arood-remawee

حول مفهوم العروض للأستاذ هيثم الريماوي

هذا موضوع قيم، وتناوله مثر لأنه يغطي مساحة كبيرة من الفكر والثقافة والعروض.

والموضوع يمتد على مساحة واسعة أحد قطبيها الخليل وعروضه، وثمة أقطاب أخرى لها مواقف متباينة من الخليل وعروضه، بعضها يرفضه جملة وتفصيلا، وبعضها يطرح استدراكا ونقدا موضوعيين بطريقة علمية يمثلها هذا الموضوع. وسأحصر ردي في هذا الموضوع.

وقبل الدخول في التفاصيل، أقول إن قطب الخليل وعروضه واضح محدد، ولا شك أن بعض نصوص الشعر العربي – وهي نادرة جدا – لا تقع تحت عروض الخليل. وهذه سمة كل علم من علوم الإنسانيات، وشبيه العروض فيها النحو، فإن تقعيد النحو استدعى تجميد النادر بصفته هذه وعدم القياس عليه. فـ (أكلوني البراغيث ) من كلام العرب المصنف نادرا والذي جمد ولم يؤخذ به في التقعيد، وأنقل هنا هذا الموضوع وهو تحت عنوان ( الشوارد والقواعد ) من الرابط :

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=72291&highlight=%C7%E1%E4%CD%E6%ED%ED%E4

أردت هذا الموضوع في الأصل ليكون في إطار موضوع ( تجارب عروضية ) الذي تفضل به أستاذي وأخي سليمان أبو ستة،

http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=72266

ثم رأيت – لأهميته – وكثرة ما تستدعي حوارات عروضية الرجوع إليه ، أن أجعله في رابط مستقل.

فيما يلي مقتطفات من الرابط :

http://basrahcity.net/pather/report/basrah/123.html

تبين وجود مدرستين في النحو إحداهما تعتمد النادر الشاذ والأخرى تعتمد القياس فتنحي الشاذ

هل ثمة علوم أخرى يرد فيها مثل هذا الموضوع

أجل في القراءات القرآنية وحول ذلك كلام طويل عريض في كتب القراءات

وإيراد الموضوع هنا ذو علاقة بالعروض.

هل في العروض نظير لهاتين المدرستين في علمي النحو والقراءات القرآنية ؟

أم أنه شاذ عنهما ؟

أم ترى أن مدرسة بذاتها قد استولت عليه ؟

كيف يصنف العروض الرقمي ؟ هذا أستطيع الإجابة عنه بأنه يمثل مدرسة التقعيد والقياس بامتياز.

لذلك لم يكن بدعا أن ترى السيوطي يقول ، اتفقوا على أن البصريين اصح قياسا ، لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع و لا يقيسون على الشاذ .

في الحقيقة ، نحاة البصرة تأثروا بالبيئة البصرية و نهج المعتزلة و تأثروا بهم في الاعتداد بالعقل و طرح كل ما يتعارض معه ، فأهملوا الشواذ في اللغة ، لهذا سمى نحاة البصرة أهل المنطق ، (7) ومن الأمور التي تراعيها مدرسة البصرة في بحثها الآتي :

والخليل يعد بحق واضح النحو العربي في صورته المركبة ، وهو الذي أعطى النحو صيغته النهائية .

ويعد سيبويه ـ سواء من حيث عوامله ومعمولاته الظاهرة والمقدرة أو من حيث ، مما يجري فيه من شواهد ومن علل وأقيسة ونص على العبارات المهملة وأخرى الشاذة ،

أما نشاط مدرسة الكوفة فبدأ متأخرًا عند الكسائي الذي استطاع هو وتلميذه الفراء أن يستحدثا في الكوفة مدرسة نحوية تستقل بطوابع خاصة من حيث الاتساع في الرواية، وبسط القياس وقبضه، ووضع بعض المصطلحات الجديدة ، والتوسع في تخطئة بعض العرب ، وإنكار بعض القراءات الشاذة.

أما المدرسة البغدادية فقد قامت على الانتخاب من آراء المدرستين ( البصرية و الكوفية ) مع فتح الأبواب للاجتهاد ، والوصول إلى الآراء المبتكرة .

أمّا أقطاب المدرسة الكوفية فقد اتّسعوا في الرواية عن جميع العرب بدواً وحضراً ، واعتدّوا بأقوال وأشعار المتحضّرين من العرب ممّن سكنوا حواضر العراق ، واعتمدوا الأشعار والأقوال الشاذّة التي سمعوها من الفصحاء العرب والتي وصفها البصريون بالشذوذ .

هذه هي اشهر مدارس النحو في اللغة العربية المدرسة النحويه البصريه سعت إلى أن تكون القواعد مطردة اطرادا واسعا .

ومن ثم كانت تميل إلى طرح الروايات الشاذة دون أن تتخذها أساسا لوضع قانون نحوي ، رافضة الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف لما ادعي من جواز روايته ، متشددة أشد التشدد في رواية الأشعار ، وعبارات اللغة .

وتفصيل ذلك أن البصريين تحروا مانقلوا عن العرب ، ثم استقرؤوا أحواله ، فوضعوا قواعدهم على الأعم الأغلب من هذه الأحوال ، فإن وجدوا نصوصا قليلة لاتشملها قواعدهم ، اتبعوا إحدى طريقتين : إما أن يتأولوها حتى تنطبق عليها القاعدة ، وإما أن يحكموا عليها بالشذوذ أو بالحفظ دون القياس عليها .

