ahzan-math

أحزان الرياضيات – يقول جاليليو :" الكون إيقاع مكتبوب بلغة الرياضيات "

ربما كنت سأقتصر في العنوان على جزئه الثاني، ولكن الجزء الأول منه فرض نفسه علي فهو يعبر في الواقع عن حزني أنا. إذ اطلعت على هذا الموضوع في سياق معاناتي لإشكالات أحزنتني، إذ لمست لمس اليد ما يتمترس به تيار قوي من أمتي من نفور من الفكر ومناعة تحول دون انطلاقه، مع إضفاء طابع القداسة على ذلك. وما يقترن به لدي من يقيني بأن هذا التمترس ضارب الأطناب في منظومة لديها ما تخاف عليه من مواجهة النور.

الحمد لله القائل :" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا " (النساء - 174)

سأنقل فيما يلي مقتطفات من التسجيل مع بيان وقتها منه:

2:35 – لماذا تتشابه أنماط كل من قوقعة الحلزون والمجرة وزهرة الملفوف ؟

3:25 – لماذا تعمل الرياضيات في الأساس؟ هل هناك طبيعة فطرية رياضية للواقع؟ أم أن الرياضيات بمحملها في أدمغتنا ؟

4:15- أعداد بتلات كثير من الزهور تعبر عن مثيلاتها في النسبة الذهبية لفيبوناتشي

11:43 – يرى كثير من زملائي الفيزيائيين أن الرياضيات تصف عالمنا الواقعي، ولكني أقول إنها هي غالمنا المادي، فليس عالما المادي متصفا بخصائص رياضية فحسب، بل هو لا يتصف بغير الخصائص الرياضية.

29:26 - كانت بصيرة جاليليو فهو يرى أن الرياضيات تستعمل لمعرفة القواعد الخفية. ومن أقواله :" الكون هو إيقاع مكتوب بلغة الرياضيات "

34:38 – يقول يوجين فيجنر الفائر بجائزة نوبل متحدثا عن الفعالية المفرطة الرياضيات " إن الرياضيات منحة لا نفهمها ولا نستحقها "

35:34 – إن صغت سؤالا بشكل متقن ووجهته للرياضيات فستجيبك عليه. فكأنها خادم مسخر لك له قدرات أكبر من قدراتك بكثير، وإن قلت له " افعل هذا " فسيفعله ويقودك إلى الحقيقة مباشرة.

*********************

*********************

لا شك أن علماء المسلمين لهم دور رائد في التأسيس للرياضيات، لكن ارتياد هذه الآفاق كان من نصيب الغربيين. ماذا لو استمر التيار الفكري الذي بثه الإسلام في الأمة في انطلاقته وكانت هذه الآفاق من ارتياد المسلمين ؟ ومع أنه في سياق التسجيل وردت إشارات إلى الخالق عز وجل، إلا أن هذه المواضيع لو صدرت عن المسلمين لكان الأمر أكثر خيرا للمسلمين خاصة وللبشرية عامة. إذ أتصور بعض آثار ذلك لو تم ممثلة في :

1- تلخيص القول فيه بأن وحدانية الخالق عز وجل تقتضي وحدة القوانين التي تسود هذا الكون، ووحدة اللغة التجريدية وهي لغة الرياضيات التي هي أقرب ما تكون للبرنامج الذي يمثل فطرة الخالق التي فطر الله الأشياء علليها، والتي سخرها الخالق سبحانه للإنسان ليرتاد بها آيات الله سبحانه في هذا الكون، كما أن هذا هو سر تجانس تلك اللغة مع العقل البشري الذي هو مستودع نفخة الله سبحانه في الإنسان والتي ورثها من آدم عليه السلام. فتناغم العاقل ( تفكير الإنسان) مع المعقول ( آيات الله في الكون) مع لغة العقل الموحدة في أرجاء الكون (الرياضيات)

تركز عبارات التسجيل على العالم المادي والفيزيائي، ولا تتطرق للآداب والفنون الأخرى، وهذا أثر جانبي من الخلفية الثقافية التي تفصل في الغرب بين المادة والروح وبين الحياة والإيمان وبين الدنيا والاخرة، ومن الآثار الأخرى لهذا الانفصام هو أنه في الوقت الذي كان فيه الغرب يسير في هذا المسار العلمي كان يزاول استعمار البشرية وإبادة الهنود الحمر وخطف البشر واسترقلقهم. ولو قد سبق المسلمون لكان للعلم في رعاية الإيمان وتوجيهه والدمج بين المفصولات هذه شأن آخر، ولشمل البحث الرياضي الفنون والآداب بأنواعها واللغة العربية والشعر العربي والعروض العربي. إذ لا يمكن لهذه الفروع من المعرفة والثقافة وهي متواشجة مع الإنسان والعالم المادي أن تشذ عن فطرة الله فيهما. ولكانت في رعاية العلم المأطور بالإيمان خطت خطوات لم تبلغها البشرية بعد.

