طريق الأرقام

الطريق إلى الأرقام

يروى أن الخليل بن أحمد استوحى علم العروض من سماعه شيخا يعلم صبيا ويقول له :

نعم لا / نعم لا لا / نعم لا / نعم لا لا نعم لا / نعم لا لا /نعم لا / نعم لا لا

ولما كان الوزن الشعري وصفاً لإيقاع الحركات والسكنات فقد خطر لي التعبير رقميا عن الحركات والسكنات في البيت السابق مستعملا:

( 1 = رمز المتحرك ،5 = رمز الساكن الذي يشمل الممدود أيضاً ) حيث :

نعم =(نَ=1)+(عَ=1)+(مْ=ه )=11ه، وحروفها ثلاثة فلنرمز لها بالرقم (3).

لـا =(لَ=1)+( ا=ه )=1ه، وعدد أحرفها إثنان فلنرمز لها بالرقم 2

وتصبح نعم لـا =11ه+1ه = 3 2 = فعولن

وتصبح نعم لـا لـا =11ه + 1ه + 1ه = 3 2 2 = مفاعيلن .

ويصبح وزن البيت السابق

فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ فَعُوْلُنْ مَفَاْعِيْلُنْ

ومن هذه البداية انطلقت إلى بقية التفاعيل وهذا الكتاب.

ومن الضروري جدا قبل البدء في العروض معرفة المقاطع وعلاقة الأرقام بها، ولهذا أنصح للمبتدئ في العروض أو في استعمال الأرقام باستيعاب الصفحات القليلة القادمة.

المقطع

يتمثل البعد الموسيقي للشعر في أنه نغم ذو إيقاع ناتج من تكرار وحدات صوتية معينة على نحو معين وتسمى هذه الوحدات المقاطع، وهي (2-ص21): "الأنوية الإيقاعية التي تتشكل وفقا لطريقة انتظام الحركات والسكنات."المقاطع حسب لفظها نوعان:

1-حرفان متحرك فساكن أو ممدود مثل (لـا=/ه=51=2)، ويسمى السبب

2-ثلاثة أحرف متحركان فساكن أو ممدود مثل (نَعَمْ=//ه=511=3)، وهو الوتد

في الجدول التالي م=متحرك، س= ساكن أو ممدود (ا،و،ي)، وسنرى أن المتحرك المنفرد(1) إما متحول من مقطع أو داخل في مقطع. 0

تحوي عبارة ( جَمَعَكُمْ سُورْ ) الأنواع المختلفة من المقاطع حسب اللفظ. حاول أن تلفظ كل حرف فيها مع مراعاة حركته أو سكونه على حدة ،وستجد أن الأحرف من حيث إمكانات نطقها كما يلي:-

أحرف متحركة تستطيع أن تنطق كلا منها منفردا ولا تحتاج إليه في نطق ما بعده من أحرف وهي (جَـ) و(مَـ) و(عَـ) في كلمة (جَـ مَـ عَـ كُمْ) وكل منها متحرك من حرف واحد ولهذا فإن وزنه الرقمي = (1) ويرمز إليه بعلامة تشبه حركة الفتحة مكبرة (/ أو بالرقم 1).

تستطيع أن تلفظ الكاف المضمومة في كلمة (جَمَعَـكُـمْ) على انفراد شأن الأحرف السابقة لها ولكنك لن تستطيع نطق الميم الساكنة بعد الكاف (جَمَعَـكُـمْ) إلا بنطق الكاف قبلها (جَمَعـكُـمْ ) متصلة بها وينطبق الشيء ذاته على السين في كلمة (سُـ ورْ) فأنت تستطيع أن تنطقها منفردة ولكنك لن تستطيع نطق الواو ممدودة دون حركة (سـ ور) إلا إذا لفظت السين قبلها (سو ر) متصلة بها ولهذا يعـتبر كل زوجين من الأحـرف ( المتحرك والساكن الذي يليه ) وهما هنا (كُمْ) و(سُو) مقطعا مزدوجا من حرفين متحرك فساكن فوزنه الرقمي = (2) واصطلح على تسميته بـ (السبب) ويرمز إليه أيضا بعلامة الحرف المتحرك (1) يتلوها رمز الحرف الساكن وهو علامة السكون (5)فيكون رمز السبب(1 5).