أما الكوفيون فقد اعتدوا بأقوال وأشعار المتحضرين من العرب ، كما اعتدوا بالأشعار والأقوال الشاذة التي سمعوها من الفصحاء العرب ، والتي نعتها البصريون بالشذوذ ، وقد قيل : (لو سمع الكوفيون بيتا واحدا فيه جواز مخالف للأصول ، جعلوه أصلا وبوبوا عليه ) كل ذلك دفعهم إلى أن يدخلوا على القواعد الكلية العامة قواعد فرعية متشعبة ، وربما كان ذلك السبب في سيطرة النحو البصري على المدارس النحوية

وخالف الكوفيون البصريين في مسألة القياس ، وضبط القواعد النحوية ، فقد اشترط البصريون ، في الشواهد المستمد منها القياس ، أن تكون جارية على ألسنة العرب وكثيرة الاستعمال ، بحيث تمثل اللغة الفصحى خير تمثيل ، أما الكوفيون فقد اعتدوا بأقوال وأشعار المتحضرين من العرب ، كما اعتدوا بالأشعار والأقوال الشاذة التي سمعوها من الفصحاء العرب ، والتي نعتها البصريون بالشذوذ ، وقد قيل : (لو سمع الكوفيون بيتا واحدا فيه جواز مخالف للأصول ، جعلوه أصلا وبوبوا عليه ) كل ذلك دفعهم إلى أن يدخلوا على القواعد الكلية العامة قواعد فرعية متشعبة ، وربما كان ذلك السبب في سيطرة النحو البصري على المدارس النحوية ، وعلى النحو التعليمي .

وكان تعليقي على موضوع ( الفرق بين النحويين والعروضيين )

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=61847

النحويون في تقعيدهم أخذوا بالشائع الأعم واعتبروا بعض الشوارد من الشاذ. والشائع الأعم يسري عليه في الأغلب منهج التفكير والتنظير المنطقي الذي طبع النحو بطابعه.

جل العروضيين مغرم بالشوارد، لدرجة تكاد كل شاردة تضحي قاعدة. وبهذا صار العروض يعتمد على الحفظ أكثر منه على الفهم وإعمال الفكر ، مع أن تألق الخليل الفكري فيه لا يعلى عليه.

يقول الأستاذ ميشيل أديب في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:" وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّةالرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ ."

الموضوع طويل جدا لذا سأحاول الاختصار قدر الإمكان مع تذييل المشاركة بأسماء بعض المراجع التي تم الاستناد إليها ، وذلك لأهمية الموضوع وحساسيته

حقا أخي الموضوع مهم حساس والرد عليه سيكون طويلا ولذا فأرجو أن يتسع صدرك لطوله فهو موضوع علمي بامتياز، وسأنشر في هذه الصفحة ما يتنسنى لي نشره، وتجزيء الرد حسب الوقت المتاح سيتستدعي التعديل من حين لآخر، فكأن هذا الرد قبل اكتماله تفكير بصوت عال. أنطلق في ذلك من مفهوم عرض الحقيقة في الدرجة الأولى بأكبر قدر ممكن من الموضوعية.

1-

ظهور العروض لم يكن ابتكاراً بالمعنى الحرفي للكلمة ، فقد كانت أسسه معروفة ومفهومة عند العرب وإن لم يكن بالمنهجية التي جاء بها الخليل وهنالك أدلة كثيرة على ذلك نورد منها :

أن المشركين لما سمعوا القرآن قالوا : أنه شعر ؛ فقال الوليد بن المغيره منكرا عليهم : لقد عرضت ما يقرؤه محمد على قراء الشعر ، هزجه ورجزه وكذا وكذا ، فلم أره يشبه شيئا من ذلك ، أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف الشعر،

يقول ابو بكر محمد القضاعي (( تكاد تجزئة الخليل تكون مسموعة من العرب ، فإن أبا الحسن الأخفش روى عن الحسن بين يزيد أنه قال : سألت الخليل أحمد عن العروض ، فقلت له : هلا عرفت لها أصلا ، قال : نعم ، مررت بالمدينة حاجّاّ ، فبينما أنا في بعض طرقاتها، بصرت بشيخ على باب يعلم غلاما وهو يقول له : قل :

نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم نعم --- نعم لا نعم لا لا نعم لا نعم لا لا

قال الخليل فدنوت منه فسلمت عليه، وقلت له : أيها الشيخ ، ما الذي تقوله لهذا الصبي ؟ فذكر أنه علم عندهم يتوارثه الصبية عن أسلافهم يسمى التنعيم لقولهم فيه نعم ، قال الخليل فحججت ، ثم رجعت إلى المدينة فأحكمتها

إلى هنا ولا خلاف على ما تقدم، ولم يختلف الحال عند العرب بين ( نعم لا، نعم لا لا ) في عهد الخليل والملالاة أو الهينمة اليوم.

يقول أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري في كتابه ( الشعر النبطي – أوزان وألحان) في ( الصفحة 21):" أما الشعر الشعبي فما كان يقتضي برهنةً لأننا في قريتنا لا نعرف أوزانا ولا بحورا، وإنما هي ألحان نتمثلها ونهينم بها هكذا مثلا: هها ها ها ههم هم هم

وبعضهم يتخذ الملالاة بدل الهينمة هكذا يلا لي لا للا لي لا يلا لي لا للا لي لا

فيخرج اللحن الشيباني"

وهذا مهم جدا – في رأيي- لأنه يعني بالضرورة أن الخروج عن عروض الخليل في ذلك الوقت ، لم يكن مجرد تجريب ، وإنما تنويع إيقاعي يحكم موسيقى الشعر العربي بشكل عام ، ولم يكن محتكماً لمنهجية الخليل ،مع ضرورة التذكير أن نموذج التنعيم الموضوع هنا هو مجرد مثال من نماذج كثيرة كانت موجودة على التنعيم في تلك الفترة ربما جاء بعضها منسجماً تماماً مع عروض الخليل والكثير الآخر خارجاً عنه

أما الفقرة أعلاة فتتضمن النقاط التالية وتحت كل منها تعليقي عليها بالخط المائل

1- أنه كان هناك خروج عن عروض الخليل

ربما كان ذلك، بل من الطبيعي في كل شأن عدم الاطراد المطلق

2- وأنه كان صحيحا

وجود ما يخالف قاعدة ما لا يعني أنه صحيح بموجب مرجعية أخرى. يعني من الممكن حتى في العصر الجاهلي أن يرتكب الشاعر خطأ ما، وما أمر النابغة في(الغراب الأسود ) بسر.

