zahrah.arood

التفاعيل – الوردة – القداسة

من كان يجهل العروض الرقمي فمفتاحه : https://sites.google.com/site/alarood/d1

شر عية التفاعيل مستمدة من التزامها بمنهج الخليل الذي تفصله تعليماته من بجور وتفاعيل وزحافات وعلل. لا يضير الشاعرَ ولا العروضيَّ جهلهما بمنهج الخليل طالما التزما بتلك التعليمات. تجاوز ذلك الحد كاستحداث ما يُزعم بأنه بحور عربية جديدة يتعدى (العروض) إلى (علم العروض). ولا يستحق أن يدعى عالِمَ عروض من كان يجهل منهج الخليل. عالمُ العروض سيجد نقسه متبعا للخليل على بصيرة.

أولا: فزع

أفزعني ما جاء في كتاب د. محمد الكرباسي من تراكيب لتفاعيل الخليل على نحو أختلف معه في تقييمه. فقد راح يصُفّ تفاعيل الخليل على غير منهاج الخليل فتوصل إلى أن هناك ما يزيد على مائتي بحر من بحور الشعر وهو ما أفضل أترك تفاصيل بعضه للقارئ ليطلع عليه وليطلع على تقريظ بعض الأدباء له.

http://arood.com/vb/showthread.php?p=58192#post58192

وقد سبق هذا مثله بالنسبة لعروضيين آخرين، كما سبق نشر العديد من المواضيع حول ذلك ، وأختص منهم العروضي الاستاذ محمود مرعي لاشتراكه مع د. كرباسي بسعة الاطلاع على الشعر والعروض وتجاوز الخليل:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/22-resalah-meree

ثانيا : من تعليق لي عليه على الرابط أعلاه :

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم و إنا لله وإنا إليه راجعون.‏

مما جرى على الألسنة :" بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى وَجَاوَزَ الْحِزَامُ الطُّبْيَيْنِ وَبَلَغَ الأَمْرُ فَوْقَ قَدْرِهِ "‏

ولا أجد مقاما في فضاء العروض يستدعي هذا القول كهذا المقام. وهو وإن كان في العروض فإن تداعياته ‏تمتد لتشمل حال أمة في شتى مناحيها التي لا يسعف المجال بتحديد أكثرها.‏

تبلغ الفداحة في كتاب د. محمد صالح الكرباسي " هندسة العروض " وفي تقريظ من قرظوه مبلغا ‏بعيدا.

وفي هذا الكتاب يتجلى الأثر المدمر لكثرة المعلومات في غياب المنهج. بل قل في كارثة ‏هيمنة منهج الحفظ على مفاتيح أبواب التفكير، الأمر الذي يقود صاحبه إلى استعمال تفاعيل الخليل منبتّة عن منهجه ليخرج بنتائج تحطم منهاج الخليل وتحطم معه في أشكالها الجديدة أوزان الشعر كما أبدعتها السليقة العربية السليمة التي لا يعدو عروض الخليل أن يكون تصويرا لها.

العلاقة بين منهج الخليل وتفاعيله كالعلاقة بين كاتالوج قطع اللوجو وتلك القطع.

تركيب القطع بدون فهم الكاتالوج بل بدون إدراك لوجوده أصلا بدعوى الإبداع والتجديد

وتجاوز الخليل مغالطة فكرية منطقية علمية بدهية جد كبيرة .

ثالثا : من تعليق د. هادي حسن حمودي

http://arood.com/vb/showthread.php?p=58197#post58197

http://www.alnaspaper.com/inp/view.asp?ID=12893

" ينطلق الشيخ من قناعته بأن التفعيلات هذه ليست مقدسة،.........صحيح أن التفعيلات ليست مقدسة ولا هي من وحي السماء ولكنها تصوير حي لموسيقى الشعر العربي. ذلك أن الخليل بن أحمد حين استنبط التفعيلات، كان أشبه بالمصوّر الذي يصور منظرا طبيعيا. أنت لديك آلة تصوير، تلتقط صورة لزهرة الخزامى، مثلا، ثم تقول لي هذه صورة زهرة الخزامى. فهل يحق لي أن أتلاعب بالصورة باعتبارها ليست مقدسة ولا من وحي السماء؟ ستقول لي وماذا في ذلك إن كان التلاعب سيزيدها جمالا؟ سأقول لك إن الحقيقة لا تحتاج إلى تزويق وإلا فقدت كونها حقيقة. "

