المعاقبة - المراقبة - المكانفة

تصور مبدئي لكل من :

المعاقبة = ( جزا = جـواز زحاف أحد السببين 2 2 )

المراقبة = (وزا = وجوب زحاف أحدهما)

المكانفة = ( جزك = جـواز زحاف كـلا السببين 2 2 )

والحكم بجواز هذا الزحاف أو ذاك لا يعني بالضرورة أن كل جائز من الزحافات سلس فبعض هذه الزحافات ثقيل جدا. ولكن إن ورد ذلك الزحاف الثقيل لا يعد البيت مكسورا حسب المتعارف عليه في كتب العروض والأفضل تجنبه وليس هنا مجال تفصيل ذلك.

تتكلم كتب العروض عن أحكام المعاقبة والمراقبة والمكانفة في كل بحر على حدة. ولما كانت مهمة الرقمي محاولة التواصل مع فكر الخليل وتقديم قواعده بشكل كلي مبني على دوائرة وبتوفيق الله تعالي أمكنني التوصل إلى هذا التوصيف المبدئي لهذه الظواهر

أضع هذا التصور بين أيدي العروضيين الكرام رجاء إبداء آرائهم وملاحظاتهم لتلافي ما به من نقص وتصحيح ما به من خطأ .

معطيات عامة

1- دائرة ( أ – المتفق) ببحريها المتدارك والمتقارب خارج هذا الموضوع لأن رقمها الزوجي هو 2

2- دائرة ( هـ - المؤتلف ) ببحريها الكامل والوافر خارج هذا الموضوع لأن الوتد الخببي يمنع الزحاف في الفاصلة وما يرد منه شاذ لا يقاس عليه

3- في دائرة ( المشتبه ) مدار الموضوع متعلق بالسببين الأولين من التركيب 2 2 2 3

2 2 2 1 2 = 2 2 2 3 وتلوين السبب الثالث بالأحمر لأن نظرتي الخليل ومستجير تتوحدان في منع زحاف الرقمين (2و2) على جانبي الرقم 1 في المحاور (9-8-5) والتي يمكن النظر إليها على أنها ( المنطقة الوتدية) التي تجمع خصائص الوتدين المجموع والمفروق رغم اختلاف المنهجين في تسمية الوتد 2 1 2 . وبالتالي فإن مناط هذا الموضوع منصرف إلى أول سببين في التركيب 2 2 2

والقواعد إذن متعلقة ببحور الدوائر ( ب) و ( جـ ) و ( د )

وتنص القواعد على الأحكام التالية

قاعدة 2 3 – خاصة بالبحور التي تبدأ ب 2 3

يجوز زحاف أحد السببين 2 2

قاعدة 4 3 - خاصة بالبحور التي تبدأ ب 4 3

يجوز زحاف كلا السببين 2 2 في أي مكان فيها وغني عن الذكر أن زحاف أحدهما جائز

قاعدة 3 – البحور التي تبدأ بالرقم 3

فإنه يجوز زحاف أحد السببين 2 2 فيها ولا يجوز زحافهما معا (وزحاف السبب الثاني أخف وطأة من زحاف الأول الذي يكاد يمتنع بتاتا في الهزج)

ق6 – البحور التي تحوي التركيب 2 2 2 صنفان

ق6أ – متعلق بالبحرين الطويلين المنسرح والخفيف ففيهما جواز زحاف أحد السببين 2 2 وزحاف ثانيهما مستحب وزحاف أولهما مستثقل

ق6ب – متعلق بالبحرين القصيرين المضارع والمقتضب وزحاف أحد السببين واجب، وزحاف ثانيهما مستحب، وزحاف أولهما مستثقل

ق 2 3 تبدأ بسبب واحد فيجوز فيها زحاف أحد السببين 2 2 والمصطلح معاقبة - جزا

ق 4 تبدأ بسببن فيجوز زحاف كلا السببين 2 2 والمصطلح مكانفة - جزك

[1] انتماء المنسرح في هذا الباب مزدوج فهو ينتمي للبحور التي تبدأ ب 2 2 3 كما ينتمي للبحور التي تحوي التركيب 2 2 2

وهو حسب انتمائه للبحور 2 2 3 يجوز فيه زحاف السببين 2 2 معا ، وشاهد ذلك في جزئيه الأول والأوسط:

وبلَدٍ متشابه سمْتهُ قطعه رجلٌ على جملهْ 1-1-3-1-3-3-2-3 1-1-3-1-3-3-1-3

ويشار هنا إلى مخافة هذا الوزن للاستئثلر لاحتوائه التركيب 1 3 3 غير الممتبوع بالرقم 3 فكأنه 1 3 3 = (2) 2 3 التي يجوز نظريا حسب التخاب أن تؤول إلى 2 2 3 = 4 3 ،

وبذلك يصبح البيت( منفردا) الذي أورده الشيخ جلال الدين الحنفي شاهدا على ازدواجية الانتماء :

ما يستبين سرور صاحبها حتى يؤول سروره حزَنا

مزدوج الانتماء لكل من المنسرح وأحذ الكامل ، ويتمايز الانتماءان في الصياغتين التاليتين

من الكامل : ما يستبين سرور صاحبها متفائلا من بعد أن حَزِنا

من المنسرح ما يستبين سرور صاحبها حتى يؤول السرور للحَزَنِ

والمنسرح كذلك ينتمي للبحور التي تحوي التركيب 2 2 2 وذلك يجعل قاعدة زحاف أحد السببين ( الثاني غالبا ) تنطبق عليه. ولئن كان جواز زحاف كلا السببين جائزا نظريا بحكم انتمائه الأول نظريا، فإن السائد في واقع الشعر هو هذا الانتماء وما يترتب عليه.

ولكنني وبعد مراجعة حول الموضوع أقترح ان يستقصى في واقع الشعر إتــْـباع سببي مستفعلن 2 2 3 في أول الشطر للمكانفة وإتباع سببي مفعولاتُ للمعاقبة - جزا وفي هذا مخرج من الإشكالات التالية

1- القول بالمكانفة في أول سببين من 2 2 2 في الحشو في المنسرح والمراقبة فيهما في الخفيف ( بين نون فاعلاتن و سين مستفعلن ) وهذا مناقض لما يفترض من وحدة طبيعة المقاطع.

