allahiq

البحرُ اللاّحق

http://www.arabic-prosody.150m.com/lahiq.htm

الدكتور عمر خلوف ذو رؤية عروضية موسوعية، تعلمت منه الكثير، وهو ذو بصيرة ربما تساوى إزاءها استعماله للأرقام أو التفاعيل أو عدم استعماله، وهذه فرصة للنهل من رؤيته وعلمه من خلال هذا الفصل الشيق من كتابه من حهة حيث نقلته كما هو من موقع الأخ سليمان أبو ستة. ولتقريب العروض الرقمي لمن لم يألف أصوله بقرنه بالتفاعيل على ما بينهما من اختلاف في طبيعة النظرة لحدود التفاعيل وخاصة في منطقة الضرب من جهة ثانية، وللتريض العروضي من جهة ثالثة.

سأستعمل لمداخلتي هذا الخط وهذا اللون إلا حيث أحتاج لتلوين الأرقام بغرض تبيان طبيعة وزن ما حيث السبب أزرق والوتد أحمر

وزنٌ شعريٌّ مستحدث، لم يذكرْهُ الخليل بن أحمد (ـ175هـ)، لا في بحوره المستعملة، ولا في بحوره المهملة. بل ليس له في دوائر الخليل العروضية مكان. يتميز بإيقاعٍ موسيقيٍّ خفيف، يكاد أن يصلَ به إلى مصافّ البحر السريع أو البحر المخلّع ..

وقد وجدت له عدداً من الصور المستعملة، ووضعت له عدداً آخرَ من الصور الافتراضية التي يمكن أن تندرجَ تحته، مما يعطيه حقَّ التفرُّدِ والاستقلال، بحراً قائماً بذاته، اصطلحتُ على تسميته (بالبحر اللاّحق)، اسماً كان القرطاجني قد أطلقه على (المخلّع)([1][1])، فآثرْتُ استخدامَه هنا، إذ لا يخفى ما يحمله هذا الاسم من معنى إلحاقِ جديدٍ بقديم([2][2]). وقد وضعتُ له مفتاحَه الخاص به، ضبْطاً لوزنه، وتيسيراً لحفظه، فقلت :

مستفعلن فاعلن فاعِلُ

ولاحِقٍ حَقُّهُ ماثِلُ

مشيراً في ذات الوقت إلى اسمه، وحقّه، ووزنه.

وكان الجوهري (ـ393هـ) الذي جاء بعد قرنين من عصر الخليل، قد ذكَرَ هذا الوزن عَرَضاً، عندما جعله صورةً مستحدثةً من مخلّع البسيط:(مستفعلن فاعلن مفعولن)! وذلك بقوله عن المخلع: "ولَم يجِئْ طَيُّهُ عن العرب، وقد طَواه المُحْدَثون، وبيته:

يامَنْ يلومُ فَتىً عاشِقاً . .لُمْتَ ، فلومُكَ لي أعْشَقُ"([3][3])

وطيُّهُ يعني: حذف رابعِه الساكن، وهو الواو من (مفعولن) فيبقى (مَفْعُلُن = فاعلن).

ولعلنا نستشف من قوله: "وقد طواه المحدثون" أنه كان مستخدماً في زمانه، ولو على نطاق ضيق، إذ لا يمكن لمثل هذا البيت أن يردَ ضمن أبياتٍ كُتِبَتْ على المخلّع!

أراني أميل إلى هذا الرأي فنفس المنطق الذي يجيز في مستفعلن = 2 2 3 المقطوعة على 222

الخبن لتصبح 1 2 2 = 3 2 = مُستَفْعلْ

يفترض أن يجيز فيه الطي لتصبح 2 1 2 = 2 3 = مُسْتَفعِلْ

وأذكر هنا بتحول منطقة الضرب إلى مستفعلْ عن طريق التكافؤ الخببي لِ مستعلن = 2 1 3 = 2(2)2 تك (2) 2 2 = 11 2 2 = 1 3 2 وهذا بدوره يطرح وزنا نظريا جديدا لمجزوء البسيط = 4 3 2 3 1 3 2 = مستفعلن فاعلن مُسَتَفْعِلْ وعليه النظم

يا أيها القلبُ في خفقانِهْ هوّنْ عليك الهموم بشانِهْ

4 3 2 3 1 3 2 4 3 2 3 1 3 2

إن كان لمّا يزلْ بكَ صبّاً فلن يواليكَ طعْنُ سِنانِهْ

4 3 2 3 1 3 2 3 3 2 3 1 3 2

فلترْجُ لثما يكونُ قريباً لا العضّ يأتيكَ من أسنانِهْ

وليس في المطلع تصريع بل تقفية، أي ليس أي من الشطرين - ولا ترفيل لصدر- بمرفل وبلغة الرقمي لم تضف +2 إلى أي من الشطرين.

ولم يرِدْ لهذا الوزن ذكْرٌ آخر في كُتُب العروض إلاّ بعد ثلاثة قرون من عصر الجوهري، وذلك عندما نصَّ حازم القرطاجنّي (ـ684هـ) في حديثه عن طرق بناء الأوزان من التفاعيل السباعية المتغايرة، على أن أشطارَها تُبنى دائماً من ثلاثة تفاعيل؛ مثماثلتين ومفردة، فتحدّث أولاً عن تقدّم المتماثلتين وتأخّر المفردة، كما في البحر السريع، الذي يساوي عنده:

مستفعلن مستفعلن فاعلاتن

ثم تحدّث عن توسّط المفردة بين متماثلتين، كما في البحر الخفيف:

فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

ثم أنكر البناء الذي تتقدّم فيه المفردة على المتماثلتين استثقالاً. قائلاً: "وقد وَضَع بعض الشعراء الأندلسيين على هذا البناء [أي بتقديم المفردة على المتماثلتين] وزناً، إلاّ أنه جعلَ الجزأين المزدوجين خماسيين فراراً من الثقل ... وذلك قوله :

لَمّا دَرى أنّني هائِمُ

أقصَرَ عن لومِيَ اللائِمُ

تقديرُ شطره: (مستفعلن فاعلن فاعلن)"([4][4]). دون أن يضع له اسماً، ولا ردَّه إلى أيٍّ من الأوزان الخليلية المعروفة .

ومع أن هذا الوزن قد ورد أيضاً في بعض الموشحات ـ كما سنرى ـ إلاّ أن كُتُبَ العروض جميعها ـ شأنها مع كل جديد ـ قد أعرضت تماماً عن محاولة تقييده وتقعيده، أو حتى مجرّد ذكره، سبعةَ قرونٍ أخرى، عندما ادّعت نازك الملائكة في رسالةٍ إلى د.عبده بدوي (عام 1973م) أنها أوّل مَنْ كتَبَ عليه شعراً، وأنه "وزنٌ غير مستعمل في الشعر العربي"! سمّته "الموفور"([5][5]). وقد تابعها د.بدوي على ذلك، فكتب عليه أولاً، ثمّ دعا إلى الكتابة عليه ثانياً، فاستجاب لدعوته علي الصياد([6][6])، ونور الدين صمود([7][7])، الذي أكّد على أنه ـ كنازك وبدوي ـ لم يطّلع قبل ذلك على شيءٍ مكتوبٍ على هذا الوزن([8][8])! وذلك على الرغم من صدور الطبعة الأولى من منهاج البلغاء للقرطاجني عام 1966م!

هذا وقد حاولَ بعض المعاصرين أن يُلحِقَ هذا الوزنَ ـ خَطَلاً ـ ببعض بحور الشعر العربي، فألصقَ جلال الحنفي بعضَ صوره بالبحر البسيط مقدّراً تفعيلَها هكذا([9][9]):

مستفعلن فاعلن فعْلُن

مستفعلن فاعلن فعِلُن

وبعضَها بالبحر المنسرح مقدّراً تفعيلَها هكذا([10][10]):

مستفعلن مَفْعُلاتُ فَعَلْ

مستفعلن مَفْعُلاتُ فَعَلْ

وواضح أنّ الوزنين متطابقان، ومتوافقان مع وزن اللاحق.

