tadaeyat-hewar

كنت في حوار مع الأستاذ محمد ب. وكان مما قاله أني في العروض الرقمي أركز على التغيرات الصغيرة فحسب. وكان ردي أن العروض الرقمي يركز على التغيرات الصغيرة والكبيرة. أما التغيرات الصغيرة فشهادة أستاذنا تكفي دليلا. وأما فيما يتعلق بالتغييرات الكبيرة فأنا أعتقد أن العروض الرقمي بتناوله البيت وحدة واحدة دون كبير اكتراث بحدود التفاعيل فإنه يكشف أثر تغيير قد يعتبر صغيرا على مقطع ما على بنية مقاطع داخلة في تفاعيل غير تفعيلته دون حاجة لالتماس تفسير أو تبرير ذلك في المصطلحات العروضية من مراقبة ومعاقبة ومكانفة واعتماد. بل إن محض الصياغة الرقمية يسهل الجدولة وإجراء أحصاءات بشكل واضح لكثير من الظواهر العروضية.

خذ الأبيات

فكم بيننا من حرمة ومودّةٍ...........وكم بيننا من موثقٍ وذمامِ

فلا تنكروا طيبَ النسيم إذا سرى ......إليكم فذاك الطيبُ فيه سلامي

ويرتاح قلبي للصعيد وأهله...........وعيشٍ مضى لي عندهم ومقامي

فإن وزن هذه الأبيات

= فعولن مفاعيلن فعولُ مفاعلُنْ.........فعولن مفاعيلن فعولُ مفاعي

بلغة العروض التفعيلي المضطرة لصياغة ذاتها بحيث تحترم الحدود الاصطلاحية بين التفاعيل يقولون عن فعولُ التي قبل الضرب مفاعي :

يقضي الاعتماد في الطويل المحذوف قبض فعولن التي قبل الضرب المحذوف

فعولن مفاعيلن فعولُ مفاعي

ولو أننا حذفنا حرفا من أول كل شطر لكان النص

كم بيننا من حرمة ومودّةٍ........... كم بيننا من موثقٍ وذمامِ

لا تنكروا طيبَ النسيم إذا سرى ......( ليلاً ) فذاك الطيبُ فيه سلامي

يرتاح قلبي للصعيد وأهله...........(فيما) مضى لي عندهم ومقامي

ووزن هذه الأبيات

متْفاعلن متْفاعلن متَفاعلن ........ متْفاعلن متْفاعلن متَفالُن (متفاعلْ)

2 2 3 2 2 3 1 3 3 .........2 2 3 2 2 3 1 3 2

فهذه الأبيات بهذه التفاعيل من الكامل

ولكن انظر إلى طلاقة العروض الرقمي وعدم تقيده بحدود التفاعيل

بحكم طلاقة وشمولية الوزن الرقمي الذي هو ألظّ بذات الوزن في حين أن التفاعيل صفات له. فإن

1 3 2 في الطويل هي 1 3 2 في الكامل وما يصح في هذه يصح في تلك دون حاجة للتحايل على حدود التفاعيل بالاعتماد.

بل لعلنا نتصور أن تحول 231 = متفالُنْ بالتكافؤ الخببي في آخر الكامل إلى 222 = متْفالن بحيث يصبح النص

كم بيننا من حرمة ومودّةٍ........... كم بيننا من موثقِ الإسلامِ

2 2 3 2 2 3 1 3 3 ............2 2 3 2 2 3 2 2 2

لا تنكروا طيبَ النسيم إذا سرى ......( ليلاً ) فذاك الطيبُ من إلهامي

يرتاح قلبي للصعيد وأهله...........( مما ) مضى لي عندهم من عامِ

لعل لنا أن نتصور أنه يجوز قياسا في الطويل القول:

فكم بيننا من حرمة ومودّةٍ...........وكم بيننا من موثق الإسلامِ

3 2 3 2 2 3 1 3 3 ...........3 2 3 2 2 3 2 2 2

فلا تنكروا طيبَ النسيم إذا سرى ......إليكم فذاك الطيبُ من إلهامي

ويرتاح قلبي للصعيد وأهله...........وعيشٍ مضى لي عندهم من عامِ

وذلك بلغة التفاعيل يعني تحول 231 = لُمَفاعي من (فعولُ مفاعي) إلى 222= لُمْفاعي

بل إن ذلك ليطرح السؤال التالي

ماذا لو التزمنا في قصيدة خرم كافة أشطر الطويل ؟

الأبيات الأصل:

سلامي على من لا يرد سلامي.........لقد هان قدري عنده ومقامي

وإني على من لا أسميه عاتبٌ..........فيا ربّ لا يبلغ إليه كلامي

فكم بيننا من حرمة ومودة..........وكم بيننا من موثقٍ وذمام

الأبيات محرفة

رُحمى على من لا يرد سلامي......... قد هان قدري عنده ومقامي

إني على من لا أسميه عاتبٌ.......... يا ربّ لا يبلغ إليه كلامي

كم بيننا من حرمة ومودة.......... كم بيننا من موثقٍ وذمام

والوزن المستفسر عنه هو

= 4 3 4 3 2 3 2 أو 4 3 4 3 1 3 2

وهو وزن المسحوب في العامي، ويبدو لي من سلس الموزون

والدكتور أحمد مستجير يرى أن هذا هو السريع

وهذا بدوره يطرح التساؤل التالي:

ماذا لو اجتمع خرم الشطرين مع الضرب 33 أو القافية 32 في الطويل كما في البيت

بالله كفّا اللوم في فيضِ عبرةٍ...........ما الوجد إلا أن تفيض وتسجما

2 2 3 2 2 3 2 3 3.............2 2 3 2 2 3 1 3 3

لا تعجبا من فجعة البين إنني.........شِمْتُ الهوى طعمين شهداً وعلقما

2 2 3 2 2 3 2 3 3 ...........2 2 3 2 2 3 2 3 3

ويلي من الأيام رنّقن مشربي......... لقّيْنني نحسا من الطير أشأما

2 2 3 2 2 3 2 3 3 ............2 2 3 2 2 3 2 3 3

محرفة من أبيات البحتري من الطويل

خليليّ كفّا اللوم في فيضِ عبرةٍ...........أبى الوجد إلا أن تفيض وتسجما

ولا تعجبا من فجعة البين إنني.........رأيتُ الهوى طعمين شهداً وعلقما

عذيري من الأيام رنّقن مشربي.........ولقّيْنني نحسا من الطير أشأما

هذا من جهة شمولية العروض الرقمي في نظرته وأما من جهة تيسر الإحصاء لبعض الظواهر العروضية باستعمال الأرقام فذلك موصول أيضا ببقية الحوار معه. فمما تناولناه ورود الرقم 6 في حشو أبيات دائرة المشتبه والرقم 6 في الحشو مظهر خببي يتفلت الوزن منه بتحويله بالتراقب إلى 23 أو 32 كما في تحول مفاعيلن فاعلاتن = 3 2 2 2 3 2 في المضارع إلى

مفاعيلُ فاعلاتن = 3 2 3 3 2

أو مفاعلن فاعلاتن = 3 3 2 3 2

وكان مما قلته أني أعجب من شذوذ الخفيف في احتوائه هذا الرقم مستقرا في حشوه. وقد قال لي الأستاذ أن ذلك راجع لاعتيادنا لا غير وأنه مر عليه زمن لك يكن يستسيغه. وفكرت في ذاك الذي يجعل الوزن 2 3 2 2 2 3 2 3 2 مستساغا في الخفيف. ولو أن مجيئه على 2 3 2 3 3 2 3 2 أسلس. وخطر لي أنه ربما اقترن مجيء

2 3 2 // 22 3 2 3 2 بتوافق آخر 2 3 2 مع نهاية كلمة يعقبها صمت يقسم الأسباب الثلاثة إلى سبب فصمت فسببين وهو ما يخفف من حدة الإيقاع الخببي الناجم عن تجاور ثلاثة أسباب.

فقررت أن أستقصي مدى صحة ذلك الحدس.

فقلت أستعرض أبياتا لبضعة شعراء وأختبر مدى صحة ذلك.

وقد اخترت الأبيات الثلاثة ألاولى من كل قصيدة وهنا

الأشطر الحمراء = الأشطر التي تحوي 222 أي فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن

المقطع الأحمر العريض بالخط الكوفي في العمود رقم 3 هو الذي يمثل نهاية كلمة في الأبيات الحمراء

الأشطر السوداء هي الأشطر التي وزنها 2 3 2 3 3 2 3 2 أي فاعلاتن متفعلن فاعلاتن

المقطع الأسود العريض بالخط الكوفي في العمود رقم 3 هو الذي يمثل نهاية كلمة في الأبيات السوداء

والجدول التالي يمثل خلاصة ما تقدم

ماذا يعني هذا

س = مقارنة أأ مع ب ب تدل على أن نسبة عدد الأشطر الحمراء التي تنتهي فيها كلمة بالعمود 3 بالنسبة لكامل عدد الأشطر الحمراء تبلغ 2.8 مرة نسبة نظيرتها في الأشطر السوداء. فإذا تذكرنا أن الأشطر الحمراء هي التي جاء فيها وزن الشطر على 2 3 (42) 3 2 3 2 وأن الأشطر السوداء هي التي جاء الوزن فيها على 2 3 (32) 3 2 3 2 رأينا أن نتيجة هذه الإحصائية تتفق مع التخمين الذي بدأناها به.