رؤوس الآيات

نقلا عن الرابط:

http://www.tafsir.net/vb/showthread.php?t=1493

كتاب (معاني القرآن) للفرّاء ـــ بهاء الدين الزهوري . باحث سوري .

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 91

يعتبر كتاب (معاني القرآن) للفراء(الفراء (144-207هـ- 761-822م) أبو زكريا يحيى بن زياد، تلميذ الكسائي، من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة وأخبار العرب. له (معاني القرآن) و(المنقوص والممدود).)، دراسة مكملة ـ من الناحية اللغوية ـ لكتاب(مجاز القرآن) لأبي عبيدة، لأنه يبحث في التراكيب والإعراب، وكتاب (المجاز) في الغريب والمجاز، وكلتا الدراستين متعلقتان بالأسلوب، واختلفت دراسة الفراء هنا عن دراسة أبي عبيدة، وكان لهذا الخلاف أسبابه التي سنراها عما قليل. و كان الفراء (144-207) هـ من أعلم الكوفيين بالنحو واللغة.‏

نظم القرآن ووزنه:‏

لم ينتبه أبو عبيدة للناحية الموسيقية في نظم القرآن والتوقيع الرتيب فيه، مما جعل له نفعاً معيناً، وأثراً موسيقياً فعالاً في النفوس، ولا ينفي هذا التجاهل من أبي عبيدة إدراك الناس على عهده لهذه الخاصة، ومراعاتهملرصف الكلام في وحدات صوتية تتبع نظاماً رتيباً يساير وقعه المعنى العام في السورة القصيرة، أو مجموعة بعينها من الآيات(30).‏

وقديماً تنبه العرب إلى وزن القرآن، فقارنوه بوزن الشعر، وإيقاع سجع الكهان ولكن هذه الملاحظات سكتت لسبب أو لآخر. ولعل هذا السكوت عن البحث في نظم القرآن من هذه الناحية يرجع إلى انصراف الناس إلى المعاني وما تحمل من تشريع وعقيدة، وهو جل اهتمامهم في ذلك الوقت.‏

ومهما يكن من شيء فالجديد في كتاب الفراء والجدير بالاهتمام، أنه لاحظ هذا النسق الصوتي، وحاول أن يتتبعه. ونراه في ملاحظاته التي أوردها مدركاً تماماً لوزن القرآن، ومدركاً الغاية التي عمد إليها في التزام وزن بعينه، وهو الترابط بين الكلمات وانسجام النغم، وتوافق الفواصل في آخر الآيات. وإذ تسترعي النباهة هذه الظاهرة، يحاول أن يضبطها بما عرف عند العرب من أوزان الشعر.‏

ويقول: حدثني مندل عن مجاهد عن ابن عباس أنه قرأ ناخرة، وقرأ أهل المدينة نخرة، وناخرة أجود الوجهين في القراءة لأن الآيات بالألف، ألا ترى أن ناخرة، والحافرة والساهرة أشبه بمجيء التنزيل، والناخرة والنخرة سواء في المعنى بمنزلة الطامع والطمع، والباخل والبخل.‏

فالكلمتان عنده مستويتان في المعنى، والنظم القرآني يختار ما يتفق والمقاطع أو الفواصل ـ رؤوس الآيات ـ وينسجم مع النسق الموسيقي العام في آيات السورة، فإذا كانت الفواصل كلها بالألف فإن القراءة الأصح لناخرة بالألف لأنها أشبه بمجيء التنزيل، كما يقول: لموافقة هذه القراءة الأخيرة لرؤوس الآيات في السورة.‏