3- وأنه كان ذا شأن

إن ما يروى في هذا المجال يبقى محدودا

4- وأنه كان مقصودا (لم

يكن مجرد تجريب)

االعبارة تحتمل الخروج قصدا عن نمط سائد أو أن النماذج كانت منضبطة بنمط سائد وأرجح أن الكاتب يقصد الاحتمال الثاني،

5- أنه نماذج الوزن ربما كان بعضها منسجما مع عروض الخليل وأن الكثير الآخر كاان خارجا عنه

فانسجام بعضها مع عروض الخليل تتقدمه ربما، هكذا تقليلا في الكم وتشكيكا في اليقين

أن الكثير خارج عنه . هكذا تكثيرا في الكم وتأكيدا تفيده ( أنّ)

صياغة هذه الفقرة فيها انحياز لرأي مسبق لدى الكاتب الكريم. وهو أمرٌ يكون مبررا منطقيا لو أنه قدم له بتمهيد وبرهان يفيدان ذلك وإذ ذاك تستقيم الصياغة وينصرف التمحيص إلى البرهان. أما بدون تقديم ولا برهان فإن هذا المقولة تبدو منحازة وهذا يضعفها.

وهنا يرد سؤالان :

1- هل نجح الخليل في توصيف الأعم الأغلب من أوزان كل الشعر العربي ؟ الجواب نعم

2- هل نجح الخليل في توصيف كل ما ورد من الشعر العربي بشكل مطلق؟ الجواب لا

من العدل والمنطق أمام جواب السؤال الثاني ومن أجل استقامة الحوار أن نقول لمن يعتبر الخليل مقصرا : " حسنا هلا تفضلت بعروض يفوق عروض الخليل فيشمل هذه النماذج الخارجة على عروض الخليل ؟ ولا يُحتج هنا بقلة النماذج وضياع أغلبها فكلما قلت النماذج سهل التوصيف، كما أن أمامك تجربة الخليل لتستفيد منها إن شئت "

ولكن هذا القول يتعارض مع "ما ربّما يكون" ينظر له تاليا من النيل من مبدإ المعيارية في علم العروض وليس الارتقاء بها أو استبدالها بمعيارية أشمل أو أدق. وعلى افتراض أن هذه النماذج يصدق عليها كل ما ذكره الكاتب عنها، فهل نسبتها بين الشعر العربي تبرر هدم عروض الخليل إلى العروض الذاتي لكل شاعر كما سيرد لاحقا في قول كاتبنا الكريم ؟

لو أن عروض الخليل ينطبق على عشرة أو عشرين بالمائة من الشعر العربي لكانت دعوة الكاتب في مكانها.

ليست لدي إحصائية عن الشوارد الخارجة عن عروض الخليل ولكني أتوقع أنها لا تزيد عن واحد في الألف من مجموع الشعر العربي الذي نعرفه، فإن قيل إن أغلبها ضاع فهذه دعوى لا برهان عليها وإن صحت فقد كان ضياعها لشذوذها عن الذائقة العربية. إذ لجأ العرب في تدوين ثقافتهم وتجاربهم وأيامهم ومفاخرهم اإلى الشعر لسهولة حفظه في مجتمع قلت فيه الكتابة قبل الإسلام.

2

تعريف العروض هو العلم الذي يعرف به صحيح وزن الشعر من انكساره، أي ما يعرض عليه الشعر لمعرفة صحيحه من تالفه صحيح ،،إذن هو أداة معيارية يُقاس بمقدارها مدى صحة الشعر من انكساره صحيح ،وهذا يقتضي أن الوصول للنتائج مرتبط بالمقدمات الموضوعية لا الإدارة الفردية صحيح تماما، لعلك تقصد الإرادة الفردية ،أي إننا بهذا المفهوم أمام ما سمي بالصناعة وهو العلم الحاصل بالتمرين صحيح هو العلم الحاصل بالاكتساب والتعلم والتمرين ولكن الحديث هنا هو عن العروض لا عن الشعر ، إن العروض قد فرض علاقة محددة بين الشعر والمنطق الرياضي،، بل بين وزن الشعر والمنطق الرياضي

،أي قياس الشعر بل وزن الشعر بنموذج مثال والقول بأن ما ينسجم معه صحيح وما لا ينسجم معه غير صحيح.

وهذا أدّى إلى التغير الجذري في نظرة العربي للشعر وللإبداع عموماً بوصفه قابلاً للقولبة الصارمة المحددة الأمر الذي أدّى إلى إلغاء كل التنويعات الإيقاعية التي لاتتفق مع هذه االنماذج واعتبارها ضرباً من العبث ( الندرة لا تعني العبث وحتى الخطأ لا يعني العبث ) ، أي انتقال مفهوم الشعر ( بل وزن الشعر ) من كونه إبداعياً إلى صناعيً قابل للقياس الدقيق

هنا لا بد من وقفة. لقد ماهى الشاعر بين العروض والشعر وليس الأمر كذلك، فالشعر موهبة والعروض تعلم واكتساب، ولا يشكل العروض من الإبداع في الشعر إلا جانبا من عدة جوانب.