ولنا أن نتصور المقطع الساكن نواةً أمامها مداران يستوعب الواحد منهما متحركا واحدا لا غير، والذي يُمْلَؤُ أولا هو المدار الأقرب للنواة، فإن وجدت متجركا آخر ملأت به الثاني فصار مجموع الأحرف ثلاثة وهو الوتد، وإن لم تجد اكتفت بواحد وصار عدد الأحرف اثنين وهو السبب.

نَـعَـمْ = 1 1 ه = 3 =وتد

لــا = 1 ه = 2 = سبب

ماذا عن كلمة مثل ( فَنَعَمْ ) ؟ = فَ + نعمْ = 1 3

والمعوّل في تحديد المقاطع أو التقطيع على الكلام كما يلفظ لا كما يكتب وليس لقواعد الإملاء أي اعتبار في ذلك، فمثلا كلمة (عَلَمٌ) تعامل عروضيا وكأنها (عَلَمُنْ) وكلمة (الشَّمسُ) تعامل عروضيا على أنها (أَشْشَمْسُ) أو. (أَشْشَمْسُ)

المقاطع العروضية والتفاعيل

المقاطع العروضية(2-ص21):هي الأنوية الإيقاعية التي تتشكل وفقا لطريقة انتظام الحركات والسكنات.

مرت معنا المقاطع الرئيسة حسب عدد حروفها وهناك أسماء لتلك المقاطع وسواها الناجم من تجميعها كما يبينها الجدول التالي (م=/=1متحرك، س= ه=ساكن)

يلزمنا في العروض الرقمي معرفة دلالة الأرقام التالية

1 = متحرك : مثل لَ، عِ، مُ = 1

2 = متحرك + ساكنْ =1ه=2 مثل لَـكْ ، عِـشْ ، مُـرْ ، وهذا اسمه سبب

3 = متحرك + متحرك + ساكنْ = 11ه =1 2=3 مثل، وَلَـكْ، فَعِـشْ، قُمُـرْ، ويسمى هذا وَتِدا.

التقطيع

التقطيع هو تحليل الكلام إلى مقاطعه، ومن ثم بيان النسق الذي تنتظم المقاطع عليه. ونتبع لذلك الخطوات التالية:

1. نقرا العبارة قراءة سليمة.

2. نتصور كتابتها حسب لفظها دون اعتبار لقواعد الإملاء أو حدود الكلمات.

3. نعتبر كل حرفٍ ساكنٍ وكل حرفِ مدٍّ نواةً ونهايةً لمقطعٍ يحوز إليه ما يقع في مجال تأثيره -ومجال تأثيره ينتهي بمتحركين إلا أن يصده ساكن قبل ذلك- من متحركات مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا المجال لا يتسع لأكثر من حرفين متحركين، ويكون الوزن الرقمي للمقطع مساويا لمجموع عدد حروفه، وهو كما رأينا لا يزيد عن ثلاثة، ونعتبر كل مقطع وكأنه كلمة قصيرة قائمة بذاتها وقد يجمع حروفا من كلمتين متجاورتين.وفي حالة واحدة لا يجد الحرف الساكن في مجاله حرفا يضمه إليه فيكتفي بذاته ويثبت بشكل سكون بعد الوزن الرقمي للمقطع السابق له حيث يكون الحرف الذي يأتي قبله مباشرة حرف مد نحو كلمة ( صديقْ )بتسكين القاف =(صدي=3،قْ=ه).

4. وزن الكلمة أو العبارة أو بيت الشعر هو مجموع أوزان مقاطع كل منها بالترتيب.

5. أي حرف متحرك لا يدخل في مجال تأثير ساكن أو ممدود فإنه يُثبت واحدا (1 )

وفيما يلي قائمتان من الكلمات أولاهما كلماتها=32 وثانيتها كلماتها=23

ولو رددت كلمات كل قائمة لأصبت من شعر التفعيلة شكله.