2- عدم ورود معٌلات في المنسرح وبالتالي إتباع بين الشعر ( لا يستبين سرور صاحبها ) للكامل دون المنسرح

3- حل إشكال الضرب الثاني من السريع مستفعلن مستفعلن مَعُلا ( معُلا = 1 3 ) فإن معُلا هذه لا تكون معْلا = 2 2 وفي هذا ترجيح لتمييز انتماء الأبيات التالية ما بين السريع والكامل :

لإيليا أبي ما مضي ( من السريع الخالص) :

آمنت بالله وآياته أليس أن الله باريها

تباغت الأزهار عند الضحى متّكئاتٍ في نواحيها

لسعيد عقل ( من سريع الكامل- اقتراح تسمية) :

يا نَسَماً مرَّ على شَعَري فهَدَّني بعْضاً على بعْضِ

وقالَ أنْ في الأرضِ لي سفَرٌ كيفَ وبي قد سافرَتْ أرضي؟

أنقل من الرابط: http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=74179&p=570829&viewfull=1#post570829

المشاركة الأصلية كتبها سليمان أبو ستة درس الدكتور محمد العلمي بحور الشعر وزحافاتها في دواويين الشعراء في الجاهلية والإسلام إلى نهاية عهد الأمويين، وفيما يخص المنسرح لم يجد لزحاف الخبل في مفعولات شاهدا سوى بيت واحد للبيد هو :

فلا تؤول إذا يؤول ولا * تقرب منه إذا هو اقتربا

أخي واستاذي الكريم أبا إيهاب

سلم الله بنانك وجعل إلى الخير في الدنيا والجنة في الاخرة مآلك.‏

فقد أثلجت صدري هذه النتيجة فإني وإن كنت ذكرتها ترجيحا على الرابط بالقول :‏

https://sites.google.com/site/alaroo...ome/muaaqabah‎

‏" ......ولكنني وبعد مراجعة حول الموضوع أقترح ان يستقصى في واقع الشعر إتــْـباع سببي مستفعلن 2 2 3 في أول ‏الشطر للمكانفة وإتباع سببي مفعولاتُ للمعاقبة - جزا وفي هذا مخرج من الإشكالات التالية ‏

‏1- القول بالمكانفة في أول سببين من 2 2 2 في الحشو في المنسرح والمراقبة فيهما في الخفيف ( بين نون فاعلاتن و سين ‏مستفعلن ) وهذا مناقض لما يفترض من وحدة طبيعة المقاطع.‏

‏2- عدم ورود معٌلات في المنسرح وبالتالي إتباع بين الشعر ( لا يستبين سرور صاحبها ) للكامل دون المنسرح

‏3- حل إشكال الضرب الثاني من السريع مستفعلن مستفعلن مَعُلا ( معُلا = 1 3 ) فإن معُلا هذه لا تكون معْلا = 2 2 وفي ‏هذا ترجيح لتمييز انتماء الأبيات التالية ما بين السريع والكامل :‏

لإيليا أبي ما مضي ( من السريع الخالص) :‏

اعرض المشاركة
اقتباس

آمنت بالله وآياته .... أليس أن الله باريها

تباغت الأزهار عند الضحى .... متّكئاتٍ في نواحيها

لسعيد عقل ( من سريع الكامل – اقتراح تسمية) :‏

‎ ‎

يا نَسَماً مرَّ على شَعَري ..... فهَدَّني بعْضاً على بعْضِ

وقال أنْ في الأرضِ لي سفَرٌ ..... كيفَ وبي قد سافرَتْ أرضي؟ "

***

ولكني أحببت أن أستوثق من ذلك قبل تثبيته في الطبعة الثانية من كتابي.‏

وقد سرني أن النتائج في واقع الشعر تأتي مطابقة لتوقعات الرقمي بصدد مرجعية دوائر الخليل وشمولية فكره.‏

فمن المتوقع أن حكم المقاطع الملونة في الأوزان التالية واحد

الخفيف = 2 3 }2{ {2} ]2[ 3 2 3 2‏

المنسرح = 4 3 }2{ {2} ]2[ 3 1 3 ‏

السريع = 4 3 4 3 }2{ {2} ]2[‏

وكلها ينطبق عليه قانون المعاقبة بين }2{ و {2} ‏

ومن هذه الزاوية ينتج ما يلي :‏

‏1-‏ الانحياز لاستبعاد د. محمد الطويل رابع السريع من القائمة الرئيسة لصور السريع في متن كتابه، مع أنه للعجب يعترض ‏في الهامش على رأي محمد قناوي في انتماء قصيدة المرقش الأكبر لأحذ الكامل الأمر الذي يعني اعتباره لها من السريع.‏

‏2-‏ كشف تخييل التفاعيل على من لم يعوا نهج الخليل لمن اتخذها منهم خارج إطارها المناسب كتمثيل صوتي يصور الأحكام ‏الجزئية المنبثقة من تصور كليات منهج الخليل وليس كأدوات تنظير تتجاهل منهجه. يعني الأصل وحدة أحكام المقاطع ‏سواء كانت ( مفعولا ) في المنسرح والسريع أو ( تن مستف ) في الخفيف

وهنا نستعيد أثر ذلك التخييل على الجوهري حين أدرك العلاقة بين المنسرح والرجز دون إدراك ذات العلاقة بين الخفيف ‏والرمل بل قل بين سائر يحور دائرتي ( المشتبه – د

و(المجتلب- جـ) ‏

https://sites.google.com/site/alaroo...e/alwaraqah-2‎

ولا ينبغي لبيت شعر واحد حتى لو كان جاهليا أو حتى بضعة أبيات نقض شمولية العروض التي أوصلنا إليها استقراؤنا لنهج الخليل. وهذا في العروض ‏مقارنا بتجزيئات التفاعيل كمدرسة البصرة مقارنة بمدرسة الكوفة في النحو. ‏

وفي ذات المقارنة لا ينبغي لهذا البيت - مع وضعه على الرأس والعين- أن يكون له في العروض - مقاما فوق ما لقول ‏الرسول عليه السلام في النحو "‏‎: ‎يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار "‏

والله يرعاك.‏

لخلفية هذا الموضوع يرجع للرابطين :

http://arood.com/vb/showthread.php?goto=newpost&t=3925

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=70748

وهذا بحث واف عن الموضوع بدلالة التفاعيل للدكتور محمد ابراهيم الشوشتري اهتديت إليه بعد كتابة موضوعي

ولا شك أن المقارنة مفيدة

http://www.iaal.ir/magazine/magazin7.htm

ظواهر عروضية لطيفة

(المراقبة والمعاقبة والمكانفة)

الدكتور محمد ابراهيم خليفه الشوشتري

الملخص

لقد لاحظ علماء العروض وجود ظواهر إيقاعية طريفة تعكس لنا ألواناً من التعامل السلوكي العجيب بين تفعيلات البيت الشعري، وذلك فيما يخص تناوبها في قبول الزِّحَاف ورفضه، وقد يحصل هذا التعامل التناوبي بين سببين في تفعيلة واحدة، كما قد يحصل بين سببين من تفعيلتين متجاورتين.

