن نعتبره

أول البسيط = مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن = 4 3 2 3 4 3 1 3

أو آخر السريع = مستفعلن مستفعلن فاعلن = 4 3 4 3 2 3

2- ولو قال قائل :

فوق الكلام عمل .......يعطي نجاح أمل

4 3 1 3 .............4 3 1 3

لا يستوي نَشِطٌ ............معْ لائذٍ بكسلْ

لجاز لنا أن نعتبر هذا من البسيط : مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن =4 3 2 3 4 3 1 3

أو من الكامل ( الأحذ ) :4 3 4 3 1 3

3- ماذا لو قال قائل :

سبَقَ الكلامُ العملْ ......فبه نجاح الأمل

1 3 3 2 3 ..........1 3 3 2 3

أوَيستوي ناشطٌ ......معْ لائذ بالكسلْ

1 3 3 2 3 ..........2 2 3 2 3

ثم زعم أنه جاء بـ(ـبحرٍ) جديد وزنه ( متفاعلن فاعلن) مع إضمار متفاعلن في عجز البيت الثاني وقال إن هذا الوزن مستساغ لديه

هنا الرد عليه بأن هنا نقطتين: أولاهما أن الوزن مستساغ وثانيهما أن وزنه متفاعلن فاعلن،

الحقيقة الأولى فيها من الصحة بمقدار ما في الوزن من اتفاق مع عروض الخليل، والحقيقة الثانية باطلة لأنها تناقض معطى أساسيا في عروض الخليل. وهذا المعطى هو أن 2 3 (فاعلن) نافية للتخاب وإن شئت فهي نافية للفاصلة قبل الأوثق وبعبارات التفاعيل وبشكل شبه دقيق ( الدقة تقتضي ذكر الأوثق ) فهي نافية للسبب الثقيل في كل أجزاء البيت عدا الضرب. ومن أغفل هذا أو جهله فإنما أغفل معلما مهما في عروض الخليل مرتبط بجوهره.

معطم هذه عبارات من الرقمي وقد تبدو صعبة على من لا يعرفه. فلأوضح، من استقراء عروض الخليل نصل إلى نتيجة أن فاعلن = 2 3 لا يمكن أن يسبقها متفاعلن أو مفاعلتن في أي بيت في الشعر العربي لأنها تنفي السبب الثقيل فيما قبلها. وبالتالي فإن النص :

هل يستوي ناشطٌ ................معَ لائذ بالكسل

4 3 2 3 = مستفعلن فاعلن .....1 3 3 2 3 =متَفاعلن فاعلن

لأن معنى صحته أن يصح القول من البسيط :

هل يستوي ناشطٌ في سعيه كدحا................معَ لائذٍ بالرؤى ما انفك متّشحا

وفي هذا القول فإن أول العجز متَفاعلن يصح أن تحل محل مستفعلن وهذا لا يجوز أبدا ولا بد من تسكين (عين معْ) في أول العجز.

إذن كيف نفسر على ضوء جوهر عروض الخليل ما نجده من سلاسة في البيت.

سبَقَ الكلامُ العملْ ......فبه نجاح الأمل

1 3 3 2 3 ..........1 3 3 2 3

هنا وجهان:

الأول يتفق مع عروض الخليل يظهره البيت ( الأحمر وتد والأزرق من أصل سببي )

سبَقَ الكلامُ العملْ ......هذه حكمةُ الأُوَلْ

1 3 3 2 3 ..........2 3 2 3 3

أصل الوزن بالتفاعيل : فاعلاتن مستفعلن = سبب وتد سبب سبب سبب وتد سبب = 2 3 2 2 2 3 2

الرقم 6 = 2 2 2 يزاحف تارة على 2 1 2 = 2 3 وتارة 1 2 2 = 3 2

وبدلالة التفاعيل (كأداة لشرح خواص المقاطع) فإن وزن

سبق الكلام العمل = 1 3 1 – 2 2 3 = فعلاتُ مستفعلن

وهذا مجزوء الخفيف ومجيء فاعلاتن = 2 3 2 على فعِلات = 1 3 1 يدعى في لغة التفاعيل الشكل. ويوصف هذا في الرقمي بأنه ثقيل لأنه يخالف الاستئثار

والمقصود بالاستئثار هنا هو الغلبة الكبيرة لمجيء 331 التي لا يتبعها الرقم 3 في الحشو ( لا يدخل في عداد هذا 3331) في بحري دائرة المؤتلف بحيث لا ترد في حشو سواهما إلا كانت ثقيلة أو ممتنعة. وذلك بغض النظر عن اسم البحر أو التفعيلة أو المصطلح أو الحدود. هذا وصف رقمي لجوهر مستقى من عروض الخليل.

http://www.arood.com/vb/showthread.php?t=636

فانظر – وأخص أخي فريدا - كيف يتم وصفه بدلالة التفاعيل في حالات مختلفة.