وألخص رأي الكاتب ومقتضاه بالعبارتين التاليتين

رأيه : بما أن العروض قياس رياضي محدد مكتسب فقد أدى إلى إلغاء كل التنويعات الإيقاعية التي لا تتفق معه وجعل الشعر صناعيا لا إبداعيا

مقتضاه : حتى يكون الشعر الشعر إبداعيا لا صناعيا وحتى لا تلغى التنويعات الإيقاعية ينبغي أن يكون العروض متحررا من القولبة الصارمة وغير معياري . بمعنى أن يكون لكل شاعر عروضه الخاص.

بين العروض والنحو الكثير من التقاطع، وما تفضل به الكاتب الكريم وما يرد به عليه كلاهما واردان بالنسبة للنحو كما العروض سواء بسواء.

إن الدعوة إلى وزن شعري بدون قواعد لا تبدو منبتة الصلة بالدعوة لما سمي بقصيدة النثر. التي تأتي في سياق فكري معين لا أود تناوله في هذا المقام.

3

إن المنهجية المتبعة في علم العروض في الواقع كانت تعبيراً عن فكر الخليل بوصفه عالما في اللغة والرياضيات والموسيقى ، ولم تكن منهجية لواقع إيقاع الشعر العربي –

ثمة فارق بين الاجتهاد والتنظير. فالمجتهد – ومحاله الأصلي الشرع - يدرس المسألة التي يريد معرفة حكم الشرع فيها بحيادية ويتجه إلى المصادر الشرعية متجردا من هوى النفس. أما المنظر – ومجاله الأصلي الأنظمة الوضعية – فيضع الغاية التي يتبناها أمامه من البداية، ويأخذ في البحث عما يدعمها ويستبعد ما هو ضدها.

هذا من حيث المبدأ وقد تنعكس الأدوار في المجالين.

ولما كان المنظر يحدد وجهته سلفا فإن أثر توجهه يظهر في عباراته،وطريقة طرحه بحيث يمهد السبيل لاستنتاج معد سلفا. وهذا ما لمسناه في الفقرة السابقة للكاتب الكريم من حيث إحلال كلمة الشعر محل كلمة العروض واستعمال ربما

ويمكننا أن نجد نظيرا لهذا في أي حقل علمي عندما تكون الحقيقة والسعي إليها مبتغى الباحث.

أين يقف أستاذنا في بين التنظير والاجتهاد في أمر العروض ؟

إننا نلمس في صياغته التي سبقت هذه الفقرة من إحلال كلمة الشعر محل كلمة العروض من جهة ومن استعمال ( ربما ) في مجال و ( إن ) في مجال آخر توجها إلى هدف معين قد قرره مسبقا.

ولننظر في أمر هذه الفقرة وما تزرعه في ذهن القارئ من مسلمة بدون مقدمات. إنها تعني أن هناك تناقضا بالضرورة بين فكر الخليل وإيقاع الشعر العربي. أو أن الخليل أغلق الباب على نفسه وصاغ عروضا على هواه ثم خرج به على الناس وفرضه عليهم.

ونورد هنا أدلة منطقية وأخرى تطبيقية

--كانت بداية وضع أسس عروض الخليل مبنية على أساس استقرائي

هذا صحيح

*

أي بأخذ عينة تمثل الشعر العربي موضوع الدراسة وتناولها بالتحليل لاستخلاص نتائج تصف الشعر العربي،

كلمة عينة هنا مُبَرمِجةٌ لمن يقرؤها، فالعينة دائما تعني أقل القليل، كالنقطة تؤخذ من الدم لفحصه أو كاستطلاع أللفي شخص من بلد يبلغ عدد سكانه خمسون مليونا واستطلاع آرائهم حول قضية ما .فهل حقا أن الخليل اختار القليل من الشعر العربي ؟ وهل حقا ما تناقله الرواة ودونته الكتب حتى عصر الخليل لم يكن إلا اليسير اليسير مما وصل الخليل من الشعر العربي؟

*

ولكن العينة التي تم انتقاؤها لم تكن ممثلة للشعر العربي.

إن كان الأمر كما تفضل الكاتب من أن الخليل استقرأ عروضه من عينة من شعر العرب وحسب دون اختبار نتيجتها على الأعم الأغلب مما وصله من شعرهم، فالنتيجة التي توصل لها الكاتب صحيحة، وإن كان ما استقرأ منه الخليل عروضه أكثر من مجرد عينه أو أنه استقرأه بادئ ذي بدء من عينة ثم طوّره ليستوعب أوزان جل ما وصله من شعر العرب

فإن الصياغة غير موضوعية الأمر الذي ينزل الكاتب منزلة المنظّر لا منزلة المجتهد.

*

وإنما [ العينة ] ممثلة للنموذج الذي تم بناؤه لاحقاً ،

وهذا هي النتيجة الذي وضع الكاتب نصب عينيه الوصول لها والتي أملت عليه بدءً صياغة مقولته.

