رد خبر الآحاد قول بدعي لا يصح عن السلف يقول الأحباش أنه لا يصح الأخذ بالأحاد في العقيدة لأنه دليل ظني وليس قطعي نردّ على هذا من أوجه: الوجه الأول أنه لم يعرف عن السلف الصالح تقسيم الحديث إلى متواتر وأحاد إنما هذا تقسيم محدث من طرف أهل البدع والكلام بل إن الصحابة كان يأخطذون بحديث الواحد قال الإمام النووي رحمه الله: "ولم تزل الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة فمن بعدهم من السلف والخلف على امتثال خبر الواحد" [شرح صحيح مسلم 1/130]، وعلق على حديث الجساسة الطويل والذي رأى فيه الصحابة الدجال ( وفيه قبول خبر الواحد).انظر شرح النووي على مسلم 18/80 وقال الغزالي "تواتر واشتهر عمل الصحابة بخبر الواحد في وقائع شتى لا تنحصر وان لم تتوافر آحادها فيحصل العلم بمجموعها"[المستصفى 173]. وقال السفاريني "يعمل بخبر الآحاد في أصول الدين وحكى الامام ابن عبد البر الاجماع على ذلك" - لوامع الأنوار البهية 1/19 وانظر التمهيد لابن عبد البر1/8 قال الخطيب البغدادي "فمن
أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر واشتهر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد..
وعلى خبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر
أمصارنا الى وقتنا هذا ولم يبلغنا عن احد منهم انكار لذلك ولا اعتراض عليه" - الكفاية ص 31 ويدل
على هذا أن الصحابة رضوان الله عليهم لما أخبرهم الواحد وهم بقباء في صلاة
الصبح أن القبلة قد حولت إلى الكعبة قبلوا خبره وتركوا الحجة التي كانوا
عليها واستداروا إلى القبلة، ولم ينكر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل شكروا على ذلك وكانوا على أمر مقطوع به من القبلة الأولى فلولا حصول
العلم لهم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به المعلوم لخبر لا يفيد العلم،
وغاية ما يقال فيه: إنه خبر اقترنته قرينة، وكثير منهم يقول لا يفيد العلم
بقرينة ولا غيرها وهذا في غاية المكابرة. ومعلوم أن قرينة تلقى الأمة له
بالقبول وروايته قرناً بعد قرن من غير نكير من أقوى القرائن وأظهرها فأي
قرينة فرضتها كانت تلك أقوى منها. الوجه الثاني لقد أجمعت الأمة على قبول خبر الواحد الثقة قال الشافعي "لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد" - الرسالة ص 457 قال ابن حجر "الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك.. وهو أنواع: منها
ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر فانه احتف به قرائن،
منها: جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقى
العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في افادة العلم من مجرد
كثرة الطرق القاصرة على التواتر" قال ( فالاجماع حاصل على تسليم صحته) - شرح النخبة (ص6) وانظر تدريب الراوي للسيوطي 1/133، "وقد شاع فاشيا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من غير نكير، فاقتضى الاتفاق منهم على القبول" - فتح الباري 13/234 وقال ابن الصلاح في مقدمته "وما
اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقيني النظري واقع به،
خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته
الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع
بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول" - القييد والأيضاح 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 1/133 وحكى ابن الصلاح أنه كان أول الأمر يميل الى رد خبر الواحد في العقائد قال "ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح" قال السخاوي "فقد سبقه [أي ابن الصلاح] الى القول بذلك في الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف" - لقواعد التحديث 85 فتح المغيث 1/51 وقال عمر بكري "عندي لائحة باسماء مئة وثلاثة وثلاثين عالماً كلهم قالوا ان حديث الآحاد ظني ولا يؤخذ به في العقائد". واذا نقبت عن هؤلاء العلماء وجدتهم بين أشعري وماتريدي التزموا بهذا القول تبعاً لمذهبهم ونحن عندنا عالم واحد وهو الشافعي من علماء الأمة المشهورين يغلب ألفا من أمثال من ذكرت أسماءهم فقد كتب الشافعي ما يزيد على مائة صفحة [الرسالة من صفحة 369 الى 471 ]، في أعظم كتاب في أصول الفقه
اسمه (الرسالة) أثبت به حجية خبر الواحد وبوبه بالعنوان التالي (باب: حجية
خبر الواحد) أكد فيه أن ( أهل السنة قد تلقوا خبر الواحد العدل بالقبول).