هنا عدة نقاط

ثمة وزنان

1- مستفعلن فاعلن فاعِلُنْ = 4 3 2 3 2 3 ومنطقة الضرب هنا = 2 3

2- مستفعلن فاعلن فَعِلُنْ = 4 3 2 3 1 3 ومنطقة الضرب فيه = 3 1 3

فهل هما من بحر واحد ؟

إن افتراض حصول فَعلن من مستفعلن يفترض المرور بالخطوات التالية

أصل الوزن = 4 3 2 3 2 2 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن

1- بالقطع = 4 3 2 3 2 2 2 = مستفعلن فاعلن مستفعل

2- بالطي = 4 3 2 3 2 1 2 =4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن (مستلن)

3- بالخبن = 4 3 2 3 1 1 2 = 4 3 2 3 1 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن ( مُتَلُنْ )

فهل 4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن و 4 3 2 3 1 3 = مستفعلن فَاعِلُن فَعِلُنْ من وزن واحد؟

أرى أن نكهة الوزن تختلف عندما ننقل منطقة الضرب فيه من 2 3 إلى 313

ثم إن القول بهذا ينبغي أن يجوز معه أن يجيء الوزن على

مستفعلن فَعِلُن فَعِلُنْ = 4 3 1 3 1 3 وعليه

قد جاء في لجِبٍ عرِمِ يجتاج كلّ ذوي الهممَِ

وهنا يبتعد الوزن كثيرا بهذا التخاب في آخر الشطر بعد الأوثق 4 3 (2) 2 (2) 2

وهنا يطرح سؤال نفسه ما الوزن الذي يمكننا أن نرد 4 3 2 3 1 3 إليه إن لم يكن أصله 4 3 2 3 2 3 ؟

لعل الرأي كما أورد المقال برده إلى المنسرح فيه حواب هذا

أي أن وزنه = مستفعلن مفعُلاتُ مُتَفْ = 4 3 2 3 1 3

ولهذا القول ما يبدو أنه له وما يبدو أنه عليه . أقول يبدو لأنه لا حسم في الأمر

ما يبدو أنه له :

يقتضي الرجوع بالبحر إلى المنسرح صحةَ الوزن مستفعلن معولاتُ مُتَفْ = 4 3 3 2 1 3 بل ومجيئه في بيت واحد مع مستفعلن مفعُلاتُ مُتَفْ = 4 3 2 3 1 3

وعلى هذا النظم

من كان في حبه دنِفا فليحتمل هوانا سَلَفا

4 3 2 3 1 3 4 3 3 2 1 3

وليبْقَ عمره منتظِراً يوما يوافيه من كَلِفا

4 3 3 2 1 3 4 3 2 3 1 3

هل تجاور الوزنين مستساغ ؟ وتبعا لذلك فهل ما تقدم لصالح التفسير ؟

ما يبدو أنه عليه :

قلت في موضوع ( مخلعان) : إن حمل المخلع على أصل المنسرح يجعل وزنه

مستفعلن مفعُلا تُمسْتَفْ = 4 3 2 3 3 2 منحازا في هذا إلى رأي الدكتور أحمد مستجير في اعتبار تُمسْ = 3 أي وتدا، وهذا يجعل جذف الميم غير جائز لتبرير وجود مُتَفْ في

مستفعلن مفعُلاتُ (مُتَفْ ) ، وما ذا نعتبر (تُ =1 ) إن أجزنا هذا على رأي مستجير وأظنه لا يجيزه.

ولكن أليس الأخذ برأي الخليل يعتبر الوزن مستفعلن مفعولاتُ مستفْ = 4 3 2 1 2 1 3

صحيحا ؟ فهل هذا الأمر عليه ؟

ولكني أرى طريقا ثالثا لعله يحل الإشكال وذلك باعتبار:

4 3 2 3 1 3 = 4 3 2 3 1 3

لاحظ أن آخر 3 1 3 = 3 (2) 2 = وتد + سبب ثقيل + سبب خفيف = مفاعلَتن

وعليه يكون الوزن مستفعلاتن مفاعلتن = 4 3 2 3 1 3

ومن مزايا هذا الوزن أنه يبين الأسباب والأوتاد بشكل واضح، ويبين بالتالي الزحافات الممكنة فيه بدون لبس، وهو كذلك يتوافق مع مجيء الوزن على

أ- 4 3 1 3 1 3 = مستفعلاتُ مفاعلَتن فقارنه مع الوزن الأساس للاحق

ب - 4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن

هذا يعني أن 4 3 1 3 2 2 تنتمي للصنف أ ولا ينتمي للصنف ب

وهذا بدوره يعيدنا إلى كل من الرجز السريع فلنا أن نعتبرهما بحرين من الكامل باستثناء صورتين مستقلتين لكل منهما ولكنهما متواشجتان

صورة الرجز 4 3 4 3 4 3 حسب الرقمي حالة من الكامل

وصورة السريع 4 3 4 3 1 3 = 4 3 4 3 ((4)حسب الرقمي صورة من الكامل

ولو افترضنا أصلا واحدا للسريع والرجز = 4 3 4 3 2 2 2 = مستفعلن فاعلن مستفعلْ أو مفعولا

فإن زحاف 2 2 2 يخرج الرقم 4 فيهما من الفاصلة فيختلفان عن الكامل

لتنفصل عن الكامل هذه الصورة من الرجز 4 3 4 3 1 2 2 = 4 3 4 3 3 2

ولتنفصل عنه كذلك هذه الصورة من السريع 4 3 4 3 2 1 2 = 4 3 4 3 2 3

وتكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين اللاحق المنتهي ب 2 3 في 4 3 2 3 2 3 والمخلع المنتهي ب 3 2 في 4 3 2 3 3 2 في افتراض صدورهما عن مجزوء البسيط 4 3 2 3 2 2 2

في حين جعله عبد الصاحب المختار من البحر المجتث أو أصْلاً له([11][11]).

وهو أبعد ما يكون عن البسيط أو المنسرح أو المجتث!!

وفي دراسته المتميزة لعلم العروض؛ أشار د.أحمد مستجير إليه وزناً مستقلاًّ، ولكنه نشأ عنده من تكرار التفعيلة (مفعولُ) أربع مرات في الشطر الواحد:

مفعولُ مفعولُ مفعولُ مفعولُ!

ممثّلاً له بقول شوقي متّصلاً هكذا:

زيادُ ما ذاقَ قيسٌ ولا هَمّا

طبخُ يدِ الأمِّ يا قيسُ ذُقْ مِمّا

الأمُّ يا قيسُ لا تطبُخِ السّمّا

ولذلك أطلق عليه اسم "بحر شوقي"([12][12])!!

وواضح تماماً أنَّ ما أشار إليه مستجير هو (بحرٌ مهمل) لم يَكتُبْ عليه أحدٌ. وهو وزنٌ لا ينطبق على وزن اللاحق مالم يُحذف من آخره سببان وجوباً، هكذا:

ـعولُ

/ه /ه

مفعولُ مفعولُ مفعولُ مَفْـ

/ه /ه //ه /ه //ه /ه //ه

مستفعلن فاعلن فاعلن

وليست أبيات شوقي إلاّ على الوزن الرجزي ـ منفصل الشطرين ـ:

مستفعلن فعْلن * مستفعلن فعْلن

أميل إلى قراءة الأبيات كما قرر الدكتور خلوف

زياد ما ذاقا قيسٌ ولا همّا

طبخ يد الأمِّ (ي) يا قيس ذق مما

الأمّ يا قيسُ (و) لا تطبخ السمّا

ولكن لو قرأناه متصلا فإن فيه انسجاما مع تعامل الدكتور أحمد مستجير بالنسبة لزيادة مقاطع في ما ينبني على نظريته من أوزان، بحيث يكون كما ذكر الدكتور خلوف مفعولُ مفعولُ مفعولُ مف (عولُ) = 4 3 2 3 2 3 2 1، إذ لا وجود للوتد المفروق عند د. مستجير.

وهذا متفق تماما من حيث الأسباب والأوتاد (الألوان) مع قول د. خلوف =مستفعلن فاعلن فاعلن

الذي أكثرَ منه الوشّاحون والمعاصرون، كما في قول الأعمى التطيلي([13][13]):

ما عشْتَ يا صاحِ

عن منطق اللاّحي

دِنْ بالصِّبا شَرْعا

ونزّه السمْعا

وقول أبي ريشة([14][14]):

):

وحسب قواعد الرقمي المتعلقة بالفاصلة ( 4 3 4 – وعدم وجود 2 3) فإن الوزن 4 3 4 يمكن أن يأتي ((4)3 4 = 1 3 3 4

وعليه النظم

أرأيتَ ما جاءَ (ا) قحطاً وأنواءَ (ا)

((4) 3 4 4 3 4

فاللهَ نسألُهُ من فضلهِ الماءَ (ا)

4 3 ((4) 4 3 4

وممن تحدث عن هذا الوزن أيضاً؛ سليمان أبو ستة في دراسته القيّمة عن العروض، حيث تابع نازكاً الملائكة في تسميته "الموفور"، مشيراً إلى ذِكْر الجوهري والقرطاجني له، وإلى قصّة انبعاثه مرةً أخرى على يد نازك. كما أشار إلى إمكانية وروده على الضرب (فالن /ه/ه) دون أن يضع له المثال، وإلى إمكانية وروده على الضرب (فاعِلانْ)، مستشهداً بقول محمود درويش([15][15]):

أمامَها ، احترقتْ كالمساءْ

الطفلة احترَقَتْ أمّها

منبّهاً إلى سَبْق درويش لنازك الملائكة بالنظم على هذا الوزن، حيث صدر ديوانه " أحبّك أو لا أحبّك" عام (1972م)، أي قبل رسالة نازك إلى د.بدوي بعام واحد.