كما لاحظوا ـ أيضاً ـ أنَّ هذا التعامل يتم وفق نظام دقيق و طريف، وذلك إذ لاحظوا الظواهر التالية:

1- لقد لاحظوا في بعض الأبحر أنّ التفعيلات التي اشتملت على سببين متجاورين، يجب أن يُزاحف أحد سببيها دون تعيين، فإذا زوحف أحدهما سلم الآخر، فلا يحق للزحاف أن يدخله، لأنّ هذين السببين لا يُزاحفا معاً، وقد سمَّوا هذه الظاهرة (المراقبة).

2- ولاحظوا ـ أيضاً ـ في بعض الأبحر أنَّ التفعيلات التي اشتملت على سببين متجاورين، يجوز فيها أن يسلم السببان من الزحاف، كما يجوز أن يزاحفا معاً، فلا يجوز للزحاف أن يدخلهما.

كما لاحظوا في أبحر أخرى وجود هذا التعامل بين تفعيلتين متجاورتين بحيث إذا زوحف السبب الأول من تفعيلة لاحقة، سلم السبب الأخير من التفعيلة السابقة، أو إذا زوحف السبب الأخير من تفعيلة سابقة، سلم السبب الأول من التفعيلة اللاحقة، أو إذا زوحف السببان: الأول والأخير من تفعيلة بين تفعيلتين، سلم السبب الأخير من التفعيلة السابقة، كما سلم السبب الأول من التفعيلة اللاحقة. وقد سَمّوا هذه الظاهرة: (المعاقبة).

3- وقد لاحظوا ـ أيضاً ـ في أبحر أخرى جواز أن يُزاحف أحد سببي تفعيلة، وأن يُزاحف السببان جميعاً، وأنْ يَسلما جميعاً، وقد سَمّوا هذه الظاهرة: (المكانفة).

الكلمات الدليلية: العروض، المراقبة، المعاقبة، المكانفة، الصدر، العجز، الطرفان.

مقدمة

لقد جلب انتباه علماء العروض ثلاث ظواهر عروضية إيقاعية طريفة، تُمثل ألواناً من التعامل السلوكي العجيب بين تفعيلات البيت الشعري، وذلك فيما يخص تناوبها في قبول الزحاف ورفضه، أو تناوب سببين في تفعيلة واحدة الزحافَ، فقد يحدث هذا التعامل بين سببين في تفعيلة واحدة، كما قد يحدث بين سببين في تفعيلتين متجاورتين. وقد لاحظ علماء العروض ـ أيضاً ـ أنَّ هذا التعامل يتم وفق نظام إيقاعي دقيق ولطيف. وهذه الظواهر هي التالية:

المراقبة أو التراقب، والمعاقبة أو التعاقب، والمكانفة. (يراجع الجامع للعروضي: ص 157).

لقد عبر ابن رشيق عن هذه المواضيع بقوله: «وأما زحاف الحشو، فمن أهمه معرفة المعاقبة والمراقبة». (العمدة لابن رشيق: ج 1، ص 127). أما الشنتريني، فقد عبر عنها بقوله: «ومن ألقاب الزحاف: المعاقبة والمراقبة والمكانفة». (المعيار للشنتريني: ص 23).

لكنّ هذه المواضيع هي أقرب شيء إلى كونها أحكاماً تتعلق ببعض أحوال الزحاف، كما سنرى.

المراقبة أو التراقب: هي أن يتناوب الزحاف سببان خفيفان متجاوران في آخر (مَفَاعِيْلنْ) في بحر المضارع، أو في أول (مَفْعُولاتُ) في بحر المقتضب، بحيث يجب أن يُزاحفَ أحد السببين المتجاورين، ويَسلم الآخر من الزحاف، إذ لا يجوز أن يُزاحفا معاً، كما لايجوز أن يسلما معاً.

يفهم من هذا التعريف أنَّ المراقبة تقع داخل التفعيلة، ولا تقع بين تفعيلتين. وأنها تقع في داخل كل من هاتين التفعيلتين: (مفاعيلن) (ومفعولاتُ) دون غيرهما، لذلك فالمراقبة تقع في البحرين التاليين فقط: بحر المضارع وبحر المقتضب. وتدخل التفعيلات الأولى من الأشطر. لذلك لا تقع المراقبة في البحر الطويل، لأنّ (مفاعيلن) لا تقع في (أوله).

الشرح

إنّ اجتماع السببين الخفيفين في هاتين التفعيلتين: (مفاعيلن) و (مفعولاتُ) يسبب حصول المراقبة بين الحرف الثاني من السبب الأول، والحرف الثاني من السبب الثاني المجاور للأول. وهذه المراقبة تمنع من حصول الحالتين التاليتين:

الاول: بقاء هذين الحرفين سالمين من الزحاف في التفعيلة:

الثانية: حذف هذين الحرفين من التفعيلة بسبب زحافيهما.

ومعلوم أنّه إذا امتنع تحقق الحالتين السابقتين، وجب تحقق الحالة الثالثة التي هي: وجوب أن يُزاحف أحدهما، فيحذف، ويبقى الآخر سالماً. وهذا ما تقتضيه القسمة.

فالمراقبة لا تسمح للزحافين أن يدخلا معاً، ويحذفا الحرفين جميعاً، كما لا تسمح لهما أن لا يدخلا التفعيلة كليهما. بل تسمح لأحدهما ـ دون تعيين ـ أن يدخل التفعيلة ليحذف الحرف المطلوب. فإذا دخل أحدهما، منع الآخر من الدخول.

فمثلاً: بالنسبة لتفعيلة (مفاعيلن) في بحر المضارع نجد الياء تراقب النون، لذلك إما أن تُحذف ياؤها بزحاف القبض، وتبقى نونها سالمة، كالآتي:

(مفاعِيْلُنْ) القبض (مفاعِلُنْ).

وإما أن تحذف نونها بزحاف الكف، وتبقى ياؤها، كما يلي:

(مفاعِيْلُنْ) الكف (مَفَاعِيْلُ).

لذلك لا يجتمع القبض والكف في تفعيلة (مفاعيلن) لوجود المراقبة بين يائها ونونها.

وأما بالنسبة لتفعيلة: (مَفْعُوْلاتُ) في بحر المقتضب، فاننا نجد الفاء تراقب الواو، لذلك إما أن تحذف فاؤها بزحاف الخبن، وتبقى واوها سالمة، كالآتي:

(مفعُوْلاتُ) الخبن (مَعُوْلاتُ)، ويجوز نقلها إلى: (مَفاعِيْلُ).

وإما أن تحذف واوها بزحاف الطي، وتبقى فاؤها سالمة، كما يلي:

(مَفْعُولاتُ) الطي (مَفْعُلاتُ)، ويجوز تحويلها إلى: (فاعِلاتُ).

لذلك لا يجتمع الخبن والطي في تفعيلة (مفعولاتُ) في بحر المقتضب لوجود المراقب بين فائها وواوها. فوجود المراقبة هنا هو الذي منع من دخول الخبل ـ وهو اجتماع الخبن والطي ـ في هذه التفعيلة.