فلم يكن إهمال الكثير من النصوص الشعرية والتي سمّاها الخليل ب(المهملات) إلا لأنها بعيدة عن مثالية النماذج التي وضعها وليس لسبب آخر ،

هكذا! ما اشتق منه الخليل عروضه أو وافقه بنص الشاعر ( عينة من الشعر العربي ) وما أهمله الخليل ( كثير من النصوص الشعرية )

أدعو الكاتب الكريم وقارئه إلى التأمل في هذه الصياغة المقولبة مسبقا على مقاس نتيجة مرسومة سلفا

وبالتالي فإن النماذج أو ما سمي ببحور الشعر التي وضعها الخليل لم تستطع أن تصف بشكل أمين ديوان الشعر العربي وإنما وصفت وبشكل جزئي عيّنة محددة وغير ممثلة ، وهذا أدّى إلى إقصاء الكثير الكثير من النصوص ،من ديوان الشعر العربي إما باعتبارها خارجة عن الشعر أو بإقصائها كلياً من التدوين فلم تصلنا أبداً، وهنالك أمثلة كثيرة على ما اعتبر خارجا عن الشعر لأنه خارج عن عروض الخليل

لو قلنا إن الماء يتجمد عند الصفر المئوي في ظروف معينة فإن ذلك ينطبق دوما في تلك الظروف

أما في العلوم الإنسانية فإن اشتراط أن تفسر كل قاعدة جميع تصرفات البشر في كل الظروف فإن معنى ذلك بطلان كل العلوم الإنسانية. وما لنا نحكي في التجريد. فلنعرج على النحو وبينه وبين العروض في هذا الأمر صلة.

http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=75971

وقد ورد في الحديث النبوي يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار ..

وتسمى هذه اللغة فى اصطلاح علماء العربيّة لغة(أكلونى البراغيث(

و (البراغيث) جمع برغوث_بالضم_

والإعراب: (أكل) فعل ماض , و (الواو) علامة الجمع , و(النون) للوقاية ,و(الياء) مفعول به, و(البراغيث) فاعل.

وسميت هذه اللغة بذلك ؛ لأنّ لفظ(أكلونى البراغيث) سمع من بعض العرب.

وهى لغة قليلة لطيّىء وأزدشنوءة و بَلحارث . قاله ابن عنقاء , وابن هشام فى المغنى.

وفى مثال (أكلونى البراغيث) شذوذان ذكرهما الشيخ الفاكهى فى الفواكه الجنية فقال ": أحدهما: إلحاق الفعل العلامة.

والثانى:استعمال الواو لما لا يعقل".

فكان حقه أن يقول (أكلتنى البراغيث) ؛ لأنّ البراغيث ليس ممن يعقل

هكذا نظر بعض النحويين العرب إلى هذه اللغة التي وردت على لسان أكرم الخلق. فاعتبروها شذوذا، ومثلها في النحو أكثر مما في بعض القصائد التي خرجت عن عروض الخليل. فلماذا لم يقل أحد إن النحو قد استقي من عينة من كلام العرب، وأن الكثير من كلامهم لم يؤخذ في الاعتبار؟

الجواب: إن تسمية قصيدة النثر لم تكن في ذهن النحويين، ولم تكن في ذهن العروضيين ولا الأدباء عامة، وعندما أصبحت نسبة صنف من النثر إلى الشعر واردة تحت مصطلح " قصيدة النثر" في أذهان بعض الأدباء العرب، أعيدت صياغة الحقائق الموجودة بتضخيم حقائق وتقزيم أخرى لتؤدي إلى صحة هذه التسمية.

إن هذا المنهج في العروض ممهد دون شك لإعادة النظر في النحو العربي لإعادة كتابته، ويبقى ذلك رهنا بوجود دافع لدى من سيتصدون لهذه المهمة في النحو.

هنالك ما خرج أن أوزان الخليل

فلنستعرض هذه الأوزان لنرى ماهية وزنها وهل تشكل مجرد شذوذ عن قاعدة عامة سائدة وصفها الخليل، أم تشكل صنفا آخر مختلفا عن الشعر العربي بشكل عام ؟

مثل قصيدة عبيد بن الأبرص الشهيرة

اقفر من أهله ملحوب ...فالقطبيات فالذنوب

2 1 3 2 3 2 2 2 .....2 2 3 2 3 3 2

هناك عروض الخليل وهناك قاعدة القاعدة العريضة – أو فضاء العروض - التي يرتكز عليها عروض الخليل ويشكل مرحلة متقدمة عليها. الطفل يبدأ زاحفا ثم يشتد عوده فيمشي، وفي الحالتين تحريك للأطراف على شكلين مختلفين بدائي وراق.

يعرف من يدرس الرقمي أن هناك التخاب الذي بموجبه تتحول منطقة الضرب من 2 2 3 في منطقة ضرب مجزوء البسيط إلى 2 2 2 ولكن هذا لا يجوز في غير آخر العجز. وورود هذا في آخر الصدر يمثل مرحلة طفولة للشعر. وللمزيد يرجع للرابط:

http://www.arood.com/vb/showthread.php?t=2389

القصيدة حملت الكثير وضخم ما بها كما شرحت ذلك تفصيلا في الرابط:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/obaid-bin-alabras

ويشار هنا أيضا إلى قصيدة المرقش الأكبر ( هل بالديار أن تجيب صممْ ) ، قد تناولتها في الرابط:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/almoraqqish-hal-biddiyar

سلمى بن ربيعة (جاهلي )

من لذةٍ العيش والغنى - للدهر والدهر ذو فنون

2 2 3 2 3 3 .....2 2 3 2 3 3 2

العسر كاليسر والغنى - كالعدم والحي للمنون

2 2 3 2 3 3 .....2 2 3 2 3 3 2

لا يعد هذا خروجا عن عروض الخليل بل في إطاره، وإنما يقال إن الخليل لم يطلع عليه، فزيادة العجز بسبب عن الصدر شائع عام.