رابعا : الزهرة

أحسن د. هادي في تشبيه أوزان بحور الشعر بالزهرة التي صورها الخليل بعروضه وأن الزهرة لا يزيدها التزويق جمالا.

وأضيف بل إن التلاعب بصورة الزهرة ينتج عنه تشويهها.

كان جواب د. هادي بصيغة أدبية عامة ولكن هذه الصيغة العامة لها واقع علمي.

φ = AC / BC = 1´61803. = (a+b)/a= (a/b)= فاي

1,61803 تسمى النسبة الذهبية واكتشافها من إبداع العالم الإيطالي فيبوناشي الذي عاش في القرن الثاني عشر الميلادي

وقد دهشت لاكتشافي من العرض التالي أنه ذو ثقافة علمية عربية إسلامية

فيا عجبا لنا أين كنا وأين صرنا

ليس أي من الزهرة ولا النسبة الذهبية ولا فيبوناشي مقدسا

لكن الذي يزعم أنه يستطيع أن يعيد تشكيل أوراق هذه الزهرة بشكل أجمل أو يضيف إليها أو ينقص منها ما يزيدها جمالا فإنه مغالط. فالحقيقة أن أي مساس بها تشويه لها. اللهم إلا إذا أراد أن يتنزع الأوراق ليرسم بها أرنبا وإذ ذاك تنعدم المقارنة.

إن هذا الزاعم جاهل في معرفة شمولية النسبة الذهبية ومضمونها بل هو جاهل بوجودها أصلا . ولو أنه عرف وفهم لما تأبط شر زعمه.

ليس أي من التفاعيل أو البحور أوالعروض أو الخليل مقدسا، وليس أي من الأشكال التي سترد بعد بضعة سطور وكلها منضبط بقوانين رياضية مقدسا

لكن من يزعم انه يستطيع أن يعيد ترتيب تفاعيل الخليل أو يضيف إليها أو ينقص منها عما هو محدد في بحور الخليل ليأتي بما هو أجمل فإنه مغالط. وينطبق الشيء ذاته على من يعيد تسمية تفاعيل بحر ما بشكل لا يراعي ترتيب الأسباب والأوتاد من جهة وسلامة مكان وترتيب كل من زوجي السببين البحري والخببي والوتدين المفروق والمجموع .

فالحقيقة أن أي مساس بها تشويه لها. اللهم إلا إذا أراد أن يعيد تركيب التفاعيل ليأتي بصنف أدبي جديد لا يمت للشعر أو عروض الخليل بصلة ، وإذ ذاك تنعدم المقارنة

إن هذا الزاعم جاهل في معرفة شمولية نهج الخليل ومضمونه. بل هو جاهل بوجوده أصلا.

التعبير عن الرمل مثلا بأنه = فاعلاتن فاعلن فاعلا أو فاعلن مستفـــعلن مستفـــعلن ليس خروجا عن أي من ذلك لأن كلا من السبب والوتد لم تختلف طبيعته ولا ترتيبه فالوزن في الحالين = 2 3 2 2 3 2 2 3

بينما يتناقض تعبيرا كل من وصفي الخليل وحازم القرطاجني عن المقتضب ( الأحمر وتد مجموع أو مفروق ) وتناقضهما فيما ينبني عليهما من أحكام.

الخليل = مف عُـ ـلا تُ مس ت علن = 2 1 2 1 2 1 3 حازم القرطاجني = فا عـ ـلن مفا ع لتن = 2 1 2 1 2 1 3

وفي الرقمي مزيد حول هذا.