المعاقبة أو المتعاقب: أن يتناوبَ الزحافَ سببان خفيفان متجاوران في تفعيلة واحدة، أو في تفعيلتين متجاورتين، بحيث يجوز أن يُزاحفَ أحدُ السببين، ويَسلمَ السببُ الآخرُ، كما يجوز أن يسلما جميعاً من الزحاف. لكن لا يجوز أن يُزاحفا معاً. «وإنّما لم يجز حذفهما معاً لئلاّ يجتمع أربعة متحركات في جزأين، لا جزء واحد». (الوافي للخطيب التبريزي: ص 51).

ولعلّ من الأصلح منهجياً أن أذكر الفروق بين المراقبة والمعاقبة قبل ذكر أنواع المعاقبة.

الفروق بين المراقبة والمعاقبة

1- إنَّ المراقبة ينحصر وقوعها في داخل التفعيلة دون أن يرتبط ذلك بسلامة التفعيلة السابقة، أو التفعيلة اللاحقة، في حين أنَّ المعاقبة قد تقع في التفعيلة كذلك، وقد تقع بين تفعيلتين أو ثلاث.

2- إنَّ المراقبة لايجوز فيها أن يسلم السببان الخفيفان من الزحاف، في حين يجوز ذلك في المعاقبة.

3- إنَّ المراقبة يجب فيها أن يزاحف أحد السببين، في حين يكون ذلك في المعاقبة جائزاً.

4- إنَّ المراقبة تنحصر في تفعيلتين فقط، هما: (مفاعيلن) في المضارع، و (مفعولاتُ) في المقتضب، في حين نجد المعاقبة بنوعيها تشمل الأبحر التالية:

الطويل والهزج والوافر والكامل والمنسرح والمديد والرمل والخفيف والمجتث.

أنواع المعاقبة

إنّ التعريف السابق يشير إلى أنّ المعاقبة نوعان هما:

النوع الاول: المعاقبة الحاصلة بين السببين حال كونهما في تفعيلة واحدة: المعاقبة في تفعيلة واحدة: يقع هذا النوع من المعاقبة في الأبحر الخمسة التالية:

الهزج والطويل والوافر والكامل والمنسرح. علماً بأنَّ الأبحر الثلاثة الأخيرة مشروطة بتوضيحات سنذكرها ـ إن شاء الله تعالى ـ كلاً في مكانه.

والمهم أنَّ المعاقبة في هذا النوع تقع في التفعيلتين التاليتين:

1- (مفاعيلن): في الأبحر التالية.

الوافر والهزج والطويل.

2- (مستفعلن): في الكامل والمنسرح.

وأشرح ـ فيما يلي ـ كلاً منهما في كل بحر تدخله:

1- (مفاعيلن) في الوافر والهزج والطويل:

(مفاعيلن) في الطويل: تجوز فيها أحدى الحالتين التاليتين:

الحالة الاول: أن يدخلها زحاف القبض، فتحذف ياؤها، وتصير: (مفاعِلُن).

(مفاعيلن) القبض (مفاعلن).

الحالة الثانية: أن يدخلها زحاف الكف، فتحذف نونها، وتصبح: (مفاعيلُ).

(مفاعيلن) الكف (مفاعيلُ).

ولايجوز أن يجتمع هذان الزحافان في (مفاعيلن) في الطويل لما بينهما من المعاقبة.

ملاحظة

إنّ أبا تمام قد جمع في الطويل بين القبض والكف، فخالف حكم المعاقبة، وذلك في قوله الآتي:

ويضرب في ذاتِ الإلهِ فيُوجعُ

فعولُ / مفاعيلن / فعولُ / مفاعلن

يقولُ فيُسْمِعُ ويمشي فيُسرعُ

فعولُ / مفاعِلُ / فعولن / مفاعلن

(مفاعيلن) القبض (مفاعلن) الكف (مفاعِلُ)

فجمع في التفعيلة الثانية: (فيُسمِعُ: مفاعلُ) بين القبض والكف، «فجاء ثقيلاً نابياً».

(شرح تحفة الخليل لعبد الحميد الراضي: 101)

(مفاعيلن) في الهزج: يجوز فيها إحدى الحالتين التاليتين:

الحالة الاولی: أن يدخلها زحاف القبض، فتحذف ياؤها، وتصبح: (مفاعلن).

الحالة الثانية: أن يدخلها زحاف الكف، فتحذف نونها، وتصير: (مفاعيلُ).

ولا يجوز أن يجتمع هذان الزحافان هنا لما بينهما من المعاقبة.

(مفاعيلن) في الوافر: إنّنا نعلم أن (مفاعيلن) ليست هي التفعيلة الأصلية للبحر الوافر. وإنما تفعيلته هي (مُفاعَلَتُنْ). لذلك لا تجري المعاقبة فيها إلاّ بعد أن يدخلها زحاف العصب، فتصير (مفاعَلْتُنْ)، وتنقل إلى: (مفاعيلن)، كما يلي:

(مُفَاعَلَتُنْ) العصب (مُفَاعَلْتُنْ)، ويجوز نقلها إلى: (مفاعِيْلُنْ).

وعندئذ تجري المعاقبة بين يائها ونونها، (يراجع شرح تحفة الخليل: ص 73). فيجوز في (مفاعيلن) في الوافر إحدى الحالتين التاليتين:

الحالة الاؤلی: أن تحذف ياؤها، فتصبح: (مفاعلن)، وحذف الياء هنا لا يسمى (قبضاً)، وإن كان المحذوف حرفاً خامساً ساكناً في الظاهر. بل يسمى الحذف هنا (عقلاً)، لأنّ المحذوف حرف خامس متحرك في الأصل.

الحالة الثانية: أن تحذف نونها، فتصير (مفاعيلُ)، علماً بأنَّ حذف النون من (مفاعيلن) هذه لا يسمى (كفاً). بل يسمى (نقصاً)، لأنَّ حذف النون ـ وهو كف ـ قد حصل بعد تسكين الحرف الخامس ـ وهو عصب ـ فاجتمع العصب والكف، واجتماعهما يسمى (نقصاً)، والمهم أنّه لا يجوز حذف الياء والنون معاً، وأنه يجوز بقاؤهما معاً.

2- (مستفعلن): في الكامل والمنسرح:

(مستفعلن) في الكامل: إننا نعلم أنَّ (مستفعلن) ليست هي التفعيلة الأصلية للبحر الكامل، وإنما تفعيلته هي: (مُتَفَاعِلُنْ)، لذلك لاتجري فيها المعاقبة إلاّ بعد أن يدخلها زحاف الإضمار، فتصبح: (مُتْفاعلن)، وتنقل إلى: (مُسْتَفْعِلُنْ)، كالآتي:

(مُتَفاعلن) الاضمار (مُتْفاعلن)، ويجوز نقلها إلى: (مُستَفْعِلُنْ).