جاء في ( الكافي في العروض والقوافي للتبريزي ) عن الخفيف

والمعاقبة قائمة بين نون فاعلاتن وسين مستفعلن

فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن = 2 3 2 2 2 3 2 3 2

فلنخالف المعاقبة لنرى ماذا ينتج لدينا

فاعلا تُ متفعلن فاعلاتن = 2 3 1 3 3 2 3 2 ......إذن فالمعاقبة وجدت لتلافي 331 ( تُمتفعلن = مُتَفاعلن)

وبين نون مستفعلن وألف فاعلن وفاعلاتن التي بعدها

فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن = 2 3 2 2 2 3 2 3 2

فلنخالف المعاقبة لنرى ماذا ينتج لدينا

فاعلاتن مستفعلُ فعلاتن = 2 3 2 2 2 1 1 1 3 2 ...... والمعاقبة هنا لها هدف ثان وهو منع هذا الطوفان الخببي في الشطر حيث يمكننا النظر إلى الشطر على أنه 2 3 2 2 2 (2) (2) 2

ولكن حتى في حال عدم وجود المعاقبة فإن كف ( مستفع لن ) يناقض الاستئثار ويعطي وزنا ثقيلا

فاعلاتن مستفــعل فاعلاتن = 2 3 2 2 2 1 3 3 2 ........( عِلُفاعلا = متَفاعلن)

والدكتور مصطفى حركات في كتابه اللسانيات الرياضية والعروض ينفي مجيء (مستفعلُ) في الشعر

فلنأخذ مخلع البسيط : مستفعلن فاعلن متفعل ( فعولن) = 4 3 2 3 3 2

لا أذكر أني اطلعت على بيت منه خبنت فيه فاعلن فجاء على :

مستفعلن فعِلُنْ فعولن ....وإن ورد ذاك فهو لا شك نادر . فما تفسير ذلك على ضوء الاستئثار ؟

مستفعلن فعِلُنْ فعولن = 2 2 3 1 3 3 2

ولو أردت وصف هذا بدلالة التفاعيل لقلت إن هناك تعاقبا بين ألف فاعلن وسين مستفعل الناجمة عن قطع وتد مستفعلن لتصير مستفعل ومن ثم خبن مستفعل لتصير متفعل التي يطلق عليها فعولن.

كان ذاك استطرادا بعد الوجه الأول الذي يوافق عروض الخليل، وهو يظهر أن ما في هذا الوزن المدعو ( بحرا جديدا ) من سلاسة مرده إلى موافقته مكروها من الزحاف في عروض الخليل، فكأن رأس هذا الجديد أخمص عروض الخليل.

أما الوجه الثاني المناقض لجوهر عروض الخليل فهو القول بأن الوزن

متَفاعلن فاعلن .....متْفاعلن فاعلن

وأقصى ما يمكننا وصف هذا بأنه موزون ( لا شعر ) لمخالفته جوهر عروض الخليل.

ومثل فاعلن = 2 3 الناتجة من زحاف مستفعل (مستعْلُنْ) = 2 2 2 على مستَلُنْ= 2 1 2 في نفي الفاصلة

فكذلك فعولن = 3 2 الناتجة من زحاف مستفعل (مستعْلُنْ) = 2 2 2 على مُتَعْلُنْ = 1 2 2

فإذا قال قائل إنه اكتشف بحرا جديدا وزنه = متفاعلن فعولن = 1 3 3 3 2 باعتبار

أن 1 3 3 = متَفاعلن ....و....3 2 = فعولن ...فإن قوله من حيث الشكل صحيح وهو قائم على أن جمع الوزنين كمي فحسب، والحقيقة أنه كمي ونوعي في آن واحد

لو كانت 1 3 3 3 2 = متفاعلن فعولن لوجب تلوين مقاطعه على النحو المبين، وهذا لا يصح لاجتماع وتدين أصيلين.

كما أن شرط أن تكون 31 فاصلة أن تأتي في السياق 1 3 3 غير المتبوع بالرقم 3 .

فلنأخذ شطرا على هذا الوزن = أرأيت كيف نالا

ولنضع له عجزين

لو كان الوزن متَفاعلن فعولن ((4)3 3 2 لجاز أن يأتي العجز متْفاعلن فعولن، وذاك إضافة لوجود وتدين أصلين متجاورين فيه مخالفة لجوهر عروض الخليل، وإلى أن 1 3 3 متبوعه بالرقم 3، الأمر الذي يمنع الفاصلة فلو تجاوزنا عن هذين العاملين جدلا فإن

متَفاعلن فعولن ...............متْفاعلن فعولن

أرأيت كيف نالا ........في ليلةٍٍ وصالا

((4) 3 3 2 ...........4 3 3 2

نحن نعرف أن العجز من الرجز ( الخالص ) غير المتداخل مع الكامل وبالتالي فإن الصدر ليس رجزا إن اعتبرنا أوله فاصلة أو تفعيلته الأولى ( متَفاعلن)، وإن لم نعتبر أوله فاصلة فليس كرجز كذلك.

