القافية 1-2 - تمارين

أولا - تعريف القافية

كنت قدمت القافية باستعمال الأرقام 1، 2، 3 ثم بدا لي أن ترميزها بالرقمين 1و2 فقط يجعلها أسهل، ثم قدم الشاعر شاكر الحارثي العروض بأسلوب ناجح، فقلت أقدم هذا بتقليد أسلوبه. وأبقيت القديم لمن اعتاد اعتاد عليه ولمن يريد المقارنة فلعل غيري يصل إلى أسلوب أنجح من هذا الذي أقدم به.

سيكون من حظ العروض والمهتمين به أن يعيد أخي شاكر طرح موضوع القافية رقميا بأسلوبه المميز فيجمع بذلك العروض والقافية معا في موقع يستفيد منه منتجعو موقعه.

القافية: هي المقاطع المعبرة عن ثبات الموسيقى في آخر البيت. وباعتبار أننا لا نستعمل إلا الرقمين 1و2 هي آخر ساكنين في البيت وما شملهما من الرقم 2 وما بين هذين من الرقم 1 أو 11 أو 111، وهي في كل الحالات تبدأ وتنتهي بالرقمين 2 إلا في حالة2 ه حيث يكون السكون منفردا آخر البيت. والقافية تشمل الروي وهو آخر حرف أصلي في الكلمة الأخيرة من البيت، ويتردد في كافة أبيات القصيدة.

ثانيا – تحديد القافية

لنأخذ أبيات ونحدد القافية في كل منها

1- يا ليلُ الصبُّ متى غدهُ أقيام الساعة موعده

نأخذ آخر العجز ونقطعه بحيث يشمل تقطيعنا على الأقل زوجين من الرقم 2

ساعةِ موعدُهو = سا ع تِ مَوْ عِ دُ هو = 2 1 1 2 1 1 2 المظلل هو القافية.

القافية هي آخر زوجين من الرقم 2 وما بينهما.أي ( موْ عِ دً هو = 2 1 1 2)

2- يا حبيبي كلّ شيءٍ بقضاءْ ما بأيدينا خلقنا تُعساءْ

هذه الحالة الوحيدة التي تقتصر على عدد واحد من الرقم 2 لأن الهمزة جاءت مستقلة

نا تُ عَ سا ءْ = 2 1 1 2 ه، فالقافية هي ( ساءْ = 2ه)

القافية - التمرين الأول

فيما يلي أزواج من الأبيات بين مقاطع وحروف القافية في كل منها

نثرت فريد مدامع لم تنُظَمِ والدمع يحمل بعض شجو المُغْرَمٍِ

ولهت فأظلم كلّ شيءٍ دونها وأنار منها كلّ شيءٍ مُظْلِمِ

أهمّ بشيءٍ والليالي كأنّها تطاردني عو كونه وأطاردُ

وحيدٌ من الخلان في كلّ بلدةٍ إذا عظم المطلوب قلّ المساعِدُ

يا يوم عرّج بل وراءك يا غدُ قد أجمعوا بَيْناً وأنت الموعدُ

ألِفوا الفراقَ كأنّه وطنٌ لهم لا يقربون إليه حتى يَبْعُدوا

لكل شيءٍ إذا ما تمّ نقصانُ فلا يُغَرَّ بطيب العيش إنسانُ

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرّه زمنٌ ساءءته أزمانُ

سأعرضُ عمّن راحَ عنّيَ معرضاً وأعلن سُلواني له وأُشيعُهُ

وأقسمت لا تجري دموعي على امرئٍ إذا كان لا تجري عليّ دموعُهُ

أهلا بدارٍ سباك أغيدها.....أبْعدُ ما بانَ عنك خُرَّدُها

ظلْتَ بها تنطوي على كَبِدٍ.....نضيجةٍ فوقَ خِلْبِها يدُها

مثال

نثرت فريد مدامع لم تنُظَمِ والدمع يحمل بعض شجو المُغْرَمٍِ

ولهت فأظلم كلّ شيءٍ دونها وأنار منها كلّ شيءٍ مُظْلِمِ

نأخذ آخر كل من البيتين ونضع المقاطع بدلالة 1و2 التي تحوي آخر ساكنين في البيت

شجو المغرمِ = شجْ ولْ مُغْ رَ مي

آخر ساكنين هما حرفا الغين والميم ، والقافية تتكون من آخر ساكنين وما يشملهما من الرقمين 2 وما بين هذين من الرقم 1 فالقافية إذن= مغْ رَ مي = 2 1 2

أنصح القارئ بمحاولة الحل أولا ثم مقارنته مع الحل أدناه

http://sites.google.com/site/alarood/qt1

ثالثا – أصناف القوافي

والآن إليك أصناف القوافي:

ولتسهيل تصنيف القوافي وضبطها نضع كل رقم في خانة. والقوافي كلها لا تتعدى مقاطعها (1و2) خمسة خانات تمثلها كلمة (جباره : جـ - ب – ا – ر – هـ )

وينطلق ترتبيها من وجود الروي دائما في الخانة (ر)

الخانة الملونة تحتوي عنصرا ثابتا

الجدول -1....أسماء القوافي ورموزها

القافية ثابتة عموما، ولكن هناك معالم لهذا الثبات تختلف من قافية لأخرى.

وإليك استعراض لبعض معالم القافية مبتدئين بالروي

أولا - ر = الروي وما يليه

الروي هو آخر حرف صحيح أصيل في آخر كلمة في البيت وإليه تنسب القصيدة، كالسين في قصيدة البحتري التي مطلعها

صنت نفسي عما يدنس نفسي ......... وترفعت عن جدا كلّ جبسِ

ونسبة إلى حرف الروي السين هذه سميت سينية البحتري

الروي دائما ثابت الحرف والحركة وكذلك كل ما يتلوه ثابت من حيث الحروف والحركات.

والحرف الذي يتصل مباشرة بالروي هو في الأغلب حرف مد أو ضمير الهاء ويسمى وصلا، وإن جاء بعد الهاء حرف مد سمي إطلاقا ويكون ذلك في الخانة (هـ).

أعلامُها : الروي الميم، والهاء تسمى وصلا، والألف إطلاقا

أعلاما ، الروي الميم، والألف وصل

يشبه ( يشبِهو) هنا الهاء هي الروي لأنها أصلية ( المجرد الثلاثي = شبهَ ) والواو وصل

ولو قلنا يشبَهُها لكانت الهاء الأولى رويا والثانية وصلا

كم أناسٍ أظهروا الزهد لنا فتجافوا عن حلالٍ وحرامِ

قـلّلوا الأكل وأبدَوا ورَعاً واجتهادا في صيامٍ وقيامِ

ثمَّ لـمّا أمكنتهم فـرصةٌ أكلوا أكل الحزانى في الظلام

أنظر إلى ثبات الميم هنا، وهي الروي والياء في اللفظ هي الوصل ( حرامي-قيامي –الظلامي)

ثانيا = 2 = 1آ حرف الألف الممدود

أنظر للأبيات السابقة ثمة ثابت آخر هو الألف الممدودة وهي أقوى ما يسبق الروي تأثيرا.