وعندئذ تجري فيها المعاقبة بين سينها وفائها، أو قل: بين الخبن والطي، فيجوز في (مستفعلن) في الكامل إحدى الحالتين التاليتين:

الحالة الأولی: أن يدخلها زحاف الخبن، فتحذف سينها، وتصبح (مُتَفْعِلُنْ)، كما يلي:

(مُسْتَفْعِلُنْ) الخبن (مُتَفْعِلُنْ)، ويجوز نقلها إلى (مُفْتَعِلُنْ).

الحالة الثانية: أن يدخلها زحاف الطي، فتحذف فاؤها، وتصير:(مُسْتَعِلُنْ)، كالآتي:

(مُسْتَفْعِلُنْ) الطى (مُسْتَعِلُنْ)، ويجوز نقلها إلى (مُفْتَعِلُنْ).

لكن لا يجوز أن يجتمع الخبن والطي في (مستفعلن) في البحر الكامل لوجود المعاقبة، ويجوز أن تسلم هذه التفعيلة من هذين الزحافين جميعاً.

ملاحظة

علة عدم وقوع المعاقبة في (مستفعلن) الأصلية في الرجز إنما هي حصول المكانفة فيها.

(مستفعلن) في المنسرح: إنّ الحديث عن جريان المعاقبة في (مستفعلن) في المنسرح ينحصر في المنسرح التام المطوي، وهو ـ كما يبدو ـ نوعان، هما:

النوع الاول: وزنه الآتي:

مستفعلن / مفعولاتُ / مُسْتَعِلُنْ

مستفعلن / مفعولاتُ / مستفعلن

فعروضه صحيحة، وهي (مستفعلن)، وضربه مطوي (واجب الطي)، وهو (مُسْتَعِلُنْ) ويجوز تحويلها إلى: (مُفْتَعِلُنْ).

حكم هذا النوع: إنّ هذا النوع يشتمل ـ كما يبدو ـ على الحكمين التاليين:

الحكم الاول: حكم العروض: وهو أنَّ المعاقبة تجري في العروض، لذلك تجوز فيها إحدى الحالتين التاليتين:

الحالة الاولى: أن يدخلها زحاف الخبن، فتصبح: (مُتَفْعِلُنْ)، ويجوز نقلها إلى: (مفاعلن).

الحالة الثانية: أن يدخلها زحاف الطي، فتصير: (مُسْتَعِلُنْ)، ويجوز تحويلها إلى (مُفْتَعِلُنْ)، ولا يجوز اجتماع هذين الزحافين، لأنَّ اجتماعهما يؤدي إلى توالي أربعة أحرف متحركات (مُتَعِلُنْ) مسبوقة بتاء (مفعولاتُ) المضمومة، وبذلك يكون مجموع الأحرف المتحركة المتوالية خمسة، وهذا أمر لا يجوز في الشعر، (يراجع الوافي للخطيب التبريزي: ص 136). لذلك تجري المعاقبة لتمنع من توالي هذه الأحرف المتوالية.

الحكم الثانى: حكم الضرب: هو عدم جواز دخول الخبن، واجتماعه مع الطي; لأنّهما إذا اجتمعا، صارت التفعيلة: (مُتَعِلُنْ)، فاجتمعت أربعة متحركات متتاليات، وهذا أمر لو لم يكن مسبوقاً بحرف متحرك، لم يكن منه مانع. لكنه مسبوق بتاء (مفعولاتُ) المضمومة التي تضاف إلى تلك الأحرف الأربعة ليصير عددها خمسة أحرف متحركات متتاليات، وهذا أمر غير جائز في الشعر.

النوع الثاني: وزنه الآتي:

مستفعلن / مفعولاتُ / مُسْتَعِلُنْ

مستفعلن / مفعولاتُ / مُسْتَعِلُنْ

فعروضه مطوية، وضربه مطوي كذلك، فالطي لازم فيهما جميعاً.

(يراجع الإيقاع: ص 121)

حكم هذا النوع: إن حكم عروض هذا النوع، وحكم ضربه واحد، وهو عدم جواز دخول الخبن مع الطي، لأنَّ ذلك يؤدي ـ كما قلنا ـ إلى توالي خمسة متحركات، وهذا لايجوز في الشعر .

النوع الثاني: المعاقبة الحاصلة بين السببين حال كونهما في تفعيلتين متجاورتين:

قال ابن رشيق: «فأما المعاقبة، فهي أن يتقابل سببان في جزءين، فهما يتعاقبان السقوط: يسقط ساكن أحدهما لثبوت ساكن الآخر، ويثبتان جميعاً، ولا يسقطان جميعاً». (العمد لابن رشيق: ج 1، ص 127). يشترط في هذا النوع الشرطان التاليان:

الاول: أن لا تقع التفعيلة التي يقع فيها الزحاف لسلامة ما قبلها، في أول البيت. لعدم وجود تفعيلة قبلها تعاقبها.

الثاني: أن لا يقع قبل التفعيلة المذكورة وتد; لأنّ الوتد لا يعاقب السبب. فلا يسمى ذلك معاقبة، بل تسمى تلك التفعيلة أو ذلك الجزء بريئاً من المعاقبة.

(يراجع الجامع: ص 106)

ويقع هذا النوع من المعاقبة في الأبحر الأربعة التالية: المديد والرمل والخفيف والمجتث. وهذا النوع ينقسم من جهة مكان الزحاف من التفعيلة. إلى ثلاثة أنواع، هي:

النوع الاول: الصدر: هو الذي يقع فيه الزحاف في أول التفعيلة ـ أي في السبب الأول منها ـ لكي يسلم السبب الأخير من التفعيلة السابقة، فسبب وقع الزحاف في أول التفعيلة هو دفع الزحاف عن السبب الأخير من التفعيلة السابقة.

قال الخطيب التبريزي: «الصدر: هو أن تحذف الألف من (فاعلن)، وتثبت النون من (فاعلاتن) التي قبلها». (الوافي للخطيب التبريزي: ص 51)

والذي يبدو أنَّ هذا التعريف ناقص، لذلك يجب أن تضاف إليه العبارة التالية: (أو أن تحذف الألف من (فاعلاتن) لتسلم نون فاعلاتن التي قبلها). وأشمل من تعريف التبريزي تعريف العروضي حين قال: «فما زوحف لمعاقبة ما قبله سمي الصدر». (الجامع: ص 105)

وإنما سمي هذا النوع صدراً لوقوع الزحاف في صدر التفعيلة، فالصدر هو التفعيلة التي زوحف سببها الأول، لذلك لا يقع هذا النوع في التفعيلة الأولى من البيت; لأنّه يجب أن يقع في تفعيلة مسبوقة بتفعيلة أخرى مختومة بسبب; لأنّه إنما يقع في التفعيلة لتسلم التفعيلة السابقة، ولا يقع في غير هذه الحالة أبداً.