أرأيت كيف نالا .....من عذاباتٍ وصالا

1 3 1 2 3 2 .....2 3 2 2 3 2

فهو الرمل إذن، وما ظنه المخترع الافتراضي للبحر

( متفاعلن فعولن 1 3 3 3 2 ) ليس إلا ( فعلاتُ فاعلاتن 1 3 3 3 2 )

يقول د. أحمد مستجير في كتابه مدخل رياضي إلى عروض الشعر العربي (ص- 82) :" ويبدو أن هناك ما يشبه المعاقبة في بعض الأبحر بعد أن رسخت البحور وهذبت، وأصبح عدم تداولها مطلبا ، ففي البحر الخفيف هذا نجد دائما أنه لا يحذف ساكن السبب الأول في أول التفعيلات مع ساكن السبب الرابع [ أظنه يقصد السبب الثاني فكأنه يقول لا يجوز شكل فاعلاتن في حال عدم حذف سين مستفعلن وهو توصيف لبروز 331 لا غير ] فيها عند ثبوت ساكن السبب الأول في التفعيلة التالية مستفعلن"

[ فـا علا تن مـــس تف علن فا علا تن ) (د.مستجير لا يعترف ب مس تفع لن)

ولكنا نجد مثالا قديما لم يحدث ذلك هو الشطر التالي ( أنظر أول فاصلة ) :

صرمتك أسماءُ بعد وصالها"

= 1 3 3 2 3 1 3 3 ........وهذا لمن يصف ظاهر شكل التفاعيل متفاعلن فاعلن متفاعلن

______________________________

ورد هذا المقال في الوراق للدكتور صبري أبو حسين، ولم أستطع الدخول مع أني مسجل هناك، فرأيت أن أنشر الموضوع والرد هنا.

بحر القدس العروضي

بحر القدس العروضى

من فيوضات القدس على الشعر المعاصر ومن بركاتها ذلك التجديد العروضى الذى قام به الأستاذ خالد البيلى الشاعر المصري الشاب الذى يتضح لمن يراه ويعاشره أنه محب للإبداع حريص على التجديد الأصيل البنَّاء الفعال شاعر هو عاشق ينبت الأزهار بالقلم الرصاص يمتلك أدوات الشاعر يحمل القلب الكبير قلب الشاعر والاذن الموسيقية والأسلوب الشعرى الرصين الذى يفيض دفئًا وشوقًا وخوفًا على الحياة والوطن والأمل فيما هو آت (1) 0

إنه شاعر دارس متعمق فى علم العروض متأثر فى دراسته بالرائد المعاصر فيه الدكتور أحمد مستجير الذى طور البحث فى موسيقى الشعر من عضوية التفعيلة التى شكلت الأساس الموسيقى لتراثنا العربى إلى حيث البحث الجديد علم الجينات العروضية، وهو تطوير غير مسبوق على كل حال (2)

وهذه الدراسة وذلك التأثر أعاناه على التجديد والابتكار فى عروض الشعر العربى.

وقد كانت القدس ملهمته الى هذا البحر فسماه بها. وهو مكون من:

[متفاعلن مفاعلتن]. فى صورته المجزوءة

ومن: [متفاعلن مفاعلتن فعولن] و[متفاعلن مفاعلتن مفاعلتن] كصورتين تامتين لهذا البحر العروضى الجديد.

وقد وضع صاحبه الأستاذ خالد البيلي مثالًا تطبيقيًّا جيدًا من الممكن أن تتبعه أمثلة أخرى على نسقه دار مضمون هذا المثال حول القدس. وتكوَّن من ستة وعشرين بيتًا قسمت إلى أربعة مقاطع : الأول والأخير منها على الصورة المجزوءة. والثاني والثالث منها على الصورة التامة.