لاشك أنك لاحظت أن الأزرق اتخذ رمزا للسبب (س=2) والأحمر رمزا للوتد (وتِدْ= 21=3)

والآن إلى وزن بعض العبارات (لاحظ جواز جمع الأرقام الزوجية المتجاورة)

الكتابة العروضية

هناك طريقتان مختلفتان في الكتابة ولكل منهما قواعد تختلف عن الأخرى؛ أولاهما الكتابة الإملائية ومن قواعدها فصل كل كلمة عما سواها، وثانيتهما الكتابة العروضية المقطعية وقاعدتها فصل كل مقطع عما سواه، دون أخذ حدود الكلمات أو قواعد الإملاء بعين الاعتبار، ومنتهى كل مقطع سكون أو حرف علة، ومعظم المقاطع حرفان أو ثلاثة، وأنت ترى أن المتحركات عموما واقعة في مجال نواة المقطع الذي يضمها والذي لا يستوعب اكثر من حرفين قبل الساكن، فإذا وجدت قبل الساكن ثلاثة أحرف فإن السكون يجذب حرفين منها، ولا مجال فيه للثالث الذي يبقى مقطعا من حرف واحد-غالبا ما يكون فقد نواته وهي السكون أو الحرف الساكن أو الممدود- وإتقان الكتابة العروضية هو الخطوة الأولى التي يلزم متعلمَ العروض إتقانهُا، وفيما يلي طائفة من الأبيات بالكتابة الإملائية ثم بالكتابة العروضية المقطعية:

مصطلحات

يقول أبن حمديس:

بيت الشعر : هو وحدة البناء في القصيدة .

الصّــدر: الشطر الاول

العجُــز: الشطر الثاني

العـروض:التفعيلة الأخيرة من صدر البيت مؤنثة والجمع أعاريض وبإسمها سمي علم العروض

الضـرب: التفعيلة الأخيرة من العجز مذكرة والجمع أضرب وضروب

الحشــو: جميع تفعيلات البيت عدا العروض والضرب .

تأنيس الأرقام

فيما يلي قصيدة رقيقة للبهاء زهير، وهي محللة إلى مقاطعها الأولية وهي عبارة عن المقطعين 2= السبب، 3= الوتد.

حاول الترنم بالقصيدة ببطئ وسترى أنك سوف تتوقف أو ترتكز على نهاية كل مقطع، ذلك أن نهاية كل مقطع سواء كان 2، أم 3 حرف علة ممدود أو حرف ساكن.كما ستلاحظ أنك ستلفظ الأحرف الرمادية الموجودة في الخانات التي تتألف من حرفين، وهي أحرف مقدَّرة ولا يختل الشعر بحذفها، ولكن معظمها يظهر عند إنشاد الشعر أو تلحينه على فواصل متناسقة. لاحظ أيضا أن خانات الرقم (3) لم يحذف منها أي حرف.

آمل أن تنتبه إلى ما تقدم وسترى بعد قراءة القصيدة أن ما وجدته وأدركته بيسر هو في صلب العروض ومن أهم مبادئه حاول أن تتبين ما يلي:

1-أن الشعر يتشكل من تكرار أسباب وأوتاد على نمط معين.

2-أن الشطرين يحويان نفس المقاطع وبنفس الترتيب.

3-أن كل الأبيات لها نفس حرف النهاية ويسمى الروي.

4-بعض الأسباب قد تفقد الحرف الساكن.وهذا هو الزحاف وبه (1ه تصير 1 .............2 تصير 1 )

5- الرقم 3 لا يتغير، أو الوتد غير قابل للزحاف

يقول البهاء زهير:

فلنحاول النظم إذن

كما رأيت في القصيدة المتقدمة يتخذ الشعر شكل ترديد مقاطع على نسق واحد يسمى الوزن أو الإيقاع وإذا راعينا هذا النسق خرجنا بنظم له من الشعر شكله، وفي محاولة للنظم وتأنيس الأرقام سنحاول معا تأليف كلمات ذات معنى ما على وزن = 32، نختار الموضوع ونضع قائمة بالكلمات والعبارات ذات العلاقة بمعناه التي يتحقق فيها هذا الوزن، مع زيادة عدد الكلمات التي نرغب أن تكون في نهاية كل بيت، أي التي تتكون منها القافية ويكون آخرها الحرف الذي يتردد في آخر كل بيت (الروي ) ، ولنصمم كلًّا من شطري البيت من وحدتين من الوزن 32، وليكن الموضوع ترحيب شخص بصديقه الذي أتاه زائرا، ولنستعن بالقائمة أو ما يقارب كلماتها في اختيار كلمات الأبيات الأولى من القصيدة، ثم نحاول الاستمرار دون الرجوع للقائمة،

والآن سنكرر المحاولة لنفس المعنى على وزن آخر هو 23 بدل 32 مع وقوع أخطاء نحاول الاستعانة بالأرقام لكشفها. وبعض المراعاة للجوانب البلاغية إضافة إلى الوزن، ومن الأمثلة على الوزن الجديد :

