tarakeeb-wa-bohoor

تشابه التركيب

مضى علي وقت من الفراغ كنت أشغله باستطرادات عروضية وشعرية، وهذه إحداها.

لدى دراستي لبعض القصائد تبين لي تردد عبارات أو تراكيب معينة في قصائد لشعراء مختلفين، ولدى تدبرها وجدت أنه يتحكم بها وزن القصيدة وقافيتها ورويها وحركة الروي بين إطلاق وتقييد، وفي حالة الإطلاق الروي فالإطلاق ذاته بين رفع ونصب وضم.

ولندخل هنا في التمثيل لذلك مباشرة، وهو تمثيل فحسب القصد منه إضاءة هذا الجانب فحسب، متوقعا أن يؤدي المزيد من الدراسة في هذا الجانب إلى كشف المزيد.

وبدأت تلقائيا بملاحظة أوجه الشبه من آخر البيت غالبا ومن العروض (آخر الصدر) أحيانا، ولعل ذلك مرده إلى تأثير القافية والروي، ثم تبين لي أن ذلك التأثير يمتد من مكان التركيب إلى حشو البيت. وهذه الدراسة خاصة بالقصائد التي مطالعها

أولا

والمقصود هنا هو ما كتب بالأحمر (غير مفتعلِ، غير منفعل = 2 ( 2 3 1 3 ) = مس(تفعلن فعِلُن )

ويلاحظ إضافة إلى ذلك:

1- توافق أو تضاد بين معنى هذا التركيب ومفردات أو تراكيب تسبقه في البيت كما هو موضح بالألوان الأخرى.

2- أنه كثيرا ما يسبق هذه التراكيب أسمٌ منون معطوف بالواو يغلب عليه الوزن (فعلن=22).

3- العبارة :(شعب غير ملتئم ) تتردد عند ثلاثة من الشعراء.

ثانيا

ويلاحظ هنا

1- أن الكلمتين إما متقاربتين في المعنى أو متباعدتين، وتقاربهما يشي في الأغلب بأن ما أملى ذلك هو ضرورة التركيب والوزن والقافية أكثر من المعنى.

2- أنهما مجروران إما بحرف جر أو بالإضافة، وفي حال أن حرف الجر (في أو من ) فقد يتردد هذا الحرف

ثالثا

وهنا يلاحظ هذا التركيب (لم + فعل مضارع ثلاثي صحيح العين (ماضيه)+ولم + فعل ثلاثي مضارع معتل العين بالألف (ماضيه) واعتلال العين بالألف يلائم في حالة الجزم الوزن (فعلن =31) وهذا ما يلاحظ على كل الأفعال المضارعة المجزومة في القافية أعني تلك غير المسبوقة بفعل آخر مجزوم.وأيضا فإن الصيغة هذه بكاملها تطابق الوزن 2 2 3 - 1 3 = مستفعلن فعلن

رابعا

الصدر = نكرة + لا + جملة إسمية أو فعلية

العجز = ولا + جملة فعلية + جار ومجرور على فعل

خامسا

في آخر الصدر = كل + فاعلةٍ = مستفعلن فعلن = 2 2 3 1 3

سادسا

وهنا نلاحظ هذا التركيب المتناظر في العجز والوصف بموجب الأغلب

(جار ومجرور) + (أسم) + (أداة توازن لا أو أو) + (نفس الجار والمجرور) + (أسم)

وفيما يلي تحليل للألفاظ الأخيرة في البيت من حيث كونها أسما أم فعلا واثر بناء القصيدة في ذلك.

وهنا يرد سؤال عن غلبة الأسم على الفعل وهل للوزن والقافية دور، لنأخذ بحرا آخر ونرى

لو أخذنا القافية المنتهية بكلمة مثل (بالملامِ) أي القافية المنتهية بحرف مجرور (أو مبني على الكسر )من النوع المتواتر المردفة بألف ( 2=1آ- 2 ) فإنه يصعب علينا تصور فعل على هذا الوزن ولنر في غير بحر

قصيدة شوقي:

كبير السابقين من الكرامِ برغمي أن أنالك بالملامِ

وهي قصيدة من تسعة وثلاثين بيتا ليس في قافيتها فعل واحدا

ولكن عروضها فيه الأفعال التالية (تولّى، تولت، تولت، تعودي )

ولو انتقلنا إلى الخفيف في قصيدة أبي تمام وهي من أربعة عشر بيتا مطلعها :

أنا في ذمة الكريم سليما......ن السليم الهوى الشريف الهمام

لوجدنا نفس النتيجة بالنسبة للضرب والقافية لجهة عدم وجود فعل واحد فيها.

ولو تغيرت حركة الروي مع بقاء العوامل الأخرى ثابتة فإن القافية تقبل الفعل كما في قصيدة البحتري:

أناةٌ أيها الفلك المدارُ أنهبٌ ما تطَرَّفُ أم جُبارُ

وأبياتها ثلاثة وعشرون وفيها فعلان في القافية هما (فساروا ) و( استعاروا) وواضح أن الردف بالألف هو ما استدعى هذا الفعل بصيغة الغائب الجمع الماضي

ومما تقدم وسواه لاحظت غلبة الاسم على الفعل في الروي فهل هناك مواطن لغلبة الفعل على الأسم.