س :

عرفنا أن للزهرة شكلا هندسيا تحكمه الرياضيات، فهل أوزان البحور كذلك

جـ : فيما يلي أشكال من العروض والعمارة والطبيعة تحكمها قوانين رياضية

*

*

*

*

*

*

والشكل الأخير تمثيل لما تصدح به فيروز من كلمات سعيد عقل :

ردّني إلى بلادى = رد 2 - دني 3 - إلى 3 - بلا 3 - دي 2 = 2 3 3 3 2

وقول أبي العتاهية : للمنون دائراتٌ = لل 2 - منو 3 - ندا 3 - ئرا 3 - تن = 2 3 3 3 2

س : الشمولية ، منهاج الخليل، التفكير ، الفهم ، العروض ، ( علم العروض ) الحفظ الكاتالوج الكم النوع الهيئة

تتكرر هذه الألفاظ حتى ليكاد الرقمي يعرف بها . لماذا ؟

جـ : الشعر كان قبل الخليل والخليل اكتشف قوانين وزن الشعر التي أودعها الله سبحانه في الوجدان العربي، اكتشف هذه القوانين ككل شامل أشبه ما يكون ببرنامج رياضي. وليستطيع توصيله للناس أخذ يرسم لهم صورا جزئية لكل بحر وفق وحدات اصطلاحية مفصلة في ذاتها وفي ترتيبها إلى جانب بعضها البعض كما ونوعا حسب ما يمليه ذلك التصور الكلي لديه. هي أشبه ما تكون بقطع اللوجو وكتالوجه من خمس عشرة صفحة كل صفحة ترسم بحرا.

للشاعر والعروضي تكفي معرفة الكاتالوج وهو رائع جدا في توصيل جزئيات كل بحر وصفّ وترتيب تفاعيله وهو في ذلك مناسب للغرض الشعري الشفوي السمعي. وكل ذلك يقع في مجالي الشعر والعروض ويشكل مجرد منطلق نحو علم العروض. ولكن استعمال قطع اللوجو أدوات للتفكير بعيدا عن كتالوجها كفيل بالتخبيص.

علم العروض هو العلم الذي يبحث في القواعد العامة الشاملة لخواص وزن الشعر العربي ككل، يمكن القول إنه يبحث في تفكير مبدع كتالوجات بحور اللوجو وتفاعيل اللوجو. وعدم الوعي على وجود علم العروض هو الذي أدّى وأودى بعروضيين كبارا إلى التخبيص في تركيب قطع اللوجو كيفما اتفق.

افتراض وجود تفكير وتصور ونهج كلي لدى الخليل منطلِقٌ من الأمور التالية

1- الشعر واستقراره في النفس العربية يشكل كينونة إيقاعية لها خواص أهلتها للتميز عن سواها

2- وكينونة متميزة متكامله لا يصلح لتصويرها إلا فكر متكامل يعبر عن ذاته بنهج متكامل

3- مئات مصطلحات العروض وقواعده وزحافاته وعلله ... إلخ إلخ والتي لا يناقض أحدها الآخر تنبئ عن أنها مخططات جزئية في مخطط شامل واحد

4- لنا في وضوح شمولية منهج الخليل في معجم العين مثال على شمولية تفكير الخليل ونهجه

عدم الوعي على وجود اتساق وتكامل وكلّيّةٍ في هيئة الشعر العربي التي أودعها سبحانه الوجدان العربي والتي هي أقرب ما تكون لبرنامج هندسي رياضي والتي اقتصر دور الخليل – العبقري رفيع الشأن – على استكشافها وتصويرها، عدم الوعي على هذا الوجود هو الذي أتاح لنفوس عروضيين وشعراء لتسول لهم إمكان التغيير بدعوى التجديد في سنن الجمال أكان في وردة أم وزن شعر.

هل تناول أحد ما عروضي أو سواه تفكير الخليل وتصوره الكلي حتى اليوم ؟

يجيب الأستاذ ميشيل أديب على ذلك بالنفي قائلا في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّةالرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."