أتـيْتمْ = ( أتَيْ=3 + تُـمْ= 2 )=23 إلَيْنـا = (إلَيْ=3 + نا= 2)=23

فأهلاً(نْ) = (فَأَهْ=3 + لَنْ= )=23 وسهلـا=(وَسَهْ=3 +لـا= 2 )=23

وليكن هذا هو البيت الأول 1- أتيتمْ إلينا فأهلاً وسهلا

والآن نحن مهتمون بإيجاد العبارات والكلمات التي يتوفر فيها هذا الوزن مع مراعاة الكلمات التي تأتي في نهاية الأبيات وتكون مثل (سهْلا ) أو (وسهلا )، ومنها مثلا: أحلى وأغلى ومهلا ونحلا وكهلا ورحلا ونقْلا وفصلا، وتصلح هذه الكلمات جميعا كنهايات للأبيات، ونحاول أن نختار من هذه الكلمات ما يناسب معنى الكلمات التي سبقته في كل بيت، وفي بعض الأحيان قد تتقرر نهاية البيت قبل أوله فنبحث حينئذ عن كلمات لأوله تناسب نهايته.

والآن إلى البيت الثاني: هلَّيتم علينا كبدْرٍ أهَلا

التصحيح أ-هلّيْتم={(هَلْ=2)+(لَيْ=2)+(تُمْ=2)}=222والمطلوب 221=23=هَلَلْتُمْ

ب-أهلَّ تقال للهلال وإذن نقول كبدرٍ أطلا ومثلها بزغتم علينا بدل هللتمْ علينا

ويصبح البيت الثاني بزغتم علينـا كبدرٍ أطلا أو كما البدر طلا.

والآن إلى البيت الثالث، ولنقل أن شطره الأول عبارة (شَرُفَتْ جمالٌ ) ويناسب كلمة الجِمال كلمة (ورحلا ) ونحن عرفنا أن كلمة (ورحْلا:ورَحْ=3+لا=2)، ويبقى ناقصا لدينا الكلمة الأولى من الشطر الثاني وتناسبها كلمة (ركبْتمْ وهي =23حيث رَكِبْ=3، تُمْ=2)، ويصبح البيت:

شَرُفَتْ جِمالٌ ركبْتُمْ ورحلا

ونحن عرفنا أن وزن الشطر الثاني =(ركبتم=23)+ ( ورحْلا=23 )فلنحاول التأكد من وزن الشطر الأول،

شَرُفَتْ= {(شَ=1)+(رُفَتْ=3)}=31، جِـمالٌ={(جِما=3)+(لُنْ=2)}=23

وهكذا يكون وزن الشطر الأول شرُفَتْ جِمالٌ=31/23 وهو يختلف عما اتفقنا عليه من أن وزن كافة الأشطر هو مكرر 23 ، كما أننا نلاحظ في البيت خطأً نحويَّاً ، ذلك أن في البيت اسمين معطوف ثانيهما (رحلا ) على أولهما (جِمالٌ) فإما أن يكونا أ=(جمالٌ ورحْلٌ) أو ب=(جِمالاً ورحلا )، و(أ) مستبعدةُ لأن البيت الأول قرر أن نهاية كل الأبيات يجب أن تكون لاما تتبعها ألف، وهذا يقتضي نصب كلمة(رحل) وبالتالي لا يبقى سوى (ب) التي تتطلب نصب كلمة (جمال) ويتحقق ذلك بجعلها مفعولا به كأن نقول: (ركبتم جِمالاُ ) ويصبح البيت (ركبتم جمالا ركبتم ورحلا)، وهذا صحيح من ناحية الوزن وصحيح من ناحية نحوية، ولكنه معنى إخباري خال من الجَمال علاوة على ما فيه من تكرار ثقيل لكلمة ركبتم، فلنحاول البحث عن تعبير آخر تكون فيه كلمة الجمال منصوبةً ويشمل مسحةً من الجَمَال، ومن عادة العرب أن تدعو على الناقة التي تبعد الأحبة فيكون من المنطقي أن نمتدح الجمل الذي حملهم فقربهم إلينا، وفي ذلك معنى التكريم، ويتحقق بقولنا (شَرُفْتُـمْ =23جِمالا=23 )لأن شَرُفْ=3،تُـمْ=2، ويصبح البيت : شرفْتمْ جِمالـاًـ ركبتم ورحْلـاـ

