د - 8 - القافية

القافية

1 - تعريف القافية وتحديدها

القصد من هذا الفصل تقديم المفهوم العام للقافية بشكل مختصر لكنه يفي بالحاجة إلى حد معقول ويمهد السبيل لمن أراد الاستزادة

يقول د. أحمد كشك في مقدمة كتابه ( القافية تاج الإيقاع الشعري – ص5 ) : " إن القافية تاج الإيقاع الشعري وهي لا تقف من هذا الإيقاع موقف الحلية بل هي جزء لا ينفصم منه "

من المناسب أن نستعمل في القافية الرقمين 1 و 2 والسكون (ه) وأن لا نستعمل الرقم 3 ولكي نستثني الرقم 3 سندعو كلا من 1 ، 2 ، ه عناصر القافية.

عناصر القافية نوعان :

نوع حَدّي يعين ابتداء القافية ونهايتها ويشمل العنصرين 2 ، ه

ونوع حشوي يملأ ما بينهما ويقتصر على الرقم 1

تعريف القافية : القافية هي آخر عناصر في أبيات شعر القصيدة يكون أولها وآخرها مقطع منته بسكون, أولها 2 وآخرها 2 أو سكون (ه)

تحديد القافية : لنأخذ أبياتا من قصيده ونحدد القافية فيها :

ريمٌ عَلى القاعِ بَينَ البانِ وَالعَلَمِ أَحَلَّ سَفكَ دَمي في الأَشهُرِ الحُرُمِ

رَمى القَضاءُ بِعَينَي جُؤذَرٍ أَسَداً يا ساكِنَ القاعِ أَدرِك ساكِنَ الأَجَمِ

لَمّا رَنا حَدَّثَتني النَفسُ قائِلَةً يا وَيحَ جَنبِكَ بِالسَهمِ المُصيبِ رُمي

لنأخذ عجز البيت الأول ونقطعه بدلالة عناصر القافية ( لا نستعمل الرقم 3)

أَ حلْ لَ سفْ كَ دَ مي فلْ أشْ هـُ رلْ حُ رُ مي = 1 2 1 2 1 1 2 2 2 1 2 1 1 2

محدِّدا القافيه هما الرقمان 20002

حشو القافية هو المتحركان 11

والقافية إذن هي 2 1 1 2، ونهي ثابتة في كل كل الأبيات كما ترى في الجدول أدناه

ولا داعي لتقطيع كل العجز بل نكتفي عادة بالجزء الأخير منه الذي يشمل القافية

فيما يلي أبيات تحدد أصناف القافية حسب رمزها الرقمي

وكما ترى فإن صنف القافية مساو لعدد خاناتها الرقمية ( وعدم اعتبار السكون خانة رقمية )

التمرين الأول

هات بيتين من أية قصيدة وعين القافية في كل منهما بعناصرها حرفا ورقما وبين إلى أي صنف من الأصناف الخمسة المبينهة في الجدول أعلاه تنتمي.

مثال :

ما كنت قبْلكِ ؟ ماذا كنت أفعله ُ؟ أكان قبلكِ لي قبلٌ أسلسهُ ؟

والزعم قبلَك لي قبْلٌ مغالطةٌ إلا على بعض وجهٍ إذْ يؤوّله

البيت الأول ... آخر العجز = قبلٌ أسلسهُ = قبْ لنْ أُ سلْ سِ لُ هو = 2 1 1 2

البيت الثاني... آخر العجز = إذ يؤوله = إذْ يً أًَوْ وِ لُ هو = 2 1 1 2

عدد عناصر القافية 4 وهي من الصنف الرابع.

2- الروي

إذا كانت القافية تاج الإيقاع الشعري فالروي جوهرة ذلك التاج

الروي كما جاء في كتاب ( أهدى سبيل ) للأستاذ محمود مصطفى : " هو الحرف الذي بنيت عليه القصيدة وتنسب إليه " فيقال سينية البحتري :

صُنتُ نَفسي عَمّا يُدَنِّسُ نَفسي وَتَرَفَّعتُ عَن جَدا كُلِّ جِبسِ ( جب سي )

وَتَماسَكتُ حينَ زَعزَعَني الدَه رُ إِلتِماساً مِنهُ لِتَعسي وَنَكسي ( نك سي )

بُلَغٌ مِن صُبابَةِ العَيشِ عِندي طَفَّفَتها الأَيّامُ تَطفيفَ بَخسِ ( بخْ سي )

ويقال كذلك سينية ابن فركون:

سلْ بالغَميم معاهِداً لمْ أنسَها أتعيدُ أيامُ التّواصُلِ أُنْسَها

أبدَتْ لديْكَ من المَعاطِفِ مُلْدَها أهْدَتْ إليكَ من المَراشِفِ لُعْسَها

عهْدي بها وزمانُنا مُتكفِّلٌ بِشوارِدِ الآمالِ يُدني شُمْسَها

والصنف الرئيس في الروي يعرف على أنه : الحرف الصحيح الذي يمكن تسكينه كحرف السين في القصيدتين المتقدمتين، وهذا يمثل أكثر أنواع الروي. ولا يشمل ذلك ضمير الهاء إلا بشرط كما سيلي أدناه. ويذكر د. أحمد كشك في كتابه ( القافية تاج الإيقاع الشعري- ص 56) نقلا عن الدكتور عبد الرحمن السيد من خلال إحصاء قام به عن كتاب الأمالي الذي ضم 7254 بيتا من أبيات الشعر أن نسبة الحروف الصحيحة فيها بلغت 98% .

وفيما يلي شرح لملابسات بعض الأحرف فيما يخص ورودها رويا.

ضمير الهاء يكون رويا إذا سبقه حرف ساكن أو حرف ممدود كقول البحتري:

أَنافِعي عِندَ لَيلى فَرطُ حُبّيها وَلَوعَةٌ لِيَ أُبديها وَأُخفيها

أَم لا تُقارِبُ لَيلى مَن يُقارِبُها وَلا تُداني بِوَصلٍ مَن يُدانيها

بَيضاءُ أَوقَدَ خَدَّيها الصِبا وَسَقى أَجفانَها مِن مُدامِ الراحِ ساقيها

الحرف الأصلي في الكلمة يصلح رويا دوما سواء كان هاء أو واوا أو ياء أو ألفا

كقول البحتري :

لَنا أَبَداً بَثٌّ نُعانيهِ مِن أَروى وَحُزوى وَكَم أَدنَتكَ مِن لَوعَةٍ حُزوى

وَما كانَ دَمعي قَبلَ أَروى بِنُهزَةٍ لِأَدنى خَليطٍ بانَ أَو مَنزِلٍ أَقوى

حَلَفتُ لَها أَنّي صَحيحُ سِوى الَّذي تَعَلَّقَهُ قَلبٌ مَريضٌ بِها يَدوى

وقوله ( والروي الواو ):

إِنَّ الزَمانَ زَمانُ سَو وَجَميعُ هَذا الخَلقِ بَوْ

وَإِذا سَأَلتَهُمُ نَدىً فَجَوابُهُم عَن ذاكَ وَوْ

لَو يَملِكونَ الضَوءَ بُخ لاً لَم يَكُن لِلخَلقِ ضَوْ

وقول محمد وفا ( الهاء الأولى أصلية وهي الروي، والثانية ضمير )

تجلى بوصف ليس يدرك كنهــه

ولا شيء في كل العوالم شبهـــه

يميزه في العقل للعقل فقهــــه

وقول الشاعر ( والروي الياء ):

نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجات من عاش لا تنقضي

تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي

ويأتي رويا من الضمائر

تاء التأنيث سواء كانت ضميرا متصلا بالفعل أو أصلية في الاسم كقول أبي الفضل بن الوليد:

تذكّرت في الحمراءِ عهد الصبوَّةِ وما كان فيه من نعيمٍ وبهجةِ

فقلتُ وقد شقَّ الغمامةَ كوكبٌ سلامٌ على عشرين عاماً تولّت

تولّت ولم أشعر بها كضميمةٍ على خصرِ ليلى عطّرت خيرَ ليلة

إذا ما مرَرنا حيثُ مرَّت حبيبةٌ وحيثُ رأيناها وحيثُ استقرّت

كاف الخطاب للمثنى والجمع كقول علية بنت المهدي :

شَغَلتُ اِشتِغالي وَنَفسي لَكُم وَأَمسَيتُ صَبّاً إِلى قُربِكُمْ

فَإِن بِالهَوى مَرَّةً عُدتُمُ فَإِنّي إِذَن عُدتُ عَبداً لَكُمْ

وأما كاف الخطاب للمفرد فيفضل أن يسبقها حرف قبلها يكون رويا كقول ابن حمديس:

بيتُكَ فيه مَصْرَعُكْ وفي الضريح مَضْجَعُـكْ

غَرّتْكَ دُنياكَ الَّتي لَها شَرابٌ يَخدَعُـك

يَضُرّكَ الحِرصُ بها والزهدُ فيها يَنفَعُـك

يَضُرّكَ الحِرصُ بها والزهدُ فيها يَنفَعُـك

1-

2-

3-

التمرين الثاني

هات بيتين أو ثلاثة أبيات من قصيدة وحدد الروي

مثال، يقول علي محمود طه :

وبِمصرَ والدنيا عيونُ أحِبةٍ السُّهدُ والألم الممِضُّ حبيــبها

ترعى النهار وتتقي غسق الدجى هذا يطمئنها وذاك يريــبها

إيهٍ حماةَ الشرق كم بجهادكم تشدو العصور بعيدها وقريــبها

الروي الباء.