يقول الشاعر فى المقطع الأول :

يا قدس أنت للعرب 00 ولأنت غاية الطلَب

ما الأمس أصل غفلتنا 00 لا بل تكاثر الريَب

من قام دونك التهبت 00أشجان نهضة النجُب

تزكي شباب أمتنا 00وجدًا يزيد في الكرَب

حتى رأتك لي أمي0 مهر العروس فى النوب

فأخذت أعتلي قممًا 00حتى أفوز بالأرَب (1)

فالمقطِّع لهذه المقطوعة عروضيًّا يجدها على صورة " متفاعلن مفاعلتن " فى كل شطر مع جواز دخول التغييرات الزحافية التى تحتملها التفعيلتان. والمقطوعة إذن من مجزوء بحر القدس الذى عروضه صحيحة وضربه صحيح مثلها. وإن كان البيت قبل الأخير قد جاءت عروضه معصوبةً، أى دخلها العصب وهو اسكان الحرف الخامس المتحرك من مفاعلتن وقد قبلها كثير من العروضيين المحدثين (2) , ورفضها الدكتور أمين عبدالله سالم , متابعا القدماء (3) هذا إذا قرأنا(الكرب) بإسكان الراء، على أنها مصدر. ويجوز قراءتها بفتح الراء على أنها جمع كربة.0

ويقول الأستاذ/ خالد البيلي فى المقطع الثانى :

يا قدس أنت فى كل الخطوب 00 أحلام هبة الذكرى الهبوب

ورجاء ألف قابلة لأمى 00 كي لا تجف تغذية الدروب

هذا صلاح أمتنا يغذِّي 00 فينا شرارة اللحن الطروب

بل هذه رسالتنا لشمس 00 لم تخفها غيوم فى الغروب (1)

فالمقطِّع للأبيات يجدها على وزن " متفاعلن مفاعلتن فعولن " فى كل شطر فهي إذن من بحر القدس التام الذي عروضه مقطوفة وضربه مقطوف. والقطف هو إسكان الخامس وحذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة فتصير " مفاعلتن " " مفاعل " وتحول إلى " فعولن "(2)

هذا، والنص كله -كما يتضح من النموذجين السابقين – سهل سلس فى ألفاظه غير معقد فى تركيباته، لا يحس المتلقى له – قارئًا او مستمعًا – بأي تكلف أو تعنت يفرضه القالب الموسيقى الجديد؛ لذا يعد محاولة طيبة وامتدادًا جميلاً لكل الأنساق الجديدة ذات الأصالة والجذور والقواعد والضوابط. كما أنه محاولة تقف فى وجه المتمردين على الضوابط، الأصفار فى دنيا موسيقى الشعر وإيقاعه الذين يزعمون التجديد ويدعون الإبداع. وما محاولاتهم إلا نوع من الإخفاق فى عالم الأصالة ونوع من الهروب من عالم التنافس الشعري المتأجج بين الاصلاء والدخلاء 0

إن محاولة الأستاذ خالد البيلى لا يمكن أن تصدر إلا من شاعر ماهر يمتلك وسائل الفن من لغة وموسيقى وخيال وعاطفة وإلمام بقيود الفن وضوابطه التى لا يكون فنًّا إلا بها 0

وهذا المزج بين تفعيلة الكامل " متفاعلن " والوافر " مفاعلتن " يذكرنا بظاهرة " مجمع البحور " عند ابى شادى (1) كما يذكرنا بمحاولة الشاعر الفلسطينى " يوسف الخطيب " الذى توصل الى نمط من الصياغة عماده المراوحة بين تفعيلات ابحر " الرجز والرمل والهزج " وقد اسمى هذا اللون ببحر الكرمل حبا فى موطنه بفلسطين وقد جعله البحر السابع عشر للبحور القديمة (2)

ولكن المحاولتين ( مجمع البحور والكرمل ) ليس فيهما التزام بعدد التفعيلات او بوحدة القافية وتكرارها كما عند الاستاذ / خالد البيلى فى محاولته الاصيلة. ومن ثم فالمحاولتان تجديد خاص بالشعر الحر لأن الشعر الخليلى عماده المحافظة على ضوابط التفعيلة والقافية معًا 0

وهذه المحاولات وغيرها تؤكد صدق مقولة الأستاذ العقاد من أن اوزان العروض العربية على أحاكمها وإتقانها سهلة الأداء قابلة للتوسع والتنويع إلى الغاية المطلوبة في كل موضوع يتناوله الشعراء (3) والزمن وكثرة الإبداع على الأنساق الجديدة، مع الحرص على التجويدد فى التفكير والتصوير والتعبير أمور تكفل للصالح والأصيل من التجديد أن يستقر ويشيع 0

إنتهى النقل

____________________________________

يا قدس أنت للعرب 00 ولأنت غاية الطلَب

ما الأمس أصل غفلتنا 00 لا بل تكاثر الريَب

من قام دونك التهبت 00أشجان نهضة النجُب

تزكي شباب أمتنا 00وجدًا يزيد في الكرَب

حتى رأتك لي أمي 0 مهر العروس فى النوب

فأخذت أعتلي قممًا 00حتى أفوز بالأرَب

سبق للأخ الشاعر سامر سكيك أن نظم على هذا الوزن وأسماه بحر ( السامري )

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/assamiry

لو افترضنا أن كل الأشطر على وزن

متْفاعلن مفاعلَتُنْ

كما في الشطر:

يا قدس أنت للعربِِ = 2 2 3 3 1 3

في الشطر :

حتى رأتك لي أمي = 2 2 3 3 2 2

تم عصب مفاعلتن 3 (2) 2 فجاءت مفاعلْتُنْ 3 2 2

فظهر اختلاف الوزن جليا بين هذا الصدر وكافة الصدور، بل أرى لبقية الأشطر قسطا من السلاسة لا أراها في هذا الشطر.