الجدول – 2..............2

(الرمز 1 = متحرك)، آ = حرف الألف الممدود

رمز القافية هنا يبين أن الثابت هو اللون الأزرق في مقطعيه وفصلنا الرقم 2 الأول بأنه =1آ أي متحرك يتلوه الحرف آ لنميزه عن المتحرك الأزرق الذي يتلوه حرف الواو أو الياء

فلا يصح مع الكلمات ( حرامي- قيامي – ظلامي ) أن تأتي كلمة (علومي) والقافية

فيها = لو مي = (2= 1يو) –(2=مي)

لأن الخانة أ فيها 2=1يو بينما هي في الكلمات الأخرى 2 =1آ

القاعدة : 2=1آ في الخانة أ ( قبل خانة الروي مباشرة) تلتزم دائما

والآن لنتأمل هذه الأبيات:

لعمري لقد أحسنت لي وجبرتني وإنّك للقلب الكبير لجابِرُ

وأوليتني ما لم أكن أستحقّه وإني لداع ما حييتُ وشاكرُ

وما ليَ لا أُثني بما أنت أهله وإنّي على حسن الثناء لقادرُ

الجدول - 3.............1*

الرقم 1ِ = حرفا متحركا حركته ثابتة في كل الأبيات وهي هنا الكسر.

والكسرة تحت الرقم 1 تدل على أنها ملتزمه، كما يمكننا التعبير عن التزام حركة الرقم 1 عموما بكتابته هكذا ( 1*)

2=1آ عندما تكون في الخانة ب تُلتَزم دائما كما تُلزِم المتحرك في الخانة أ بثبات حركته (1*).

والآن تأمل هذه الأبيات:

مَن الجآذرُ في زِيّ الأعاريب حمر الحلا والمطايا والجلابيبِ

إن كنت تسأل شكّاً في معارفها فمن بلاك بتسهيد وتعذيبِ

لا تجْزِني بضنىً بي بعدها بقرٌ تجزي دموعي مسكوبا بمسكوبِ

الجدول -4...................(يو = ياء أو واو)

هنا نلاحظ أن أول 2 عبارةعن متحرك تتلوه الياء تارة والواو تارة أخرى، ولهذا فإن الواو والياء يحل واحدهما محل الآخر في الخانة (أ) التي تسبق الروي مباشرة ونعبر عن هذه الحالة كالتالي 2 = 1يو أي متحرك تليه واو أو ياء

القاعدة : 2=1يو في الخانة د ( قبل خانة الروي مباشرة) تلتزم دائما

رأينا أن 2=1آ تلتزم في الخانة جـ فماذا عن 2= ايو عندما تأتي في الخانة جـ

تأمل الأبيات:

أفي كل دارٍ منكَ عينٌ ترقرقُ وقلبٌ على طول الترقرق يخفقُ

نعم قد تباكيْنا على الشَّعبِ ساعةً ومن دونه شعبٌ لليلى مُفَرّقُ

وقفتُ وأوقفتُ الجوىموقف الهوى لياليَ عودِ الدهرِ فينانُ مورِقُ

الجدول -5..................2و2و2

نلاحظ في الخانة ب أن 2 تأتي 2 تارة و2 = ايو تارة أخرى، أي أن 2 في الخانة ب لا تتبع لونا معينا يلتزم إلا إذا كان 2=1آ، ولكن 2=1يو في الخانة ب لا تلتزم بل هي قليلا ما تأتي في الشعر، ولكن قلتها لا تعني أنها خطأ في ورودها مع 2 في أبيات أخرى. كما أن المتحرك 1 الذي في الخانة د لا يلتزم حركة معينة إلا إذا كان الرقم 2=1آ في الخانةب.

وبعبارة أخرى:

في الخانة ب لا يُلتزَم أو يُلزِم المتحرك في الخانة أ بحركة ثابتة إلا 2=1آ.

أما 2=1يو أو 2 فلا تلتزمان إلا في الخانة أ

تأمل الأبيات

يا بَدْرُ إن رُمتَ به تشبُّها رمتَ الشّطَطْ

ودعهُ يا غصنَ النّقا ما أنت من ذاك النّمَطْ

يمرّ بي ملتفتاً فهل رأيت الظبيَ قطْ

الجدول -6.......2=1*ر

الخانة (ر) ثابتة عندما تكون 2 فإن حركة ما قبل الروي تكون ثابتة.أي 2=1*ر

وهذه القاعدة كما سيأتي معنا محل نظر وأوردتها استكمالا لما تذكره كتب العروض.

الجدول -7.........الالتزام والخانات

وهذا الجدول يحوي كلمات تمثل القافية وتبين ما يلتزم منها، وحرف الراء في كافة الكلمات يحل في الخانة (ر) هو الروي، كما أن الخانة (هـ) لا تضم إلا حرف الهاء الضمير وما يتبعه.

التظليل يدل على ثبات الروي حرفا وحركة والهاء وما يتلوها من حرف مد و ثبات المقطع 2 أو 2

وثبات حركة المتحرك 1*

الجدول -8 ...............أمثلة على القوافي

التمرين الثاني

كل مجموعة من المجموعات التالية من أربعة أبيات هي في الأصل ذات قافية واحدة ثم جرى تحريف بعضها بحيث صار كل بيتين ينتميان إلى صنف من القافية، والمطلوب تعيين أبيات كل صنف ورمزها

مثال:

شاقني بالعراق برق كليلٌ ......ودعاني للشام شوقٌ دخيلُ

كلّما قلت قد أرحت ركابي ......ذهبت بي عن الحقوق الفصالُ

ولوَ انّي رضيت مقسوم حظّي ......لكفاني من الكثير القليلُ

جمعةٌ تنقضي وشهر يوفّي .........عدَّ أيامه وحالٌ مُحالُ

نتخذ الخطوات التالية، والجدول هنا هو بغرض التفصيل ولا يحتاجه الواحد بعد مران.

المجموعات:

1-

أيامن زاد في تيهٍ وفي طيشٍ وفي كِبْرِ

ومن أصبح لا يلوي على زيدٍ ولا عمْرِو

أرى عنوان أشياءٍ غدت تدعو لتغييرِ

متى تصحو أذكّركَ وهذا بعضُ تنظيري

2-

لأجلكَ سعيي واجتهادي وخدمتي ويا ليتَ هذا كلّه فيك يثْمرُ

تبعت الذي يرضيك في كلّ حالةٍ فإن كنت لم تبصره فالله يبْصرُ

فماشئتَ من أمرٍ فسمعا وطاعةً فما ثمّ ما تحبّ المآثرُ

عليّ بأني لا أخلّ بخدمةٍ وأبذل مجوداً، فهل أنت صابرُ

3-

أياديك عندي لا يغِبّ سجامُها يجودُ إذا ضنّ الغمامُ غمامُها

وكم أوثر التخفيف عنك فلم أجد سواك لأيامٍ قليلٍ كريمُها

ولي فرسٌ أنت العليم بحالها وإنّي ضعفٍ بها لا ألومها

ولك يبقِ منها الجهدُ إلا بقيّةٌ فيغدو عليها أو يروح حمامها

4-

يا أيها الناكث في عهده قد علم الله من الخاسر

واأسفي اليومَ على صحبةٍ يتعب فيها القلبُ والخاطرُ

ظلمتني إذْ لم أجد ناصراً واحسرتي ما منصفٌ ينْصُرُ

ما تظهر القدرةُ من قادرٍ إلا إذا قابله أقْدرُ

حاول بنفسك قبل رؤية الحل

http://sites.google.com/site/alarood/qt2

رابعا: عيوب القافية ومصطلحاتها

فيما تقدم ما يكفي عن القافية وقد حاولت جهدي تخليصها من المصطلحات التقليدية واستعملت حيث لزم مصطلحات ذات مدلول مباشر مثل (آ) عن الألف و (ر) عن الروي وهكذا.