وسنلاحظ لاحقاً أن لسيد قطب قصيدة موشحة على هذا الوزن تسبق قصيدة نازك بما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً، حيث يعود نشرها إلى عام (1937م). بل لقد وجَدْتُ قصيدةً لعبد الباقي العمري(ـ1278هـ)، سبقت هؤلاء جميعاً، إذ يزيد عمرها على مئة وأربعين عاماً، خلطت بين المخلّع واللاحق. بل وجدت موشحة على وزن اللاحق لابن سناء الملك (608هـ

لا أدري كيف يكون الخلط بين

4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن

و 4 3 2 3 3 2 = مستفعلن فاعلن فعولن

إنني وإن كنت أرى أن كليهما من أصل واحد هو مجزوء البسيط إلا أن أحكام القافية تحول دون اجتماعهما في عجز قصيدة واحدة، لأهمية الضرب، فهل تراهما يجتمعان في الصدر ؟ ليت الأخ الكريم يفيدنا حول هذا في القصيدة. ولنجرب مدىانسجامهما في قصيدة واحدة إن وردا في الصدر مع اختلاف العروض ولكنه أقل أهمية من الضرب ولو بقليل

لمحمد بن أحمد المسناوي:

يا رب صبرا على مسيءٍ (4 3 2 3 3 2 ) قدساقه القوم للمقابرْ

قد جاء فردا بغير زادٍ (4 3 2 3 3 2 ) وخلّف الأهل والعشائرْ

أتراه يستساغ لو كان

يا رب صبرا على مسيءٍ (4 3 2 3 3 2) قدساقه القوم للمقابرْ

قد جاء فرداً بلا عاضدٍ (4 3 2 3 2 3) وخلّف الأهل والعشائر

لا أظنه يستساغ.

ولكني أجد مستساغا من وجه انتمائه للمنسرح القول

يا رب صبرا على مسيءٍ قدساقه القوم للمقابرْ

الصدر = مستفعلن مفعلاتُ مستف(4 3 2 3 3 2)

قد جاء وحدهُ دون عونٍ وخلّف الأهل والعشائر

الصدر = مستفعلن معولاتُ مستفْ = 4 3 3 2 3 2

وأخرى لابن خاتمة الأندلسي (ـ770هـ)، غير مستبعدين طبعاً أن يكون هنالك آخرون كتبوا على هذا الوزن قبل ذلك أو بعده.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الوزن كثيراً ما يتداخل مع بعض شطور البحر المتقارب المثلومة (أي التي سقط منها المتحرك الأول من الشطر) ليبقى منها (عولن فعولن فعولن فعو) والذي يساوي مقطعياًوزن اللاحق.

ولكنه يختلف عنه في الألوان وبالتالي أحكام الزحاف

مستفعلن فاعلن فاعلن = 2 2 3 2 3 2 3

عولن فعولن فعولن فعو = 2 2 3 2 3 2 3

لاحظ أن آخر 2 في شطر المتقارب سوداء الأمر الذي يعني عدم جواز زحافها وهو ما يسميه ابن عبد ربه (الضرب المحذوف المعتمد) وهذا يزيد من ثقتي بنتيجة توصلت إليها بأن كل شطر ينتهي ب 313 فإنما هي 313 = 3((4) التي تعادل مفاعلَتن من حيث أحكامها إلا ما كان من شروط العروض والضرب من حيث الإضمار وعدمه، وبالتالي فإن صدر البسيط هو 4 3 2 3 4 3 1 3 وليس 4 3 2 3 4 3 1 3

وهذا بدوره يطرح السؤال عن مجيء منطقة ضرب المتدارك (لا الخبب ) على 3 1 3 ويغلب على ظني أن ضرب المتدارك = 2 3

فمثلاً يقول امرؤ القيس([16][16]):

ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي([17][17]):

كفّاهُ لَمْ تُخْلَقا للندى ولَمْ يَكُ لُؤْمُهُما بِدْعَهْ

/ه /ه //ه /ه //ه /ه //ه //ه / //ه / //ه /ه /ه

مستفعلن فاعلن فاعلن فعولُ فعولُ فعولن فعْ

2 2 3 – 2 3 – 2 3 - ............3 1 – 3 1 – 3 2 – 2

ولنا أن نقسمه كالتالي من قبيل الاستطلاع

2 2 3 – 2 3 – 2 3 ..........3 1 1 – 2 1 1 – 2 2 2

= مستفعلن فاعلن مستفعلن – مستفعلُن فاعلُن - مستفعلْنْ

ويقول الأخطل([18][18]):

ومثل ذلك كثير([19][19]).

قوالب البحر

وهي مجموع صور البحر المستعملة، والافتراضية، مرتبة ترتيباً تنازلياً منطقياً، يتدرج من التامّات إلى المشطورات. نعرضها مجموعةً، ثم نُفرد كلاًّ منها مع شواهده وأمثلته.

ملاحظات البحر ([20][20]):

1- يجوز أن تتحول (مستفعلن) إلى (متفعلن) أو (مستعلن) .

2- ويجوز أن تتحول (فاعلن) إلى (فعِلن) .

3- ويجوز في الضرب (فاعلاتن) و(فاعلانْ) أن يصيرا إلى (فعِلاتن)

و(فعِلانْ) على التوالي.

قالب افتراضي، وضعته قياساً، ولم أجد له ـ حتى الآن ـ أية شواهد صحيحة. ولكنْ في موشحةٍ لابن باجة الأندلسي، على المنسرح: (مستفعلن مفعولاتُ مفعولن)، شذّ شطران، فجاءا على: (مستفعلنمَفْعُلاتُ فَعولن)، وهذا يساوي: (مستفعلن فاعلن فعِلاتن)، ويمكن بالتالي استخدامُهُما هنا للاستشهاد، يقول ابن باجة ([21][21]):

ونظراً للتصريع؛ فهما مضافان للمشطورات.

كما يمكن أن نضيفَ هنا بعض ما يستشهدون به على (الثلْم) في المتقارب، كقوله([22][22]):

وضعته قياساً كذلك، ولم أجد له شاهده الكامل حتى الآن، إلاّ أنّ عبد الصاحب المختار استعمله مقلوباً، وهو عنده من المجتث كما ذكرنا! يقول المختار([23][23]):

ومنه أيضاً قول محمود درويش السابق([24][24]):

أمامَها .. احترقت كالمساءْ

الطفلةُ احترقت أمُّها

وهو القالب الرئيسي للبحر ، وعليه معظم الأمثلة. يقول أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحنّاط الكفيف (ـ437هـ)([25][25]) :

ومن المعاصرين ، تقول نازك الملائكة ([26][26]) :

ومِنْ ردّ د.عبده بدوي عليها ([27][27]):

وممّن استجاب لدعوة د.بدوي للكتابة عليه؛ علي الصياد، فقال([28][28]):

وقال نور الدين صمود([29][29]) :

وقد وجدتُ قصيدةً قديمةً لعبد الباقي العمري (ـ1278هـ)، جاءت صدورها على البحر المخلّع، وأعجازها على البحر اللاحق ، يقول فيها([30][30]):

* * *

ويلاحظ على بعض هذه القصائد، محاولة شعرائها تطويعَ هذا الوزن بشيءٍ من القسْر، حيث تميل شطورها إلى اتخاذ الشكل العروضي للتفاعيل، فكأن الشاعر ينظم قصيدته على التفعيلة، لا على الشطر .ويُلحظُ هذا في مثل قوله:

وهو قالب افتراضي أيضاً، وضعتُه قياساً. ويمكن الحصول عليه بالوقوف على نهايات الأبيات السابقة، كقولنا:

ومما أورده الحنفي؛ الأبيات المفردة التالية([32][32]):

كان لَهُ مثْلُهُ مالُ

ليت الذي كان ذا أدَبٍ

وقوله :

والجَوْرُ قد باتَ منصورا

فالعدْلُ قد باتَ مندَحِراً

وقوله :

ما فيهُمُ صادِقُ الصُّحْبَهْ

إنّ الأُلى اشتقْتَ صُحْبَتَهمْ

إن العروض والضرب في هذه الأبيات يجريان مجراهما في البسيط

2 2 3 2 3 1 3 .....................2 2 3 2 3 2 2

= 4 3 2 3 ((4)..................4 3 2 3 4

ولكن كما قال د. خلوف لا يلتزم زحاف العروض

فلو قال:

ما فيهُمُ صادِقُ الصُّحْبَهْ

إنّ الأُلى تشتاق صُحْبَتَهمْ

لكان أيضا سلسا وهذا أشبه بما في السريع مع التنبيه على التزام عروض بعينه في السريع هو 2 3 وعدم تجاوره في ذات القصيدة مع 1 3

معتبراً أعاريضها على (فعِلن)، وهو زحافٌ جائز، غير ملتزم.