3- ثوابت القافية

ثوابت القافية هي

1- وزنها الرقمي ( على الأعم الأغلب )

2- الروي وما يليه حروفا وحركات

3- بعض الحركات والسواكن والحروف قبل الروي كما سيأتي بيانه

وكما أن للقافية وزنا رقميا فإننا نستعمل لوصف ثوابتها الرمز الحرفي ونحدد القافية بكلا الصنفين

أي بوضع رمزها الرقمي وما يوافق كل رقم فيه من حرف أو حرفين

القافية حروف وحركات. والأصل أن نتصورها جميعا ثابتة لا تتغير من بيت لآخر. ولكنْ هناك في القافية مستويات من الثبات على النحو التالي

1- أحرف ثابتة بحركاتها وحروفها وهذه نرمز إليها بذاتها ومثال عليها الروي (ر) والألف قبل الروي و(ها ) إذا جاءت بعد الروي كما في الكلمات : كتابها ، خطابها صوابُها مآبها (مـءَ ابُها )

فالقافية في هذه الكلمات = تـابُها – طابُها – وابها = ءَ ا بُ ها

2- الرقم 1 يمثل متحركا دوما وهذا المتحرك متغير بحرفه دوما، ولكنه بالنسبة لحركته على وجهين:

الرقم 1 ثـابت الحركة ( ث )

الرقم 1 مـتغير الحركة ( م )

3- يلتزم أحيانا بحرف ساكن ( غير الروي ) فنرمز له بالحرف (ثْ )

ففي الكلمات السابقة فإن الرقم 1 َ حركته الفتحة دوما لأنه متبوع بالألف وهو = (تَ، طَ ، وَ ءَ) في أوائل القافية على التوالي فإذا أردنا أن نعمم الرموز الحرفية لعناصر القافية في الكلمات المذكورة فإننا نكتبها ( ث آ بُ ها ) وإذا أردنا تعميم صنفه جعلنا حرف (ر – الروي عامة ) بدل (ب – روي قصيدة بعينها ) فيصبح الرمز العام لهذا الصنف ( ثَ آ ر هـا ) مع التنبيه هنا أننا نكتب الألف بهذا الشكل (آ )عندما تكتب منفردة تمييزا لها عن الرقم (1) فإذا اتصلت بحرف كتبناها على حالها كما في ( هـا )

وتعبر عن القافية في الكلمات تـابُها – طابُها – وابها - ءَ ابها= 1 آ بُ ها رقميا وحرفيا كالتالي:

2 1 2 = ( ثـا بُ ها – القصيدة ) = ( ثـارها – بشكل عام )

أما الحرف الثابت سكونا المتغير حرفا فهو كما في الحرف الثاني من الكلمات ( قدْرا – بئْرا – جمْرا ) حيث عناصر القافية = ( مَ ثْ ر آ)

وقبل الجدول فإن الرموز المستعملة في القافية هي :

كلها متغير ذات الحرف يعني يكون (أ ، ب ، ت ...إلخ )

للتذكر ( م+ 2ث + 2ح ) تجمعها كلمة مثح

م = متغير الحركة إضافة لتغير الذات

ث = ثابت الحركة متغير الذات

ثْ = ثابت السكون متغير الذات

ح = ساكن أو ممدود ( آ و ي )

حـ = ساكن أو ممدود ( و ي )

فلنحاول الآن استعراض أصناف القافية من حيث ثوابتها وصياغة رموز لها تمثل هذه الثوابت.

لنأخذ الآن عدة كلمات نفترض وجود ثلاثة منها في آخر الأبيات في كل قصيدة من مجموعة قصائد ونحاول تصنيفها حسب ثوابتها وترتيب هذه الثوابت في مجموعات. متعمدا أن يكون الروي حرف الراء

لنلخص الآن القافية من حيث رموز ثوابتها:

في الجدول التالي رمزان حرفيان لكل قافية، الأيمن يشمل كافة رموز مكوناتها والثاني استبعدنا منه العناصر المشتركة بين كل القوافي وهي الروي وما بعده ( ر...)

والنوع الأخير يكون بعده الروي ساكنا. وتساهل فيه الشعراء فجعلوه كسابقه

الكلمات الثلاث التالية لها أوزان رقمية مختلفة لكنها لها جميعا نفس الرمز الحرفي ( ثاثر... )

فقد يكون الروي في كل صنف ساكنا غير متبوع بحرف آخر أو متبوعا بحرف مد أو الحرفين ـها أو سوى ذلك.

سائقْ = 2 2* = ( 2 = ثـا ) – ( 2* = ثرْ )

سائقُ = 2 1 ِ 2= ( 2 = ثـا ) – ( 1 ِ = ثِ ) – 2 = رو

سائقها = 2 1 ِ 1 ُ 2 = ( 2 = ثـا ) – ( 1 ِ = ثِ ) – ( 1- رُ ) – ( 2 = ها )

إذن خطوات تحديد ومعرفة القافية تتم كالتالي

1- حدد القافية

2- حدد الوزن الرقمي

3- حدد الروي

4- إذهب إلى ما قبل الروي

5- ستتحدد لديك فورا الأصناف الثلاثة الأولى

وإن كان قبل الروي حرف ثابت الحركة ث فانظر قبل هذا الحرف

6- نضع الوزن الرقمي ومع كل رقم ما يقابله من رمز حرفي

تذكر : ثا ر...- ثو ر...- مثْ ر...- ثاث ر...– مح مم ر...– مح ث رْ

وبعد كل منها (ر... )، إلا الأخير فبعده (رْ )

التمرين الثالث

هات أربعة أبيات من قصيدة واحدة مع ذكر الشاعر وحدد قافيتها ثم حرف آخر البيت الرابع بحيث ينتج خطأ في القافية وحدد الخطأ من خلال مقارنة رمزي القافية الصحيحة والمحرفة

كرر ما تقدم لمجموعة أبيات أخرى من قصيدة أخرى .

مثال 1 - : ابن الزبير الأسدي

1- إِذا طُرِفت أَذرت دُموعً كَأَنَّها نَثيرُ جُمانٍ بانَ عَنها فَريدها

2- وَبتُّ كَأَنَّ الصَدرَ فيهِ ذُبالَةٌ شَبات حَرّها القِنديل ذاكٍ وَقودُها

3- فَقُلتُ أُناجي النَفسَ بَيني وَبَينَها كَذاكَ اللَيالي نَحسُها وَسُعودها

4- فَلا تَجزَعي مِمّا أَلَمَّ فانَّني أَرى سنةً لَم يَبقَ إِلّا شَريدُها

4 - فَلا تَجزَعي مِمّا أَلَمَّ فانَّني أَرى سنةً لَم يَبقَ إِلّا شَرادُها

القافية الأصلية = ( 2= ثـُـو ) – ( 1 = د ُ ) – ( 2= ها )

القافية المحرفة = ( 2= ثــا ) – ( 1 = د ُ ) – ( 2= ها )

بطبيعة الحال لن يحتاج الأمر كتبة هذا الجدول كل مرة وإنما نضعه ليعتاد القارئ الخطوات وبعد اعتيادها فإن تقرير القافية يتم في سطر واحد وبسرعة، كما ترى في تحديد قافية البيت الأخير.

مثال 2 – عمران السدوسي :

1- اِقتَرَبَ الوَعدُ وَالقُلوبُ إِلى الل لَهوِ وَحُبُّ الحَياةِ سائِقُها

2 - باتَت هُمومي تَسري طَوارِقُها أَكُفُّ عَيني وَالدَمعُ سابِقُها

3 - مِمّا أَتاني مِنَ اليَقينِ وَلَم أَود يراهُ بعض ناطقها

4- أَم مَن تَلَظّى عَلَيهِ موقدَةُ النا رِ مُحيطٌ بِهِم سُرادِقُها

4 - أَم مَن تَلَظّى عَلَيهِ موقدَةُ النا رِ مُحيطٌ بِهِم سُرَنْدَِقُها ( سرودقها )

القافية الأصلية = ( 2= ثَـا ) – ( 1= ثِ ) - ( 1 = قُُ ) – ( 2= ها )

القافية المحرفة = ( 2= مـحـ ) – ( 1= م ) ( 1 = قُُ ) – ( 2= ها )

المقطع الثاني في الصحيحة ( 1= ث ) يخالفه المقطع الثاني في المحرفة ( 1 = م ) لأن ( ث – حالة واحدة ) لا تشمل حالتين من أحوال ( م - ثلاث حالات : ضمة - كسرة –فتحة )

مثال 3 – للستالي

1. منْ أَدَبِ النّفس ضَلَّ مذْهبُها تَلِجُّ في حبِّ من يُعذِّبُها

2. يَغُرُّها الاوْل من مطالبها ومن بروق العذاب خُلَّبُها

3. نسيمُ ريح الصّبا يُهيِّجُها وصوت نوح الحمام يطربها

4. واذكر ملُوك العتيك في مِدحٍ لآل نبهان منك يوجِبُها

4. واذكر ملُوك العتيك في مِدحٍ لآل نبهان منك واجِبُها

القافية الأصلية : (2* = مث ) – (1= م ) – ( 1= بُ ) – ( 2= هـا )

القافية المحرفة : ( 2 = ثـا ) – ( 1 = ث ) – ( 1 = بُ ) – (2 = هـا)

المقطع الثاني في الأصلية ( 1 = م ) لا ينقضه أن يأتي المقطع الثاني في المحرفة ( 1= ث ) لأن (م ) تشمل (ث )

مثال – 4 لابراهيم طوقان :

على أنها أوطاننا ما كنوزُهم وأمواُلهم حتى تُساوَى بها قَدْرا

ولو كان قومي أهلَ بأسٍ ونخوةٍ إذن أصبحتْ للطامعين بها قبرا

ولكنهم قد آثروا السهلَ مركباً تسيِّره الأَهواءُ واجتنبوا الوعرا

وما حسرتي إلاَّ على متعفِّف يقومُ لوجه الله بالنهضة الكبرى

وما حسرتي إلاَّ على متعفِّف يقومُ لوجه الله يلتمس النورا

مثال 5 – للمتنبي

وَإِن فارَقَتنِيَ أَمطارُهُ فَأَكثَرُ غُدرانِها ما نَضَبْ

أَيا سَيفَ رَبِّكَ لا خَلقِهِ وَيا ذا المَكارِمِ لاذا الشُطَبْ

وَأَبعَدَ ذي هِمَّةٍ هِمَّةً وَأَعرَفَ ذي رُتبَةٍ بِالرُتَب

وَأَطعَنَ مَن مَسَّ خَطِّيَّةً وَأَضرَبَ مَن بِحُسامٍ ضَرَب

القافية = ما ن ضب = ذشْ شُ طبْ .... ( 2/2* = مح )- ( 1 = م ) – ( 2* = ثبْ )

وفي القصيدة ذاتها:

وَإِنّي لَأُتبِعُ تَذكارَهُ صَلاةَ الإِلَهِ وَسَقيَ السُحُب

وَأُثني عَلَيهِ بِآلائِهِ وَأَقرُبُ مِنهُ نَأى أَو قَرُب

بِذا اللَفظِ ناداكَ أَهلُ الثُغورِ فَلَبَّيتَ وَالهامُ تَحتَ القُضُب

وَقَد يَئِسوا مِن لَذيذِ الحَياةِ فَعَينٌ تَغورُ وَقَلبٌ يَجِب

وَغَرَّ الدُمُستُقَ قَولُ العُداةِ أَنَّ عَلِيّاً ثَقيلاً وَصِب

وهنا فإن رمـز القافية هو = 2 1 2* = مح م مبْ

بينما الأصل النظري وهو = 2 1 2* = مح م ثبْ

والشعراء كما ترى يتساهلون في هذا الصنف فيخرجون على قانون القافية، حيث يكون آخر مقطع ( مرْ بدل ثرْ ) حيث (ر ) = الروي

4- لزوم ما لا يلزم

يقول محمد عبد المطلب:

بَني أُمّنا أين الخَميس المدرَّب وأين العوالي والحسام المذرَّبُ

إذا اهتزّ في نصر الحنيف تساقطت نفوس العدا من حَدّه تتحلّب

وأين النفوس اللاء كنّ إذا دعا إلى اللَه داعي الموت ترغب

وأين الجياد اللاء كانت إذا دعا ال مثوِّب خيلَ اللَه للَه تُركب

هذه الأبيات على الطويل والروي الباء

والقافية فيها حسب ما مر بنا = = 2/2* - 1 – 2 = محـ م بـو = محـ م رو

يقول أبو العلاء المعري :

لَعَلَّ أُناساً في المَحاريبِ خَوَّفوا بِآيٍ كَناسٍ في المَشارِبِ أَطرَبوا

لَعَلَّ أُناساً في المَحاريبِ خَوَّفوا بِآيٍ كَناسٍ في المَشارِبِ أَطرَبوا

فَلا يُمسِ فَخّاراً مِنَ الفَخرِ عائِدٌ إِلى عُنصُرِ الفَخّارِ لِلنَفعِ يُضرَبُ

لَعَلَّ إِناءً مِنهُ يُصنَعُ مَرَّةً فَيَأكُلُ فيهِ مَن أَرادَ وَيَشرَبُ

وَيُحمَلُ مِن أَرضٍ لِأُخرى وَما دَرى فَواهاً لَهُ بَعدَ البِلى يَتَغَرَّبُ

هذه الأبيات على الطويل والروي الباء

والقافية فيها حسب ما مر بنا = 2/2* - 1 – 2 = محـ م بـو = محـ م رو

ولكن ثوابت أواخر الأبيات = 2/2* - 1 – 2 = محـ رَ بـو = محـ ث رو

وهكذا نلاحظ أن أبا العلاء ألزم نفسه بما لا تلزمه به القافية من التزام حرف الراء قبل روي الباء. وهذا ما يسمى بلزوم ما لا يلزم ويشتهر بهذا أبو العلاء المعري في قصائده المسماة باللزوميات.

ومن ذلك أيضا قوله:

غَدَوتَ مَريضَ العَقلِ وَالدينِ فَاِلقَني لِتَسمَعَ أَنباءَ الأُمورِ الصَحائِـحِ

فَلا تَأكُلَن ما أَخرَجَ الماءُ ظالِماً وَلا تَبغِ قوتاً مِن غَريضِ الذَبائـِحِ

وَأَبيَضَ أُمّاتٍ أَرادَت صَريحَهُ لِأَطفالِها دونَ الغَواني الصَرائـِحِ

وَلا تَفجَعَنَّ الطَيرَ وَهيَ غَوافِلٌ بِما وَضَعَت فَالظُلمُ شَرُّ القَبائِـحِ

فنراه التزم الهمزة متحركا بذاته وحركته. والقافية لا تلزم إلا بحركة الحرف بين الروي والألف

فالقافية هنا يمثلها الرمز ( 2= ثا) – ( 1= ئـِ ) – ( 2 = حي )

يقول ابن الأبار على نفس الوزن والقافية والروي :

يُحَدِّثُ مِنْ أحْداثِها بِغَرائِب لَها نِسْبَةٌ مَعروفَةٌ في الصَّحائِح

صَغَا لِلمَعالي مِنهُ عائِلُ صِبْيَةٍ حَشَايَاهُمُ طَيَّ الحَشا والجَوانِح

يُصابِرُ ضَراء النّوائبِ والنّوى وتَطوي علَيها الكَشْحَ خِيفةَ كاشِح

قَواريرُ لم يرْبَأ بِها البَحرُ سابِقاً ولا ذادَ عَنها البَرُّ حَملَ الفوادِح

والقافية هنا = الرمز ( 2= ثـا) – ( 1= ث ) – ( 2 = حي )

5- خلاصة القافية

كثيرا ما تختلط لديّ رموز القافية فأجدني مضطرا للعودة إليها، ولا شك أن بعض الناس يجدون ما أجد. وللتغلب على ذلك أقدم هذه خلاصة للقافية وأنصح أن يعيد الدارس استعراض ما تقدم وهو يستحضرها. فهي ستساعده على وضع كل تفصيلة في مكانها. وإن رأى في هذه الخلاصة ما يكفيه فذلك خير.

القافية بدلالة الرقمين 1و2 هي آخر ساكنين في البيت وما دخلا فيه من الرقم2 وما بينهما من متحركات

الرقم 1 تعني متحرك ( بعده متحرك ) مثل كل من أحرف كلمة مَنَعَ = مَ نَ عَ = 111

الرقم 2 تعني متحرك مع الساكن الذي يليه ، مثل مِنْ = 2، منكُما = مِنْ كُ مَا = 2 1 2

وأصنافها حسب وزنها الرقمي هي:

ويمكننا الحكم على صحة قافية مجموعة أبيات من خلال تدقيق الثوابت التالية دون استعمال الرموز السايقة. وهذه الثوابت التي تلتزم في القافية هي الثلاث التالية :

:

ويمكن للدارس بعد اكتساب الخبرة السابقة أن يرجع في تصويبه للقافية إلى الثوابت المتقدمة حسب ترتيبها الوارد أعلاه دون سواها وذلك على ثلاث خطوات ( 1- 2 – 3) وتفاصيلها :

1 2 3-أ 3-ب 3- جـ 3-د 3-0هـ

:فإن اختلف شيء منها بين قوافي أبيات قصيدة ما فثم خطأ في القافية.

المثال الأول:

1- إِذا طُرِفت أَذرت دُموعً كَأَنَّها نَثيرُ جُمانٍ بانَ عَنها فَريدها

2- وَبتُّ كَأَنَّ الصَدرَ فيهِ ذُبالَةٌ شَبات حَرّها القِنديل ذاكٍ وَقودُها

3- فَقُلتُ أُناجي النَفسَ بَيني وَبَينَها كَذاكَ اللَيالي نَحسُها وَسُعودها

4- فَلا تَجزَعي مِمّا أَلَمَّ فانَّني أَرى سنةً لَم يَبقَ إِلّا شَريدُها

5 - فَلا تَجزَعي مِمّا أَلَمَّ فانَّني أَرى سنةً لَم يَبقَ إِلّا شَرادُها

المثال الثاني:

1. منْ أَدَبِ النّفس ضَلَّ مذْهبُها تَلِجُّ في حبِّ من يُعذِّبُها

2. يَغُرُّها الاوْل من مطالبها ومن بروق العذاب خُلَّبُها

3. نسيمُ ريح الصّبا يُهيِّجُها وصوت نوح الحمام أطربَها

4. واذكر ملُوك العتيك في مِدحٍ لآل نبهان منك يوجِبُها

5. واذكر ملُوك العتيك في مِدحٍ لآل نبهان منك واجِبُها

التمرين الرابع

هات أربعة أبيات من قصيدة واحدة مع ذكر الشاعر وحدد قافيتها ثم حرف آخر البيت الرابع بحيث ينتج خطأ في القافية وحدد الخطأ باتباع الخطوات الواردة في خلاصة القافية كما في المثالين المتقدمين أعلاه

وللمزيد:

http://www.arood.com/vb/forumdisplay.php?f=7

http://www.geocities.com/alarud/75-qafeyah1-2.html

6- الفواصل – رؤوس الآيات

هذه الإضافة للدورة تتناول موضوع رؤوس الآي أو الفواصل في القرآن الكريم بأدوات القافية. وهو موضوع اختياري. إذ البعض يرى فيه حرمة وأراه لا حرمة فيه بل أرى فيه أجرا من حيث تناوله موضوعا يجسد بابا من أبواب الجمال في القرآن الكريم. وأتمنى على القارئ قبل الحكم بالحل والحرمة والتطبيق أن يقرأ ما يلي :

1- الرابط:

http://arood.com/vb/showthread.php?p=12409#post12409

سابعا : رؤوس الآيات في القرآن الكريم

2 -

كتب سيد قطب يرحمه الله في كتابه (التصوير الفني) فصلاً عن الإيقاع الموسيقي في القرآن، وذكر أن الموسيقيّ المبدع الأستاذ (محمد حسن الشجاعي) تفضل بمراجعته وضبط بعض المصطلحات الفنية الموسيقية عليه... جاء فيه:

إن هذا الإيقاع متعدد الأنواع، ويتناسق مع الجو، ويؤدي وظيفة أساسية في البيان.

قال: ولما كانت هذه الموسيقي القرآنية إشعاعاً للنظم الخاص في كل موضع، وتابعة لقصر الفواصل وطولها، كما هي تابعة لانسجام الحروف في الكلمة المفردة، ولانسجام الألفاظ في الفاصلة الواحدة... فإننا نؤثر أن نتحدث عن هذه الظواهر كلها مجتمعة.

جاء في القرآن الكريم: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين).

وجاء فيه حكاية عن كفار العرب: (بل افتراه بل هو شاعر).

وصدق القرآن الكريم، فليس هذا النسق شعراً. ولكن العرب كذلك يم يكونوا مجانين ولا جاهلين بخصائص الشعر، يوم قالوا عن هذا النسق العالي: إنه شعر!

لقد راع خيالهم بما فيه من تصوير بارع، وسحر وجدانهم بما فيه من منطق ساحر، وأخذ أسماعهم بما فيه من إيقاع جميل. وتلك خصائص الشعر الأساسية، إذا نحن أغفلنا القافية والتفاعيل.

على أن النسق القرآني قد جمع بين مزايا النثر والشعر جميعاً. فقد أعفى التعبير من قيود القافية الموحدة والتفعيلات التامة، فنال بذلك حرية التعبير الكاملة عن جميع أغراضه العامة. وأخذ في الوقت ذاته من خصائص الشعر، الموسيقي الداخلية، والفواصل المتقاربة في الوزن التي تغني عن التفاعيل، والتقفية التي تغني عن القوافي، وضم ذلك إلى الخصائص التي ذكرنا، فشأن النثر والنظم جميعاً.