وعى عروضيون على القليل من جوانب شمولية الخليل، ولكن ما من دليل على أن أحداً افترض ضرورة وجود تصور شمولي لدى الخليل يمثل الخصائص الكلية لوزن الشعر أو حتى وجود شامل متكامل لهذه الخصائص.

أزعم أن العروض الرقمي هو أول محاولة في تاريخ العروض تفترض وجود هذه الخصائص وشمولية فكر الخليل في استكشافها.

وتم تجسيد هذه الخصائص في عدة مواضيع منها

1- بدهيات وقواعد الخليل

2- المشتقات لم تنشر وهي في مخطوط الكتاب

3- الخليل وماندلييف

4- ساعة البحور

5- هرم الأوزان

6- التخاب – رواية التخاب

7- الاستئثار

8- الكم والهيئة

9- العروض الرقمي لماذا ؟

10- وأضفت لاحقا وهو الأشمل ( منظومة الخليل) https://drive.google.com/file/d/1Igoq7iekKkCkdxW3i7UZ45b8ep3716qJ/view

وأنصح بالاطلاع على الفرق بين العروض وعلم العروض - alarood

إن غزارة الإلمام بالشعر العربي مفيدة لأغراض الشعر والعروض الملتزم بكتالوجات الخليل، ولكن عندما يحاول بعض العروضيين تجاوز الخليل بدعوى أنه عروضه غير مقدس بدون وعيهم على منهج الخليل وكلية تصوره وشموليته التي تمثل القوانين الكلية لأوزان الشعر العربي مستعملين قطع لوجو الخليل بدون التقيد بكتالوجات الخليل أو الوعي على وجود منهج الخليل، فإنهم يخبصون ويحطمون نهج الخليل وكتالوجاته بقطع اللوجو. لا قدسية في الموضوع ليست قطع اللوجو مقدسة وليس لها ذنب. إن ثقافة الحفظ والرواية ممتازة لتنمية حس الشاعر الموسيقي. ولكن الأمر مختلف في مجال علم العروض فهي تقلل اعتماد من يحفظها عن كثرة التردد إلى الكتب والمكتبات إذ يمكن أن يوصف بعض الحفاظ بأنهم مكتبات تمشي. والمعلومات بهذا الشكل جد مفيدة كروافد وأدوات معرفية يستعملها الحافظ كمادة في التقعيد العروضي مستعملا تفكيره. ولكنها لا تنشئ تفكيرا، وهي لا تصلح أدوات ومُبَرمِجاتٍ للتفكير ، فمن طرَقَ التفكيرَ وهي كل مؤهلاته كانت عليه عبئا ومصدرا لتشويش يزداد بازديادها لتكون النتيجة تخبيصا في تخبيص.

يرسم الرسام صورة الوردة ويصورها المصور ويملك كل منهما بعد ذلك أن يعدل الصورة ويزيد عد أوراقها أو يغير ترتيبها فهل تغيرت الوردة نتيجة العبث بصورتها ؟

الخليل صور الذائقة العربية وحفظها، جاء صانعو البحور الجديدة فغيروا الصورة التي التقطها الخليل بعروضة للذائقة العربية بإضافة مقاطع وتفاعيل وإعادة ترتيب التفاعيل وتغيير خصائص المقاطع، هل تغيرت الذائقة العربية نتيجة العبث بصورتها؟

لا عيب في ذات الحفظ، وإنما العيب فيما يلازم منهجه من إهمال للتفكير، وأكثر من ذلك استعمال معطياته التي تكونت في غياب التفكير أدوات للتفكير.

العروض وبدايته الفكرية ومآله الحفظي ليس إلا مثالا على وضع عام شمل ما هو أهم من العروض بكثير.

لكل ثقافة سدنتها وإن ثقافة الحفظ على حساب التفكير التي امتدت قرونا ولا تزال تتسع كفيلةٌ بالسيطرة على سدنتها وحفظهم مما تراه انحرافا في العروض وسواه .