ويلاحظ أن الشطر الثاني هنا يساوي: (مستفعلن فاعليّاتن)، أي بزيادة سبب خفيف واحد على البحر المجتث. ولذلك نرى أن الكتابة على مثل هذا الضرب فقط يُدخله في زمرة المجتث، ما لم تكن عروض القصيدة على (فاعلن)([33][33]).

مستفعلن فاعلن فاعلاتن

5-

وهو ذات الضرب الافتراضي الأول، مشطوراً، وضعته قياساً، وليس له ـ حتى الآن ـ أية شواهد صحيحة. ولكن يمكننا هنا استخدامُ الشطرين التاليين للاستشهاد، يقول ابن باجة ([34][34]):

شهادتي أنْ أموتَ عليْهِ

تَشَوَّفَتْ ورْدَتانِ إليْهِ

3 3 2 3 1 3 2 هنا بعد الأوثق وزن خببي 231=(2)22تك 222 فيصح فيه التكافؤ ويستساغ، قوله لو قال:

شهادتي أن أموت اليوما = 3 3 2 3 2 2 2

حتى اللقا سوف أصبر دوما = 4 3 2 3 (2) 2 2

مستفعلن فاعلن فاعلانْ

6-

وقد استخدم ابن خاتمة الأندلسي هذا الضرب إلى جانب وزن المجتث في شطور إحدى موشحاته، ومنها قوله([35][35]):

وعلى ذات الضرب، وجدت قصيدة لسيد قطب، نشرها في مارس 1937، في مجلة المقتطف المصرية (ج3، م9، ص323)، يقول فيها([36][36]):

ولعل سيد قطب قد اطلع على موشحة ابن خاتمة كما نظن .

ومما جاء على هذا الضرب؛ قول محمود درويش من قصيدته السابقة ([37][37]):

مستفعلن فاعلن فاعلن

7-

يقول ابن سناء الملك وقد التزم البديل الضرب (فعِلن) من باب لزوم ما لا يلزم([38][38]):

ومثلها ما جاء في ديوان محمد مصطفى حمام([41][41]):

وزيادةً في التمثيل، وتوضيحاً لإمكانيات هذا الوزن، نورد هنا بعضاً من موشحةٍ لابن اللبانه، كتبها أصلاً على مجزوء البسيط (مستفعلن فاعلن مستعِلن). وبتقييد قافيتها تصبح على وزن اللاحق؛ (مستفعلن فاعلن فاعلن). يقول ابن اللبانه([42][42]):

ونقلَ الحنفي بيتاً ـ على هذا الوزن ـ استشهد به الصبّان ـ في شرحه لمنظومته ـ على المضارع المخزوم!!، بينما استشهد به البنتيتي ـ في شرحه كتاب الكافي ـ على المقتضب المخزوم أيضاً!! في حين اعتبره الحنفي نفسه من البحر المنسرح!! يقول فيه([43][43]):

أورثَني حبُّكَ السّقَما

صرْتُ لهذا الورى عَلَما

ومما استشهد به الحنفي للمنسرح أيضاً :

عجبتُ ما أقربَ الأجَلا

منّا ، وما أبعَدَ الأمَلا

وهي ـ دون تمحّل ـ على وزن اللاحق؛ وقد جاء الضرب فيها على (فعِلن) كما هو واضح.

ومما جاء على وزن اللاحق من شعر التفعيلة قول محمود درويش([44][44]):

([1][1]) منهاج البلغاء ص256 .

([1][2]) ولعل من مثل ذلك تسمية البحر (المتدارك) من البحور.

([1][3]) عروض الورقة ص 29 .

([1][4]) المنهاج ص235-241. وقد توهم د.الطويل أن القرطاجنّي في قوله: "هذا البناء" كان يقصد مخلع البسيط، وذلك على الرغم من تجاوزه الحديث عن المخلع بفقرتين! (في عروض الشعر ص139). بينما توهّم د.جابر عصفور أن القرطاجني قد تحدث عن هذا الوزن "في ثنايا الحديث عن وزن الخفيف"! (مفهوم الشعر ص373).

([1][5]) مجلة الفيصل (215) ، ص 55 .

([1][6]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص 7-8 .

([1][7]) مجلة الشعر (8)، 1977م، ص 154 .

([1][8]) مجلة الفيصل (215)، ص55. وقد شكك د.الطويل في مصداقية هذه الدعوى (في عروض الشعر ص138).

([1][9]) العروض ص 175 .

([1][10]) العروض ص 472 .

([1][11]) دائرة الوحدة 58 ، 174 .

([1][12]) مدخل رياضي ص 48 .

([1][13]) دار الطراز ص 63 .

([1][14]) ديوانه 1/193 .

([1][15]) في نظرية العروض العربي 95-98. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا البيت لدرويش عبارة عن سطرين من قصيدة تفعيلية، تسير على إيقاع اللاحق عموماُ، نذكرها لاحقاً.

([1][16]) ديوانه ص 128 .

([1][17]) عيون الأخبار، لابن قتيبة 2/42 .

([1][18]) ديوانه 2/567 .

([1][19]) انظر كتاب الاختيارين للأخفش الأصغر، ص253 .

([1][20]) يلاحظ أنه ليس لهذا البحر أية مجزوءات، لأن جَزْءَه يُعيده إلى حظيرة المجتث، كما أننا لم ندرج الشكل (مستفعلن فاعلن فعْلن) في المشطورات؛ لأنه يندرج في دائرة المجتث أيضاً: (مستفعلن فاعلياتن).

([1][21]) ديوان الموشحات لغازي 1/439.

([1][22]) العروض لابن جني، ص152. وانظر البارع لابن القطاع، ص205.

([1][23]) دائرة الوحدة، ص58-59. وهو عنده من المجتث كما ذكرنا !.

([1][24]) ديوانه 1/440.

([1][25]) الذخيرة لابن بسام، ق1، مج1، ص441.

([1][26]) را.ديوانها للصلاة والثورة، ص193.

([1][27]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص8 . قال: "ولمّا كان هذا البحر غير مستعمل في الشعر العربي فقد دعوتُ للكتابة عليه".

([1][28]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص8.

([1][29]) مجلة الشعر (8)، أكتوبر/1977م، ص154. وقال (الحاشية): القصيدة على وزن جديد!!

([1][30]) ديوانه: الترياق الفاروقي ص275.

([1][31]) ومثل ذلك وجدت للدكتور عبد المنعم خفاجي بيتان، خانه وزنهما، فجاء أولهما على البحر

اللاحق، وجاء الآخر على المديد دون أن يدري! يقول فيهما:

آلامُها لي وأحزانُها

ومنَ القصّةِ عنوانُها

هيَ الحياةُ وأشجانُها

أنا منها قصّةٌ ضخمةٌ

([1][32]) العروض، ص 175. وهي عنده من البسيط!!.

([1][33]) يشبه ذلك ما في صورة البحر السريع:

مستفعلن مستفعلن فعْلن

مستفعلن مستفعلن فاعلن

والتي يختلط شطرها الثاني مع الرجز. ومثلهما كذلك صورة البحر المديد:

فاعلاتن فاعلن فعْلن

فاعلاتن فاعلن فاعلن

حيث يتداخل شطرها الثاني مع الرمل: (فاعلاتن فاعلياتن). (انظر بحثنا: التداخل الإيقاعي في أوزان الشعر العربي، مجلة الفيصل، ع263، ص38.

([1][34]) ديوان الموشحات 1/439 .

([1][35]) ديوانه ص175. وقال المحقق: "وهو موشح غير شعري"!! واعتبره د.سيد غازي من المجتث بتفعيلٍ غريب: (مستفعلن فاعلاتن فعولْ)!! ديوان الموشحات 2/475.

([1][36]) ديوانه ص66. ولم يستطع محقق الديوان ضبط هذا الوزن.

([1][37]) ديوانه 1/440.

([1][38]) المستطرف ص 449 .

([1][39]) في الأصل : يا أهيفٌ !

([1][40]) في الأصل : ( تَحَيَّرَ )؛ وبها يختل الوزن .

([1][41]) ديوانه ص27. كذا ضبطَها محقق الديوان، والأغلب أنها مقيدة القافية، بدليل المقطع الثاني من القصيدة، فتكون حينئذ من المخلّع ( مستفعلن فاعِلاتُ فعْ )، وليست من اللاحق.

([1][42]) انظر المُغرِب في حُلى المغرب، لابن سعيد 2/414 .

([1][43]) العروض ص 473 ، 475.

([1][44]) ديوانه 1/440.