وفيما يلي عيوب القافية وأسماؤها بالمصطلحات الدارجة في علم العروض لتكون رابطا بين الطريقتين.

أغلب المادة والأمثلة من كتابَي ( القوافي ) تصنيف القاضي أبي يعلى عبد الله التنوخي و(أهدى سبيل إلى علمي الخليل) لمحمود مصطفى

1 –أي اختلاف حركة الروي المطلق (أي المتحرك) ورمزه =(ر **) ( ومصطلحه الإقواء)

مر معنا ضرورة ثبات خانة الراء حرفا وحركة ونرمز لثبات حركة الروي بالرمز (ر*) ، فإن اختلفت حركته رمزنا لذلك ( ر**)

للنابغة

أمن آل ميّةَ رائحٌ أم مغتدِ .......عجلان ذا زادٍ وغيرَ مزوّدِ (ي)

زعم البوارح أنّ رحلتنا غداً .....وبذاكَ خبّرنا الغرابُ الأسودُ (و)

قافية الأول = زَوْ ودي = 2 – 3 = ودي

قافية الثاني = أسْ ودو = 2 – 3 = ودو

وقلنا إختلاف الحركة لأن الواو والياء ناجمان عن إشباع حركتي الكسرة والضمة

2- إختلاف حرف الروي بحروف متقاربه (رويان متقاربان)

رر= رويان ، ق = قريب اللفظ ( فلنستعمل الرمز -ررق)

لابن مسعدة

ولمّا أصابتني من الدهر بنوةٌ .......شُغِلْتُ وألهى الناسَ عنّي شؤونُـها

إذا الفارغ المكفيُّ منهم دعوتُهُ......أبَرَّ وكانت دعوةً يستديـمُـها

قافية الأول = ءونُها ........ 2=1يو – 3 =نُـها

قافية الثاني = دي مُها .......2=1يو -3 = مُـها

اختلاف الروي بحروف متقاربة المخارج كالميم والنون ( ومصطلحه الإكفاء )

3- إختلاف حرف الروي بحروف متباعدة (رويان متباعدان)

رر= رويان ، ب= بعيد اللفظ ( فلنستعمل الرمز -ررب

(ومصطلحه الإجازة أو الإجارة)

إنّ بني الأبرد أخوال أبـي

وإنّ عندي إن ركبت مِسحلي

سَمٌّ ذراريحَ رِطابٍ وخشي (خشيٌّ خففت للضرورة)

إختلاف حروف الروي بحروف متباعدة المخارج كما بين الباء واللام والشين في الأبيات المتقدمة

4- البدل

يا قبّح الله بني السّعْلاتِ ......عمْرا وفانوساً شرار الناتِ

يريد الناس فغير الحرف الأخير ليناسب آخر الصدر ويسمى هذا البدل

هنا أبدل حرف الروي فاستعمل النات بدل الناس وهذا يسمى البدل

5- الإيطاء

نازعتْ ألبابُها لبّي بمختصَرٍ .....من الأحاديث حتى زدنه لينا

مثل اهتزاز ردينيٍّ تعاوره........أيدي التِّجار فزادوا متنه لينا

إعادة القافية في القصيدة الواحدة يسمى الإيطاء. وقالوا لا بأس من تكرار ذلك بعد سبعة أبيات. وتكرر الكلمة ذاتها بمعنيين

مختلفين لا يعد إيطاءً.كقول الشاعر

قامت تهادى طَفلةٌ جللت .......هودجها بالرّقم والعقْلِ (بمعنى الوشْي)

تفتن بالألحاظ أهل النهى ........وتستبي بالغنج ذا العقْلِ ( الحِجى)

قلت لها جودي لذي صبوةٍ ......أصبح للشِّقوة في عقْلِ ( عِقال)

أضحى وحبّيك له لازمٌ ........مطالِبٌ بالنّقد أو عقلي (حبس )

قالت بإعراضٍ عدمتَ الهوى ...هل لقتيل الحبِّ من عقلِ (ديَه)

وجمع المعرفة مع النكرة ليس إيطاءً

يا ربِّ سلّم سَدْوَهُنَّ الليلهْ

وليلةً أخرى وكلّ ليلَهْ

6- التضمين

وهو تعلق قافية البيت بصدر البيت الذي بعده كقول النابغة:

وهو وردوا الجفار على تميمٍ ...وهم أصحابُ يومِ عكاظَ إنّي

شهدتُ لهم مواردَ صادقاتٍ....شهدن لهم بصدق الودَّ مني

وأرى من التضمين ما هو مستساغ بل جميل كقول الشاعر:

كأنّ القلب ليلة قيل يُغدى ....بليلى العامريّةِ أو يُراحُ

قطاةٌ عزّها شرَكٌ فباتت ......تجاذبه وقد علق الجناحُ

7- باب السناد يتعلق بأمور كلها تسبق الروي

وكلها عدا واحدا تتعلق باختلاف لون الرقم 2 بادئ القافية ولك أن تسميه سناد 2/2 وأي اختلاف في الثوابت المبينة في الرموز يعد خللا في القافية ولا بأس هنا من التمثيل لأنواع هذا السناد لربطه بمصطلحات العروض لمن يهمه هذا. ورأيت أن أورد الأمثلة مع تقصي الخطأ بالرجوع إلى القواعد التي سبقت .

7-1

دعاني زهيرٌ تحت كلكل خالدٍ .فأقبلت أسعى كالعَجول أبادِر......(با دِرُو =212)

ُفشُلّت يميني يوم أضرب خالداً .....ويمنعه مني الحديدُ المُظاهَرُ........(ظا هَرو = 212)

القافية هنا فيها 2=1آ في الخانة ب

القاعدة ( 2=1آ في ب) يتبعها أن حركة المتحرك في أ ثابتة ، وهنا نلاحظ اختلافها فالدال عليها كسرة والهاء عليها فتحة وهنا نرمز للسناد بقاعدته والخطأ فيه فنقول عنه ( 2=1آفي ب//1**في أ)

فنورد القاعدة ثم نسمي الخطأ ( 1** يعني وجود حركتين مختلفتين على المتحرك ) ومصطلحه سناد الإشباع

7-2

فهمت الكتاب أبرّ الكتُبْ .....فسمعا لأمر أمير العرَبْ ( رلْ عَ ربْ = 212)

وما عاقني غير خوف الوشاةِ....وإن الوشاياتِ طرْق الكذِبْ ( قلْ كَ ذِبْ = 212)

وأُثني عليه بآلائه.........وأقربُ منه نأى أو قَرُبْ (أوْ قَ رُبْ =212)

2 في ر // 1**رْ = سناد التوجيه ( القاعدة مذكورة أولا ومن ثم 1**رْ إشارةً إلى وجود أكثر من حركة للحرف المتحرك السابق للروي المقيّد ( الساكن)

عرّف سناد التوجيه بأنه اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد.وبعضهم لم يره عيبا وأنا أميل إلى ذلك استئناسا بأبيات المتنبي المذكورة.