يقول أبو العتاهية

الله أعلى يداً وأكبر – والحقّ فيما قضى وقدّر

2 2 3 2 3 3 2 .....2 2 3 2 3 3 2

وليس للمرء ما تنمى - وليس للمرء ما تخير

3 3 2 3 3 2 ......3 3 2 3 3 2

هذا مخلع البسيط الشائع ولا خروج فيه البتة عن عروض الخليل

أم السليك (فاعلاتن فاعلن)

طـافَ يَـبْـغِـي نَـجْـــوَةً ***** مِـنْ هَـــــلاكٍ فـهَـلَــكْ

لَـيْـتَ شِـعـــرِي ضَـلَّــهً ***** أيُّ شـــــــيءٍ قَـتــلَــكْ

أمَـرِيــضٌ لـم تُـعَــــــدْ ***** أم عَــــــــدُوٌ خـَـتـَـلَـكْ

أم تـَــوَلّـى بــك مـــــا ***** غـالَ فـي الـدَّهـرِ السُّلَكْ

والـمـنـــايــا رَصـَــــــدٌ ***** للفَـتـَــى حَـيْـثُ سَـلَـكْ

أخي الكريم وهذا لا خروج البتة فيه عن عروض الخليل وإنما يجوز تعدد انتمائه، أنظر الرابطين :

http://www.arood.com/vb/showpost.php?p=9375&postcount=1

http://www.alfaseeh.com/vb/archive/index.php/t-30097.html?s=2a0f741a5c62e1e6d332ea4e43c80dfe

سلم الخاسر

موسى المطر غيث بكر ثم انهمر كم اعتبر ثم فتر وكم قدر ثم غفر عدل السير باقي الأثر خير البشر فرع مضر بدر بدر لمن نظر هو الوزر لمن حضر والمفتخر لم غبر

هذا تكرار لمستفعلن 2 2 3 وهو يشكل نوعا من شعر التفعيلة، ويرى البعض أنه دون حد الشعر ولا أرى فيه خروجا عن عروض الخليل. ومثلها من الكامل ما ذكره الشيخ جلال الحنفي ( العروض تهذيبه وإعادة تدوينه – ص 650) : ومنه الأبيات التالية التي خرجت من الرجز إلى الكامل بمحض الانسياق العفوي وهي :

أنت الكرة كالسّكرةْ

هذي يدي ....هيا اصعدي

كُرَتي اسمعي قولي معي

أنظر إلى قوله ( من الرجز إلى الكامل ) ألا تراه يعني ( من تفعيلة الرجز إلى تفعيلة الكامل )

هنالك نصوص خرجت عن وزن الخليل وعن تعمد القافية

مثل نص امرئ القيس ( مفاعلن فعولن)

ألا يا عين فابكي .......على فقدي لملكي

وإتلاقي لمالي .........بلا صرفٍ وجهد

تخطيت بلاداً ....... وضيعت قلاباً

القافية موضوع آخر أما هذا الوزن فليس بخارج عن عروض الخليل فهو الهزج لا غير

هنالك نصوص خرجت عن الوزن بشكل كامل

ألا تتضمن هذه العبارة أن ما سبق ليس خارجا كليا عن عروض الخليل ؟

كل ما تفضلت به ضمن دوائر الخليل ومجموعات سليمان أبو ستة المشتقة منها. أنظر الرابط:

http://www.mojtamai.com/books/component/k2/item/3535-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D9%88%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A?start=4

وسنرمز للسبب مطلقاً بالرمز ( / ) وللوتد بالرمز ( . ـ ) . وفيما يلي قائمة بالمجموعات الوزنية الأساسية :

1- /

2- . ـ /

3- . ـ / /

4- . ـ / / /

5- . ـ / . ـ / /

6- . ـ / . ـ / / /

7- . ـ / . ـ / / . ـ /

8- . ـ / . ـ / / . ـ / /

9- . ـ / . ـ / / . ـ / / /

أبو نواس

1- رأيت كل من كا…….ن أحمقاً معتوهاً

3 3 3 2 ……3 3 2 2 2

2 - في ذا الزمان صار الــ … ــمقدم الوجيها

2 2 3 3 2 …..3 3 3 2

3- يارب نذلٍ وضيــ……ـع نوهته تنويها

2 2 3 2 3 ……2 2 2 3 2 2 2

4 - هجوته لكيما……… أزيده تشويها

3 3 3 2 …….3 3 2 2 2

مستفعلن فعولن …..مستفعلن مفعولن ( متفعل)

هذا بعض الرجز

ووجود صدر البيت الثالث : مستفعلن فاعلن مما توقعت تنظير قريب منه في فضاء الخليل الأستاذة نادية بوغرارة كما ورد في الفقرة التالية من الرابط:

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/moomen-1

أو من [ مجتث الرجز- السريع ] باعتبار صورتيهما 4 3 4 3 3 2 و 4 3 4 3 2 3 ما أصل 4 3 4 3 4 2 ( سواء جاءت 4 2 من 4 3 أو من 4 2 1 = مفعولاتُ والأرجح أنهما من أصل 4 3 فإن 4 2 1 لا وجود فعليا لها في آخر الشطر)

وهذا الكلام موجه لأهل الرقمي فقط فلا يمكن أن يفقهه سواهم إلا القليل

واجتماعهما معا يكون كما ورد في أبيات الأستاذة نادية بوغرارة :

أغارُ من ظِلِّهِ طيْفاً على جدار

3 3 2 3 ...........4 3 3 2

فكيفَ بي عندما أََراهُ في جِواري

كالطِّفل أبْدو و قدْ ضيَّعته حِواري

في الأسْرِ ،ما حِيلَتي؟ لَيْلي كَما نهَاري

ألْجَمْتُهـا فَرحَـتي لكنَّها شِعاري

بَوْحي بِلا أحْرُفٍ مِنْ صَمْتِها أُوَاري

أخْشى احْتِراقي لِذا ألُـوذُ بالفِـرَارِ

ويبقى عجز البيت الثالث وفيه أخطأ أبو نواس بزيادة سبب في أوله.