وهذا معنى مقبول، ولو أن الإجادة الفنية واللغوية تتطلب ما هو أرقى، ومن ذلك أن الجمال وهي في موضع تكريم لا يناسبه أن نقول عنها فيه (ركبتم) فنضعها في محل مفعول به لفعل الركوب، وأصح من ذلك وأجمل لو وجدنا تعبيرا يؤدي معنى ( حملتكم ) فنجعلها فاعلا ونكرمها لفعل قامت به لا لفعل فرض عليها، ولا مجال لدينا من المقاطع لهذا المعنى سوى ما وزنه=23 وهو ما يضيق بجملة حملتكم فوزنها =231

حملتكم={(حَ=1)+ (مَلَتْ=3)+(كُمْ=2)}=231 وهذا يبين أن (حَ=1) زائدة عن الحيز المتاح للفعل المطلوب، ولو حذفناها لبقيت حـمَلَتْكمْ ولو كانت عبارة مَلَتْكُمْ تؤدي المعنى لاستعملناها، وهي لا تؤديه ولكنها تفيدنا أن المطلوب عبارة مساوية لها من مقطعين الأول فِعل ماضٍ على وزن (مَلَتْ)=3، والثاني=كُمْ=2، ويجب أن تنتهي بضمير الجماعة الموصول للمخاطب (كُمْ)، وليكون ذلك ممكنا ينبغي أن يكون آخر الفعل حرف علة (ألفاً أصلها واو أو ياء) ليتسنى حذفه لدى اتصاله بتاء التأنيث، وهنا يأتي دور الحصيلة اللغوية أو يُلجأ للقاموس، وإذا لم نجد فعلا يفيد معنى الحمل أو النقل نلجأ للمجاز؛ نضا السيف ينضوه سلَّه من غمده، ولا بأس من استعمال هذا الفعل فكأنهم سيوف وبلادهم أغمادها، ونقل الجمال لهم بمثابة الاستلال للسيوف، ويصبح البيت:

3-شرُفتمْ جمالـاًـ نضتْكم ورحلـاـ

وجِمالا هنا تمييز وهو جمع ويجوز استعمال الجمع تمييزا كما في قوله تعالى (القمر-12):"وفجرنا الأرض عيونا"، وقد يفضل البعض كلمة ركاب بمعنى إبل في هذا المقام فيصبح البيت كما تقدم أو: شرُفتمْ ركابا نضتْكم ورحلـاـ

ولكن لا زال في البيت بعض الغضاضة ذلك أنّا في مجال تكريمنا للجمال احتفاءً براكبيها كدنا نتخطى حق راكبيها أنفسهم حين ضمّنّا التمييز معنى البدلِيِّة، فلو قلنا نِعْمَ المدرسةُ طلابُها، كانت (طلابُ) بدلا من المدرسة، ويبقى هذا المعنى واردا لو قلنا نعمت المدرسة طُلاباً، ويحسن أن نستبعد هذه الشبهة بالنسبة للجمال وضمير الجماعة في شَرُفتم، الأمر الذي يتطلب تغيير بناء الجملة، كقولنا أُحيّي جمالا نضتكم ورحْلا.وقد لا نسلم من ناقد يقول: الضيف جاء مستقلا سيارة فارهة فما للجمال وكيف تتجاهل بيئتك إلى بيئة راحت أو كادت، وقد ينتقد استعمال الفعل نضا الذي قد يذكِّر بقول الشاعر:

"فجرِّد حسامك من غمده"، وتباينه مع بيئتنا أنكى من تباين سابقه، ولهذا نجعل القول:

أحيي الرِّكابَ ومن قد أقـلّا

وكلمة (ونِعْمَ) أبلغ في التعبير من (أحيّي)، والفاء للعطف أنسب من الواو في هذا المقام لأن فيها معنى الاستئناف لما تقدمها، فيصبح النص: فنعم الركاب ومن قد أقلا، ويكون أنسب كذلك لو قلنا "بمن قد أقلا" حيث تفيد الباء معنيي السببية والمصاحبة، ونبين بذلك أن التحية موجهة أساسا إلى الضيف. فإن أصر الناقد على انتقاد الركاب لأنها الإبل قلنا له أن يعتبر ذلك على سبيل الاستعارة فالسيارة إنما هي في الأصل القافلة.