وحيثما تلا الإنسان القرآن أحس بذلك الإيقاع الداخلي في سياقه، يبرز بروزاً واضحاً في السور القصار، والفواصل السريعة، ومواضع التصوير والتشخيص بصفة عامة، ويتوارى قليلاً أو كثيراً في السور الطوال، ولكنه ـ على كل حال ـ ملحوظ دائماً في بناء النظم القرآني.

-----------------------------------------------------

المصدر: التمهيد في علوم القرآن / محمد هادي معرفة

-----------------------------------------------------

http://www.balagh.com/mosoa/quran/re10cdpi.htm

د. محمد حسين الصغير

علوم القرآن

المقالة: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين المقالات | عناوين جميع

المقالات

د. محمد حسين الصغير

معرفة فواصل القرآن صوتياً

من أجل تمييز الفاصلة، ومعرفتها صوتياً، علينا تتبع فواصل الآيات بالدقة والضبط، في تنقلها في القرآن عبر مسيرتها الإيقاعية.

قال إبراهيم بن عمر الجعبري (ت: 732 ه‍ ( :"لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفي وقياسي. أما التوقيفي: فما ثبت أنه (ص) وقف عليه دائماً، تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائماً، تحققنا أنه ليس بفاصلة...وأما القياسي فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص

لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان، والوقف على كل كلمة جائز، ووصل القرآن كله جائز، فاحتاج القياس إلى طريق تعرّفه، فنقول: فاصلة الآية كقرينة السجعة في النثر، وقافية البيت في الشعر، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحد

والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة، وقافية الأرجوزة بخلاف قافية القصيدة".

ومن هنا كان التنقل في فواصل القرآن، إذ لا يلتزم فيها الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع

بين الالتزام وعدمه في بعض السور، لأن الانتقال من الوقوف على حرف إلى الوقوف على حرف آخر، أو صيغة تعبيرية أخرى في فواصل القرآن، أمر مطرد وشائع، ونماذجه هائلة، كما أن الالتزام شائع أيضاً، والجمع بينهما واردٌ كذلك، ومن هنا تبرز ثلاثة ملامح على سبيل المثال:

الأول: جمع القرآن بين "تحشرون" و "العقاب" وهما مختلفان في حرف الفاصلة والزنة في قوله تعالى:(واعلموا أنَّ اللهَ يحولُ بينَ المرءِ وقلبهِ وأنَّهُ إليه تُحشرون، واتَّقٌوا فتنةً لا تُصيبنَّ الّذينَ ظَلَموا مِنكُم خآصةً واعلموا أنَّ اللهَ شديدُ العِقاب).

الثاني: الوقوف عند حرف معين لا يتغير في الفاصلة كما في سور عدّة، ونماذج متعددة، فمن أمثلته عادة جملة من السور القصار، كالقدر، والعصر، والفيل، والليل، والكوثر، والاخلاص، والناس، وجملة من السور الوسطى كالأعلى والقمر، وفيها جميعاً مراعاة للمنهج الصوتي، والبعد الإيقاعي، ويتجلى النغم الصوتي المتميز بأبهى صوره، وأروع مظاهره في سورة القمر، إذ تختتم فيها الفاصلة بصوت الراء مردداً بين طرف اللسان وأول اللهاة مما يلي الأسنان.

الثالث: الوقوف عند حرف معين للفاصلة في بعض السور، والانتقال منه للوقوف عند حرف آخر للفاصلة في بعضها الآخر، وأمثلته متوافرة في جملة من سور القرآن، كالنبأ، والمرسلات، والنازعات، والتكوير، والانفطار، والمطففين، وانظر إلى قوله تعالى في سورة "عبس" وهي تواكب صوت الهاء في فواصل عدة آيات، ثم تنتقل إلى الراء الملحقة بالتاء القصيرة بعدها في آيات أخر:

(يَومَ يَفرُّ المَرءُ مِن أخيهِ، وأُمهُ وأبيهِ، وصاحِبتِهِ وبَنيهِ، لِكُلِ امرىء مِنهُم يَومئذٍ شأنٌ يُغنيهِ، وُجُوهٌ يومئذٍ مّسفرةٌ، ضاحِكةٌ مستبشرةٌ، وَوُجوهٌ يومئذٍ عليها غَبرةٌ، تَرهَقُها قَترةٌ، أُولئكَ هُمُ الكَفَرةُ الفَجَرةُ).

وقد لا يراد الملحظ الصوتي مجرداً عند الابعاد الأخرى في فواصل الآيات، فقد يجتمع في الفاصلة الغرض الفني بجنب الغرض الديني، فتودي الفاصلة غرضين في عمل مزدوج، فمن أبرز الصور الاجتماعية الهادفة في سورة البلد: آيات العقبة، وتفصيلات يوم القيامة، في تجاوز مظاهر الغل والقيد، ومراحل الفقر والجوع ليتم تجاوز العقبة الحقيقية في القيامة، ولا يتم ذلك إلا بتجاوز عقبات الظلم الاجتماعي وتخطي مخلفات العهد الجاهلي، واقتحام القيم التي عطلت الحياة الإنسانية عن مسيرتها في التحرر والانطلاق، وهي قيم قاتلة، وأعراف بالية نشأت عن الطغيان المتسلط، والتفاوت الطبقي المقيت، فالرق ضارب بأطنابه، والاستئثار شكل مجاعة بشرية جماعية، والقطيعة في الأرحام أنهكت الأيتام، والغنى اللامشروع فجّر سيلاً من الأوضار الاجتماعية تشكل رعيلاً سادراً من الأرامل والأيامى والمساكين، ممن ألصقهم الفقر بالتراب، أو لصقوا هم به من الفقر والضر والفاقة، فأحال ألوانهم كلونه، فهم يلتحفون التراب ويفترشونه، ولا يجدون غيره، حتى عادوا جزءاً منه، وعاد هو جزءاً من كيانهم، فمن التراب وعلى التراب وإلى التراب.

هذا المناخ المزري عقبات متراكمة، من فوقها عقبات متراكمة، وإزالة هذه العقبات تدريجياً هو الطريق إلى قفز تلك العقبة الكبرى وتجاوزها، في حياة قوله تعالى: (فَلا أقتَحَمَ العقبةَ، وما أدراكَ ما العقبةُ، فَكُّ رقبةٍ، أو إطعامٌ في يومٍ ذي مَسغَبَة، يَتيماً ذا مقربةٍ، أو مسكيناً ذا متربةٍ).

ما هذا الإيقاع المجلجل؟ وما هذه النبرات الصوتية الرتيبة؟ وما هذا النسق المتوازن؟ العقبة، رقبة، مسغبة، مقربة، متربة، أصداء صوتية متلاحقة، في زنة متقاربة، زادها السكت رنةً وتأثيراً ولطف تناغم، وسط شدة هائلة مرعبة، وخيفة من حدث نازل متوقع، فالاقتحام في مصاعبه ومكابدته، والعقبة في حراجتها والتوائها ومخاطرها، يتعانقان في موضع واحد، يوحي بالرهبة والفزع.

وإرادة التأنيب والتعنيف مع الحض والترجيح والتحبيب، في صيغة النفي وتقريره، والاستفهام وتهويله، حافز وأي حافز على معالجة هذه المخاوف الاجتماعية السائدة، ودرء هذه المشاكل العالقة في المجتمعات المتخلفة: السغب، اليتم، المسكنة، إنها آفات متطاولة تنخر في بنية الجسم الإنساني فتهدمه، واقتحامها بحزم يتركها وراء الإنسان مسافات مترامية، وذلك ما يهيء السبيل إلى تجاوز العقبة المترقبة الوقوع، في كل معانيها البيانية: حقيقية كانت أو مجازية.

إن ورود هذه الآيات في نسق صوتي متجانس، وصيغة إصلاحية هادفة، يضفي على الفاصلة القرآنية، جمالها المعهود، وحسها الإيقاعي الهادر، دون تطلع إلى تعبير مماثل أو مغاير، فهي تمتلك النفس، وتأخذ بالإحساس في نظام رتيب؛ فالحرية أولاً، والعطاء المغني ثانياً، بدءاً بالأرحام، وعطفاً على الآخرين، وفيها أخذ بملحظ القرابة والرحم، وحث على تقديم ذوي القربى من المعوزين على الأباعد في فك القيود، وعتق الرقاب، والاطعام بإحسان.

ظواهر الملحظ الصوتي في فواصل الآيات:

الملحظ الصوتي في فواصل الآيات القرآنية قائم على عدة ظواهر، نرصد منها أربع ظواهر:

الأولى: وتتمثل بزيادة حرف ما في الفاصلة وعناية للبعد الصوتي، وعناية بنسق البيان في سر اعتداله، ليؤثر في النفس تأثيره الحسّاس، فتشرئبّ الأعناق، وتتطلع الأفئدة حين يتواصل النغم بالنغم، ويتلاحم الإيقاع بالإيقاع، وأبرز مظاهر هذه الظاهرة ألف الاطلاق إن صح التعبير بالنسبة للقرآن، فقد ألحقت الألف في جملة من الآيات بأواخر بعض كلماتها، وكان حقها الفتح مطلقاً، دون مدّ الفتحة حتى تكون ألفاً، وانظر معي في سورة واحدة، إلى كل من قوله تعالى، وكأن ذلك معنيٌ بحد ذاته ومقصود إليه لا ريب.

وقال تعالى: (وتَظُنُّونَ باللهِ الظُنونا).

وقال تعالى: (فأضَلُّونا السَّبيلا).

وقال تعالى: (وأطَعنا الرَّسُولا).

يبدو أن إلحاق هذه الألف في "الظنون" "السبيل" "الرسول" يشكل تلقائياً ظاهرة صوتية تدعو إلى التأمل، وإلا فما يضير الفتح لولا الملحظ الصوتي "لأن فواصل هذه السورة منقلبة عن تنوين في الوقف، فزيد على النون ألف لتساوي المقاطع، وتناسب نهايات الفواصل".

وما يقال هنا يقال فيما ورد بسورة القارعة في زيادة هاء السكت وإلحاقها في "هي" لتوافق الفاصلة الأولى الثانية في قوله تعالى: (وَمَآ أدراكَ ما هِية، نَارٌ حامِيةٌ).