البحرُ اللاّحق

http://www.arabic-prosody.150m.com/lahiq.htm

الدكتور عمر خلوف ذو رؤية عروضية موسوعية، تعلمت منه الكثير، وهو ذو بصيرة ربما تساوى إزاءها استعماله للأرقام أو التفاعيل أو عدم استعماله، وهذه فرصة للنهل من رؤيته وعلمه من خلال هذا الفصل الشيق من كتابه من حهة حيث نقلته كما هو من موقع الأخ سليمان أبو ستة. ولتقريب العروض الرقمي لمن لم يألف أصوله بقرنه بالتفاعيل على ما بينهما من اختلاف في طبيعة النظرة لحدود التفاعيل وخاصة في منطقة الضرب من جهة ثانية، وللتريض العروضي من جهة ثالثة.

سأستعمل لمداخلتي هذا الخط وهذا اللون إلا حيث أحتاج لتلوين الأرقام بغرض تبيان طبيعة وزن ما حيث السبب أزرق والوتد أحمر

وزنٌ شعريٌّ مستحدث، لم يذكرْهُ الخليل بن أحمد (ـ175هـ)، لا في بحوره المستعملة، ولا في بحوره المهملة. بل ليس له في دوائر الخليل العروضية مكان. يتميز بإيقاعٍ موسيقيٍّ خفيف، يكاد أن يصلَ به إلى مصافّ البحر السريع أو البحر المخلّع ..

وقد وجدت له عدداً من الصور المستعملة، ووضعت له عدداً آخرَ من الصور الافتراضية التي يمكن أن تندرجَ تحته، مما يعطيه حقَّ التفرُّدِ والاستقلال، بحراً قائماً بذاته، اصطلحتُ على تسميته (بالبحر اللاّحق)، اسماً كان القرطاجني قد أطلقه على (المخلّع)([1][1])، فآثرْتُ استخدامَه هنا، إذ لا يخفى ما يحمله هذا الاسم من معنى إلحاقِ جديدٍ بقديم([2][2]). وقد وضعتُ له مفتاحَه الخاص به، ضبْطاً لوزنه، وتيسيراً لحفظه، فقلت :

مستفعلن فاعلن فاعِلُ

ولاحِقٍ حَقُّهُ ماثِلُ

مشيراً في ذات الوقت إلى اسمه، وحقّه، ووزنه.

وكان الجوهري (ـ393هـ) الذي جاء بعد قرنين من عصر الخليل، قد ذكَرَ هذا الوزن عَرَضاً، عندما جعله صورةً مستحدثةً من مخلّع البسيط:(مستفعلن فاعلن مفعولن)! وذلك بقوله عن المخلع: "ولَم يجِئْ طَيُّهُ عن العرب، وقد طَواه المُحْدَثون، وبيته:

يامَنْ يلومُ فَتىً عاشِقاً . .لُمْتَ ، فلومُكَ لي أعْشَقُ"([3][3])

وطيُّهُ يعني: حذف رابعِه الساكن، وهو الواو من (مفعولن) فيبقى (مَفْعُلُن = فاعلن).

ولعلنا نستشف من قوله: "وقد طواه المحدثون" أنه كان مستخدماً في زمانه، ولو على نطاق ضيق، إذ لا يمكن لمثل هذا البيت أن يردَ ضمن أبياتٍ كُتِبَتْ على المخلّع!

أراني أميل إلى هذا الرأي فنفس المنطق الذي يجيز في مستفعلن = 2 2 3 المقطوعة على 222

الخبن لتصبح 1 2 2 = 3 2 = مُستَفْعلْ

يفترض أن يجيز فيه الطي لتصبح 2 1 2 = 2 3 = مُسْتَفعِلْ

وأذكر هنا بتحول منطقة الضرب إلى مستفعلْ عن طريق التكافؤ الخببي لِ مستعلن = 2 1 3 = 2(2)2 تك (2) 2 2 = 11 2 2 = 1 3 2 وهذا بدوره يطرح وزنا نظريا جديدا لمجزوء البسيط = 4 3 2 3 1 3 2 = مستفعلن فاعلن مُسَتَفْعِلْ وعليه النظم

يا أيها القلبُ في خفقانِهْ هوّنْ عليك الهموم بشانِهْ

4 3 2 3 1 3 2 4 3 2 3 1 3 2

إن كان لمّا يزلْ بكَ صبّاً فلن يواليكَ طعْنُ سِنانِهْ

4 3 2 3 1 3 2 3 3 2 3 1 3 2

فلترْجُ لثما يكونُ قريباً لا العضّ يأتيكَ من أسنانِهْ

وليس في المطلع تصريع بل تقفية، أي ليس أي من الشطرين - ولا ترفيل لصدر- بمرفل وبلغة الرقمي لم تضف +2 إلى أي من الشطرين.

ولم يرِدْ لهذا الوزن ذكْرٌ آخر في كُتُب العروض إلاّ بعد ثلاثة قرون من عصر الجوهري، وذلك عندما نصَّ حازم القرطاجنّي (ـ684هـ) في حديثه عن طرق بناء الأوزان من التفاعيل السباعية المتغايرة، على أن أشطارَها تُبنى دائماً من ثلاثة تفاعيل؛ مثماثلتين ومفردة، فتحدّث أولاً عن تقدّم المتماثلتين وتأخّر المفردة، كما في البحر السريع، الذي يساوي عنده:

مستفعلن مستفعلن فاعلاتن

ثم تحدّث عن توسّط المفردة بين متماثلتين، كما في البحر الخفيف:

فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

ثم أنكر البناء الذي تتقدّم فيه المفردة على المتماثلتين استثقالاً. قائلاً: "وقد وَضَع بعض الشعراء الأندلسيين على هذا البناء [أي بتقديم المفردة على المتماثلتين] وزناً، إلاّ أنه جعلَ الجزأين المزدوجين خماسيين فراراً من الثقل ... وذلك قوله :

لَمّا دَرى أنّني هائِمُ

أقصَرَ عن لومِيَ اللائِمُ

تقديرُ شطره: (مستفعلن فاعلن فاعلن)"([4][4]). دون أن يضع له اسماً، ولا ردَّه إلى أيٍّ من الأوزان الخليلية المعروفة .

ومع أن هذا الوزن قد ورد أيضاً في بعض الموشحات ـ كما سنرى ـ إلاّ أن كُتُبَ العروض جميعها ـ شأنها مع كل جديد ـ قد أعرضت تماماً عن محاولة تقييده وتقعيده، أو حتى مجرّد ذكره، سبعةَ قرونٍ أخرى، عندما ادّعت نازك الملائكة في رسالةٍ إلى د.عبده بدوي (عام 1973م) أنها أوّل مَنْ كتَبَ عليه شعراً، وأنه "وزنٌ غير مستعمل في الشعر العربي"! سمّته "الموفور"([5][5]). وقد تابعها د.بدوي على ذلك، فكتب عليه أولاً، ثمّ دعا إلى الكتابة عليه ثانياً، فاستجاب لدعوته علي الصياد([6][6])، ونور الدين صمود([7][7])، الذي أكّد على أنه ـ كنازك وبدوي ـ لم يطّلع قبل ذلك على شيءٍ مكتوبٍ على هذا الوزن([8][8])! وذلك على الرغم من صدور الطبعة الأولى من منهاج البلغاء للقرطاجني عام 1966م!

هذا وقد حاولَ بعض المعاصرين أن يُلحِقَ هذا الوزنَ ـ خَطَلاً ـ ببعض بحور الشعر العربي، فألصقَ جلال الحنفي بعضَ صوره بالبحر البسيط مقدّراً تفعيلَها هكذا([9][9]):

مستفعلن فاعلن فعْلُن

مستفعلن فاعلن فعِلُن

وبعضَها بالبحر المنسرح مقدّراً تفعيلَها هكذا([10][10]):

مستفعلن مَفْعُلاتُ فَعَلْ

مستفعلن مَفْعُلاتُ فَعَلْ

وواضح أنّ الوزنين متطابقان، ومتوافقان مع وزن اللاحق.