وسأذكر جميع الأمثلة، وذلك باجراء المعاقبة بأنواعها الثلاثة في جميع الأبحر الأربعة التي تقع فيها.

النوع الثاني: العجز: هو الذي يقع فيه الزحاف في آخر التفعيلة ـ أي في السبب الأخير منها ـ لكي يسلم من الزحاف السبب الأول من التفعيلة اللاحقة، فعلة وقوع الزحاف في آخر التفعيلة هو منع الزحاف من الدخول في السبب الأول من التفعيلة اللاحقة.

وإنما سمي هذا النوع عجزاً لوقوع الزحاف في عجز التفعيلة، فالعجز هو التفعيلة التي زوحف سببها الأخير، لذلك لا يقع هذا النوع في الضرب، لأنّه التفعيلة الأخيرة التي ليس بعدها تفعيلة، وهو إنّما يقع لتسلم التفعيلة التالية من الزحاف.

قال الخطيب التبريزي: «العجز: أن تحذف النون من (فاعلاتن) الأولى، وتثبت الألف من (فاعلن) التي بعدها». (الوافي: ص 51)

والذي يبدو أنّ هذا التعريف ناقص، ويجب أن تضاف إليه العبارة التالية: (أو تثبت الألف من «فاعلاتن» التي بعد «فاعلاتن» السابقة)، وأدق من هذا التعريف، تعريف العروضي، إذ قال: «وما زوحف لمعاقبة ما بعده سمي العجز».

(الجامع: ص 105)

النوع الثالث: الطرفان: هو الذي يجمع بين الصدر والعجز، ولنا أن نسميه: (المعاقبة المزدوجة أو المركبة)، فهو الذي يقع فيه الزحاف في موضعين من التفعيلة، فيقع في أول التفعيلة ـ أي في السبب الأول منها ـ لكي تسلم التفعيلة السابقة ـ أي: ليسلم السبب الأخير منها ـ ويقع ـ أيضاً ـ في آخر نفس التفعيلة لتسلم التفعيلة اللاحقة ـ أي ليسلم السبب الأول منها ـ فالطرفان: هو التفعيلة التي زوحف سببها الأول، وسببها الأخير.

قال أبو الحسن العروضي: «وما زوحف لمعاقبة ما قبله، وما بعده سمي طرفين».

(الجامع: ص 105)

أمثلة النوع الثاني من المعاقبة بانواعها الثلاثة

إجراء المعاقبة بأنواعها الثلاثة في الأبحر الأربعة التالية:

البحر المديد: وزنه الآتي:

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن

فاعلاتن / فاعلن / فاعلاتن

واضح أنَّ وزن المديد يتألف من تفعيلتين هما: (فاعلاتن) و(فاعلن)، وسأوضح ـ فيما يلي ـ إجراء المعاقبة في كل منهما:

أولاً: (فاعلاتن): يجوز أن تكون هذه التفعيلة صدراً أو عجزاً أو طرفين، وأذكر كلاً منهما فيما يلي:

1- كون (فاعلاتن) صدراً: يشترط في كون (فاعلاتن) صدراً أن تقع في أول الشطر الثاني من البيت، لأنها في هذه الحالة فقط تكون مسبوقة بنظيرتها (فاعلاتن) المختومة بسبب خفيف. أما وقوعها في أول البيت، فلا معاقبة فيه، لأنها غير مسبوقة بتفعيلة مختومة بسبب، وكذلك وقوعها عروضاً وضرباً لا معاقبة فيهما، لأنها في هاتين الحالتين تكون مسبوقة بتفعيلة: (فاعلن) المختومة بوتد مجموع، ومعلوم أنَّ الوتد لا يعاقب السبب.

(يراجع العمدة: ج 1، ص 127).

لذلك لا تكون (فاعلاتن) صدراً إلاّ إذا وقعت في أوّل العجز. فتحذف ألفها الأولى بالخبن لتسلم نون (فاعلاتن) قبلها من زحاف الكف، وذلك كما يلي، قال الشاعر:

فتفعيلة (فعلاتن) في أول العجز صدر، لأنَّ الخبن إنما دخلها لكي تسلم (فاعلاتن) التي قبلها من زحاف الكف.

2- كون (فاعلاتن) عجزاً): يمكن أن يَحذف الكف نون (فاعلاتن) الواقعة في أول البيت لكي يسلم ألف (فاعلن) بعدها من زحاف الخبن. كما يمكن أن يَحذف الكف نون (فاعلاتن) الواقعة عروضاً لكي يسلم ألف (فاعلاتن) بعدها في أول العجز من الخبن، وذلك على النحو التالي، قال الشاعر:

كون (فاعلاتن) طرفين: يشترط في كون (فاعلاتن) طرفين في بحر المديد أن تقع في أول العجز، لأنّ الشروط المعتبرة في كونها طرفين لا تتوفر إلاّ في هذه الحالة.

التوضيح

1- (فاعلاتن) الواقعة في أول البيت: إنَّ هذه التفعيلة لا يجوز أن تكون طرفين لأنّها غير مسبوقة بتفعيلة مثلها. فلا تكون صدراً، وما لم يكن صدراً وعجزاً، لا يكون الطرفين.

إنّ بيت المديد ـ كما نعلم ـ يشتمل على أربع تفعيلات من نوع (فاعلاتن)، ولا يصلح من هذه التفعيلات; لأن يكون طرفين غير تلك التي في أول العجز. أمّا التفعيلات الثلاث الباقية، فلا تتوفر فيها الشروط اللازمة، وأذكر ـ فيما يلي ـ علة عدم صلاحية كل منها:

2- (فاعلاتن) الواقعة عروضاً: لايجوز أن تكون هذه التفعيلة طرفين; لأنّها لم تسبق بسبب. بل سبقت بوتد مجموع ـ أي: سبقت بتفعيلة مختومة بوتد مجموع ـ ومعلوم أنَّ الوتد لا يعاقب السبب (يراجع العمدة: ج 1، ص 127)

3- (فاعلاتن) الواقعة ضرباً: إنَّ علة عدم جواز أن تكون هذه التفعيلة طرفين هي أنها غير متلوة بتفعيلة مثلها. فلا تكون عجزاً وما لم يكن عجزاً وصدراً، لا يكون طرفين. والنتيجة التي خرجنا بها هي أنَّ (فلاعلاتن) الواقعة في أول العجز هي وحدها التي يمكن أن تكون طرفين، وذلك على النحو التالي، قال الشاعر:

ثانياً: فاعلن: إننا نعلم أنَّ البيت من المديد يشتمل على تفعيلتين من نوع (فاعلن)، ولا شك أنّ كلاً منهما تستطيع أنْ تكون صدراً فقط، وذلك حين تحذف ألفها بالخبن لكي تسلم التفعيلة التي قبلها من زحاف الكف، وذلك على النحو التالي:

ومثاله من الشعر البيت الأول الذي ذكرته ـ فيما سبق ـ وهو:

ولا يجوز أن تكون (فاعلن) عجزاً; لأنّها مختومة بوتد، والوتد لا يعاقب السبب.