لقائل أن يقول إن اختلاف الضرب هنا بين مفاعلَتن ومفاعلـْتن سبب ذلك.

وأنا أرى الأمر مختلفا

فإن عصب مفاعلْتن بعد متَفاعلن لا يدع مجالا للشك بتجاور وتدين أصيلين

متْفاعلن مفاعلْتن = 4 3 3 4

وهذا مخالف للقواعد العامة للعروض العربي فلا يجتمع في الشعر العربي وتدان أصيلان أبدا.

وقد يسأل سائل لم اختلف الأمر بين ما يبدو ( مفاعلَتُن) وما يبدو ( مفاعلْتن)

والجواب أن الوزن

يا قدس أنت للعرب = 2 2 3 3 11 2 = مستفعلن متفعلُ مسْ

وعليه يجوز أن يأتي النص = مستفعلن مستفعلُ مسْ = 4 3 4 1 3

يا قدس دومي للعرب ِ = 4 3 4 1 3

فيتوازن إذ ذاك شطرا البيت

يا قدس دومي للعرب .....فأنت غاية الأربِ

4 3 4 1 3 ............3 3 3 1 3

مستفعلن مستفعلُ (تن) ......متفعلن متفعلُ (تن)

أما العجز = ولأنت غاية الطلب = 1 3 3 3 1 3 فإن التاصيل هنا كما يفيد به كتاب د عمر خلوف ( فن التقطيه الشعري )

يفترض الأصل التالي = 2 3 4 3 1 3 = فاعلاتن فاعلن فَعلا

والوزن هنا هو المديد لا غير لحق تفعيلته الأولى الشكل ( وهو فيه قبيح) فتحولت فاعلاتن 2 3 2 الى فعِلاتُ = 1 3 1

وعليه يكون الشطران من المديد (على قبح في العجز) في قولنا

قدسنا ما زلت للعربِ .........ولأنت غاية الأربِ

2 3 2 2 3 1 3 ..........1 3 1 – 2 3 – 1 3

فاعلاتن فاعلن فعلا ...........فاعلاتُ فاعلن فعلا

كم جنى جمال (الأعلام التفعيلية القطرية) على حقيقة وحدة ( الخصائص القومية ) للعروض العربي

وكم أفادت التفاعيل المتعلمين بتوصيلها لجزئيات التوصيف وكم أضرت بالمعلمين حين حجبت تفكيرهم عن الخصائص العامة للعروض العربي.

لقد كان فكر الخليل ضحية تفاعيله.

ما الأمس أصل غفلتنا 00 لا بل تكاثر الريَب

من قام دونك التهبت 00أشجان نهضة النجُب

مف مفعُلاتُ مستعلن ....مف مفعلاتُ مستعلن

2 2 3 3 1 3 ...........2 2 3 3 1 3

ووجه مخالفة الوزن الجديد إذا قيس على المقتضب أنه يحوي أربعة أسباب ( وللرقمي نظرة مختلفة للوتد المفروق) فالوزن الجديد أسبابه ( مف مف عو لا ) وهذا لا يجوز في غير الخبب.

وإحاطة بسيطة بدائرة المشتبه تبين أن هذا الوزن هو الممتد على المحاور ( 12- 11- 10- 9 – 8 – 5- 4 – 3)

بعد حذف متحرك من أول الوتد الذي على محور (12)

الرابط:

http://www.geocities.com/khashan_kh/68-sa3atulbohoor.html

ووزنه لو أردنا تمثيله في جدول مقارنا ببعض بحور دائرة (هـ- المشتبه) هو

إن مجرد نطرة إلى دائرة المشتبه تظهر أن هذا الوزن كامن في دائرة المشتبه وهو مشتق بالطريقة التي يبينها الجدول، وهو على غير مثال في هذه الدائرة فكأنما هو أحد البحور المهملة. ولا يهم كيف نعبر عنه بصيغة التفاعيل فما صيغة التفاعيل إلا وصف للمقاطع بأي لفظ كانت. فحقيقته= 2 2 3 3 1 3 ولك أن تدعوه

بدلالة المضارع = مفاعيلن فاعلاتُنْ عِلُنْ.....( الرمادي محذوف)