7-3

يا دار ميّةَ يا اسلمي ثم اسلمي (مسْ لَ مي = 2 1 2)

بسَمْسَمٍ أو عن يمين سمْسَمِ (سمْ سَ مي = 2 1 2)

فخندفٌ هامةُ هذا العالمِ (عا لَ مي = 2 1 2)

2=1آ في ب // (2/2) في قافية (عا ل مي) وهذه تستدعي الثبات في ذاتها وهي تخالف 2 التي في القافيتين قبلها

الألف في (1آ) في الخانة ب تدعى التأسيس، ويسمى هذا بسناد التأسيس.

7-4

إذا كنتَ في حاجة مرسلاً ... فأرسل لبيباً ولا توصهِ تو صِ هي = 2 1 2

وإن باب أمرٍ عليك التوى ... فشاورْ حكيماً ولا تَعْصِهِ (تعْ صِ هي ..=212

2=1يو في أ // (2/2)

كل من 2و 2 تلتزمان في الخانة أ وخطأ ورودهما معا في قافيتي بيتين من قصيدة واحدة

حرف المد (آ يو ) في الرقم 2 في أ سواء كانت 2=1آ أو 2=1يو يدعى ردفا واختلافه بين 2 و 2 يدعى سناد الردف.

ويدخل في هذا النوع من السناد حسب العروض الرقمي قول الشاعر

لقد ألج الخباءَ على جوارٍ....كأنّ عيونهنّ عيونُ عِينِ (2=عِي=1يو-2=ني)

كأنّي بين خافيتي غرابٍ....يريد حمامةً في يومِ غَيْنِ (2=غَيْ -2=ني)

ويميزونه في العروض عن سناد الردف بتسميته سناد الحذو وتعريفه لديهم : " اختلاف حركة ما قبل الردف بحركتين متباعدتين في النقل (الفتح والكسر) أو (الفتح والضم). وهذا الفارق ناتج عن عدم تفر التفريق بين حرف المد ( الياء في عِيِنِ) وحرف العلة المتحرك أو الساكن كما هو حال ( الياء في غَيْنِ ) فهذه الياء حسب العروض الرقمي لا تعتبر حرف مد و(غَيْني =22) بينما (عِيني =22)

تلخيص عيوب القافية

التمرين الثالث

تمرين 3

جدول عيوب القافية

في بعض هذه الأزواج من الأبيات –عدا الأخير - افتعلت عيبا من عيوب القافية بينه، وبعضها لا عيب فيه. بين كلا الأمرين وما العيب؟

1-

ولما التقينا للوداع غديّةً وقد خفقت في سلحة القصر راياتُ

وقُرّنت الحُرْدُ العتاقُ صبيحةً ونادى منادٍ بالفوارسِ كي يأْتوا

2-

قل لمن دان بهجري وهواهُ ليَ دينُ

يا هلالاً تتراءا (م) هُ نفوسٌ لا عيونُ

3-

تعجبت من المرء ِ وذكر الموت يُشجيه

ومُفضيه إلى الموتِ الـ (م) ـمنى والحرصُ حاديه

4-

تعجبت من المرء ِ وذكر الموت كم يُشْجي

ومُفضيه إلى الموتِ الـ (م) ـمنى يحدوه كالحادي

4-

عرف الحبيب مكانه فتدلّلا وقنعت منه بموعدٍ فتعلّلا

وأتى الرسول ولم أجد في وجهه شيئا يبشرني فخفت التاليا

5-

أفنى جديساً وطسْما كلّها وسطا بالأنجم الزّهْر من عادٍ ومن إرَمِ

بزّ التحيّةَ من لخمٍ فلا ملكٌ متوّجٌ في نـماراتٍ ولا عَمَمِ

6-

وخذ العين والدموع رداءً وادْنُ منها وخلّها تتملّى

فأنا للبعاد ما عدْتُ أقوى وفؤادي للموت قد صار أوْلى

7-

إذا قلتُ تسلو النفسُ أو تنتهي المُنى أبى القلبُ إلا حبَّ أمِّ حكيمِ

منعّمةٌ صفراءُ حلْوٌ دلالها أبيت بها بعد الهدوءِ أهيمُ

حاول قبل رؤية الحل

http://sites.google.com/site/alarood/qt3

خامسا: من مصطلحات القافية

ما تقدم كاف لفهم القافية وتطبيقها، ولكن القارئ سيجد مصطلحات في علم القافية ربما يتساءل عن دلالتها. وأهم هذه المصطلحات إضافة لما تقدم.

أسماء الحروف

1. الروي إذا كان ساكنا يسمى مقيدا مثل يَجبُرْ = 2 2 وكل قافية رويها مقيد تنتهي ب 2 أو سكون مثل صديقْ = 2 ه، وإذا كان متحركا سمي مطلقا

وإذا كان متحركا يسمى يسمى مُطْلقا مثل يجبـرُ ، أو يجبـرُهْ

2. الوصل ما جاء بعد الروي من حرف مد (آ، و ، ي) أو هاء مثل مكسرُ تلفظ يجبرو ، أو يجبرهْ

3. الخروج : هو حرف المد الذي ينشأ من إشباع حركة الهاء ( يجبرهُ تلفظ يجبرهو )

4. الردف حرف المد (آ، و ، ي) الذي يأتي قبل الروي مثل تجبيـر، ويجوز فيه تناوب الواو والياء في قصيدة واحدة وهو دائما في الخانة (أ) داخل في 2=1آ أو 2 =1يو

5. التأسيس: الألف التي يكون بينها وبين الروي حرف وهي دائما في الخانة (ب) داخل في 2=1آ

6. الدخيل: هو الحرف المتحرك الذي يقع في التأسيس بين التأسيس والروي وهو دائما 1* الذي في الخانة (أ) مثل جابرْ

أسماء الحركات

المجرى : حركة الروي المطلق

النفاذ: حركة الهاء إن كانت وصلا.

الحذو:حركة ما قبل الردف

الإشباع: حركة الدخيل

الرس: حركة ماقبل التأسيس

التوجيه: حركة ما قبل الروي المقيد

سادسا: عروضان وقافيتان

1- عروضان في قصيدة ؟

المفروض أن لكل قصيدة عروضا واحدا وقافية واحدة.