يرحم الله الخليل.

http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=articles-20120410-26342

جديد العَروض في هندسة العَروض من جديد

د. نضير الخزرجي

الثلاثاء 10/04/2012

لكل مادة علمية مصطلحاتها يعرفها من يتعامل معها ويعايشها وتعصى على الفهم لدى عامة الناس، وربما عرفها البعض عرضيا من باب الثقافة العامة دون أن يتعرف على كامل مضامينها، والأدب لا يختلف عن غيره من مواد المعرفة فيه من المصطلحات والمفردات يستدل عليها العارف بها والمشتغل بها يقف على مضامينها، بعضها أو كلها.

وتتوفر في الأدب المنظوم مجموعة من المصطلحات دالةٌ عليه من قبيل القافية والوزن والروي والعروض، ولكل مصطلح مفهوم ومصاديقه، وهي محل ابتلاء الشاعر ونظمه والحاكمة عليه لا يجد عنها فكاكاً، ومن المفارقات الظريفة أن عدداً غير قليل من شعراء القريض تتوفر قصائدهم على كامل الموازين لكنهم يعجزون عن معرفة الأوزان الشعرية والبحور، لأنَّ البديهة ديدنهم في النظم والإنشاء وقوافيهم تنساب على بعضها دون قياسات مسبقة أو حدود ثابتة فهي كامنة في ضميرهم الشعري، وهذا ما كان عليه الشعراء في عصر ما قبل الإسلام وبعده حتى جاء الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي (100- 173هـ) ووضع الأوزان الشعرية وبحورها بالنظر إلى إيقاع كل بيت، واستمر الأمر بعده، ولهذا فإن معرفة المصطلحات والثبت من جزئياتها لها أصحابها وعلماؤها، فربما كانوا من طبقة الشعراء أو عموم الأدباء، فالشعر العربي قائم على عمودي الوزن والقافية، فإذا كانت الثانية معروفة من خلال الحرف الهجائي لخاتمة البيت فإنَّ مربط الفرس في الأولى كون الوزن الشعري وهو ما يعبر عنه بالعَروض أو ميزان الشعر أو الإيقاع الشعري له خبراؤه وهم في نادي الشعراء عملة صعبة.

ولأن العروض أو الوزن له قياساته التي لا ينبغي الخروج عن سياجه وبه يقوم البناء الشعري، فيصح حينئذ وصفه بهندسة العروض، لأن الهندسة دالة على حسن الأسس التي يقوم عليها البناء، والبيت الشعري في حقيقته أشبه بالبيت المسكون، فما كانت هندسته مضبوطة والمواد المستعملة فيه وفق قياسات موزونة كان بناؤه حسنا رصيناً يعجب الساكنين والناظرين ومهوى القلوب على تنوع آمالها وأحلامها وتفجعاتها.

وإذا كان إبن الجنوب العراقي في البصرة الفيحاء الخليل الفراهيدي قد حصر الأوزان الشعرية الخمسة عشر: الوافر، الكامل، الهزج، الرجز، الرمل، السريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتث، الطويل، المديد، البسيط، والمتقارب، في ثمان تفعيلات وهي: (فعولن، فاعلن، مفاعلتن، متفاعلن، مفاعيلن، مستفعلن، فاعلاتُنْ، مفعولات)، فإن إبن وسطها في كربلاء المقدسة والمولود فيها سنة 1947م العروضي الدكتور محمد صادق الكرباسي تمكن من التوسع في التفاعيل والبحور والأوزان ليصل بالتفعيلات إلى 43 دائرة بحرية تولدت عنها 210 بحراً، وكما يقول الشاعر الجزائري الدكتور عبد العزيز شبِّين وهو يقدم ويعلق على كتاب "هندسة العروض من جديد" الصادر عام 1432هـ (2011م) عن بيت العلم للنابهين ببيروت (لبنان) ومكتبة علوم القرآن بكربلاء المقدسة (العراق) في 391 صفحة من القطع الوزيري: (أخذ كل وزن منها شكلاً ايقاعيا خاصاً، عُرف ببحر مستقل، اشتق له المؤلف اسماً مُستخلصاً من نعت البحر أو الوزن ذاته، وقبل أسماء البحور اشتق للدوائر المستحدثة أسماءها المستوحاة من نعوت فنية وشكلية تربط بين كوكبة من البحور بعلائق متعددة في دائرة واحدة).