وتارة يسمي هذا التوافق الصوتي، استقامة في القراءة، فيقول: وقوله عز وجل: (واللهُ أَعْلَمُ بما يُوعُونَ((31). الإيعاء ما يجمعون في صدورهم من التكذيب والإثم والوعي. لو قيل (والله أعلم بما يَعُون) لكان صواباً، ولكنه لا يستقيم في القراءة. أي لا يستقيم مع ما قبله من الآيات: (فَمَا لَهم لا يُؤْمِنُونَ، وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهمُ القُرآنُ لاَ يَسْجُدُونَ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِِّبُونَ، واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ((32)، ولعل الفراء يقصد أن لفظ يعون لا يستقيم مع رؤوس الآيات الأخرى لأنه مفتوح الأول دون غيره المضموم الأول: يُؤمنون، يُكذِّبون، يُوعون. ثم لعله يشير إلى الوزن الموسيقي للكلمة، فهو في (يوعون) أكثر اتفاقاً منه في (يعون)، لأن (يعون) ينقصها حرف ساكن، وكل من الفواصل الأخرى مكون من ستة حروف. والضم في هذه الآيات هو النغمة السائدة ـ أو المفتاح الموسيقي ـ لها.‏

والنظم القرآني حريص على هذا التوافق، فقد يعدل من لفظ إلى آخر بل من صيغة إلى أخرى، وقد يجيز حذف أواخر الكلمات موافقة لرؤوس الآيات مع موافقة ذلك لكلام العرب، مثل قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ)(33) ذكروا أنها ليلة المزدلفة، وقد قرأ القرَّاء يسري ـ بإثبات الياء ـ ويسر ـ بحذفها ـ وحذفها أحب لمشاكلتها لرؤوس الآيات، ولأن العرب قد تحذف الياء وتكتفي بكسر ما قبلها منها.‏

وهكذا وضع الفراء أمامنا قواعد عامة للتغيرات التي يمكن أن تطرأ على الكلمات، والتي قد يعمد إليها القرآن أحياناً للتوافق الموسيقي في نظمه(34).‏

وصلة تلك التغيرات بما يطرأ على القافية من الشعر لإقامة الوزن، ولا يفتأ الفراء يشير إلى أن القرآن في عدوله عن لفظ إلى آخر، أو تعديله للألفاظ، لا يخرج عن أساليب العرب، وفنون القول عندهم، وخاصة في الشعر وهو الكلام الموزون، الذي يشابه ما في نظمه من توافق وانسجام ما يراعيه أسلوب القرآن.‏

إنتهى النقل.

القرآن معجزة لغوية بلاغية إلى جانب وجوه الإعجاز الأخرى فيه.

وشرف أي علم بمقدار ما يكشف أو يجسد أو يمثل أو يشرح من وجوه هذا الإعجاز وجماله.

إضافة إلى الوظيفة الجمالية لنهايات الآيات أو رؤوس الآيات فإن لها وظيفة بيانية. فنحن نلاحظ أن كل مجموعة آيات متوحدة أو متقاربة الموضوع لآياتها نفس النهايات. وهنا استعمال لأسلوب ترميز القافية في تمثيل نهايات الآيات أو رؤوسها.

هذا الجانب في سورة المرسلات أتركه يوضح ذاته. ليت بعض المشاركين الكرام يستعرض سورا أخرى.

بسم الله الرحمن الرحيم

~§§ المرسلات(مكية)50 §§~

وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً{1} فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً{2} وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً{3} فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً{4} فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً{5} عُذْراً أَوْ نُذْراً{6} إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ{7} فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ{8} وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ{9} وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ{10} وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ{11} لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ{12} لِيَوْمِ الْفَصْلِ{13} وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ{14} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{15} أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ{16} ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ{17} كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ{18} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{19} أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ{20} فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ{21} إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ{22} فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ{23} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{24} أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً{25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً{26} وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً{27} وَيْلٌ يوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{28} انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{29} انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ{30} لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ{31} إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ{32} كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ{33} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{34} هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ{35} وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ{36} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{37} هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ{38} فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ{39} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{40} إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ{41} وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ{42} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{43} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنينَ{44} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{45} كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ{46} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{47} وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ{48} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{49} فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ{50}

الموضوع قديم، واستجد بعده التمثيل البياني لرؤوس الآيات كا يبينه الشكل أدناه. مع لاحظة أن المقطع الأول من رأس الآية هو الذي يحوي الساكن قبل الأخير سواء كان 2 أم 3 ، خلافا للمتفق عليه في أمر القافية حيث يكون المقطع الأول فيها 2 دوما .. ربما يوحي هذا التمثيل بمحاولة اختبار ذلك في القافية .