ولكن هناك بعض استثناءات

أما العروض فقد أشار إليه الأستاذ محمد ب حيث يجوز أن ينتهي الصدر بمتحرك في كل من المتقارب والهزج ليكون العروض في المتقارب 3 1 وفي الهزج 123

وفي المتقارب يمكن أن تترافق في القصيدة الواحدة ثلاث أعاريض 23-13-3

وأما في الهزج

فيجوز أن يأتي العروض 123 مجتمعا في ذات القصيدة مع 223

للبهاء زهير

الصدر=3 2 2 3 2 2

الصدر=3 2 2 3 2 1

أرى منظرك الوعْرا

له في شدّةٍ ذخرا

أرجني منك حتى لا

لقد خاب الذي كنتَ

2- قافيتان في قصيدة ؟

لعمر أبي ريشة:

جاء في الصفحة 71 من كتاب القوافي تصنيف القاضي أبي يعلى التنوخي تحقيق د. عوني عبد الرؤوف ما يلي:

"سألت الشيخ أبي العلاء – يقصد المعري- رحمه الله ( ما يسمى القصد من الرجز تجتمع فيهاالقافية المتكاوسة-21112، والمتراكبة-2112 والمتداركة-212) وذلك لأن ضروب الرجز مستفعلن-322 على ما تقدم إلا الثاني. فمستفعلن=2122 متدارك القافية-212، وكذلك إن نقله الخبن إلى مفاعلن-33، وينقله الطي إلى مفتعلن –مستعلن-2112 فيكون متراكبا، وينقله الخبل إلى فعَلتُن-متعلن-2111 فيكون متكاوسا.

فقال: ما علمت أن أحدا قاله. ذكر هذا

(وأنا أسمي هذه القصيدة المثفّاة ) يذهب بذلك إلى ثُـفَـيّـة، وهي التي نكحت ثلاثة أزواج." إنتهى النقل.

ولأبي تمام من قصيدته على الرمل التي مطلعها:

ومثل هذا في معظم قصائد الرمل التي تنتهي أبياتها بـ فاعلا -32 حيث التي تنتهي بفاعلاتن-232 قافيتها=لا تن =22

ولم يتسير لي الاطلاع على مثل هذا من الرجز ولكنه ممكن فلنتأمل النظم

من كان لا يدري هنا أو لا يرى = 4 3 4 3 2 2 3........القافية= لا يَ رى = 2 1 2

فليمضِ في دربٍ له مسْتَتِرا = 4 3 4 3 2 1 3 .............القافية= مسْ تَ تِ را =2112

والذي يسترعي الانتباه هنا قول الحديث عن الرجز تجتمع فيه قوافي شتى وقد رأينا اجتماعها أغلبه في

الرمل الذي ضربه فاعلا-32

ذلك أن وزنه = 232-232-32 = فاعلاتن فاعلاتن فاعلا

وهو ما يمكن أن نعبر عنه بالشكل التالي:

32-322-322 = فاعلن مستفعلن مستفعلن

فتجيء الضرب فيه مطابقة للقافية عندما يأتي وزنه 32-34-312

وإنما عنى بالرجز تفعيلة مستفعلن.وهي بدلالة التقسيم التقليدي في الرمل=تن فاعلا

وهذا يذكرنا بالقول إنما التفاعيل مصطلحات يمكن التعبير عن الوزن بصيغ مختلفة منها حسب الحالة.

وهناك من ينكر فاعلاتن في الرمل ويرى أن مجيء الضرب فيه على فاعلاتن إنما هو ترفيل.

وما الخلاف في الحقيقة إلا حول مكان الشَّرْطة من الأرقام أهي 232-232-23أم 32-34-34

سابعا : رؤوس الآيات في القرآن الكريم

كتب سيد قطب يرحمه الله في كتابه (التصوير الفني) فصلاً عن الإيقاع الموسيقي في القرآن، وذكر أن الموسيقيّ المبدع الأستاذ (محمد حسن الشجاعي) تفضل بمراجعته وضبط بعض المصطلحات الفنية الموسيقية عليه... جاء فيه:

إن هذا الإيقاع متعدد الأنواع، ويتناسق مع الجو، ويؤدي وظيفة أساسية في البيان.

قال: ولما كانت هذه الموسيقي القرآنية إشعاعاً للنظم الخاص في كل موضع، وتابعة لقصر الفواصل وطولها، كما هي تابعة لانسجام الحروف في الكلمة المفردة، ولانسجام الألفاظ في الفاصلة الواحدة... فإننا نؤثر أن نتحدث عن هذه الظواهر كلها مجتمعة.

جاء في القرآن الكريم: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين).

وجاء فيه حكاية عن كفار العرب: (بل افتراه بل هو شاعر).

وصدق القرآن الكريم، فليس هذا النسق شعراً. ولكن العرب كذلك يم يكونوا مجانين ولا جاهلين بخصائص الشعر، يوم قالوا عن هذا النسق العالي: إنه شعر!

لقد راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بما فيه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل. وتلك خصائص الشعر الأساسية، إذا نحن أغفلنا القافية والتفاعيل.

على أن النسق القرآني قد جمع بين مزايا النثر والشعر جميعاً. فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة. وأخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر، الموسيقي الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي، وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا، فشأن النثر والنظم جميعاً.

وحيثما تلا الإنسان القرآن أحس بذلك الإيقاع الداخلي في سياقه، يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار، والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال، ولكنه ـ على كل حال ـ ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني.

----------------------------------------------------

المصدر: التمهيد في علوم القرآن / محمد هادي معرفة

-----------------------------------------------------

http://www.balagh.com/mosoa/quran/re10cdpi.htm

د. محمد حسين الصغير

علوم القرآن

المقالة: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين المقالات | عناوين جميع

المقالات

د. محمد حسين الصغير

معرفة فواصل القرآن صوتياً

من أجل تمييز الفاصلة، ومعرفتها صوتياً، علينا تتبع فواصل الآيات بالدقة والضبط، في تنقلها في القرآن عبر مسيرتها الإيقاعية.

قال إبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 ه‍ ( :"لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفي وقياسي. أما التوقيفي: فما ثبت أنه (ص) وقف عليه دائماً، تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً، تحققنا أنه ليس بفاصلة...وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص

لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر، وقافية البيت في الشعر، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحد

والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة، وقافية الأرجوزة بخلاف قافية القصيدة".

ومن هنا كان التنقل في فواصل القرآن، إذ لا يلتزم فيها الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع

بين الالتزام وعدمه في بعض السور، لأن الانتقال من الوقوف على حرف إلى الوقوف على حرف آخر، أو صيغة تعبيرية أخرى في فواصل القرآن، أمر مطرد وشائع، ونماذجه هائلة، كما أن الالتزام شائع أيضاً، والجمع بينهما واردٌ كذلك، ومن هنا تبرز ثلاثة ملامح على سبيل المثال:

الأول: جمع القرآن بين "تحشرون" و "العقاب" وهما مختلفان في حرف الفاصلة والزنة في قوله تعالى:(واعلموا أنَّ اللهَ يحولُ بينَ المرءِ وقلبهِ وأنَّهُ إليه تُحشرون، واتَّقٌوا فتنةً لا تُصيبنَّ الّذينَ ظَلَموا مِنكُم خآصةً واعلموا أنَّ اللهَ شديدُ العِقاب).