ويمثل كتاب "هندسة العروض قراءة جديدة" أحد أضلاع مثلث في قواعد الشعر العربي وفنونه صاغها يراع الكرباسي، ضلعاه الآخران هما كتابا "الأوزان الشعرية العروض والقافية" في 719 صفحة و"بحور العروض" في 157 صفحة، وكلاهما من القطع الوزيري، والثلاثة صدرت في آن واحد، مع التأكيد أن الكرباسي انطلق في اكتشافاته العروضية الجديدة من عروض الخليل الفراهيدي وتفعيلاته الثمان لكن لم يقع تحت تأثير سحرها المانع عن الجديد لإيمانه الكامل: (إن التفعيلات هذه ليست مقدسة، فبالإمكان استحداث ما يمكن شرط أن تتقبله الآذان الحرة وصفاء القلوب)، وقد ترجم هذا الفتح العَروضي في بيت من الشعر كان شاهداً على (بحر المهزّج) وهو مما ابتكره:

هل أتى حديثٌ في القوافي مستنهضاً *** أم أتاكَ نهيٌ عن عروضي مُسترفضا

وهذا ما جرى عليه قلمه فاستشهد لكل بحر جديد ببيت شعر، ولأن البحور مستحدثة فإن الشاهد كان من نظمه مع شروحات للأديب شبّين، وفي حقيقة الأمر أن الكرباسي تعامل مع التفعيلات كما يتعامل الإنسان مع العجينة لها أن يشكلها كيفما يشاء بما يعجب الناظر دون أن ينقص من وزنها أو حجمها وهو بذلك يفتح الآفاق أمام الأدباء والشعراء وبخاصة الراغبين في معرفة هندسة العروض بعامة وقواعد الشعر العربي بعامة، ولذلك لا يرى الأديب الجزائري شبّين بُدّاً من الإقرار أن الكرباسي بما جاء به في هندسة العروض من جديد لم تستوعبه ذاكرة التاريخ في شعرنا العربي: (فحق أن يُلقَّب بالخليل الثاني اعترافاً بعبقريته في تحديث هذا العلم، والخروج به من دائرة الإنغلاق، والسمو به إلى أفق الإنفتاح، شارحاً للناشئة معالمه وفصوله، باسطاً بين أيديهم مفاتيح فهمه، وأشرعة الغوص في بحار معانيه).

ويختلف عدد البحور من دائرة إلى أخرى، وتراوحت بين الإثنين والإثني عشر، فعلى سبيل المثال فإن الدائرة الأولى المسماة (المتفق) ضمت بحرين، و(المجتلب) ثلاثة أبحر، و(المترابط) أربعة أبحر، و(المختلف) خمسة أبحر، و(الملتبس) ستة أبحر، و(المتجافي) ثمانية أبحر، و(المتناثر) تسعة أبحر، و(المتناسق) عشرة أبحر، و(المشتبه) اثني عشر بحراً.

ومن إبداع الكرباسي في شواهده، أنه تفنن فيها كأن يكون البيت خال من حرف أو مجموعة حروف، من قبيل شاهد (بحر التابع):

رستْ سفنُ النجاة على آل الرسول الأمجد *** فشعَّ على الملا بسنا نور الإله الأوحد

حيث خلا البيت من حرف الياء، وقد خلا شاهد (بحر السليم) من حرف الباء كالتالي:

قضَّني مضجعي شغفاً وفي ودادي لمن عزَفا *** والهوى لا يتوق إلى مَنْ يروقُ الذي عزفا