هنا عدة نقاط

ثمة وزنان

1- مستفعلن فاعلن فاعِلُنْ = 4 3 2 3 2 3 ومنطقة الضرب هنا = 2 3

2- مستفعلن فاعلن فَعِلُنْ = 4 3 2 3 1 3 ومنطقة الضرب فيه = 3 1 3

فهل هما من بحر واحد ؟

إن افتراض حصول فَعلن من مستفعلن يفترض المرور بالخطوات التالية

أصل الوزن = 4 3 2 3 2 2 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن

1- بالقطع = 4 3 2 3 2 2 2 = مستفعلن فاعلن مستفعل

2- بالطي = 4 3 2 3 2 1 2 =4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن (مستلن)

3- بالخبن = 4 3 2 3 1 1 2 = 4 3 2 3 1 3 = مستفعلن فاعلن مستفعلن ( مُتَلُنْ )

فهل 4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن و 4 3 2 3 1 3 = مستفعلن فَاعِلُن فَعِلُنْ من وزن واحد؟

أرى أن نكهة الوزن تختلف عندما ننقل منطقة الضرب فيه من 2 3 إلى 313

ثم إن القول بهذا ينبغي أن يجوز معه أن يجيء الوزن على

مستفعلن فَعِلُن فَعِلُنْ = 4 3 1 3 1 3 وعليه

قد جاء في لجِبٍ عرِمِ يجتاج كلّ ذوي الهممَِ

وهنا يبتعد الوزن كثيرا بهذا التخاب في آخر الشطر بعد الأوثق 4 3 (2) 2 (2) 2

وهنا يطرح سؤال نفسه ما الوزن الذي يمكننا أن نرد 4 3 2 3 1 3 إليه إن لم يكن أصله 4 3 2 3 2 3 ؟

لعل الرأي كما أورد المقال برده إلى المنسرح فيه حواب هذا

أي أن وزنه = مستفعلن مفعُلاتُ مُتَفْ = 4 3 2 3 1 3

ولهذا القول ما يبدو أنه له وما يبدو أنه عليه . أقول يبدو لأنه لا حسم في الأمر

ما يبدو أنه له :

يقتضي الرجوع بالبحر إلى المنسرح صحةَ الوزن مستفعلن معولاتُ مُتَفْ = 4 3 3 2 1 3 بل ومجيئه في بيت واحد مع مستفعلن مفعُلاتُ مُتَفْ = 4 3 2 3 1 3

وعلى هذا النظم

من كان في حبه دنِفا فليحتمل هوانا سَلَفا

4 3 2 3 1 3 4 3 3 2 1 3

وليبْقَ عمره منتظِراً يوما يوافيه من كَلِفا

4 3 3 2 1 3 4 3 2 3 1 3

هل تجاور الوزنين مستساغ ؟ وتبعا لذلك فهل ما تقدم لصالح التفسير ؟

ما يبدو أنه عليه :

قلت في موضوع ( مخلعان) : إن حمل المخلع على أصل المنسرح يجعل وزنه

مستفعلن مفعُلا تُمسْتَفْ = 4 3 2 3 3 2 منحازا في هذا إلى رأي الدكتور أحمد مستجير في اعتبار تُمسْ = 3 أي وتدا، وهذا يجعل جذف الميم غير جائز لتبرير وجود مُتَفْ في

مستفعلن مفعُلاتُ (مُتَفْ ) ، وما ذا نعتبر (تُ =1 ) إن أجزنا هذا على رأي مستجير وأظنه لا يجيزه.

ولكن أليس الأخذ برأي الخليل يعتبر الوزن مستفعلن مفعولاتُ مستفْ = 4 3 2 1 2 1 3

صحيحا ؟ فهل هذا الأمر عليه ؟

ولكني أرى طريقا ثالثا لعله يحل الإشكال وذلك باعتبار:

4 3 2 3 1 3 = 4 3 2 3 1 3

لاحظ أن آخر 3 1 3 = 3 (2) 2 = وتد + سبب ثقيل + سبب خفيف = مفاعلَتن

وعليه يكون الوزن مستفعلاتن مفاعلتن = 4 3 2 3 1 3

ومن مزايا هذا الوزن أنه يبين الأسباب والأوتاد بشكل واضح، ويبين بالتالي الزحافات الممكنة فيه بدون لبس، وهو كذلك يتوافق مع مجيء الوزن على

أ- 4 3 1 3 1 3 = مستفعلاتُ مفاعلَتن فقارنه مع الوزن الأساس للاحق

ب - 4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن

هذا يعني أن 4 3 1 3 2 2 تنتمي للصنف أ ولا ينتمي للصنف ب

وهذا بدوره يعيدنا إلى كل من الرجز السريع فلنا أن نعتبرهما بحرين من الكامل باستثناء صورتين مستقلتين لكل منهما ولكنهما متواشجتان

صورة الرجز 4 3 4 3 4 3 حسب الرقمي حالة من الكامل

وصورة السريع 4 3 4 3 1 3 = 4 3 4 3 ((4)حسب الرقمي صورة من الكامل

ولو افترضنا أصلا واحدا للسريع والرجز = 4 3 4 3 2 2 2 = مستفعلن فاعلن مستفعلْ أو مفعولا

فإن زحاف 2 2 2 يخرج الرقم 4 فيهما من الفاصلة فيختلفان عن الكامل

لتنفصل عن الكامل هذه الصورة من الرجز 4 3 4 3 1 2 2 = 4 3 4 3 3 2

ولتنفصل عنه كذلك هذه الصورة من السريع 4 3 4 3 2 1 2 = 4 3 4 3 2 3

وتكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين اللاحق المنتهي ب 2 3 في 4 3 2 3 2 3 والمخلع المنتهي ب 3 2 في 4 3 2 3 3 2 في افتراض صدورهما عن مجزوء البسيط 4 3 2 3 2 2 2

في حين جعله عبد الصاحب المختار من البحر المجتث أو أصْلاً له([11][11]).

وهو أبعد ما يكون عن البسيط أو المنسرح أو المجتث!!

وفي دراسته المتميزة لعلم العروض؛ أشار د.أحمد مستجير إليه وزناً مستقلاًّ، ولكنه نشأ عنده من تكرار التفعيلة (مفعولُ) أربع مرات في الشطر الواحد:

مفعولُ مفعولُ مفعولُ مفعولُ!

ممثّلاً له بقول شوقي متّصلاً هكذا:

زيادُ ما ذاقَ قيسٌ ولا هَمّا

طبخُ يدِ الأمِّ يا قيسُ ذُقْ مِمّا

الأمُّ يا قيسُ لا تطبُخِ السّمّا

ولذلك أطلق عليه اسم "بحر شوقي"([12][12])!!

وواضح تماماً أنَّ ما أشار إليه مستجير هو (بحرٌ مهمل) لم يَكتُبْ عليه أحدٌ. وهو وزنٌ لا ينطبق على وزن اللاحق مالم يُحذف من آخره سببان وجوباً، هكذا:

ـعولُ

/ه /ه

مفعولُ مفعولُ مفعولُ مَفْـ

/ه /ه //ه /ه //ه /ه //ه

مستفعلن فاعلن فاعلن

وليست أبيات شوقي إلاّ على الوزن الرجزي ـ منفصل الشطرين ـ:

مستفعلن فعْلن * مستفعلن فعْلن

أميل إلى قراءة الأبيات كما قرر الدكتور خلوف

زياد ما ذاقا قيسٌ ولا همّا

طبخ يد الأمِّ (ي) يا قيس ذق مما

الأمّ يا قيسُ (و) لا تطبخ السمّا

ولكن لو قرأناه متصلا فإن فيه انسجاما مع تعامل الدكتور أحمد مستجير بالنسبة لزيادة مقاطع في ما ينبني على نظريته من أوزان، بحيث يكون كما ذكر الدكتور خلوف مفعولُ مفعولُ مفعولُ مف (عولُ) = 4 3 2 3 2 3 2 1، إذ لا وجود للوتد المفروق عند د. مستجير.

وهذا متفق تماما من حيث الأسباب والأوتاد (الألوان) مع قول د. خلوف =مستفعلن فاعلن فاعلن

الذي أكثرَ منه الوشّاحون والمعاصرون، كما في قول الأعمى التطيلي([13][13]):

ما عشْتَ يا صاحِ

عن منطق اللاّحي

دِنْ بالصِّبا شَرْعا

ونزّه السمْعا

وقول أبي ريشة([14][14]):

):

وحسب قواعد الرقمي المتعلقة بالفاصلة ( 4 3 4 – وعدم وجود 2 3) فإن الوزن 4 3 4 يمكن أن يأتي ((4)3 4 = 1 3 3 4

وعليه النظم

أرأيتَ ما جاءَ (ا) قحطاً وأنواءَ (ا)

((4) 3 4 4 3 4

فاللهَ نسألُهُ من فضلهِ الماءَ (ا)

4 3 ((4) 4 3 4

وممن تحدث عن هذا الوزن أيضاً؛ سليمان أبو ستة في دراسته القيّمة عن العروض، حيث تابع نازكاً الملائكة في تسميته "الموفور"، مشيراً إلى ذِكْر الجوهري والقرطاجني له، وإلى قصّة انبعاثه مرةً أخرى على يد نازك. كما أشار إلى إمكانية وروده على الضرب (فالن /ه/ه) دون أن يضع له المثال، وإلى إمكانية وروده على الضرب (فاعِلانْ)، مستشهداً بقول محمود درويش([15][15]):

أمامَها ، احترقتْ كالمساءْ

الطفلة احترَقَتْ أمّها

منبّهاً إلى سَبْق درويش لنازك الملائكة بالنظم على هذا الوزن، حيث صدر ديوانه " أحبّك أو لا أحبّك" عام (1972م)، أي قبل رسالة نازك إلى د.بدوي بعام واحد.