يارب نذلٍ وضيــ……ـع نوهته تنويها

2 2 3 2 3 ……2 2 2 3 2 2 2

ولنا أن ننظر إليه على أنه من المجتث وخارج عن بقية الأبيات باعتباره :

يا رب نذل وضيعٍ ...... نوهته تنويها

4 3 2 3 2 2 2 3 2 2 2

وكما ترى فإنك تضخم الأمر كثيرا حين تصف ما خرج عن عروض الخليل بالكثيرن وغذ كنت قدرته بواحد في الألف فإنني على ضوء ما تقدم نوعا وكما لا أتوقع أن يزيد على واحد في العشرة آلاف وعند اعتبار الشعر العربي الذي تناوله الخليل مجرد عينه واعتبار هذا كثيرا فإن الحوار يتوقف أو يكاد.

أتمنى أن ينتج عن إتقانك للرقمي حوار في نفسك حول ما تقدم.

ولي إلى الموضوع عودة بإذن الله

---تم استخراج النتائج بالاستدلال الاستنباطي ، أي الاستناد على المقدمات (وهي العينة التي تم انتقاؤها ) للوصول إلى نتائج نموذجية ، وقد تم تجيير الكثير من الحقائق لصالح الوصول لهذه النتائج النموذجية ، بدليل أن هذه النتائج (الخليلية) لم تستطع أن تصف كل الحالة الشعرية العربية، والجدير ذكره هنا أن الكثير من النصوص الشعرية قد تم إهمالها من التدوين –كما تشير الكثير من الدراسات- لأنها خارجة عن عروض الخليل ، أي القول أن النموذج يصنع الشعر ، وعدم القول أن الشعر يبتدع شكله

....العينة التي تم الاستناد عليها غير ممثلة كما وضح سابقاً أي أن المقدمات التي تم الاستناد عليها غير كاملة وهذا ما ادّى إلى ما يسمى في علم المنطق بأغلوطة التعميم ، وهو تعميم نتيجة ما دون مقدمات كافية لهذا التعميم ، بهذا يمكن القول أن عروض الخليل هو في الحقيقة نموذج رمزي لوصف عينة منتقاة من الشعر العربي وليس نموذج للكتابة عليه بدليل الخروج عن هذا النموذج قبل وأثناء وبعد ظهور هذا النموذج

.... تم دمج الوحدات الصوتية الصغرى (الأسباب والأوتداد) –إلى وحدات أكبر وهي التفعيلات ، وهذا أدّى إلى إهمال الكثير من التشكيلات الإيقاعية وتنويعاتها، بهدف اعتماد نموذج مثالي يعتمد على تشكيلات محددة

...لقد تم بناء هذه النماذج بشكلها النهائي (دوائر العروض ) على الاحتمال الرياضي الصرف والبعيد عن الواقع الشعري فنجد أن الكثير من النصوص الشعرية تخرج عن هذه النماذج من جهة ، ومن جهة أخرى – وهذه النقطة مثار الكثير من التساؤل – نجد أن بعض النماذج (البحور) الأصيلة في دوائر الخليل لم يكتب عليها أي نص منذ العصر الجاهلي وحتى القرن الهجري الثاني ، وإنما كتب عليها بشكل قليل جداً بعد ظهور العروض هي الهزج، المجتث ، المقتضب ، المتدارك ،كما يورد ابراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر

....لقد تم إهمال الكثير من الأساسيات الإيقاعية بسبب الإعتماد على الساكن والمتحرك فقط ، مثلا : إهمال المد نقول في العروض ( لا) سبب خفيف تساوي (قلْ) مع أن الفرق بينها كبير بسبب إمكانية إطلاق المد في (لا)،، أو مثلا عدم الاهتمام بالصيغ النبرية كالاستفهام ، والاستنكار ، والسؤال ، وغيره و مدى تأثير ذلك على الصياغة الشعرية ،،،

هنالك الكثير ممن قالوا أن الخروج عن العروض لا يعني الخروج عن الشعر ، وإنما يعدّون العروض حالة إيقاعية معينة للشعر من حالات إيقاعية كثيرة جدا

أبو العتاهية ((أنا أكبر من العروض))

الجاحظ ((العروض هو أدب مستبرد ومذهب مرذول ))

الزمخشري ((والنظم على وزن مخترع خارج على أوزان الخليل ، لا يقدح في كونه شعرا، ولا يخرجه عن كونه شعراً))

ابن سنان الخفاجي ((والذوق مقدم على العروض. فكل ما صح فيه لم يلتفت إلى العروض في جوازه))

وهنالك الكثير من النقاد الحديثين الذين يحملون نفس النظرة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر أدونيس ، د.كمال أبو ديب ، د. سيد بحراوي ,,,وغيرهم الكثير

----التشكيلات الإيقاعية الكثيرة جداً والخارجة عن الأوزان المحددة منذ العصر الجاهلي وحتي يومنا خصوصاً في المرحلة الأندلسية حيث يرى الكثير من الباحثين في شعر هذه المرحلة تحديداً أن سبب هذا الخروج الكبير عن أوزان الخليل هو اختلاط العرب المباشر مع الأعاجم والاطلاع على ثقافتهم الموسيقية المتنوعة وأيضا الطبيعة الخلابة التي لم يعرفها العرب قبل ذلك ضمن بيئتهم المحلية وأهم الإيقاعات الجديد في المرحلة الأندلسية الموشحات والزجل ، وأيضا من هذه التنويعات الإيقاعية الأشكال الشعرية الحديثة المتعددة والتى حاول أصحابها الخروج عن الشكلية الخليلية بدرجات متفاوتة منها ما هو متواضع ، ومنها ما هو ثوري ، نذكر على سبيل المثال لا الحصر ، جماعةالديوان ، حركة أبولو، المحاولات العديدة لشعراء المهجر وعلى رأسهم جبران خليل جبران، قصيدة التفعيلة وتجربة نازك الملائكة وبدر شاكر السياب ، قصيدة النثر ،و اسمحوا لي أن أذكر أيضا تجربتنا المتواضعة القصيدة التناغمية