وهيا إلى سورة الحاقة وانظر إلى هاء "السكت" في إضافتها وإنارتها في جملة من آياتها، فتقف خاشعاً مبهوراً، تمتلك هزة من الأعماق وأنت مأخوذ بهذا الوضع الموسيقي الحزين، المنبعث من أقصى الصدر وأواخر الحلق، فتتقطع الأنفاس، وتتهجد العواطف، واجمة، متفكرة، متطلعة، فتصافح المناخ النفسي المتفائل حيناً، والمتشائم حيناً آخر، وأنت فيما بينهما بحالة متأرجحة بين اليأس والرجاء، والأمل والفزع، والخشية والتوقع، فسبحان الله العظيم حيث يقول:

(يَومئذٍ تعُرَضَونَ لا تَخفَى مِنكُم خافيةٌ، فأمّا مَن أُوتيَ كتابَهُ بِيَمينهِ فَيقولُ هآؤُم اقرءُوا كِتَابيه، إنّي ظَنَنتُ أنّي مُلاقَ حِسابيه، فَهُو في عِيشةٍ راضيةٍ، في جنَّةٍ عاليةٍ، قُطُوفُها دانيةٌ، كُلُوا واشربوا هنيئاً بِمآ أسلَفتُم في الأيامِ الخاليةِ، وأمّا مَن أُوتيَ كِتابَهُ بشماله فَيَقولُ ياليتَني لَم أُوتَ كِتابيَه، وَلَم أَدرِ ما حِسابيَه، ياليتَها كانتِ القاضيةَ، مآ أَغنى عَني مَاليه، هَلَكَ عَني سُلطانيَه).

فأنت تلاحظ الفواصل: كتابيه، حسابيه، كتابيه، حسابيه، ماليه، سلطانيه، قد أزيدت فيها هاء السكت رعاية لفواصل الآيات المختومة بالتاء القصيرة والتي اقتضى السياق نطقها هاءً للتوافق:

وما زلنا عند الهاء، فتطلع إليها، وهي ضمير ملصق بالفواصل، غير زائد بل أصلي الورود، وقد حقق بذلك وقعه في النفس، وجرسه في الأذن وقوته في امتلاك المشاعر، قال تعالى:

(يَوَدُّ المُجرِمُ لو يَفتدِي مِن عَذَابِ يومئذٍ بِبَنيهِ، وصاحِبَتهِ وأخَيهِ، وَفَصيلَتهِ الّتي تُؤيهِ، وَمَن في الأرضِ جميعاً ثُمَّ يُنجيهِ).

فلا زيادة في هذه الهاء، وهي ضمير في الفواصل كلها، وقد حققت صوتياً مناخ الانتباه، ورصد مواضع الاصغاء من النفس الإنسانية.

الثانية: وتتمثل بحذف حرف ما رعاية للبعد الصوتي، وعناية بالنسق القرآني كما في قوله تعالى:

(والفَجرِ، وليالٍ عشرٍ، والشَّفعِ والوترِ، والّيلِ إذا يَسرِ).

فقد حذفت الياء من يسري موافقة للفاصلة فيما يبدو مثله قوله تعالى: (فأمَّا الإنسانَ إذا ما ابتَلاهُ رَبُّهُ فأكرَمَهُ ونعَّمَهُ فَيَقولُ ربي أكرمنِ، وأمّا إذا ما ابتلاهُ فَقَدرَ عليه رِزقَهُ فيَقُولُ ربّي أهانَنِ).

فالياء من "اكرمن" و "أهانن" قد حذفت رعاية لهذا الملحظ، ولما في النون من الغنة عند الوقوف عليها فيما يبدو، ويظهر أن هذا الأمر مطرد في جملة من آيات القرآن الكريم في الفواصل ما في قوله تعالى: (لَكُم دِينُكُم وليَ دين).

الثالثة: وتتمثل في تأخير ما حقه التقديم، وتقديم ما حقه التأخير، زيادة في العناية بتركيب السياق، وتناسق الألفاظ، وترتيب الفواصل، كما في قوله تعالى: (فأوجَسَ في نفسهِ خيفةً مُّوسى). فتأخر الفاعل وحقه التقديم، وعليه يحمل تقديم هارون على موسى في قوله تعالى:

(فأُلقِيَ السّحرةُ سُجَداً قالوا ءَامَنّا بربِ هارونَ وموسى). فإن هارون وزير لموسى، وأهمية موسى سابقة له، وقدم هارون عليه رعاية لفواصل آيات السورة، إذا انتظمت على الألف والألف المقصورة في أغلبها، والله العالم.

الرابعة: اشار الزركشي (ت: 794ه‍) انه قد كثر في القرآن الكريم ختم كلمة المقطع من الفاصلة بحروف المد واللين وإلحاق النون، وحكمته وجود التمكن من التطريب.

وحكى سيبويه (ت: 180ه‍) عن العرب أنهم إذا ما ترنموا فإنهم يلحقون الألف والواو والياء، ما ينون، وما لا ينون، لأنهم أرادوا مدّ الصوت.

وورود النون بعد حروف المدّ متواكبة في القرآن حتى عاد ذلك سراً صوتياً متجلياً في جزء كبير من فواصل آيات سوره، ونشير على سبيل النموذج الصوتي لكل حرف من حروف المدّ تليه النون بمثال واحد.

1_ وردت الألف مقترنة بالنون في منحنى كبير من فواصل سورة الرحمن على نحوين:

الأول: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ من أصل الكلمات كما في قوله تعالى:

(الر‍ّحمنُ، عَلّمَ القرءانَ، خَلَقَ الإنسانَ، علَّمهُ البيانَ، الشَّمسُ والقَمَرُ بِحُسبان).

الثاني: وردهما متقاطرين، وهما _أي الألف والنون _ ملحقان بالكلمة علامة للرفع ودلالة على التثنية كما في قوله تعالى: (مَرَجَ البحرينِ يلتقيانِ، بينَهُما برزخٌ لا يبغيان، فبأي آلاء رَبِّكُما تُكذّبانِ).

ويتحقق في النحوين مدّ الصوت تحقيقاً للترنم.

2_ وردت الياء مقترنة بالنون في أبعاد كثيرة من فواصل الآيات القرآنية، ففيما اقتص الله من خبر نوح (ع) قال تعالى: (فإذا استويتَ أنتَ ومَن معَكَ على الفُلكِ فَقُل الحمدُ للهِ الذي نَجّانا مِنَ القومِ الظالمين، وَقل رَّبِ أنزلني مُنزَلاً مُبارَكاً وأنتَ خَيرُ المُنزلينَ، إنَّ في ذلكَ لآياتٍ وإن كُنّا لمبتلينَ، ثُمّ أنشأنا من بَعدِهِم قَرناً آخرينَ).

والطريف أن سورة المؤمنين تتعاقب فواصلها الياء والنون أو الواو والنون، شأنها في ذلك شأن جملة من سور القرآن، فكأنها جميعاً تعنى بهذا الملحظ الدقيق.

3_ وردت الواو مقترنة بالنون في أجزاء عديدة ومتنوعة من فواصل طائفة كبيرة من السور، فسورة الشعراء فيها تعاقب كبير على الياء والنون مضافاً إليه التعاقب على الواو والنون موضع الشاهد كما في قوله تعالى:

(إنَّ هؤلاءِ لَشِرذَمةٌ قَليلونَ، وإنَّهُم لنا لغآئظونَ، وإنّا لجميعٌ حاذِرونَ، فأخرجناهُم مِّن جنّاتٍ وعُيونٍ).

إن ما أبداه الزركشي من ختم كلمة مقطع الفواصل بحروف المد واللين وإلحاق النون، ليس بالضرورة للتمكن من التطريب، ولكنه يشكل ظاهرة بارزة في صيغ تعامل القرآن الكريم مع هذه الحروف مقترنة بالنون، وقد يخفى علينا السبب، ويغيب عنا جوهر المراد، ومع ذلك فهو ملحظ متحقق الورود.

الإيقاع الصوتي في موسيقى الفواصل:

القرآن كلام الله فحسب، ليس من جنس النثر في صنوفه وإن اشتمل على ذروة مميزاته العليا، ولم يكن ضرباً من الشعر وإن ضم بين دفتيه أوزان الشعر جميعاً (ومَا هُوَ بقولِ شاعرٍ قليلاً مّا تُؤمنون، ولا بقولِ كاهنٍ قليلاً مّا تَذَكَّرُونَ، تَنزيلٌ من رَّبِ العالمين).

فهو ليس من سنخ ما يتقولون، ولا بنسيج ما يتعارفون، ارتفع بلفظه ومعناه، وطبيعته الفنية الفريدة، عن مستوى الفن القولي عند العرب، فالمقولة بأنه شعر باطلة من عدّة وجوه:

الأول: التأكيد في القرآن نفسه بنفي صفة الشعر عنه، والتوجيه بأنه ذكر وقرآن مبين بقوله تعالى:

(وَمَا عَلَّمناهُ الشِعرَ وما يَنبغي لَهُ، إن هُوَ إلاّ ذِكرٌ وقُرءانٌ مُبين).

الثاني: الردّ في القرآن على دعوى القول بأن النبي شاعر، وأن القرآن منه في ثلاثة مواطن:

1_ الملحظ الافترائي الموجه إليه، والمعبر عن حيرة المشركين:

(بَل قالوا أضغاثُ أحلامٍ بل افتراهُ بَل هُوَ شاعِرٌ فليأتنا بآيةٍ كَمَا أُرسل الأوّلونَ).

2_ التعصب الأعمى للآلهة المزعومة دون وعي، وبكل إصرار بافتعال الادعاء الكاذب:

(ويَقولونَ أئنّا لتاركُوا آلهتنا لشاعرٍ مجنُونٍ).

3_ التربص بالنبي (ص) وتوقع الموت له، بزعمهم أن سيموت شعره المفترض معه!!

(أم يَقولونَ شاعِرٌ نَتَربَّصُ بهِ رَيبَ المَنُونِ).

الثالث: إن العرب لو اعتقدوا أن القرآن شعر لأسرعوا إلى معارضته من قبل شعرائهم، فالشعر ديوان العرب، وقصائدهم معلقة بالكعبة تعبيراً عن اعتدادهم بالشعر، واعتزازهم بالشعراء، وهم أئمة البيان ورجال الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة "ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم".

الرابع: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً، فالشعر "إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه".

سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب: إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكم علماً بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق، ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جارٍ على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنثور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت: 794ه‍) أن إعرابياً سمع قارئاً يقرأ: (يأيُّها النَّاسُ اتّقوا رَبَّكُم إنَ زلزلَةَ الساعةِ شيءٌ عظيمٌ).

فقال كسرت، إنما قال:

يا أيها الناس اتقوا ربكم زلزلة الساعة شيء عظيم

فقيل له: هذا القرآن، وليس الشعر.

فاعتقده لأول مرة شعراً فحذف "أن" ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهر الموزون بمجانسة الأصوات وقارنّا عن كثب بمناسبة الصوت للصوت، وملاءمة النطق بالحروف، ومتابعة الأذن للموسيقى، والسمع للنبر والتنغيم، زيادة على ما تقدم لكنا قد أحسنّا التعليل فيما يبدو، أو توصلنا في الأقل إلى بعض الوجوه المحتملة، أو الفوائد الصوتية المترتبة على هذا المعلم الواضح، والله أعلم.

وقد يقال بأن هذا المعلم إنما ينطبق على أجزاء من الآيات لا الفاصلة وحدها، فيقال حينئذ بأن وجود الفاصلة في هذه الأجزاء من الآيات هو الذي جعل جملة هذا الكلام موزوناً، فبدونها ينفرط نظام هذا السلك، وينحل عقد هذا الابرام لهذا نسبنا أن يكون الحديث عن هذا الملحظ ضمن هذا البحث.

ومهما يكن من أمر، فإن ورود ما ورد من هذا القبيل في القرآن ينظر فيه إلى غرضه الفني مضافاً إلى الغرض التشريعي، وهما به متعانقان.

إننا بين يدي مخزون ثر في هذا الرصد، ننظره وكأننا نلمسه، ونتحسسه وكأننا نحيا به، فحينما نستمع خاشعين إلى صيغة موزونة منتظمة بقوله تعالى: (إنّا أعطيناكَ الكَوثَر). فإننا نتعامل مع وقع خاص يذكرنا بالعطاء غير المحدود للنبي الكريم، وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (هَيهاتَ هَيهاتَ لِمَا تُوعَدونَ). تصك أسماعنا بلغة الوعيد، فنخشع القلوب، وتتحسس الأفئدة.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى (وَذُلِلَت قُطوفُها تذليلا). نستبشر من الأعماق بهذا المناخ الهادي، ونستشعر هذا النعيم السرمدي بإيقاع يأخذ بمجامع القلوب، يشد إليه المشاعر.

وحينما نستمع _موزوناً _ إلى قوله تعالى: (تَبَّت يَدآ أبي لَهَبٍ). يقرع أسماعنا هذا المصير الشديد العاتي، فيستظهره السامع دون جهد، ويجري مجرى الأمثال في إفادة عبرتها وحجتها. وحينما نستمع حالمين إلى قوله تعالى: (ومِنَ الَّيلِ فَسَبحهُ وأدبارَ السُّجود). فإننا نستشعر هذا الأمر بقلوبنا قبل الأسماع، هادئاً ناعماً متناسقاً، وهو يدعو إلى تسبيح الله وتقديسه آناء الليل وأطراف النهار.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (نَصرٌ مِنَ اللهِ وفَتحٌ قريبٌ). فإن العزائم تهب على هذا الصوت المدوي، بإعلان النصر لنبيه، والفتح أمام زحفه، فتعم البشائر، وتتعالى البهجة.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (لن تَنالوا البِرَّ حتّى تُنفقوا مِمّا تُحبُّونَ). فالصوت الرفيق هذا يمس الاسماع مساً رفيقاً حيناً، ويوقظ الضمائر من غفلتها حيناً آخر، وهو يستدر كرم المخائل، ويوجه مسيرة التعاطف، ويسدد مراصد الانفاق، والمسلم الحقيقي يسعى إلى البر الواقعي فأين موطنه؟ إنه الانفاق مما يحب، والعطاء مما يحدب عليه، والفضل بأعز الأشياء لديه، وبذلك ينال البر الذي ما فوقه برٌ.

وحينما نستمع إلى قوله تعالى: (أرَءَيتَ الّذي يُكذّبُ بالدين، فذلكَ الذي يَدُعُّ اليتيمَ). وتمد الفتحة لتكون ألف إطلاق، وتصبح في غير القرآن (اليتيما) فإنك تقف عند بحر الخفيف من الشعر، وهو من الأوزان الراقصة، تقف عند صرخة مدوّية، وجلجلة متأججة تقارن بين التكذيب بيوم القيامة، وبين دعّ اليتيم في معاملته بخشونة، وصده بجفاف وغلظة.

هذه النماذج الخيرة التي تبركنا بإيرادها، والتي تنبه من الغفوة والغفلة، وتدفع إلى الاعتبار والعظة، وتزيد من البصيرة والتدبر، قد أضفى عليها الملحظ الصوتي موسيقاه الخاصة، فعاد القول بصوتيتها من جملة أسرارها الجمالية، والتأكيد على تناغمها الإيقاعي من أبرز ملامحها الفنية.

هذه ميزة ناصعة من مزايا فواصل الآيات باعتبار العبارات..

------------------------------------

> المصدر : الصوت اللغوي في القرآن

***

الشرح التالي منقول من الرابط:

http://www.geocities.com/khashan_kh/CONTENTS.html

أسمى شرف يطمح له متعلم هو أن يمت علمه بصلة إلى كتاب الله الكريم.

دائما أتحرج من استعمال مصطلحات الشعر في مقام كتاب الله الكريم. ثم اهتديت إلى تعابير خاصة بكتاب الله مثل رؤوس الآيات والفواصل

وكما يكشف علم العروض شيئا من جمال النسيج القرآني فإن علم القافية يظهر بعض الجوانب في رؤوس الآيات وما لها تأثير في النمط القرآني.

وهنا استعراض لرؤوس الآيات في سورة الفجر مع بعض المرونة في الترميز لإظهار بعض الخصائص.

أنظر كيف يعبر كل لون عن نمط معين من وقع الصوت وأحيانا موضوع معين.

إستعراض رؤوس الآيات في السور التالية

1- الضحى

2- الزلزلة

3- العاديات

4- الكوثر

1- الضحى

2- الزلزلة

3- العاديات

4- الكوثر

التمرين الخامس - إختياري

المطلوب أن يستعرض المشارك سورة قصيرة أو بضع آيات من القرآن الكريم متناولا الفواصل على غرار ما تقدم أو بالطريقة التي يراها مناسبة.

بحث في القافية للدكتور حمادي الموقت ويتطرق فيه إلى آراء في الشعر الحديث وذكرها لا يعني تبنيها.

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=50488

أما وقد وصل القارئ لهذه المرحلة فإن من المفيد أن يطلع على هذا البحث في القافية كما تقدم في غير الرقمي، ليربط ويقارن وتكون له القدرة على فهمها في مراجعها.

بحث في القافية

بقلم: ذ. حمادي الموقت

"ولم يَقصرِ اللهُ العلمَ ، والشعرَ، والبلاغةَ على زمنٍ دون زمن، ولا خصَّ بها قوماً دون قومٍ. بل جعل ذلك مشترَكاً مقسوماً بين عباده في كل دهر، وجعل كل قديمٍ حديثاً في عصره ". (ابن قتيبة: الشعر والشعراء)

أولا: في تعريف القافية

اختلف العروضيون وعلماء اللغة في تعريف القافية. فذهب بعضهم إلى القول:"إنها تبدأ من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن قبله، مع الحركة الصائتة التي قبل هذا الساكن" وهذا مذهب الخليل بن أحمد الفراهيدي. أما تلميذه الأخفش فاعتبرها "آخر كلمة في البيت، وإنما قيل لها قافية لأَنها تقفو الكلام، قال: وفي قولهم قافية دليل على أَنها ليست بحرف لأَن القافية مؤنثة والحرف مذكر" ثم لو قيل لأحد: اكتب قوافي القصيدة، لكتب آخر كلمة من كل بيت. وهذا التعريف – أجده في مضمونه - يوافق ما تواضعت عليه اللغة في تحديدها لمعنى القافية إذ قالت: القافية هي ما يَقْفُ الشيء ويكون آخره. وقَفاه قَفْواً وقُفُوّاً واقْتَفاه وتَقَفَّاه: تَبِعَه. وذكر الليث أن: القَفْو مصدر قولك قَفا يَقْفُو قَفْواً وقُفُوّاً، وهو أَن يتبع الشيء. قال الله تعالى: ""ولا تَقْفُ ما ليس لك به عِلم""؛ قال الفراء: أَكثر القراء يجعلونها من قَفَوْت كما تقول لا تدع من دعوت، قال: وقرأَ بعضهم ولا تَقُفْ مثل ولا تَقُلْ، وقال الأَخفش في قوله تعالى: ""ولا تقف ما ليس لك به علم""؛ أَي لا تَتَّبِع ما لا تعلم، وقيل: ولا تقل سمعت ولم تسمع، ولا رأَيت ولم تر، ولا علمت ولم تعلم، إِن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك كان عنه مسؤولاً .

وبالعودة إلى التعريف الاصطلاحي للقافية نلفي أن قطرب قال عنها: "القافية هي الحرف الذي تبنى القصيدة عليه، وهو المسمى رَوِيّاً"؛ وقال ابن كيسان: "القافية كل شيء لزمت إِعادته في آخر البيت"، وقد لاذ هذا بنحو من قول الخليل لولا خلل فيه. أما الفراء فاعتبرها حرف الروي وحركته، لأنه الحرف الذي تٌنسب إليه القصيدة، لذلك يُقال: قصيدة نونية وقصيدة لامية... وقال ابن جني: والذي يثبت عندي صحته من هذه الأَقوال هو قول الخليل. وعلى قول الخليل -إمام علم العروض- اجتمعت أمة اللغة في تحديد القافية. ومع ذلك يجوز توصيفها بالقول:"إنها وحدة صوتية مطردة اطرادا منظما في نهاية الأبيات، حتى لكأنها فواصل موسيقية متوقعة للقارئ. ولهذا يمكن اعتبارها ضابط الإيقاع في البيت الشعري وفي كل القصيدة".