بدلالة المقتضب = مف مفعُولاتــ مسـْ تـفعلن

بدلالة الخفيف = فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

لا يمكن أن يرد في الشعر العربي

مستفعلن مفاعيلن 4 3 3 4 لالتقاء وتدين أصيلين

وهذا النفي القاطع يصاحبه نفي مجيء متفاعلن مفاعلَتن

في الرجز لدينا مستفعلن مستفعلن فعولن

قد يقول قائل إن مستفعلن فعولن = 4 3 3 2 يلتقي فيها وتدان أصيلان

هذا من التخليط الإضافي لتحريف التفاعيل بعد زحافها

فهذا الوزن هو في الحقيقة مستفعلن متفعلْ = 4 3 3 2

متفْ وتد ظاهري لا حقيقي وهي في الحقيقة سببان زوحف أولهما

يا هل ترى دروبي ... تمضي إلى محبوبي

4 3 3 2 ............4 3 4 2

الفقرة :" وإن كان البيت قبل الأخير قد جاءت عروضه معصوبةً،

[حتى رأتك لي أمي 0 مهر العروس فى النوب ]

أى دخلها العصب وهو اسكان الحرف الخامس المتحرك من مفاعلتن وقد قبلها كثير من العروضيين المحدثين (2) , ورفضها الدكتور أمين عبدالله سالم , متابعا القدماء (3) هذا إذا قرأنا(الكرب) بإسكان الراء، على أنها مصدر. ويجوز قراءتها بفتح الراء على أنها جمع كربة."

حتى رأتك لي أمي = 4 3 3 4

ولا مجال هنا لحمل الوزن على أنه بحر مهمل مشتق على نحو ما من دائرة المشتبه.

ثم يكمل :

" ويقول الأستاذ/ خالد البيلي فى المقطع الثانى :

يا قدس أنت فى كل الخطوب 00 أحلام هبة الذكرى الهبوب

ورجاء ألف قابلة لأمى 00 كي لا تجف تغذية الدروب

هذا صلاح أمتنا يغذِّي 00 فينا شرارة اللحن الطروب

بل هذه رسالتنا لشمس 00 لم تخفها غيوم فى الغروب (1)

فالمقطِّع للأبيات يجدها على وزن " متفاعلن مفاعلتن فعولن " فى كل شطر فهي إذن من بحر القدس التام الذي عروضه مقطوفة وضربه مقطوف. والقطف هو إسكان الخامس وحذف السبب الخفيف من آخر التفعيلة فتصير " مفاعلتن " " مفاعل " وتحول إلى " فعولن "

سَأل رجل عمر بن قيس عن الحصاة يجدها الإنسان في ثوبه ، أوفي خفه ، أوفي جبهته من حصى المسجد ...

فقال : ارم بها ؛

قال الرجل : زعموا أنها تصيح حتى ترد إلى المسجد؛

فقال : دعها تصيح حتى ينشق حلقها ؛

فقال الرجل : سبحان الله! ولها حلق ؟

قال : فمن أين تصيح ؟

ما إن قرر كل من الدكتور وقبله الشاعر أن مفاعلََتن متَفاعلن ( بحر القدس ) ، حتى قررا للتفعيلتين إضمارا وعصبا، ثم نظرا فمالا بالـ(بحر) إلى الوافر فقاساه عليه فرأياه يشبه في تفعيلته الثانية مجزوء الوافر، فذهبا يتمانه بتفعيلة الوافر المقطوفه ليستقر وزنه على : متفاعلن مفاعلتن فعولنْ

إذن فهو الوافر بعد أن أحلا تفعيلة ( متفاعلن ) محل تفعيلة ( مفاعلَتن )، وبغض النظر عما سبق من مبرر لرفض ذلك. فلنغمض العين ولنحاول أن نتوسع في هذا المنهج لاختراع بحور شعر من ( تشويه الوافر ) بإحلال كافة التفاعيل محل تفعيلته الأولى على النحو التالي. لقد كفيانا التمثيل عن تشويهي ( مستفعلن متفاعلن )

هل يجوز أن ينظر إلى هذا الجدول على أنه أكثر من تركيب كلام متساوي المقاطع على هيئة شعر حتى لو كان معناه جيدا؟

وهل هذه بحور قدسٍ ؟ أم قرارات .........؟

ماذا يكون العبث إن لم يكن هذا بعينه ؟

وبم يمتاز التشويه الأصلي عن فصائل التشويهات اللاحقة ؟ أم أننا نغير شرعية الخليل ثم نتوقف عند هذه الشرعية المشوِّهةِ المشوَّهَه؟ ومن ذا الذي يملك الحق بعد أن يهدم الشرعية الأولى ليقول إنني الممثل الشرعي الوحيد لإبداع الشرعيات ؟

لو سلمنا بهذه الشرعية الجديدة وما تفتحه من أبواب فإن لكل إنسان يستطيع إخراج صياغات ( شرعية ) جديدة أن يأتي ببحور ولن يعدم الأسماء فأحياء القدس كثيرة.