وأمر آخر لا يقل أهمية يتمثل في تجنبت البشرية ما تمخضت عنه الحضارة الغربية من فصم بين المادة والروح من كوارث على البشرية وعلى الغرب ذاته ممثلا في الحربين العالميتين واستمرار الصراع المحموم بدماء سواهم فيما بعد الحربين.

2- القرآن الكريم هو كلام الله تعالى ، كما جاء في قوله عز وجل " وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ" (التوبه -6)

والرياضيات مسخرة من الخالق عز وجل ليرتاد بها الإنسان آيات الله في الكون..وعلى هذه الخلفية العلمية الإيمانية لا يساورني شك أن الرياضيات تملك من القابلية عندما تقترن بالتفكير المؤمن المستنير ما تكشف به الكثير من آيات الله في الكتاب الكريم في الآفاق والأنفس. ولساعدت الإنسان في الإحاطة بالمزيد من الإحاطة بما فيه من علم.

3- وتبقى الناحية الأهم والتي يصعب الحديث فيها لغير سبب وهي أن العقل المسلم لو سبق إلى هذه الآفاق العلمية لتكرس عنده اقتران الدين والفكر في الإسلام، واقتران البرهان والنور فيه. بشكل كان سيمنع تأثير الغايات على تفسير القرآن بأشكال مختلفة تبعا لتلك الغايات الأمر الذي سبب ما عليه الأمة من فرقة وتنابذ ونبذ. ومع أن اختلاف الفهم البشري لآيات الله أمر طبيعي إلا أنه عندما يكون منطلقا من الولاء لله أولا بعيدا عن الأغراض الأخرى يكون مصدر خير لا مصدر شر. على أننا يجب أن نسجل أن دولة المسلمين رغم عقابيل شتى بقيت بما ظل في حياتها من أثر للإسلام أرقى من سواها وأرحم بالبشرية. يقول المؤرخ الروسي نيقولاي إيفانوف

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=625988430890999&id=393330697490108&substory_index=0

" كانت الدولة العثمانية في القرن السادس عشر الميلادي محط أنظار العالم ، و كانت تُمثل العدل في عقول الناس حول العالم في هذا الوقت"

4- عندما أقارن ما نحن عليه، مع نعمة الله في وجود كتابه كما أنزله تعالى بين أيدينا وما عليه الغربيون وأقارن هذين معا بما كان يمكن أن نكون عليه حالنا وحالهم لو بقيت لفكر المسلمين انطلاقته العلمية المستنيرة بكتاب الله المقترنة به، أشعر بمدى الخسارة التي عانتها البشرية نتيجة انحطاط المسلمين وهو ما لم يتنبه له أبو الحسن الندوي في كتابه القيم " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين "

5- ألا يمكن تصحيح التوجه الفكري لدى المسلمين لبلوغ الغايات المأمولة في هذا المجال ؟ بل ذلك ممكن لكنه صعب، فالفكر هو الآساس الذي يصوغ البنيان كله من علمي واجتماعي وحضاري وثقافي و غير ذلك. ولعل ما دار حول بعض جوانب التوجه البسيط المتواضع نحو تأمل بعض جوانب الكتاب العزيز دليل على صعوبة ذلك. لا شك أن كل بداية تحفل بالأخطاء فإذا سلمت النوايا فيجب أن يكون من حق الباحث أن يمارس الأسلوب العلمي من حرية البحث والتفكير بصوت عال لتسهيل اكتشاف أخطاء مسيرته وتصويبها وتواصل الأفكار بين المهتمين في هذا الشأن.

لكن ثمة إمكانية أخرى وهي أن يؤمن بالإسلام أقوام تشربوا بالبحث العلمي وأساليبه واستقوا الإسلام الصافي من كتاب الله وسنة رسوله فاستقام لديهم الانسجام بين نور الإسلام ونور العلم، ولم يخشوا البحث في أي مجال مع عثرات البحث يقود خطاهم في ذلك ما صرح به القرآن الكريم في حوار من أنكر وجود الخالق حوارا واضحا علميا في قوله تعالى :" أخلقوا من غير شيء أم هم الخالقون " هذه الكلمات القليلة واسعة المضمون ويعرف عمقها من حاور الملحدين.

6- لقد أدى الانفصام بين المسيجية والتفكير لتغطية إشكاليات معينة إلى نشوء العلمانية والشيوعية في أوروبا

ديننا دين النور والبرهان والتفكير وأخشى ما أخشاه هو التيار القامع لهذا التوجه والذي بقمعه له يدفع الشباب إلى العلمانية أو الإلحاد أو التطرف أو الإرهاب.

7- أليس من المحزن أني لن أستطيع نشر هذا الموضوع في بعض المنتديات لأن التسجيل تظهر فيه بعض العالمات من غير المسلمين دون أن يغطين شعورهن ؟ معاذ الله أني بهذا أدعو للسفور كما قد يبادر باتهامي بعضهم. وأتمنى لهن الهداية واعتناق الإسلام، ومن ثَم سيغطين شعورهن. وأنكتم.