ثانيا: حدود القافية

للقافية ثلاثة حدود؛أو تتحقق في ثلاث تشكيلات. فقد تكون كلمة تامة أو جزءا من كلمة أو أكثر من كلمة. ولتبين هذه المعاني لزمنا الاستناد إلى بعض العناصر التطبيقية. لذلك ألتمس منك –أخي القارئ- في هذا المقام أن تتأمل معي قافية هذه الأبيات وهي مقطعة تقطيعا عروضيا:

قال عبد العزيز الفشتالي مفتخرا:

قال عبد العزيز الفشتالي مفتخرا:

سموت فخر البدر دوني وانـحطا === وأصبح قرص الشمس في أذني قُرْطاً

\\0\\\0\0\0\\0\0\0\0\0 \\0\\\0\0\0\\0\\\0\0\0

وقال ابن زيدون مرشدا:

فلا فـارق الدنيا سـناءٌ مقـدسٌ === بعيشك فيـها أو ثناءٌ مُجَـمّرُ

\\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\\\0\0\0\\0\0\\0\\0

وقال أبو نواس متحسرا:

ما لي بدار خلت من أهلها شُغل === و لاشجاني لها شخص ولا طلـلُ

\0\0\\0\0\\0\0\0\\0\\\0 \\0\\0\0\\0\0\0\\0\\\0

فقليل من التدبر في قوافي الأبيات أعلاه تلفي نوعا من الموسيقى التي أضفت على القصيدة جمالية خاصة، على اعتبار أن القافية هي "مقاطع صوتية" تختلف فيما بينها بالنظر إلى الحركات والسكنات التي تكونها وفق التحديد الذي حدد به الخليل القافية. وتبعا له فإن قافية البيت الأول ستكون هي : ""قرطا = قُرْطَنْ = \0\0"" معنى ذلك أنها أتت على شكل كلمة تامة. بينما البيت الثاني فقافيته تحققت في جزء من كلمةِ "مجمّر"، أي المقطع الصوتي ""جمّرُ = جمْمَرُو = \0\\0"". وإذا انتقلت معي إلى البيت الثالث وجدت القافية قد تجاوزت في هيأتها الكلمة الواحدة لتتشكل في أكثر من كلمة وهي التي يمثلها المقطع الصوتي:"" لا طلـلُ = لا طللُو = \0\\\0"".

وأما حروف القافية فمتعددة بتعدد حركاتها وسكناتها. ولكي نتبينها بشكل أكثر تفصيلا؛ وددت لو تابعت تأملك معي في هذه الأبيات الشعرية المقطعة كأخواتها تقطيعا عروضيا تكون لنا منطلقا لتوصيف حقيقة الحروف.

قال المتنبي محمِّسا:

قال المتنبي محمِّسا:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم === وتأتي على قدر الكرام المكارم

على قدر أهل لعزم تأت لعزائمو === وتأتي على قدر لكرام لمكارمو

\\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\0\\0\0\0\\0\0\\0\\0

و قال جميل بثينة يوم عشقه:

أظل نهاري مستَهاما ويلتقي === مع الليل روحي في المنام وروحها

أظللُ نهاري مُستهامَنْ ويلتقي === مَعَلليل روحي فلمنام وروحها

\\0\\\0\0\0\\0\0\\0\\0 \\0\0\\0\0\0\\0\\\0\\0

فإذا كانت القافية قد تحددت بالنسبة للمثال الأول في المقطع الصوتي ""كارمو=\0\\0"" من كلمة"المكارم"، فإنها في المثال الثاني قد تشكلت في الصيغة المقطعية""روحها = \0\\0"" وهي تزيد عن الكلمة بالشيء اليسير. وعلى هذه الأساس إن تفحَّصت الحروف التي ولدت بها القافية، ستجد أنها حروف لا تتشاكل في تسمية أو هيأة واحدة، على اعتبار أن كل صوت فيها له مهمة معينة ووظيفة خاصة وتسمية توائم وظيفته ومهمته.

فبدءا من آخر ساكن من ""كارمو=\0\\0"" إلى أول ساكن قبله توجد أربعة حروف وهي : الواو والميم والراء والألف.

وعلى اعتبار أن "الميم" هو آخر حرف صحيح في البيت وبالعودة إلى القصيدة الأصل نجد أن هذا الحرف هو الذي يتكرر في آخر أبياتها، ومن ثَم سميناه أو نسميه حرف "الروي". أما "الواو" فهو بمثابة صائت طويل متولد عن إشباع حركة الروي، وهو الذي يسمى بحرف "الوصل". بينما "الألف" فصائت يوجد بينه وبين حرف الروي حرف أو صامت صحيح. ومتى كان الأمر كذلك؛ سمي بحرف "التأسيس" لأن القافية تتأسس عليه. في حين يمثل حرف "الراء" الحرفَ الصحيحَ الذي يتموقع بين الروي وألف التأسيس. فكان بموقعه هذا حرفا "دخيلا".

وإن انتقلت معي إلى البيت الثاني؛ ستجد أن ساكني القافية وما بينهما من حركات في كلمة "روحها" يشكلون مجتمعين أربعة أصوات أو حروف. فـإذا كانت "الحاء " هي الروي في البيت والقصيدة، فإن "الهاء" هنا تسمى "بهاء الوصل" أو "هاء الضمير" التي لا تصلح لأن تكون رويا. بينما "الألف" في القافية ذاتها، باعتباره حرف مد أو لين تولد من إشباع حركة هاء الوصل، فإنه يسمى بـ"الخروج". أما "الردف" فيمثل آخر حرف من حروف القافية ويحققه في القافية المثال؛ حرف "الواو" بحكم أنه حرف مد وقع قبل الروي مباشرة.

رابعا: أقسام القافية

وتنقسم القافية إلى عدة أقسام، استنادا إلى جملة من الموجهات والمعايير:

1- بالنظر إلى عدد الحروف الواقعة بين ساكني القافية:

إذ قمت بتعداد الأصوات الواقعة بين ساكني القافية فسوف تجدها تترواح بين الصفر والأربعة ولا تكاد تتجاوز ذلك. فقافية أرجوزة العجاج – مثلا- التي يقول فيها:

يقول فيها:

قد جبر الدّينَ الإلهُ فجبَرْ

\0\\\0\0\0\\0\\\\0

هي المقطع الصوتي "لاه فجبر = \0\\\\0" معناه، أن عدد الأصوات المتحركة بين ساكنَيْها يصل إلى أربعة وهو أقصى ما يمكن أن تصل إليه حروف القافية المتحركة. وبحكم كثرتها وتراكمها وتكاوسها فإنها تسمى بالاسم ذاته أي بالقافية "المتكاوسة".

وإذا عدت إلى قافية بيت الشاعر أبي نواس الذي سلف، وعددت الحروف الواقعة بين ساكني قافيته"" لا طلـلُ = لا طللُو = \0\\\0""؛ ألفيتها ثلاث حركات متراكبة. ولهذا التراكب سميت بالقافية "المتراكبة".

لكن عددها سوف يقل في قافية بيت ابن زيدون ""جمّرُ = جمْمَرُو = \0\\0"" ليصل إلى حركتين فقط حتى كاد الساكن الأول يدرك الساكن الثاني في القافية. وبهذه الصورة تسمى القافية بـ"المتداركة".

وحين يصل العدد إلى حركة واحدة كما هو الحال في قافية بيت عبد العزيز الفشتالي أعلاه، ""قرطا = قُرْطَنْ = \0\0"" تسمى القافية آنذاك بالقافية"المتواترة".

أما قافية بيت من قال:

يا صاح قد أخلفت أسماء ما == كانت تمنّيك من طول الوصالْ

\0\0\\0\0\0\\0\0\\0 \0\0\\0\\\0\0\0\\00

المتمثلة في المقطع "صال = \00"، فإن عدد الحروف بين الساكنين هو صفر. معنى ذلك أن الساكنين مترادفان. لهذا تسمى القافية هنا بـ"المترادفة".

وبهذا نخلص إلى القول: إن القافية بالنظر إلى عدد حركاتها الواقعة بين الساكنين، فإنها خمسة أنواع هي: المتكاوسة والمتراكبة والمتداركة والمتواترة والمترادفة.

2- بالنظر إلى حركة الروي:

أما إن نظرنا إلى حركة حرف الروي ذاته، فستنقسم القافية – بحكم ذلك- إلى قسمين أو نوعين اثنين لاثالث لهما. فإذا كان حرف الروي في أرجوزة العجاج هو "الراء" فإنك تراه ساكنا لاحركة فيه. وإن كان الأمر كذلك فالقافية حينها ستكون "مقيدة". لكنها قد تطلق فتسمى "مطلقة" حين تجد الروي متحركا كما هو الحال في روي قافية بيت ابن زيدون مثلا.

3- بالنظر إلى وجود حرف الروي من عدمه:

والقافية بهذا المعيار - وارتباطا بخصوصيات الإيقاع في الشعر المعاصر على وجه التحديد – لها ثلاثة أنواع:

- القافية المرسلة: وهي الخالية من حرف الروي. ويرى الشاعر المغربي أحمد المجاطي أن هذه الظاهرة قديمة، تنتمي إلى القرن الرابع الهجري مع ابن دريد، وعلى الأقل عرفت قبل ظهور حركة الشعر المعاصر مع علي أحمد باكثير .

- القافية المتتابعة : وفيها يتوالى الروي على سطرين أو ثلاثة أسطر ثم ينتقل الشاعر إلى روي آخر ليفعل معه ما فعله مع الروي الأول أو ما يقارب ذلك .ويشير الباحث المذكور آنفا كذلك إلى ظاهرة الجمع بين القافية المتتابعة والقافية المتناوبة التي يمكن أن نجدها في المقطع الواحد أو في القصيدة الواحدة .

- القافية المركبة : وهي في نظر أحمد المجاطي -حسب ما صرح به الناقد عبد الجبار العلمي- " أنجح أنواع التقفية في الشعر الحديث، حيث يبدأ الشاعر بقافية ثم يتركها ليعود إليها ، ثم تظل تتردد هنا وهناك إلى أن يجعل منها خاتمة القصيدة وقد أوضح الباحث أن لهذه القافية وظيفة فنية تتمثل في كونها تارة تستجيب لتوقع المتلقي وتارة أخرى تخرق أفق توقعه ، وبذلك تحقق له المتعة الفنية ، التي هي إحدى أهم وظائف العمل الفني .

خامسا: وظائف القافية

وفي شأن وظائف القافية يقول الدكتور ثائر العذاري أن الوظائف تتحدد أساسا في وظيفتين اثنتين هما:

- دلالتها على نهاية البيت أو السطر الشعري؛

- ودورها في ربط أبيات القصيد فيما بينها؛

إلا أنه أضاف إليهما وظيفة ثالثة سماها ب:

- الوظيفة الدلالية، وهي وظيفة أعتقد أنها كذلك؛ بحكم ما تحمله ورويها من إيحاءات قد تتعالق ونفسية صاحب القصيدة أو الشاعر.