البيت الرابع: كلامكَ حلوٌ ولقاؤُكَ أحلى

مع ملاحظة الانتقال من ضمير الجمع إلى ضمير المفرد، وهو ما يمكن أن ينظر إليه كعيب، أو ميزة باعتبار أن التوجه إلى الزائر كان بصيغة الجماعة تقديرا لأول الوصول ، فلما دنا وتباسطا رفع المتكلم التكليف واستعمل المفرد تعبيرا عن القرب والألفة.

4-(كلا=3، م=1)=13/ (كَحُلْ=3،وُنْ=2)=23

(و=ا،لِقا=3،ءُ=ا)=131/(كَأَحْ =3،لى=2)=23

كلامُ=13 بدل 23 ومن الجائز في الشعر أن يحل الرقم 1 محل الرقم 2 على الأغلب الأعم. ولقاؤ=131، والمطلوب 23أو 13 فتحذف الواو :ولقاءُ =13 أو ولقيا=وَلُقْ=3، يا=2،وهكذا يصبح البيت الرابع:

كلامُكَ حُلْوٌ ولقياكَ أحلى أو( لقاؤُكَ أحلى) والأول أعذب لأن :

أ-اللقيا وهي بصيغة المؤنث أنسب في معرض الأنس من اللقاء بصيغة المذكر. والمقابلة بينها وبين الكلام وهو مذكر في الصدر لا تخلو من جمال

ب- ياء اللقيا اللينة أعذب جرسا من همزة (لقاؤُكَ)

ج-واو العطف في بداية الشطر الثاني تقرب الشطرين معنى ولفظا، وتخفف مما يبدو وكأنه انقطاع أو جفاء بينهما، ويزيد اقترانها بلقياك من عذوبة اللفظة لاحتواء (ولقياك) على أحرف العلة الثلاثة (و،ي،ا )، ومن المصادفات الجمالية أن الأحرف الثلاثة الأخرى في (ولقياك) هي أحرف ملتقية في الأبجدية(ق، ك، ل).وتصبح الأبيات:

أتـيتمْ إلـينا فأهـلاً وسهلا

بـزغتـم علينا كبـدرٍ أطـلا

فنِعْمَ الركابُ بمن قـد أقلّا

كـلامُكَ حُلْوٌ ولـقياكَ أحلى

تنـافس قـومٌ ثـراءا وبذلا

وطولا وعرضا وأصـلاً وفصْلا

فكنت بتقـوا كَ للعـين أملى

الوزن32 =(فا=2)+ (عِلُنْ=3)= فاعلن. والوزن23=(فعو=3)+ (لُنْ=2)=فعولن

وتسمى كل من فاعلن وفعولن تفعيلة وكل منهما وحدة لقياس الوزن تضم مقطعين.

هكذا ترى معنى كل من الوزن والمقطع، وتتحد المقاطع في وحدات أكبر تسمى التفاعيل.

التفاعيل

يعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي (6-ص99) من"رفع قواعد علم النحو والتصريف وأقام أركانهما وأشاد صرحهما"، وهو مؤسس ومنجز علم العروض بلا منازع، ولهذا نجد تشابها في بعض أدوات هذه العلوم كاستعمال كلمة (وزْن) في الصرف والعروض، واستعمال (فَعَلَ) أداةً للوزن والقياس في كليهما؛ ففي علم الصرف كل فعل ثلاثي مجرد على وزن فَعَلَ، وكل اشتقاق للكلمة بزيادة أحرف على فعلها الثلاثي يقابله وزنه من فعلَ الذي يتم بزيادة نفس الأحرف عليها وفي ذات مواضع الزيادة، فمثلا كلمة كتَبَ على وزن فَعَلَ، وكاتب على وزن فاعل.

هذا في الصرف، أما في العروض فإذا قيل كاتبٌ بالتنوين على وزن فاعلٌ وتكتب في العروض فاعلن فإن المقصود بذلك ليس الأحرف وإنما الحركات أو المتحركات، والسكنات أو السواكن في كل منهما، وعليه تكون كلٌّ من (كاتبٌ ) و(جاهدوا ) (ومَيْسَرَهْ ) على وزن فاعِلن كما يتضح من المقارنة التالية لتوالي الحركات والسكنات دون تفريق بين حركة وأخرى، ويُشار هنا إلى أن المعوَّل على الكلمة كما تلفظ وليس كما تكتب إملائيا، كما في الجدول التالي،

الأوزان الرقمية للتفاعيل

وفاعلن هي إحدى التفاعيل التي اصطلح عليها لتعريف نمط بعينه من الإيقاع ناتج بدوره عن نمط من تتابع سبب خفيف فوتد، وهناك أنماط أخرى من الإيقاعات ناتجة عن أنماط من تتابع المقاطع، وكل نمط تصفه تفعيلة، كما تراه في الجدول المرافق.