وسنلاحظ لاحقاً أن لسيد قطب قصيدة موشحة على هذا الوزن تسبق قصيدة نازك بما يزيد على خمسة وثلاثين عاماً، حيث يعود نشرها إلى عام (1937م). بل لقد وجَدْتُ قصيدةً لعبد الباقي العمري(ـ1278هـ)، سبقت هؤلاء جميعاً، إذ يزيد عمرها على مئة وأربعين عاماً، خلطت بين المخلّع واللاحق. بل وجدت موشحة على وزن اللاحق لابن سناء الملك (608هـ

لا أدري كيف يكون الخلط بين

4 3 2 3 2 3 = مستفعلن فاعلن فاعلن

و 4 3 2 3 3 2 = مستفعلن فاعلن فعولن

إنني وإن كنت أرى أن كليهما من أصل واحد هو مجزوء البسيط إلا أن أحكام القافية تحول دون اجتماعهما في عجز قصيدة واحدة، لأهمية الضرب، فهل تراهما يجتمعان في الصدر ؟ ليت الأخ الكريم يفيدنا حول هذا في القصيدة. ولنجرب مدىانسجامهما في قصيدة واحدة إن وردا في الصدر مع اختلاف العروض ولكنه أقل أهمية من الضرب ولو بقليل

لمحمد بن أحمد المسناوي:

يا رب صبرا على مسيءٍ (4 3 2 3 3 2) قدساقه القوم للمقابرْ

قد جاء فردا بغير زادٍ (4 3 2 3 3 2) وخلّف الأهل والعشائرْ

أتراه يستساغ لو كان

يا رب صبرا على مسيءٍ (4 3 2 3 3 2) قدساقه القوم للمقابرْ

قد جاء فرداً بلا عاضدٍ (4 3 2 3 2 3) وخلّف الأهل والعشائر

لا أظنه يستساغ.

ولكني أجد مستساغا من وجه انتمائه للمنسرح القول

يا رب صبرا على مسيءٍ قدساقه القوم للمقابرْ

الصدر = مستفعلن مفعلاتُ مستف(4 3 2 3 3 2)

قد جاء وحدهُ دون عونٍ وخلّف الأهل والعشائر

الصدر = مستفعلن معولاتُ مستفْ = 4 3 3 2 3 2

وأخرى لابن خاتمة الأندلسي (ـ770هـ)، غير مستبعدين طبعاً أن يكون هنالك آخرون كتبوا على هذا الوزن قبل ذلك أو بعده.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الوزن كثيراً ما يتداخل مع بعض شطور البحر المتقارب المثلومة (أي التي سقط منها المتحرك الأول من الشطر) ليبقى منها (عولن فعولن فعولن فعو) والذي يساوي مقطعياًوزن اللاحق.

ولكنه يختلف عنه في الألوان وبالتالي أحكام الزحاف

مستفعلن فاعلن فاعلن = 2 2 3 2 3 2 3

عولن فعولن فعولن فعو = 2 2 3 2 3 2 3

لاحظ أن آخر 2 في شطر المتقارب سوداء الأمر الذي يعني عدم جواز زحافها وهو ما يسميه ابن عبد ربه (الضرب المحذوف المعتمد) وهذا يزيد من ثقتي بنتيجة توصلت إليها بأن كل شطر ينتهي ب 313 فإنما هي 313 = 3((4) التي تعادل مفاعلَتن من حيث أحكامها إلا ما كان من شروط العروض والضرب من حيث الإضمار وعدمه، وبالتالي فإن صدر البسيط هو 4 3 2 3 4 3 1 3 وليس 4 3 2 3 4 3 1 3

وهذا بدوره يطرح السؤال عن مجيء منطقة ضرب المتدارك (لا الخبب ) على 3 1 3 ويغلب على ظني أن ضرب المتدارك = 2 3

فمثلاً يقول امرؤ القيس([16][16]):

ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي([17][17]):

كفّاهُ لَمْ تُخْلَقا للندى ولَمْ يَكُ لُؤْمُهُما بِدْعَهْ

/ه /ه //ه /ه //ه /ه //ه //ه / //ه / //ه /ه /ه

مستفعلن فاعلن فاعلن فعولُ فعولُ فعولن فعْ

2 2 3 – 2 3 – 2 3 - ............3 1 – 3 1 – 3 2 – 2

ولنا أن نقسمه كالتالي من قبيل الاستطلاع

2 2 3 – 2 3 – 2 3 ..........3 1 1 – 2 1 1 – 2 2 2

= مستفعلن فاعلن مستفعلن – مستفعلُن فاعلُن - مستفعلْنْ

ويقول الأخطل([18][18]):

ومثل ذلك كثير([19][19]).

قوالب البحر

وهي مجموع صور البحر المستعملة، والافتراضية، مرتبة ترتيباً تنازلياً منطقياً، يتدرج من التامّات إلى المشطورات. نعرضها مجموعةً، ثم نُفرد كلاًّ منها مع شواهده وأمثلته.

ملاحظات البحر ([20][20]):

1- يجوز أن تتحول (مستفعلن) إلى (متفعلن) أو (مستعلن) .

2- ويجوز أن تتحول (فاعلن) إلى (فعِلن) .

3- ويجوز في الضرب (فاعلاتن) و(فاعلانْ) أن يصيرا إلى (فعِلاتن)

و(فعِلانْ) على التوالي.

قالب افتراضي، وضعته قياساً، ولم أجد له ـ حتى الآن ـ أية شواهد صحيحة. ولكنْ في موشحةٍ لابن باجة الأندلسي، على المنسرح: (مستفعلن مفعولاتُ مفعولن)، شذّ شطران، فجاءا على: (مستفعلنمَفْعُلاتُ فَعولن)، وهذا يساوي: (مستفعلن فاعلن فعِلاتن)، ويمكن بالتالي استخدامُهُما هنا للاستشهاد، يقول ابن باجة ([21][21]):

ونظراً للتصريع؛ فهما مضافان للمشطورات.

كما يمكن أن نضيفَ هنا بعض ما يستشهدون به على (الثلْم) في المتقارب، كقوله([22][22]):

وضعته قياساً كذلك، ولم أجد له شاهده الكامل حتى الآن، إلاّ أنّ عبد الصاحب المختار استعمله مقلوباً، وهو عنده من المجتث كما ذكرنا! يقول المختار([23][23]):

ومنه أيضاً قول محمود درويش السابق([24][24]):

أمامَها .. احترقت كالمساءْ

الطفلةُ احترقت أمُّها

وهو القالب الرئيسي للبحر ، وعليه معظم الأمثلة. يقول أبو عبد الله محمد بن سليمان بن الحنّاط الكفيف (ـ437هـ)([25][25]) :

ومن المعاصرين ، تقول نازك الملائكة ([26][26]) :

ومِنْ ردّ د.عبده بدوي عليها ([27][27]):

وممّن استجاب لدعوة د.بدوي للكتابة عليه؛ علي الصياد، فقال([28][28]):

وقال نور الدين صمود([29][29]) :

وقد وجدتُ قصيدةً قديمةً لعبد الباقي العمري (ـ1278هـ)، جاءت صدورها على البحر المخلّع، وأعجازها على البحر اللاحق ، يقول فيها([30][30]):

* * *

ويلاحظ على بعض هذه القصائد، محاولة شعرائها تطويعَ هذا الوزن بشيءٍ من القسْر، حيث تميل شطورها إلى اتخاذ الشكل العروضي للتفاعيل، فكأن الشاعر ينظم قصيدته على التفعيلة، لا على الشطر .ويُلحظُ هذا في مثل قوله:

وهو قالب افتراضي أيضاً، وضعتُه قياساً. ويمكن الحصول عليه بالوقوف على نهايات الأبيات السابقة، كقولنا:

ومما أورده الحنفي؛ الأبيات المفردة التالية([32][32]):

كان لَهُ مثْلُهُ مالُ

ليت الذي كان ذا أدَبٍ

وقوله :

والجَوْرُ قد باتَ منصورا

فالعدْلُ قد باتَ مندَحِراً

وقوله :

ما فيهُمُ صادِقُ الصُّحْبَهْ

إنّ الأُلى اشتقْتَ صُحْبَتَهمْ

إن العروض والضرب في هذه الأبيات يجريان مجراهما في البسيط

2 2 3 2 3 1 3 .....................2 2 3 2 3 2 2

= 4 3 2 3 ((4)..................4 3 2 3 4

ولكن كما قال د. خلوف لا يلتزم زحاف العروض

فلو قال:

ما فيهُمُ صادِقُ الصُّحْبَهْ

إنّ الأُلى تشتاق صُحْبَتَهمْ

لكان أيضا سلسا وهذا أشبه بما في السريع مع التنبيه على التزام عروض بعينه في السريع هو 2 3 وعدم تجاوره في ذات القصيدة مع 1 3

معتبراً أعاريضها على (فعِلن)، وهو زحافٌ جائز، غير ملتزم.