لكنني أرى أن للقافية وظائف أخرى لاتقل أهمية عما ذكر، منها:

- الوظيفة الإيقاعية التي لايمكن للقصيدة الشعرية سواء القديمة منها أم الحديثة أن تستغني عنها في خلق نغمة موسيقية، على اعتبار أن هذه الأخيرة تعد مدخلا للولوج إلى فهم البنية والدلالة.

- فضلا عن الوظيفة التعيينية التي تعين نوع الروي منذ البيت الأول، خاصة إن توافق عروضه بضربه في طبيعة القافية أو بالأحرى الروي وهذا ما يسمى في عرف العروضيين بالتصريع. ثم إن أهمية القافية تتضح أكثر حين تسمى القصيدة باسمها، حتى نجد من يقول: لامية الفخر للبارودي، ونونية عمرو بن كلثوم وميمية المتنبي وهكذا....

- أما الوظيفة الجمالية أو التزيينية فوظيفة تحمل في معنى اسمها طبيعة الأدوار التي تقوم بها داخل القصيدة. حيث تجمل وتزين شكل القصيدة لتضفي على المضمون خصوصية تتباين بين قصيدة وأخرى.

سادسا: عيوب القافية

على الرغم مما رصده علماء العروض من قواعد وضوابط تقنن دور القافية داخل القصيد العربي في كل أزمانه، إلا أنهم مع استقرائهم هذا ضبطوا أيضا مجموعة من العيوب تمثل خروجا للقافية على القواعد المعيارية التي انتهوا إليها. ومن أهم هذه العيوب استنادا إلى كتاب:"علم العروض وتطبيقاته" للدكتور محمد مصطفى أبو شوارب، نذكر:

- الإقواء: وهو اختلاف حركة حرف الروي (المجرى) في قصيدة واحدة بالكسر والضم، أن تجيء الحركة مرة على هيأة الضم ومرة على هيأة الكسر. كما هو الشأن في قول النابغة:

زعم البوارج أن رحلتنا غدا == وبذاك خبرنا الغداف الأسودُ

لامرحبا بغد و لا أهلا به == إن كان تفريق الأحبة في غدِ

- الإصراف: وهو فرع من الإقواء، خاصة إذا اختلفت حركة الروي (المجرى) في قصيدة واحدة بين الفتح والضم. لا الكسر والضم. وهي تسمية تبناها أبو العلاء المعري. ولعل هذا التعدد في وصف الشيء الواحد والموقف الواحد ذي المضمون الواحد لمما يزيد من تعميق الهوة وإخلال الفهم لدى القارئ. وأظنه "إسراف" وليس "إصراف".

- الإكفاء: والإكفاء هو اختلاف حرف الروي في قصيدة واحدة، ويقع غالبا في الحروف المتقاربة المخارج، كقول الشاعر:

قُبِّحت من سالفة ومن صُدُغْ

كأنها كُشْية ضبّ في صُقُعْ

- الإجازة: والإجازة كالإكفاء، والفرق كائن في تقارب حروف الروي وتباعدها في المخرج.

- السناد: وفي العرف اللغوي نجد أن السناد هو الاختلاف وعدم الائتلاف. وفي ما تواضع عليه الاصطلاحيون أن السناد هو مجموعة من العيوب تتعلق بحروف وحركات ما قبل الروي. وهي خمسة عيوب:

1- سناد الردف: وهو التغيير المتعلق بحرف الردف ذاته، حيث قال العروضيون إن سناد الردف هو أن يجيء بيت مردوفا وبيت غير مردوف. كما في قول عبد الله بن معاوية ابن جعفر:

إذا كنت في حاجة مرسلا == فأرسل حكيما ولا توصهِ

وإن باب أمر عليك التوى == فشاور لبيبا و لا تعصهِ

2- سناد التأسيس: وهو أن يتعاقب ألف التأسيس في القصيدة بين الوجود والعدم، أي بين أن تجد البيت مؤسسا والبيت الموالي غير ذاك.

3- سناد الحذو: إذ هو التغيير المتعلق بحركة ما قبل الردف، والردف كما نعلم حرف مد وقع قبل الروي مباشرة. لذا عرفوا سناد الحذو بقولهم: هو أن تكون الحركة ضمة مع فتحة، أو كسرة مع فتحة. كما الحروف المشكَّلة في كلمات : "وينحنِينا" و"غضُونا" و"جرَينا" على التوالي في إحدى نونيات عمرو بن كلثوم.

4- سناد التوجيه: هو التغيير المتعلق بحركة ما قبل الروي المقيد.

5- سناد الإشباع: وهو التغيير المتعلق بحركة الدخيل، أي أن تكون حركة الدخيل ضمة أو كسرة، وتكون فتحة في بيت آخر. كقول الشاعر:

يا نخل ذات السدر والجراوِل

تطاولي ما شئت أن تطاوَلي

والاختلاف هنا بين كسرة الواو في الجراول وفتحة الواو في تطاولي.وللتذكير فإن الدخيل هو الحرف الواقع بين الروي وألف التأسيس.

- التحديد: والتحديد اختلاف أضرب الشعر، بين فعِلن في ضرب المديد إذا وقع معها فَعْلُن مثلا، وكذا فعِلُن مع فعْلُن في البسيط التام.

- الإيطاء: أما الإيطاء فهو أن تتكرر القافية في القصيدة الواحدة بمعنى واحد، وإن كانا بمعنيين لم يكن إيطاءً. وللتمثيل على عيب الإيطاء أدرج أبو شوارب بيتين مختلفين من حيث موقعُهما داخل القصيدة وهما للنابغة:

أواضع البيت في سوداء مظلمة == تقيد العير لا يسري بها الساري

لايخفض الرِّزَّ عن أرض ألم بها == و لايضل على مصباحه الساري

- التضمين: هو أن يبقى معنى البيت معلقا بمعنى البيت الذي يليه، فلا يتم الأول إلا بوجود الثاني كقول النابغة:

وهم وردوا الجفار على تميم == وهم أصحاب يوم عكاظ إني

شهدت لهم موارد صادقات == شهدن لهم بصدق الود مني

وهذا مما كان شائعا في التراث الشعري القديم، لكن أحفاد الشعر المعاصر علقوه تعليقا، بل ورفضوه حتى لا يطأ معنى القصيدة وبؤرتها الدلالية.

سابعا: نظام القافية في الشعر الحديث

إن أهم ما حققه شعراء النزعة الذاتية أن ربطوا القافية بالمعاني الجزئية داخل قصائدهم. ولو ربطوها بالموضوع الموحد للزمهم الحفاظ عليها وعلى وحدتها كما صرح به أحمد المعداوي في كتابه ظاهرة الشعر الحديث.

لذلك فإن من أول أهداف حركة الشعر الحر تفتيت الوحدة الموسيقية القديمة التي تتمثل في نظام البيت وتعويضه بنظام القصيدة.

- تفتيت نظام البيت: إن مسألة تفتيت البيت الشعري وإخضاعه طولا وقصرا لحركة المشاعر والأفكار، لمما تُوجب النظر في صيغة توارد حرف الروي وضرورة إيقافه لحظة إطلاق العنان للدفقة الشعورية للشاعر العربي الحديث الذي لم يعترف ولن يعترف بالحدود ولا بالقيود التي كبلته بها نظم القافية بالمفهوم القديم. إلا أن الذي ينبغي الإشارة إليه أن هذه الحرية لم تلغي النظام القائم ولم تخلق في ذاته وقوامه خللا معيبا. لذلك أضحت القافية في زمن هذا الشعر الحر وقفة اختيارية لا إجبارية، وحلت المشاعر والأحاسيس محل الماديات والموضوعات.

ولاريب أن تسمى الوقفة هنا وقفة عروضية لا دلالية كما يتضح لك ذلك في السطور التالية لفواز عيد من قصيدته "الكلدان في المنفى":

أقدام طبول وحشيهْ

هاها ... عادوا

تتلفت بابل كالحبلى

فأول ما يلفت الانتباه في السطور الثلاثة غياب حرف الروي. وغيابه لايعني غياب الإيقاع أو الوقفة، بل حضورها وإن لم يظهر ماديا فعروضيا كائن وتام، حتى إذا قطعتها وجدتها على النحو التالي:

شييه - عادو - حبلى

شييه - عادو - حبلى

\0\0 - \0\0 - \0\0

فعلن - فعلن - فعلن

- القافية واختلاف أضرب القصيدة: إن اختلاف أضرب القصيدة لمن شأنه ظاهريا أن يخلخل نظام الإيقاع والموسيقى فيها. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للمعداوي حين أثبت من خلال مقطع شعري لفدوى طوقان والذي التبس على نازك الملائكة حينما قالت إنه يحتوي على خطإ في القافية، وهو في الحقيقة غير ذلك. إذ اعتبرت أن : مستفعلان و فعول هما ضربا المقطع الذي تقول فيه طوقان:

كانت سرابا في سراب --- مستفعلان

كانت بلا لون، بلا مذاق--- فعول

واستنادا إلى حد القافية كما هو متعارف عليه عند علماء العروض، فإن القافية في المقطع هي: "راب" و "ذاق" على التوالي، وليس "باً في سراب"و"مذاق" كما كانت تتوهم نازك الملائكة.

- الجملة الشعرية: إن أهم ما يمكن أن يقال في هذه النقطة، كون الجملة الشعرية جملتان: جملة طويلة وأخرى متوسطة؛ وكلتاهما تتحكم فيهما الدفقة الشعورية التي تمتد فيهما امتدادا يشعرك بانتهاء الجملة.

فإن كانت طويلة فيكفي الشاعر أن يبث في صلبها بعض الوقفات التي تضيف إلى موسيقى الوزن موسيقى أخرى، يشيعها –حسب المعداوي- الصمت الذي يحدثه التوقف بين الحين والحين من خلال علاماتالترقيم.

يبقى القول في النهاية،من أن هذا البحث ما هو إلا إطلالة موجزة جدا عما جادت به قرائح وأقلام فحول العروض واللغة حول مفهوم القافية كعنصر إيقاعي يحقق نوعا من التوازن والتوازي في بنية القصيدة العربية في كل أزمنتها.

هذا والله تعالى أعلم