الشرعية المشوهة الأصلية = متفاعلن مفاعلْتن فعولن = 1 3 3 3 4 3 2

فلنبدل مكاني متَفاعلن ومفاعلَتن لنأتي بشرعية أخرى

شرعية مشوهة مقترحة = مفاعلَتن متْفاعلن فعولن = 3 1 3 4 3 3 2 ..أقترح إسم ( بحر بلنسيَة ) لهذا البحر وطوائفه

وهي تطوير لشرعية الرجز = مستفعلن مستفعلن فعولن

ولنلحق بها ما يتبعها من فصائل التشويهات على شكل جدول كالسابق:

نعم هذا عبث كالعبث السابق من حيث النهج، ولكن سواء في السابق أو اللاحق قد يصدف أن تؤدي إحدى نتائج العبث إلى وزن معروف أو ما يقاربه.

ولنتأمل عدد الشرعيات الممكن توليدها بهذه الطريقة باستعراض البحور ووضع أي تفعيلة أو مقطع مكان تفعيلة أخرى أو مقطع آخر.

ثم يكمل :

هذا، والنص كله -كما يتضح من النموذجين السابقين – سهل سلس فى ألفاظه غير معقد فى تركيباته، لا يحس المتلقى له – قارئًا او مستمعًا – بأي تكلف أو تعنت يفرضه القالب الموسيقى الجديد؛ لذا يعد محاولة طيبة وامتدادًا جميلاً لكل الأنساق الجديدة ذات الأصالة والجذور والقواعد والضوابط. كما أنه محاولة تقف فى وجه المتمردين على الضوابط، الأصفار فى دنيا موسيقى الشعر وإيقاعه الذين يزعمون التجديد ويدعون الإبداع. وما محاولاتهم إلا نوع من الإخفاق فى عالم الأصالة ونوع من الهروب من عالم التنافس الشعري المتأجج بين الاصلاء والدخلاء 0

إن محاولة الأستاذ خالد البيلى لا يمكن أن تصدر إلا من شاعر ماهر يمتلك وسائل الفن من لغة وموسيقى وخيال وعاطفة وإلمام بقيود الفن وضوابطه التى لا يكون فنًّا إلا بها 0

وهذا المزج بين تفعيلة الكامل " متفاعلن " والوافر " مفاعلتن " يذكرنا بظاهرة " مجمع البحور " عند ابى شادى (1) كما يذكرنا بمحاولة الشاعر الفلسطينى " يوسف الخطيب " الذى توصل الى نمط من الصياغة عماده المراوحة بين تفعيلات ابحر " الرجز والرمل والهزج " وقد اسمى هذا اللون ببحر الكرمل حبا فى موطنه بفلسطين وقد جعله البحر السابع عشر للبحور القديمة (2)

ولكن المحاولتين ( مجمع البحور والكرمل ) ليس فيهما التزام بعدد التفعيلات او بوحدة القافية وتكرارها كما عند الاستاذ / خالد البيلى فى محاولته الاصيلة. ومن ثم فالمحاولتان تجديد خاص بالشعر الحر لأن الشعر الخليلى عماده المحافظة على ضوابط التفعيلة والقافية معًا 0

وهذه المحاولات وغيرها تؤكد صدق مقولة الأستاذ العقاد من أن اوزان العروض العربية على أحاكمها وإتقانها سهلة الأداء قابلة للتوسع والتنويع إلى الغاية المطلوبة في كل موضوع يتناوله الشعراء (3) والزمن وكثرة الإبداع على الأنساق الجديدة، مع الحرص على التجويد فى التفكير والتصوير والتعبير أمور تكفل للصالح والأصيل من التجديد أن يستقر ويشيع 0

فلنقارن النصين:

ليست التفاعيل بُنىً مستقلة يصلح أن ترصف أي منها بجوار أي منها عشوائيا.

إيقاع بحور الشعر العربي كيان كلي جميل متناسق متماسك، كأنه لوحة أو تمثال كبير فإن جرى تجزيء اللوحة في قطع مستقلة أو جزئ شبيه للتمثال في قطع مستقلة أو تم تقسيم اللوحة والتمثال لغايات نقلهما فينبغي عند التركيب أن تُراعى الصورة الأصلية البديعة لكل منهما

ففي تجميع اللوحة لا نلصق مكان غصن شجرة ذيل فيل ولا في حوض زهور رأس قرد.

وفي تجميع التمثال لا نلصق يدا مكان رجل ولا أذنا مكان عين. ولا فما مكان ......