كما لايجوز أن تكون (فاعلن) طرفين; لأنَّ الطرفين هو الجمع بين الصدر والعجز، وإذا انتفى كونها عجزاً; فإنّه من الأولى أن ينتفي كونها طرفين.

البحر الرمل: أصل وزن الرمل هو الآتي:

فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ

فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ

لكنّ الرمل إذا كان تاماً كانت عروضه محذوفة، (يراجع الإيقاع: ص 59). فوزنه يكون الآتي:

فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ / فاعلاتُنْ

فاعلاتُن / فاعلاتُنْ / فاعِلُنْ

وهذا الوزن يتألف من ست تفعيلات، يكون خمس منها من نوع (فاعلاتن)، وواحدة ـ وهي تفعيلة العروض ـ من نوع (فاعلن)، وفيما يلي أبين المعاقبة في كل منهما:

أولاً: (فاعلاتن): يجوز أنْ تكون هذه التفعيلة صدراً أو عجزاً أو طرفين كما هو حالها في البحر المديد.

1- فتكون صدراً إذا دخلها زحاف الخبن، فحذف ألفها لكي تسلم نون (فاعلاتن) الواقعة قبلها من زحاف الكف. والقسمة تقتضي أَنْ يجوز ذلك في التفعيلة الثانية والخامسة ـ وهما حشو البيت ـ وفي الضرب، وذلك على النحو التالي، قال الشاعر:

2- وتكون عجزاً إذا دخلها زحاف الكف، فحذف نونها لتسلم ألف (فاعلاتن) الواقعة بعدها من الخبن، وذلك علي النحو التالي، قال الشاعر:

3- وتكون طرفين إذا دخلها زحاف الخبن فحذف ألفها لتسلم التفعيلة قبلها من زحاف الكف، ودخلها زحاف الكف فحذف نونها لتسلم التفعيلة بعدها من زحاف الخبن، ويجوز أنْ يقع ذلك في التفعيلة الثانية والخامسة، وهما حشو البيت، وذلك كما يلي، قال الشاعر:

ثانياً: (فاعِلُنْ): يجوز أنْ تكون هذه التفعيلة صدراً فقط، وذلك حين تحذف ألفها بالخبن لكي تسلم التفعيلة التي قبلها من زحاف الكف، وذلك على النحو التالي، قال الشاعر:

هَضَ الصَّلْتَ إليها فَحَواها

وإذا رايةُ مَجد رُفِعَتْ

وقد مَرَّ تقطيعه، وإيضاحه.

ولا يجوز أن تكون (فاعلن) عجزاً، لأنها مختومة بوتد، والوتد لا يعاقب السبب.

كما لايجوز أن تكون طرفين; لأنَّ الطرفين هو الجمع بين الصدر والعجز، وإذا بطل كونها عجزاً، فانَّ بطلان كونها طرفين أولى.

البحر الثالث: الخفيف: وزن الخفيف هو الآتي:

فاعلاتُن / مُسْتَفْعِ لُنْ / فاعلاتُنْ فاعلاتُنْ / مُسْتَفْعِ لُنْ / فاعلاتُنْ

وهذا الوزن يتألف من ست تفعيلات، أربع منها من نوع (فاعلاتُن)، واثنتان من نوع (مستفع لن)، وفيما يلي أبين المعاقبة في كل منهما:

أولاً: (فاعلاتن): يجوز أن تكون (فاعلاتن) صدراً أو عجزاً أو طرفين، وذلك على النحو التالي:

1- كون (فاعلاتن) صدراً: إنما تكون (فاعلاتن) صدراً في ثلاثة مواضع هي: العروض والضرب وأول العجز. وذلك كالآتي: قال أبو العلاء المعري مادحاً شريفاً من العلويين:

2- كون (فاعلاتن) عجزاً: إنما تكون (فاعلاتن) عجزاً في ثلاثة مواضع هي: أول البيت، والعروض، وأول العجز، وذلك كما في قول الشاعر التالي:

3- كون (فاعلاتن) طرفين: لا تكون (فاعلاتن) طرفين إلا في العروض أو في أول العجز، ولا يجوز أن يكون كل منهما طرفين معاً في بيت واحد، بل يجوز أن تكون إحداهما طرفين، وإذا صارت إحداهما طرفين، فلا يجوز أن تكون الأخرى طرفين، لأنّ كون العروض طرفين يقضي بسلامة ألف (فاعلاتن) في أول العجز، في حين أنّ كون تفعيلة أول العجز طرفين يقتضي بحذف ألفها هذه، وكذلك نجد كون تفعيلة أول العجز طرفين، يقضي بسلامة نون تفعيلة العروض، في حين أنَّ كون تفعيلة العروض طرفين، يقضي بحذف هذه النون، ولا شك أنه لايجوز أن يكون الحرف موجوداً محذوفاً في آن واحد. لذلك إذا كانت إحدى التفعيلتين المذكورتين طرفين، امتنع أن تكون الأخرى كذلك، لأنّ ذلك يؤدي إلى أن يكون الحرف موجوداً محذوفاً في وقت واحد. وهذا أمر باطل مرفوض.

فإما أن تكون تفعيلة العروض طرفين كما يلي، في قول الشاعر:

وإما أن تكون تفعيلة أول العجز طرفين كالآتي في قول الشاعر:

ثانياً: (مستفعِ لُنْ): يجوز أن تكون (مستفع لن) صدراً وعجزاً أو طرفين، وذلك كما يلي:

1- كون (مستفع لن) صدراً: إننّا نعلم أنّ البيت من الخفيف يشتمل على تفعيلتين من نوع (مستفع لن)، ولا شك أنَّ كلاً منهما تستطيع أن تكون صدراً مجتمعتين في بيت واحد، وذلك حين تحذف السين بزحاف الخبن لكي تسلم التفعيلة التي قبلها من الكف، وذلك كقول أبي العلاء المعري مادحاً شريفاً من العلويين:

2- كون (مستفع لن) عجزاً: يجوز أن تكون (مستفع لن) عجزاً في حشو الصدر وحشو العجز، وذلك حين تحذف نونها بزحاف الكف لكي تسلم التفعيلة التي بعدها من الخبن على النحو التالي، قال الشاعر:

3- كون (مستفع لن) طرفين: يجوز أن تكون (مستفع لن) طرفين في حشو البيت، وذلك حين تحذف سينها بالخبن لسلامة ما قبلها من الكف، وتحذف نونها بالكف لسلامة ما بعدها من الخبن، وذلك على النحو التالي، قال الشاعر:

البحر الرابع: المجتث: الشائع في بحر المجتث أنه لم يرد غير مجزوء، (يراجع تحفة الخليل: ص 279) فوزنه الآتي:

مُستفعِ لُنْ / فاعلاتُن مُسْتَفعِ لُنْ / فاعلاتُنْ

وهذا الوزن يتألّف من أربع تفعيلات، اثنتان منها (مستفع لن) واثنتان (فاعلاتُنْ)، وفيما يلي أوضح إجراء المعاقبة في كل منهما:

أوّلاً: (مستفع لن) يجوز أن تكون (مستفع لن) صدراً أو عجزاً أو طرفين، وذلك على النحو التالي:

1- (مستفع لن) صدراً: يجوز أن تكون (مستفع لن) صدراً إذا وقعت في أول العجز، مثال ذلك قول الشاعر:

أما (مستفع لن) الواقعة في أوّل البيت فلا يجوز أن تكون صدراً، لأنّها غير مسبوقة بتفعيلة أخرى.

2- كون (مستفع لن) عجزاً: يجوز أن تكون كّل من (مستفع لن) في أوّل الصدر، و(مستفع لن) في أوّل العجز عجزاً، وذلك حين يدخل كلاً منهما زحاف الكف ليسلم ما بعدهما من الخبن على النحو التالي في قول الشاعر:

3- كون (مستفع لن) طرفين: تفعيلة (مستفع لن) الواقعة في أول العجز، يجوز أن تكون طرفين وذلك حينما يحذف سينها ونونها بزحاف الشكل المزدوج لسلامة ما قبلها، وما بعدها كما يلي في قول الشاعر:

ولايجوز أن تكون (مستفع لن) الواقعة في أول البيت طرفين، لأنّها لا تكون صدراً، وما لا يكون صدراً وعجزاً لا يكون طرفين; لأنّ الطرفين عبارة عن اجتماع الصدر والعجز.

ثانياً: (فاعلاتن): يجوز أن تكون (فاعلاتن) صدراً أو عجزاً أو طرفين، وذلك كما يلي:

1- كون (فاعلاتن) صدراً: يجوز أن تكون (فاعلاتن) صدراً في العروض وفي الضرب، وذلك ما يلي في قول الشاعر:

2ـ كون (فاعلاتن) عجزاً: يجوز أن تكون (فاعلاتن) عجزاً في العروض فقط، كما يلي في قول الشاعر:

ولا يجوز أن تكون تفعيلة الضرب (فاعلاتن) عجزاً، لعدم وجود تفعيلة بعدها.

3- كون (فاعلاتن) طرفين: يجوز أن تكون (فاعلاتن) الواقعة في العروض طرفين، وذلك حينما تحذف ألفها ونونها بالخبن والكف لسلامة ما قبلها من الكف، وما بعدها من الخبن، وذلك على النحو التالي، في قول الشاعر:

ولا يجوز أن تكون (فاعلاتن) في الضرب طرفين; لأنّها لا تكون عجزاً، وما لا يكون عجزاً وصدراً لايكون طرفين.

المكانفة: أن يتجاور سببان خفيفان في تفعيلة واحدة ـ كما في (مستفعلن) و (مفعولاتُ) ـ فيجوز زحافهما معاً، وسلامتهما معاً، وزحاف أحدهما وسلامة الآخر.

لذلك تجوز في كل من (مستفعلن) و(مفعولاتُ) أربع حالات أذكرها بعد قليل ـ إن شاء الله تعالى ـ وهذا يعني أنّ الشاعر يكون حراً في أن يجعل كلاً من هاتين التفعيلتين مزاحفة بزحاف أو بزحافين، أو أن يتركها سالمة وتجري المكانفة في التفعيلتين التاليتين فقط:

الاول: (مستفعلن): في الرجز والسريع والبسيط، والتفعيلة الأولى من شطري المنسرح.

والمكانفة تجيز لتفعيلة (مستفعلن) في هذه الأبحر المذكورة، أن تكون في إحدى الحالات الأربع التالية: فيقال: إنّ بين سين (مستفعلن)، وفائها مكانفة.

1- (مستفعلن): تبقى سالمة من الزحاف.

2- (مستفعلن) الخبن (متفعلن)، ويجوز نقلها إلى: (مفاعلن).

3- (مستفعلن) الطي (مستعلن)، ويجوز تحويلها إلى: (مفتعلن).

4- (مستفعلن) الخبن (متفعلن) الطي (متعلن)، ويجوز نقلها إلى: (فعلتن).

الثانية: (مفعولاتُ): في المنسرح، وتجيز المكانفة لـ(مفعولاتُ) أن تكون في إحدى الحالات الأربع التالية:

1- (مفعولات): تبقى سالمة من الزحاف.

2- (مفعولاتُ): الخبن (معولاتُ).

3- (مفعولاتُ): الطي (مفعلاتُ).

4- (مفعولاتُ): الخبن (معولاتُ) الطي (معلاتُ).

فيقال: إنَّ بين فاء (مفعولاتُ) وواوها مكانفة.

ملاحظة (1): لا تجري المكانفة في (مستفعلن) في المقتضب، وذلك للزوم زحاف الطي فيها، في المجزوء الذي لم يرد غيره. (يراجع شرح تحفة الخليل: ص 270).

ملاحظة (2): لا تجوز المكانفة في (مستفعلن) الواقعة عروضاً في المنسرح، لجريان المعاقبة في العروض، كما لا تجوز فيها إذا وقعت ضرباً مطوياً، وذلك للزوم الطي ووجوبه في الضرب.

ملاحظة (3): لا تجري المكانفة في (مفعولاتُ) في المقتضب، لوجود المراقبة فيها بين الفاء والواو، فلا يجتمع الخبن والطي، وقد شرحنا هذا في المراقبة.

النتيجة

إنّنا اطلعنا عن كثب على ظواهر عروضية إيقاعية لطيفة، لم يتناولها بالبحث أكثر المحققين المحدثين كالدكتور إبراهيم أنيس في كتابه (موسيقى الشعر)، والدكتور عبد الرضا علي في كتابه (موسيقى الشعر العربي قديمة وحديثة)، والدكتور صفاء خلوصي في كتابه (فن التقطيع الشعري)، ومحمود فاخوري في كتابه (سفينة الشعراء)، والدكتور عبد العزيز عتيق في كتابه (علم العروض والقافية). علماً بأنَّ الذين تناولوها لم يعطوها حقها من البحث والتحقيق، مع أنّها تفيدهم في مواصلة بحوثهم العروضية، وتعينهم على التفهم الصحيح للمواضيع الإيقاعية العميقة أكثر فأكثر، مما يشهد للعلماء السابقين بالفضل في المجال العلمي الذي بذلوا فيه جهوداً كثيرة مشكورة.