للمتنبي من البسيط

أحيا وأيسرُ ما قاسيتُ ما قتلا والصبر ينحل جسمي كلما نحِلا

وأبياتها خمسة وعشرون ويشكل الفعل الماضي المفرد على وزن (فَعَلا) قافية اثني عشر بيتا أي حوالي خمسين بالمائة من الأبيات وما ذلك إلا لملاءمة هذه الصيغة للوزن وفتحة الفعل التي بمدها تصبح إطلاقا. ولا يدخل في عروض القصيدة إلاثلاثة أفعال.(قتلا، وجدت، ركضت).

والفعل في قافية الوافر في القصيدتين التاليتين حتى وهما تقبلانه قليل.

للبحتري:

أقيم على التشوّق أم أسيرُ وأعدل في الصبابة أم أجور

وأبياتها أربعة وأربعون والأفعال في قافيتها هي ( أجورُ، تسيرُ، يثورُ، يستنير،) أي أقل من عشرة بالمائة.

وكذلك في قصيدة شوقي:

سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق

وأبياتها خمسة وخمسون يدخل الفعل في قافية ثلاثة عشر بيتا منها أي دون الربع بقليل

وللبحتري من الكامل قصيدته

أخفي هوىً لك في الضلوع واظهر وألام في كمد عليك وأُعذَر

وأبياتها خمسة وثلاثون يدخل الفعل في اثنين وعشرين قافية من قوافي أبياتها وهذه نسبة عالية تبلغ ثلاثة وستين بالمائة، فهل تسري هذه النسبة على القافية من النوع المتدارك المجرد من التأسيس والردف المنتهي بروي مرفوع أو مضموم ، لنأخذ الطويل المنتهي بمفاعلن

وعليه قصيدة أبى تمام:

أتأْمل في الدنيا تجدّ وتعمر وأنت غدا فيها تموت وتقبر

وأبياتها سبعة عشر منها ثلاثة عشر رويا من الأفعال أي حوالي 76% وهي من أعلى النسب للفعل.

إن ما تقدم لا يغطي مساحة كافية ولا يحلل العوامل ولكنه يشير إلى بداية دراسة قد تستحق الجهد لجهة الوصول إلى رؤية أعمق للعوامل التي تتحكم في صياغة دون سواها.

أتمنى أن يكون في ما تقدم حافز للمزيد من التحليل.

في الأبيات التالية يتكرر الوزن 4 11 ه 2 3 2 2 3 1 3 بذات الصيغة

ابن حيوس =

أَتَيتَ ظاهِرَ أَنطاكِيَّةٍ عَبَثاً أَمامَكَ القاتِلانِ الرُعبُ وَالوَهَلُ

الحيص بيص

يفِرُّ عن جاره في كل نازلةٍ وضيْفهِ القاتلانِ الجورُوالعدمُ

المفتي فتح الله

وَطابَ لي بِالهَوى وَالحبُّ يَلعَبُ بي في عِشقِهِ القاتِلانِ اللَّومُ والعذلُ

عمر الإنسي

أَسري فَأَستطلع السرّ المَصون فَلا يَصدُّني القاتلان الخَوف وَالحَذَرُ

أما التركيب الشمس والقمر =4 3 2 3 1 ه 2 3 1 3 فقد ورد في الموسوعة الشعرية في آخر البيت 160 مرة ومن ذلك :

إبراهيم الحضرمي

ودمتَ ما دامَت الدنيا بمنزلةٍ لم يرقَها النيّرانُ الشَمسُ والقَمَرُ

ابن الرومي

ولو أضاءتْ لنا أنوار غُرّته تَضاءل النَّيران الشمس والقمر

ابن زيدون

هَلِ الرِياحُ بِنَجمِ الأَرضِ عاصِفَةٌ أَمِ الكُسوفُ لِغَيرِ الشَمسِ وَالقَمَرِ

الشافعي

وَفي السَماءِ نُجومٌ لا عِدادَ لَها وَلَيسَ يُكسَفُ إِلّا الشَمسُ وَالقَمَرُ

الفرزدق

بَل سَوفَ يَكفيكَها بازٍ تَغَلَّبَها لَهُ اِلتَقَت بِالسُعودِ الشَمسُ وَالقَمَرُ

المتنبي

الصَومُ وَالفِطرُ وَالأَعيادُ وَالعَصرُ مُنيرَةٌ بِكَ حَتّى الشَمسُ وَالقَمَرُ

ناصيف اليازجي

لا عينَ تَثبُتُ في الدُنيا ولا أثَرُ ما دامَ يَطلُعُ فيها الشَمسُ والقَمَرُ

**********************

كلمة ( ومهنّدٍ ) سواء بتنوين الدال أو جرها

وردت في الموسوعة الشعرية 49

منها واحدة بتسكين الدال لسليمان الصولة فناسبت الخفيف

سليمان الصولة

أنت للجيش والصدارة والما بين درعٌ وخودةٌ ومهندْ

2 3 2 3 3 1 3 2 2 3 2 3 3 1 3 2

ومهنّدٍ = 1 3 3 لها نظريا ثلاثة مواقع حسب لالجول

في الكامل = 1 3 3 1 3 3 1 3 3

في الوافر = 3 1 3 3 1 3 3 2

في آخر الطويل = 3 2 3 4 3 1 3 3

وردت في آخر الطويل في بيت واحد لسبط بن التعاويذي

غَنِيٌّ إِذا ما الحَربُ شَبَّ ضِرامُها بِآرائِهِ عَن ذابِلٍ وَمُهَنَّدِ

وزن العجز = 3 2 3 4 3 1 3 3

وجميع الأبيات الباقية وعددها 47 من 48 جاءت فيها على الكامل. وقد وردت في أول الشطر غالبا كما في حشوه ومنتهاه