ونجد الفن في البحر الواحد وتفريعاته، فعلى سبيل المثال وفي (بحر الشذب) والتام منه خلا الشاهد من حرف الثاء:

همساتي باتت سبباً لمعاداتي في فكري *** وبها قد زادت خلواتُ رفاقي رغم الخطر

ولكن مجزوء الشذب لم تخلو كلمة من كلمات الشاهد من حرف الثاء على النحو التالي:

لبث الليث الثائر حيث ثغوري *** وثغى ثرثارٌ ثولاً بثبور

وهكذا في بقية شواهد البحور الخليلية القديمة والكرباسية المستحدثة.

وفي الواقع أن الأبيات التي قاربت الستمائة في الاستشهاد على البحور الجديدة وتفريعاتها ضمَّت فكرة أو حكمة أو لطيفة إبتغى الشيخ الكرباسي عامداً نقلها من الأدب المنثور المبثوث في مؤلفاته المختلفة إلى الأدب المنظوم، فبقدر اهتمامه بما ابتكره من بحور اهتمامه بأن تكون الشواهد الشعرية ذات رسالة، فعلى سبيل المثال تأكيده على منظومة العلاقات الست التي تحكم الإنسان كما في (الحسين والتشريع الإسلامي: 1/31) وهي: علاقة الفرد بخالقه، وبنفسه، وبفرد آخر، وبالمجتمع، وبالبيئة، وبالدولة، وفي هذا المقام ينظم الأديب الكرباسي في شاهد (بحر المقبول) التام:

ست علاقات ُالخلائق في الحياة كما بدا *** بالنفس وبالرحمان والبشر الذين لهم غدا

فردٌ وجمعٌ ثم يعقبه النظام لدولةٍ *** والبيئة الكبرى لها أثرُ على نمط الأدا

فهذه العلاقات كما يراها المؤلف هي مؤشر على حاضر الفرد ومستقبله، وبالتبع على المجتمع، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً.

وإذا قايسنا بحور الفراهيدي الخمسة عشر ببحور الكرباسي المائتين وعشرة أبحر، فان الفارق كبيرٌ جداً مما يعطي الإنطباع العام أن الثاني لم يترك في قوس البحور من منزع وبلغ مداها، لكن الكرباسي يرى في خاتمة كتابه أن البحور ليست متوقفة على ما ابتكره في إطار تفعيلات الخليل الثمان، لأن تجاوزها إلى العشرة مثلاً يفتح الأبواب على بحور أخرى، من قبيل مخمس المتقارب المتضمن لعشر (فعولن) في الصدر والعجز وشاهده:

قديمٌ جديدٌ دلال الغواني حبيبي *** ألا سحرهنَّ الذي يُبهرني وربِّي

وهذا الإبتكار في الدوائر العروضية وما يتفرع عنه من بحور شعرية ضمن التفاعيل الثمان والإقرار بأن الأبواب مفتّحة على بحور أخرى ومولداتها، يفسر قوله الشاعر والعروضي الجزائري الدكتور عبد العزيز شبّين أن: (الكرباسي من الأعلام القلائل الذين اشتغلوا بهذا العلم وأدركوا أسراره، وأتقنوا قواعده، بما امتلكه من حسٍّ مرهف، ونظر بعيد، ورؤيا استبصرت بلطائف الإلهام، وتغرَّست بفنون المعارف، ذلك أن منطلق هذا الفن هو الطبعُ، والموهبة وحدها كفيلة بوضع الفواصل، ورسم الإنفراد، غير أن الثقافة تزيدها وهجاً في التألق، وإبحاراً في الخيال، وبلاغة في المعنى، كلُّ هذا استخلصته مما قرأته من كتاب هندسة العَروض من جديد).

ولذا لا غرو أن ينعت الأديب الجزائري الدكتور شبِّين وهو الضليع بالبحور الخليلية، الكرباسي وهو الضليع بعلوم شتّى أنه الخليل الثاني.

الرأي الآخر للدراسات – لندن