الثاني: الوقوف عند حرف معين لا يتغير في الفاصلة كما في سور عدّة، ونماذج متعددة، فمن أمثلته عادة جملة من السور القصار، كالقدر، والعصر، والفيل، والليل، والكوثر، والاخلاص، والناس، وجملة من السور الوسطى كالأعلى والقمر، وفيها جميعاً مراعاة للمنهج الصوتي، والبعد الإيقاعي، ويتجلى النغم الصوتي المتميز بأبهى صوره، وأروع مظاهره في سورة القمر، إذ تختتم فيها الفاصلة بصوت الراء مردداً بين طرف اللسان وأول اللهاة مما يلي الأسنان.

الثالث: الوقوف عند حرف معين للفاصلة في بعض السور، والانتقال منه للوقوف عند حرف آخر للفاصلة في بعضها الآخر، وأمثلته متوافرة في جملة من سور القرآن، كالنبأ، والمرسلات، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والمطففين، وانظر إلى قوله تعالى في سورة "عبس" وهي تواكب صوت الهاء في فواصل عدة آيات، ثم تنتقل إلى الراء الملحقة بالتاء القصيرة بعدها في آيات أخر:

(يَومَ يَفرُّ المَرءُ مِن أخيهِ، وأُمهُ وأبيهِ، وصاحِبتِهِ وبَنيهِ، لِكُلِ امرىء مِنهُم يَومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ، وُجُوهٌ يومئذٍ مّسفرةٌ، ضاحِكةٌ مستبشرةٌ، وَوُجوهٌ يومئذٍ عليها غَبرةٌ، تَرهَقُها قَترةٌ، أُولئكَ هُمُ الكَفَرةُ الفَجَرةُ).

وقد لا يراد الملحظ الصوتي مجرداً عند الابعاد الأخرى في فواصل الآيات، فقد يجتمع في الفاصلة الغرض الفني بجنب الغرض الديني، فتودي الفاصلة غرضين في عمل مزدوج، فمن أبرز الصور الاجتماعية الهادفة في سورة البلد: آيات العقبة، وتفصيلات يوم القيامة، في تجاوز مظاهر الغل والقيد، ومراحل الفقر والجوع ليتم تجاوز العقبة الحقيقية في القيامة، ولا يتم ذلك إلا بتجاوز عقبات الظلم الاجتماعي وتخطي مخلفات العهد الجاهلي، واقتحام القيم التي عطلت الحياة الإنسانية عن مسيرتها في التحرر والانطلاق، وهي قيم قاتلة، وأعراف بالية نشأت عن الطغيان المتسلط، والتفاوت الطبقي المقيت، فالرق ضارب بأطنابه، والاستئثار شكل مجاعة بشرية جماعية، والقطيعة في الأرحام أنهكت الأيتام، والغنى اللامشروع فجّر سيلاً من الأوضار الاجتماعية تشكل رعيلاً سادراً من الأرامل والأيامى والمساكين، ممن ألصقهم الفقر بالتراب، أو لصقوا هم به من الفقر والضر والفاقة، فأحال ألوانهم كلونه، فهم يلتحفون التراب ويفترشونه، ولا يجدون غيره، حتى عادوا جزءاً منه، وعاد هو جزءاً من كيانهم، فمن التراب وعلى التراب وإلى التراب.

هذا المناخ المزري عقبات متراكمة، من فوقها عقبات متراكمة، وإزالة هذه العقبات تدريجياً هو الطريق إلى قفز تلك العقبة الكبرى وتجاوزها، في حياة قوله تعالى: (فَلا أقتَحَمَ العقبةَ، وما أدراكَ ما العقبةُ، فَكُّ رقبةٍ، أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسغَبَة، يَتيماً ذا مقربةٍ، أو مسكيناً ذا متربةٍ).

ما هذا الإيقاع المجلجل؟ وما هذه النبرات الصوتية الرتيبة؟ وما هذا النسق المتوازن؟ العقبة، رقبة، مسغبة، مقربة، متربة، أصداء صوتية متلاحقة، في زنة متقاربة، زادها السكت رنةً وتأثيراً ولطف تناغم، وسط شدة هائلة مرعبة، وخيفة من حدث نازل متوقع، فالاقتحام في مصاعبه ومكابدته، والعقبة في حراجتها والتوائها ومخاطرها، يتعانقان في موضع واحد، يوحي بالرهبة والفزع.

وإرادة التأنيب والتعنيف مع الحض والترجيح والتحبيب، في صيغة النفي وتقريره، والاستفهام وتهويله، حافز وأي حافز على معالجة هذه المخاوف الاجتماعية السائدة، ودرء هذه المشاكل العالقة في المجتمعات المتخلفة: السغب، اليتم، المسكنة، إنها آفات متطاولة تنخر في بنية الجسم الإنساني فتهدمه، واقتحامها بحزم يتركها وراء الإنسان مسافات مترامية، وذلك ما يهيء السبيل إلى تجاوز العقبة المترقبة الوقوع، في كل معانيها البيانية: حقيقية كانت أو مجازية.

إن ورود هذه الآيات في نسق صوتي متجانس، وصيغة إصلاحية هادفة، يضفي على الفاصلة القرآنية، جمالها المعهود، وحسها الإيقاعي الهادر، دون تطلع إلى تعبير مماثل أو مغاير، فهي تمتلك النفس، وتأخذ بالإحساس في نظام رتيب؛ فالحرية أولاً، والعطاء المغني ثانياً، بدءاً بالأرحام، وعطفاً على الآخرين، وفيها أخذ بملحظ القرابة والرحم، وحث على تقديم ذوي القربى من المعوزين على الأباعد في فك القيود، وعتق الرقاب، والاطعام بإحسان.

ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات:

الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية قائم على عدة ظواهر، نرصد منها أربع ظواهر:

الأولى: وتتمثل بزيادة حرف ما في الفاصلة وعناية للبعد الصوتي، وعناية بنسق البيان في سر اعتداله، ليؤثر في النفس تأثيره الحسّاس، فتشرئبّ الأعناق، وتتطلع الأفئدة حين يتواصل النغم بالنغم، ويتلاحم الإيقاع بالإيقاع، وأبرز مظاهر هذه الظاهرة ألف الاطلاق إن صح التعبير بالنسبة للقرآن، فقد ألحقت الألف في جملة من الآيات بأواخر بعض كلماتها، وكان حقها الفتح مطلقاً، دون مدّ الفتحة حتى تكون ألفاً، وانظر معي في سورة واحدة، إلى كل من قوله تعالى، وكأن ذلك معنيٌ بحد ذاته ومقصود إليه لا ريب.

وقال تعالى: (وتَظُنُّونَ باللهِ الظُنونا).

وقال تعالى: (فأضَلُّونا السَّبيلا).

وقال تعالى: (وأطَعنا الرَّسُولا).

يبدو أن إلحاق هذه الألف في "الظنون" "السبيل" "الرسول" يشكل تلقائياً ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل، وإلا فما يضير الفتح لولا الملحظ الصوتي "لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين في الوقف، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع، وتناسب نهايات الفواصل".

وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في "هي" لتوافق الفاصلة الأولى الثانية في قوله تعالى: (وَمَآ أدراكَ ما هِية، نَارٌ حامِيةٌ).

وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء "السكت" في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها، فتقف خاشعاً مبهوراً، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقي الحزين، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق، فتتقطع الأنفاس، وتتهجد العواطف، واجمة، متفكرة، متطلعة، فتصافح المناخ النفسي المتفائل حيناً، والمتشائم حيناً آخر، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء، والأمل والفزع، والخشية والتوقع، فسبحان الله العظيم حيث يقول:

(يَومئذٍ تعُرَضَونَ لا تَخفَى مِنكُم خافيةٌ، فأمّا مَن أُوتيَ كتابَهُ بِيَمينهِ فَيقولُ هآؤُم اقرءُوا كِتَابيه، إنّي ظَنَنتُ أنّي مُلاقَ حِسابيه، فَهُو في عِيشةٍ راضيةٍ، في جنَّةٍ عاليةٍ، قُطُوفُها دانيةٌ، كُلُوا واشربوا هنيئاً بِمآ أسلَفتُم في الأيامِ الخاليةِ، وأمّا مَن أُوتيَ كِتابَهُ بشماله فَيَقولُ ياليتَني لَم أُوتَ كِتابيَه، وَلَم أَدرِ ما حِسابيَه، ياليتَها كانتِ القاضيةَ، مآ أَغنى عَني مَاليه، هَلَكَ عَني سُلطانيَه).

فأنت تلاحظ الفواصل: كتابيه، حسابيه، كتابيه، حسابيه، ماليه، سلطانيه، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاءً للتوافق:

وما زلنا عند الهاء، فتطلع إليها، وهي ضمير ملصق بالفواصل، غير زائد بل أصلي الورود، وقد حقق بذلك وقعه في النفس، وجرسه في الأذن وقوته في امتلاك المشاعر، قال تعالى:

(يَوَدُّ المُجرِمُ لو يَفتدِي مِن عَذَابِ يومئذٍ بِبَنيهِ، وصاحِبَتهِ وأخَيهِ، وَفَصيلَتهِ الّتي تُؤيهِ، وَمَن في الأرضِ جميعاً ثُمَّ يُنجيهِ).

فلا زيادة في هذه الهاء، وهي ضمير في الفواصل كلها، وقد حققت صوتياً مناخ الانتباه، ورصد مواضع الاصغاء من النفس الإنسانية.

الثانية: وتتمثل بحذف حرف ما رعاية للبعد الصوتي، وعناية بالنسق القرآني كما في قوله تعالى:

(والفَجرِ، وليالٍ عشرٍ، والشَّفعِ والوترِ، والّيلِ إذا يَسرِ).

فقد حذفت الياء من يسري موافقة للفاصلة فيما يبدو مثله قوله تعالى: (فأمَّا الإنسانَ إذا ما ابتَلاهُ رَبُّهُ فأكرَمَهُ ونعَّمَهُ فَيَقولُ ربي أكرمنِ، وأمّا إذا ما ابتلاهُ فَقَدرَ عليه رِزقَهُ فيَقُولُ ربّي أهانَنِ).

فالياء من "اكرمن" و "أهانن" قد حذفت رعاية لهذا الملحظ، ولما في النون من الغنة عند الوقوف عليها فيما يبدو، ويظهر أن هذا الأمر مطرد في جملة من آيات القرآن الكريم في الفواصل ما في قوله تعالى: (لَكُم دِينُكُم وليَ دين).

الثالثة: وتتمثل في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، زيادة في العناية بتركيب السياق، وتناسق الألفاظ، وترتيب الفواصل، كما في قوله تعالى: (فأوجَسَ في نفسهِ خيفةً مُّوسى). فتأخر الفاعل وحقه التقديم، وعليه يحمل تقديم هارون على موسى في قوله تعالى:

(فأُلقِيَ السّحرةُ سُجَداً قالوا ءَامَنّا بربِ هارونَ وموسى). فإن هارون وزير لموسى، وأهمية موسى سابقة له، وقدم هارون عليه رعاية لفواصل آيات السورة، إذا انتظمت على الألف والألف المقصورة في أغلبها، والله العالم.

الرابعة: اشار الزركشي (ت: 794ه‍) انه قد كثر في القرآن الكريم ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن من التطريب.

وحكى سيبويه (ت: 180ه‍) عن العرب أنهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء، ما ينون، وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت.

وورود النون بعد حروف المدّ متواكبة في القرآن حتى عاد ذلك سراً صوتياً متجلياً في جزء كبير من فواصل آيات سوره، ونشير على سبيل النموذج الصوتي لكل حرف من حروف المدّ تليه النون بمثال واحد.

1_ وردت الألف مقترنة بالنون في منحنى كبير من فواصل سورة الرحمن على نحوين:

الأول: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ من أصل الكلمات كما في قوله تعالى:

(الر‍ّحمنُ، عَلّمَ القرءانَ، خَلَقَ الإنسانَ، علَّمهُ البيانَ، الشَّمسُ والقَمَرُ بِحُسبان).

الثاني: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ ملحقان بالكلمة علامة للرفع ودلالة على التثنية كما في قوله تعالى: (مَرَجَ البحرينِ يلتقيانِ، بينَهُما برزخٌ لا يبغيان، فبأي آلاء رَبِّكُما تُكذّبانِ).

ويتحقق في النحوين مدّ الصوت تحقيقاً للترنم.

2_ وردت الياء مقترنة بالنون في أبعاد كثيرة من فواصل الآيات القرآنية، ففيما اقتص الله من خبر نوح (ع) قال تعالى: (فإذا استويتَ أنتَ ومَن معَكَ على الفُلكِ فَقُل الحمدُ للهِ الذي نَجّانا مِنَ القومِ الظالمين، وَقل رَّبِ أنزلني مُنزَلاً مُبارَكاً وأنتَ خَيرُ المُنزلينَ، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ وإن كُنّا لمبتلينَ، ثُمّ أنشأنا من بَعدِهِم قَرناً آخرينَ).

والطريف أن سورة المؤمنين تتعاقب فواصلها الياء والنون أو الواو والنون، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن، فكأنها جميعاً تعنى بهذا الملحظ الدقيق.

3_ وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياء والنون مضافاً إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى:

(إنَّ هؤلاءِ لَشِرذَمةٌ قَليلونَ، وإنَّهُم لنا لغآئظونَ، وإنّا لجميعٌ حاذِرونَ، فأخرجناهُم مِّن جنّاتٍ وعُيونٍ).

إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب، ولكنه يشكل ظاهرة بارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون، وقد يخفى علينا السبب، ويغيب عنا جوهر المراد، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.

الإيقاع الصوتي في موسيقى الفواصل:

القرآن كلام الله فحسب، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل على ذروة مميزاته العليا، ولم يكن ضرباً من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعاً (ومَا هُوَ بقولِ شاعرٍ قليلاً مّا تُؤمنون، ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً مّا تَذَكَّرُونَ، تَنزيلٌ من رَّبِ العالمين).