الجاهل العابث ( أوالسريالي ) فقط يفعل ذلك. أما من أؤتي حظا من الذوق والذاكرة ولو متواضعا فلا يقع في مثل هذه الأخطاء. وقد يقع فيما هو أخف منها.

والأمر ذاته ينطبق على التفاعيل.

من ألم بشمولية فكر الخليل - والرقمي ييسر ذلك – ينظر إلى تفاعيل كل بحر كوحدات اصطلاحية متداخلة كما في اللوحات المتداخلة لتكوين منظر ما، فلا تجتمع إلا بكيفيات محددة، وأي قسر لتجميعها على سوى استقرارها في لوحة الذائقة العربية المتمثلة في فكر الخليل مفصلة في بحوره تشويه وعبث.

كل الموضوع كَوْم (الكَوْمُ والكُومةُ : كلُّ ما اجتمع وارتفع له رأس من تراب أو رمل أو حجارة أو قمح أو نحو ذلك؛ هطل المطر وما زال كَوْمُ القمح في الأرض.-: الموضع المشرف كالتَّلّ ج الأولى أَكْوَامٌ وكيمانٌ ج الثانية كُوَمٌ.) والقول بجواز وجود وزن شعري عربي هو متْفاعلن مفاعلْْتن كَوم.

متْفاعلن مفاعلْْتن = مستفعلن مفاعيلن = 4 3 3 4

هذا القول من موبقات العروض. فإن أولى أبجديات العروض العربي هي التناوب بين الأسباب والأوتاد فلا يتجاور وتدان حقيقيان أبدا في العروض العربي. هذه من البديهيات لأي طالب عروض في الرقمي، ولكنها للأسف تغيب عن ذهن بعض كبار أستاذة العروض وتلك جناية نظرتهم للتفاعيل وليست جناية الخليل.

إن شأن من ينظر لوجود وزن ( بحر شعري جديد ) يتجاور فيه وتدان حقيقيان كشأن من لا يتقن جدول الضرب ويريد التجديد في التفاضل والتكامل، أو كم لا يعلم كل حروف الهجاء ويريد أن يضيف معلقة جديدة للمعلقات.

فتفاعيل الخليل موجهة إلى فئتين

فئة مستبصرة تدرك أن هذه الجزئيات (التفاعيل) تجتمع على نحو محدد لا تتعداه لما في ذلك من إخلال بصورة كلية ذات خصائص محددة للإيقاع في الشعر العربي مستقرة في ذهن الخليل سواء أدركت تلك الصورة أو لم تدركها. وممن أطلوا على كثير من معالم تلك الصورة د. أحمد مستجير:

http://www.arood.com/vb/showthread.php?t=57

وفئة متبعة تأخذ بتفاصيل التفاعيل دون أن تفكر فيما وراء ذلك من احتمال لنسق كلي ينتظمها.

وكلا الفئتين على خير فيما يخص تمثّّل أوزان الشعر العربي.

ولكن الخطأ ينجم من تنظير من لا يتقن شمولية فكر الخليل المعبرة عن الخصائص العامة لأوزان الشعر العربي لأوزان أو (بحور) جديدة.

ليس هذا مصادرة للإبداع بل هو دعوة لترشيده بالاستنارة بخصائص التصور الكلي له المتمثلة في شمولية نهج الخليل بن أحمد التي يساعد الرقمي على التواصل معها والصدور عنها إلى ما يليق بهذه اللغة وبفكر الخليل من آفاق.

وإني إذ أعبر عن احترامي لكل من حاول التجديد فأصاب أو أخطأ ومن علق فأصاب أو أخطأ لأرجو أن لا يحمل كلامي على أنه موجه لأي كان شخصيا، وإنما هو تعبير عن الضيق بالظلم الذي لحق بفكر الخليل. ولو أن عشر ما بذل من جهد في درس التفاعيل وجه إلى استقصاء التفكير الشامل للخليل الذي انبثقت منه التفاعيل لكان العقل العربي ونتاجه في هذا المجال بخير.

ولو صدرنا في كافة أمورنا - وجلها أهم من العروض - على التعامل مع تفاصيلها في إطار وعي لكلياتها أو حتى مجرد افتراض احتمال وجود كليات لها لكان أمرنا بخير تفكيرا وأداء.

أكرر اقتراحي بأن يكتب ويجرب من يشاء ما يشاء من أوزان على أن لا ندعو ذلك شعرا ( ولا بحورا جديدة ) بل نطلق عليه اسم ( الموزون ) صونا للشعر من العبث.

الرابط التالي ذو وطيدة بالدور الذي أثرت فيه التفاعيل سلبا على كثير من العروضيين قديما وحديثا

الرقمي قبس من نور الخليل :

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/-qabas

نعم للإبداع.

لا للعبث.