أعتقد وبعد النقاط أعلاه أن الخطأ الأكبر يكمن في الفهم السلطوي للعروض ، واعتباره مثالا مقدساً لا يمكن الخروج عنه ، وبالتالي تحديد مفهوم الشعر ومسمى الشاعر عبر العروض ، أي اعتبار الشعر نموذجي الصنعة غير القابل للتطور، وليس إبداعاً لا يقبل نموذجية الإطار ، الأمر الذي تؤكده كل الدلائل الاستقرائية كما هو مشار سابقاً منذ الجاهلي وحتى يومنا هذا ، والحقيقة أن العروض هو وصف لجزء معين من التجربة الشعرية العربية وفي فترة معينة ،والقول بتعميم هذه التجربة وإطلاقها خارج حدود الزمان والمكان فيه تحديد لمفهوم الشعر ومفهوم الإبداع عموما ، لأنه يحصر المعاني عبر إطار شكلي قوامه تكرار معين ومحدد من الحركة والسكون ، و ذلك يؤدي إلى حصر الشعر في الغنائية الرتيبة دون درامية المعنى وهذا لا يحدد فقط مفهوم الشعر وإنما أيضا يحدد وظيفة هذا الشعر وأهدافه ، الأمر الذي يتنافى مع منطقية التطور الجدلي للشكل والمضمون والذي قال به الكثيرون وعلى رأسهم عبد القاهر الجرجاني حين قال (( الشكل تابع للمعنى)) ،لأن الغنائية الرتيبة تتفق مع التوصويرات الواضحة ذات العلاقات الخطية الواصفة للواقع عبر التشبيهات اللغوية بأشكالها ولا تنسجم كثيرا مع التصوير الرؤيوي الذي يعمل على تأويل ما هو خلف الواقع

في موضوع القداسة أتمنى أن تتكرم بالاطلاع على موضوع ( الزهرة - العروض - القداسة )

https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/zahrah-arood

ومن جهة أخرى إن القول بإمكانية ومشروعية تطور الشعر شكلا ومضمونا خارج إطار العروض والتفعلية ، لا يقدح أبدا ، بمدى إبداعية الشعر الموزون ومدى إبداعية العروض الواصف لها ، لأن الدرسات السيكولوجية والإجتماعية تؤكد أن المفاهيم الإشكالية كالجمال والإبداع يمكن لها أن تتغير وتتطور عبر الزمان والمكان.

كما يجري طرح الموضوع في منتدى الرقمي على الرابط:

http://arood.com/vb/showthread.php?p=59946#post59946

وأنقل لك منه :

موضوع ما يسمى ب ( قصيدة النثر ) تأسس بدءً على مغالطة الخلط بين المضمون والشكل أو القالب

الشاعرية والتصوير متعلقان بصفات المضمون الذي يعبر عنه بالقالب النثري أو الشعري.

الشكل الشعر في الجاهلية والإسلام هو ذاته تغير المضمون فالشكل كالكأس والمضمون كالسائل الذي يملؤها.

من قرأ التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب رحمة الله عليه يدرك التمييز بين المضمون والقالب.

القرآن الكريم في تصويره الفني وفي إيقاعيه الداخلي والخرجي لا يُعلى عليه. وما هو بشعر.

في مقابلة مع إحدى الفضائيات قال مقدم البرنامج : " لو تجاوزنا اعتبار القالب فما رأيكم في قصيدة النثر " وكان ردي: إن تجاوزنا القالب ينتهي البرنامج فلا موضوع لدي أحكي فيه، فالمضمون الشعري والنثري سواء في احتمالي الهبوط والرقي، ولا شيء يخص النثر دون الشعر في مقام المضمون ليكون موضوع حوار مستقل "

علاقة مصطلح ( قصيدة النثر ) لا ينبغي أن يغيب عنها هذا البعد.

وهذه القضية مستوردة إلى التراث العربي الذي يعتبر فيه التمييز بين الشعر والنثر بدهيا بداهة تمايز الذكر والأنثى مع احترام كل منهما.

والـ ( يوني بويم - unipoem) أو الجندر الهجين مظهر لنظرة توحيد الجنسين الذكر والأنثى. وقصيدة النثر تأتي في سياق مصطلحات منها الأسرة من أنثيين أو ذكرين، واللذين يمكن من وجهة نظر المؤمنين بهما التحدث عن الإيقاع الداخلي في مضمونهما بعيدا عن شكليات المظهر.

------------------------------------------------------

بعض المراجع

1- الثابت والمتحول – أدونيس

2- الشعرية العربية – أدونيس

3- في البنية الإيقاعية للشعر العربي – د. كمال أبو ديب

4- العروض وإيقاع الشعر العربي – د.سيد البحراوي

5- الصوت القديم الجديد – د. عبد الله الغدامي

6- موسيقى الشعر – ابراهيم أنيس

7- سر الفصاحة – ابن سنان الخفاجي

8- الختام المفضوض عن خلاصة علم العروض- أبو بكر محمد القضاعي

9- الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه –مصطفى الشك