فهو ليس من سنخ ما يتقولون، ولا بنسيج ما يتعارفون، ارتفع بلفظه ومعناه، وطبيعته الفنية الفريدة، عن مستوى الفن القولي عند العرب، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه:

الأول: التأكيد في القرآن نفسه بنفي صفة الشعر عنه، والتوجيه بأنه ذكر وقرآن مبين بقوله تعالى:

(وَمَا عَلَّمناهُ الشِعرَ وما يَنبغي لَهُ، إن هُوَ إلاّ ذِكرٌ وقُرءانٌ مُبين).

الثاني: الردّ في القرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن:

1_ الملحظ الافترائي الموجه إليه، والمعبر عن حيرة المشركين:

(بَل قالوا أضغاثُ أحلامٍ بل افتراهُ بَل هُوَ شاعِرٌ فليأتنا بآيةٍ كَمَا أُرسل الأوّلونَ).

2_ التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب:

(ويَقولونَ أئنّا لتاركُوا آلهتنا لشاعرٍ مجنُونٍ).

3_ التربص بالنبي (ص) وتوقع الموت له، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!!

(أم يَقولونَ شاعِرٌ نَتَربَّصُ بهِ رَيبَ المَنُونِ).

الثالث: إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم، فالشعر ديوان العرب، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيراً عن اعتدادهم بالشعر، واعتزازهم بالشعراء، وهم أئمة البيان ورجال الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة "ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم".

الرابع: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً، فالشعر "إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه".

سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب: إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكم علماً بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق، ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جارٍ على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنثور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت: 794ه‍) أن إعرابياً سمع قارئاً يقرأ: (يأيُّها النَّاسُ اتّقوا رَبَّكُم إنَ زلزلَةَ الساعةِ شيءٌ عظيمٌ).

فقال كسرت، إنما قال:

يا أيها الناس اتقوا ربكم زلزلة الساعة شيء عظيم

فقيل له: هذا القرآن، وليس الشعر.

فاعتقده لأول مرة شعراً فحذف "أن" ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهر الموزون بمجانسة الأصوات وقارنّا عن كثب بمناسبة الصوت للصوت، وملاءمة النطق بالحروف، ومتابعة الأذن للموسيقى، والسمع للنبر والتنغيم، زيادة على ما تقدم لكنا قد أحسنّا التعليل فيما يبدو، أو توصلنا في الأقل إلى بعض الوجوه المحتملة، أو الفوائد الصوتية المترتبة على هذا المعلم الواضح، والله أعلم.

وقد يقال بأن هذا المعلم إنما ينطبق على أجزاء من الآيات لا الفاصلة وحدها، فيقال حينئذ بأن وجود الفاصلة في هذه الأجزاء من الآيات هو الذي جعل جملة هذا الكلام موزوناً، فبدونها ينفرط نظام هذا السلك، وينحل عقد هذا الابرام لهذا نسبنا أن يكون الحديث عن هذا الملحظ ضمن هذا البحث.

ومهما يكن من أمر، فإن ورود ما ورد من هذا القبيل في القرآن ينظر فيه إلى غرضه الفني مضافاً إلى الغرض التشريعي، وهما به متعانقان.

إننا بين يدي مخزون ثر في هذا الرصد، ننظره وكأننا نلمسه، ونتحسسه وكأننا نحيا به، فحينما نستمع خاشعين إلى صيغة موزونة منتظمة بقوله تعالى: (إنّا أعطيناكَ الكَوثَر). فإننا نتعامل مع وقع خاص يذكرنا بالعطاء غير المحدود للنبي الكريم، وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (هَيهاتَ هَيهاتَ لِمَا تُوعَدونَ). تصك أسماعنا بلغة الوعيد، فنخشع القلوب، وتتحسس الأفئدة.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى (وَذُلِلَت قُطوفُها تذليلا). نستبشر من الأعماق بهذا المناخ الهادي، ونستشعر هذا النعيم السرمدي بإيقاع يأخذ بمجامع القلوب، يشد إليه المشاعر.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (تَبَّت يَدآ أبي لَهَبٍ). يقرع أسماعنا هذا المصير الشديد العاتي، فيستظهره السامع دون جهد، ويجري مجرى الأمثال في إفادة عبرتها وحجتها. وحينما نستمع حالمين إلى قوله تعالى: (ومِنَ الَّيلِ فَسَبحهُ وأدبارَ السُّجود). فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع، هادئاً ناعماً متناسقاً، وهو يدعو إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطراف النهار.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (نَصرٌ مِنَ اللهِ وفَتحٌ قريبٌ). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالى البهجة.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (لن تَنالوا البِرَّ حتّى تُنفقوا مِمّا تُحبُّونَ). فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً، ويوقظ الضمائر من غفلتها حيناً آخر، وهو يستدر كرم المخائل، ويوجه مسيرة التعاطف، ويسدد مراصد الانفاق، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين موطنه؟ إنه الانفاق مما يحب، والعطاء مما يحدب عليه، والفضل بأعز الأشياء لديه، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه برٌ.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (أرَءَيتَ الّذي يُكذّبُ بالدين، فذلكَ الذي يَدُعُّ اليتيمَ). وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق، وتصبح في غير القرآن (اليتيما) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر، وهو من الأوزان الراقصة، تقف عند صرخة مدوّية، وجلجلة متأججة تقارن بين التكذيب بيوم القيامة، وبين دعّ اليتيم في معاملته بخشونة، وصده بجفاف وغلظة.

هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها، والتي تنبه من الغفوة والغفلة، وتدفع إلى الاعتبار والعظة، وتزيد من البصيرة والتدبر، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.

هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات..

------------------------------------

المصدر : الصوت اللغوي في القرآن

أسمى شرف يطمح له متعلم هو أن يمت علمه بصلة إلى كتاب الله الكريم.

دائما أتحرج من استعمال مصطلحات الشعر في مقام كتاب الله الكريم. ثم اهتديت إلى تعابير خاصة بكتاب الله مثل رؤوس الآيات والفواصل

وكما يكشف علم العروض شيئا من جمال النسيج القرآني فإن علم القافية يظهر بعض الجوانب في رؤوس الآيات وما لها تأثير في النمط القرآني.

وهنا استعراض لرؤوس الآيات في سورة الفجر مع بعض المرونة في الترميز لإظهار بعض الخصائص.

أنظر كيف يعبر كل لون عن نمط معين من وقع الصوت وأحيانا موضوع معين.

التمرين الرابع

استعرض على النحو أعلاه التقفية في رؤوس الآيات في السور التالية

1. الضحى

2. الزلزلة

3. العاديات

4. الكوثر

حـاول قبل أن ترى الحل

http://sites.google.com/site/alarood/qt4

سبق تقديم القافية باستعمال الأرقام 1و2و3 لمن أراد أن يقارن.

والجدول التالي يبين معالم طريقة أخرى لشرح القافية بالتعامل مع حروفها حرفا حرفا باعتبار عنصري الساكن والمتحرك فقط. فمن شاء أن يستقصيها ويقننها فليفعل مشكورا.

منتدى العروض رقميا

http://arood.com/vb/