الرقم المكافئ للمقطع، والذي سندعوه رقمه الرمزي أو رمزه اختصارا هو –كما علمت- ساكن ذلك المقطع، مضافا إليه ما يسبقه ويدخل في مجاله من حرف أو حرفَين، فما زاد عن ذلك من متحركات بين ساكنين نرمز لكل منها بالرقم (1).

وهنا علينا أن نعلم أن التفاعيل إنما هي اصطلاح جميل لوصف الوزن الي يمكن أن تصفه عبرات أخرى ولكن الخليل اختار الأجمل من الأوصاف. وعلينا أن لا ننظر إلى حدودها كجدران فاصلةٍ بين أجزاء الوزن كما أن علينا أن لا نجعل من التفاعيل غاية.

فمثلا = 2 3 2 3 = فاعلن فاعلن = فاعلاتن فعلْ

= فاعِ مستفعلن.= فاعمس تفعلن

وإذا كان التعبير الرقمي واحدا كالإسم للشخص فإن التعبير بالتفاعيل يمكن أن يتغير كالكُنى (جمع كنية) قد تتعدد للشخص الواحد وتفاعيل الخليل للأوزان هي أجمل الكُنى وفي المقابل جدول ليعطي القارئ لمحة عن مفهوم التفاعيل.

نحن في الرقمي لا نتعامل مع التفاعيل وإنما ذكرت هنا ليأخذ دارس الرقمي فكرة عنها إن مرت به

تقطيع الأبيات

بعد أن استعرضنا المقاطع والتفاعيل وتقطيع العبارات ننتقل إلى تقطيع الأبيات وذلك بكتابة كل مقطع على حدة، ووضع رقمه كما سيرد لاحقا تمهيدا لبيان تفعيلات البيت ومن ثم وزنه، ويكون ذلك حسب اللفظ لا الكتابة. وهناك قواعد تعين على ذلك وخير منها المران على التقطيع حسب اللفظ كما يرى في الأمثلة التالية حيث يتم الوقوف على كل ساكن واعتباره نهاية لمقطع هو إما (2) أو (3) حسب عدد الأحرف فيه و4 هي حاصل جمع (2 + 2).

يقول المتنبي :

ولا تَشَكَّ إلى خلْقٍ فَتُشْمِتَهُ شكوى الجريح إلى الغِربان والرَّخّمِ

ويقول شاعر:

وقد طوّفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب

وفي الجدول التالي السبب أزرق والوتد أحمر.

وجود الرقم331 وهو التركيب مُتَفاعلن=عَلَتُنْ مُفا= 331 شرط لصحة الجمع

(31=4).لاحظ أن (4=2 2=11 2=31متبوعة بالرقم3)

ولكعب بن مالك رضي الله عنه:

وببئر بدرٍ إذْ يردُّ وجوهَهم جبريلُ تحت لوائنا ومحمَّدُ (عليهما السلام)

وقد يكون من الأسهل على المبتدئ إجراء عملية التقطيع على المراحل التالية :

1- الرمز للمتحرك الذي يليه متحرك آخر بالرقم (1)

2-الرمز للمتحرك مع الساكن الذي يليه بالرقم (2) .

3-جمع 21=1=2=3 4-جمع22=2+2=4

5-331=(1+3)+3=34

ولشاعر:تحلُّ بالكذب من نارٍ بأسفلها إذْ يرفع الصدق في الفردوس إدريسا

ولا تشـك إلــى خلـــــقن فتشــــمــتهــو

لاحظ أن قائم كل من 2 ، 3 يمثل ساكنا أو ممدودا (حرف علة) وحيث يرد الرقمان 2 ، 3 في التقطيع لاحقا فالصورة المعنية هي الصورة الموضحة أعلاه بما تحمله القوائم من دلالة على الساكن الملون أحمر وسواها من أجزاء الرقمين والرقم 1 من دلالة على المتحرك الملونة زرقاء، وتحول الطباعة دون كتابة الرقمين على هذه الصورة.