ويلاحظ أن الشطر الثاني هنا يساوي: (مستفعلن فاعليّاتن)، أي بزيادة سبب خفيف واحد على البحر المجتث. ولذلك نرى أن الكتابة على مثل هذا الضرب فقط يُدخله في زمرة المجتث، ما لم تكن عروض القصيدة على (فاعلن)([33][33]).

مستفعلن فاعلن فاعلاتن

5-

وهو ذات الضرب الافتراضي الأول، مشطوراً، وضعته قياساً، وليس له ـ حتى الآن ـ أية شواهد صحيحة. ولكن يمكننا هنا استخدامُ الشطرين التاليين للاستشهاد، يقول ابن باجة ([34][34]):

شهادتي أنْ أموتَ عليْهِ

تَشَوَّفَتْ ورْدَتانِ إليْهِ

3 3 2 3 1 3 2 هنا بعد الأوثق وزن خببي 231=(2)22تك 222 فيصح فيه التكافؤ ويستساغ، قوله لو قال:

شهادتي أن أموت اليوما = 3 3 2 3 2 2 2

حتى اللقا سوف أصبر دوما = 4 3 2 3 (2) 2 2

مستفعلن فاعلن فاعلانْ

6-

وقد استخدم ابن خاتمة الأندلسي هذا الضرب إلى جانب وزن المجتث في شطور إحدى موشحاته، ومنها قوله([35][35]):

وعلى ذات الضرب، وجدت قصيدة لسيد قطب، نشرها في مارس 1937، في مجلة المقتطف المصرية (ج3، م9، ص323)، يقول فيها([36][36]):

ولعل سيد قطب قد اطلع على موشحة ابن خاتمة كما نظن .

ومما جاء على هذا الضرب؛ قول محمود درويش من قصيدته السابقة ([37][37]):

مستفعلن فاعلن فاعلن

7-

يقول ابن سناء الملك وقد التزم البديل الضرب (فعِلن) من باب لزوم ما لا يلزم([38][38]):

ومثلها ما جاء في ديوان محمد مصطفى حمام([41][41]):

وزيادةً في التمثيل، وتوضيحاً لإمكانيات هذا الوزن، نورد هنا بعضاً من موشحةٍ لابن اللبانه، كتبها أصلاً على مجزوء البسيط (مستفعلن فاعلن مستعِلن). وبتقييد قافيتها تصبح على وزن اللاحق؛ (مستفعلن فاعلن فاعلن). يقول ابن اللبانه([42][42]):

ونقلَ الحنفي بيتاً ـ على هذا الوزن ـ استشهد به الصبّان ـ في شرحه لمنظومته ـ على المضارع المخزوم!!، بينما استشهد به البنتيتي ـ في شرحه كتاب الكافي ـ على المقتضب المخزوم أيضاً!! في حين اعتبره الحنفي نفسه من البحر المنسرح!! يقول فيه([43][43]):

أورثَني حبُّكَ السّقَما

صرْتُ لهذا الورى عَلَما

ومما استشهد به الحنفي للمنسرح أيضاً :

عجبتُ ما أقربَ الأجَلا

منّا ، وما أبعَدَ الأمَلا

وهي ـ دون تمحّل ـ على وزن اللاحق؛ وقد جاء الضرب فيها على (فعِلن) كما هو واضح.

ومما جاء على وزن اللاحق من شعر التفعيلة قول محمود درويش([44][44]):

([1][1]) منهاج البلغاء ص256 .

([1][2]) ولعل من مثل ذلك تسمية البحر (المتدارك) من البحور.

([1][3]) عروض الورقة ص 29 .

([1][4]) المنهاج ص235-241. وقد توهم د.الطويل أن القرطاجنّي في قوله: "هذا البناء" كان يقصد مخلع البسيط، وذلك على الرغم من تجاوزه الحديث عن المخلع بفقرتين! (في عروض الشعر ص139). بينما توهّم د.جابر عصفور أن القرطاجني قد تحدث عن هذا الوزن "في ثنايا الحديث عن وزن الخفيف"! (مفهوم الشعر ص373).

([1][5]) مجلة الفيصل (215) ، ص 55 .

([1][6]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص 7-8 .

([1][7]) مجلة الشعر (8)، 1977م، ص 154 .

([1][8]) مجلة الفيصل (215)، ص55. وقد شكك د.الطويل في مصداقية هذه الدعوى (في عروض الشعر ص138).

([1][9]) العروض ص 175 .

([1][10]) العروض ص 472 .

([1][11]) دائرة الوحدة 58 ، 174 .

([1][12]) مدخل رياضي ص 48 .

([1][13]) دار الطراز ص 63 .

([1][14]) ديوانه 1/193 .

([1][15]) في نظرية العروض العربي 95-98. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا البيت لدرويش عبارة عن سطرين من قصيدة تفعيلية، تسير على إيقاع اللاحق عموماُ، نذكرها لاحقاً.

([1][16]) ديوانه ص 128 .

([1][17]) عيون الأخبار، لابن قتيبة 2/42 .

([1][18]) ديوانه 2/567 .

([1][19]) انظر كتاب الاختيارين للأخفش الأصغر، ص253 .

([1][20]) يلاحظ أنه ليس لهذا البحر أية مجزوءات، لأن جَزْءَه يُعيده إلى حظيرة المجتث، كما أننا لم ندرج الشكل (مستفعلن فاعلن فعْلن) في المشطورات؛ لأنه يندرج في دائرة المجتث أيضاً: (مستفعلن فاعلياتن).

([1][21]) ديوان الموشحات لغازي 1/439.

([1][22]) العروض لابن جني، ص152. وانظر البارع لابن القطاع، ص205.

([1][23]) دائرة الوحدة، ص58-59. وهو عنده من المجتث كما ذكرنا !.

([1][24]) ديوانه 1/440.

([1][25]) الذخيرة لابن بسام، ق1، مج1، ص441.

([1][26]) را.ديوانها للصلاة والثورة، ص193.

([1][27]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص8 . قال: "ولمّا كان هذا البحر غير مستعمل في الشعر العربي فقد دعوتُ للكتابة عليه".

([1][28]) مجلة الشعر (5)، يناير/1977م، ص8.

([1][29]) مجلة الشعر (8)، أكتوبر/1977م، ص154. وقال (الحاشية): القصيدة على وزن جديد!!

([1][30]) ديوانه: الترياق الفاروقي ص275.

([1][31]) ومثل ذلك وجدت للدكتور عبد المنعم خفاجي بيتان، خانه وزنهما، فجاء أولهما على البحر

اللاحق، وجاء الآخر على المديد دون أن يدري! يقول فيهما:

آلامُها لي وأحزانُها

ومنَ القصّةِ عنوانُها

هيَ الحياةُ وأشجانُها

أنا منها قصّةٌ ضخمةٌ

([1][32]) العروض، ص 175. وهي عنده من البسيط!!.

([1][33]) يشبه ذلك ما في صورة البحر السريع:

مستفعلن مستفعلن فعْلن

مستفعلن مستفعلن فاعلن

والتي يختلط شطرها الثاني مع الرجز. ومثلهما كذلك صورة البحر المديد:

فاعلاتن فاعلن فعْلن

فاعلاتن فاعلن فاعلن

حيث يتداخل شطرها الثاني مع الرمل: (فاعلاتن فاعلياتن). (انظر بحثنا: التداخل الإيقاعي في أوزان الشعر العربي، مجلة الفيصل، ع263، ص38.

([1][34]) ديوان الموشحات 1/439 .

([1][35]) ديوانه ص175. وقال المحقق: "وهو موشح غير شعري"!! واعتبره د.سيد غازي من المجتث بتفعيلٍ غريب: (مستفعلن فاعلاتن فعولْ)!! ديوان الموشحات 2/475.

([1][36]) ديوانه ص66. ولم يستطع محقق الديوان ضبط هذا الوزن.

([1][37]) ديوانه 1/440.

([1][38]) المستطرف ص 449 .

([1][39]) في الأصل : يا أهيفٌ !

([1][40]) في الأصل : ( تَحَيَّرَ )؛ وبها يختل الوزن .

([1][41]) ديوانه ص27. كذا ضبطَها محقق الديوان، والأغلب أنها مقيدة القافية، بدليل المقطع الثاني من القصيدة، فتكون حينئذ من المخلّع ( مستفعلن فاعِلاتُ فعْ )، وليست من اللاحق.

([1][42]) انظر المُغرِب في حُلى المغرب، لابن سعيد 2/414 .

([1][43]) العروض ص 473 ، 475.

([1][44]) ديوانه 1/440.

1
1