وقال ( لم أحفظ عن علماء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر
الواحد). - الرسالة من صفحة 453 الى 457 سير أعلام النبلاء 10/24 وكذلك
دافع عن حديث الآحاد في كتابه ( اختلاف الحديث) [مطبوع على حاشية كتاب
الأم 7/2-38]، وفي كتابه ( الأم) بوّب بعنوان "باب حكاية قول من رد خبر
الخاصة" ومراده بخبر الخاصة خبر الآحاد فهذه
ثلاثة كتب للشافعي ذكر فيها كل ما يحتاج بيانه حول خبر الآحاد لم يقل في
شيء منها ان خبر الواحد مقبول في الأحكام مردود في العقائد. ومن خصص فعليه
الدليل والا كان محرفاً لقول الأئمة. والمحرفون لن يقيموا الخلافة الراشدة
على منهاج النبوة! نحن
عندنا دليل واضح من الشافعي في تثبيت خبر الواحد فقد قال (باب تثبيت خبر
الواحد) وهذا لفظ صريح فأين حجتكم التي يجب أن تكون بمثل وضوح كلام
الشافعي هكذا (باب تثبيت خبر الواحد في الأحكام دون العقائد)؟ ولا يعقل أن يكتب في هذه الصفحات كل ما يحتاج معرفته عن خبر الواحد ولا يأتي بعبارة صريحة يفرق فيها العقائد والأحكام فانه
لما أثبت الشافعي خبر الواحد أثبته عموما لم يخصه في شيء دون شيء. ولم يقل
الأخذ به حرام حلال: حرام في العقائد حلال في الأحكام كما يذهب اليه
المتناقضون
الوجه الثالث اجماع العلماء على كفاءة الصحيحين ولا
ننسى أن غالب أحاديث الصحيحين من نوع خبر الواحد، ومعلوم أن الأمة قد تلقت
هذين الكتابين بالقبول والتسليم. وهي لا تجتمع على ضلالة، فإجماعها حجة
على من زعم رد خبر الآحاد وقد
أدى موقف هؤلاء الى الطعن في أكثر أحاديث الشيخين اللذين اتفقت الأمة على
صحتها وتلقتها بالقبول وأثاروا الشك في أوثق مصدرين لهذه الأمة بعد كتاب
الله نقل
السيوطي في التدريب عن الحافظ السجزي اجماع الفقهاء أن من حلف على صحة ما
في البخاري لم يحنث ونقل عن امام الحرمين أنه قال: لو حلف بطلاق زوجته أن
ما في الصحيحين من كلام النبي صلى الله عليه و سلم لما ألزمته بالطلاق ولقد صدّر البخاري ومسلم كتابيهما بحديث آحاد ( إنما الأعمال بالنيات) [قد
قالوا عن الحديث: أصله آحاد لكنه من جهة الصحابي الثقة نقله عنه صحابة
آخرون فصار متواترا. ولكن لو اتفقت الأمة على راو ثقة ضابط فهل يتراجع
الحزب عن موقفه من خبر الواحد ويصير عنده بعض خبر الواحد الثقة مفيدا
للعلم أم أنهم لا يتراجعون؟]. وهذا الحديث يتضمن مواضيع في
العقائد. وكفى بها دعوى واكتساء ثوب الزور أن يدعي أهل الكلام أنهم أحرص
على العقيدة وأدق في فن الرواية وأورع في الدين من الشيخين قال ابن تيمية "ان مما اجمعت الأمة على صحته : أحاديث البخاري ومسلم" [مجموع
الفتاوى 18:16]. مع أن غالب ما فيهما من خبر الواحد حتى قال بعض العلماء
لا يوجد خبر متواتر الا أربعة أحاديث بل قال ابن الصلاح أنه لا يوجد
متواتر الا حديث ( من كذب علي متعمداً). وهنا يبرز سؤال مهم: اذا كان سند
خبر الواحد غير قطعي الثبوت فلماذا جعل الله أكثر روايات السنة من هذا
النوع؟ لا أعتقد أن هؤلاء يستطيعون الاجابة عن ذلك؟ قال ابن الصلاح في مقدمته "وما
اتفق عليه البخاري ومسلم جميعه مقطوع به، والعلم اليقين النظري واقع به،
خلافا لقول من نفى ذلك محتجا بأنه لا يفيد في أصله الا الظن، وانما تلقته
الأمة بالقبول ... وما انفرد به البخاري ومسلم مندرج في قبيل ما يقطع
بصحته لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول" - التقييد والأيضاح ص 41 علوم الحديث ص 25 تدريب الراوي 131 الوجه الرابع إن خبر الأحاد المتحف بالقرائن -كحديث الجارية- يفيد العلم وليس الظن قال ابن حجر في شرح النخبة (ص 6) "الخبر المحتف بالقرائن قد يفيد العلم خلافا لمن أبى ذلك". وقوله (قد يفيد) مهم جداً ومعناه عدم افادته العلم دائما بالضرورة. ولكن إذا ثبتت قرائن الصدق واستوفى شروط الصحة أفاد العلم وقال ابن حزم " قال
أبو سليمان والكرابيسي والمحاسبي وغيرهم أن خبر الواحد عن العدل الى مثله
الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا وبهذا نقول...
واذا صح هذا فقد ثبت يقينا أن خبر العدل عن مثله مبلغا الى رسول الله حق
مقطوع به موجب للعلم والعمل معا" - الإحكام في أصول الأحكام 1/119-124 وقال أبو المظفر السمعاني الشافعي "إن
الخبر إذا صح عن رسول الله صلى الله عليه سلم ورواه الأئمة الثقات وأسنده
خلفهم عن سلفهم الى رسول الله وتلقته الأمة بالقبول فإنه يوجب العلم فيما
سبيله العلم، هذا عامة قول أهل الحديث والمتقنين من القائمين على السنة،
وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال ولا بد من
نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة وكان
قصدهم منه رد الأخبار" - رسالة الأنتصار لأهل الحديث اختصرها
السيوطي في صون الكلام والمنطق ص 160-167. وذكر مثله في كتاب القواطع
الذي أثنى عليه السبكي في طبقاته 5/343
الوجه الخامس لو سلمنا لكم جدلا بأن خبر الأحاد يفيد الظن لا العلم فهذا لا يلزم عدم الأخذ به فقد ذكر الله الظن في مواطن الاعتقاد ومدحه. قال تعالى "إني ظننت أني ملاق حِسَابِيه فهو في عيشة راضية" [الحاقة20-21] وقال "وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه" [التوبة 118] وقال "الذين يظنون أنهم مُلاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون" [البقرة 46] وقال "قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" البقرة 249 فما هو الظن الذي يذم الله المشركين على اتباعه ويمدح المؤمنين على فعله أهو هو؟ إذن فلا بد من تحقيق معنى كلمة الظن التحقيق في ذلك أن الظن: اذا كان مرجوحاً كان وهماً وتخرصاً وتخميناً وهو لا مكان له في الشريعة. وإذا كان راجحاً كان علماً ويقيناً، وعلى ذلك يُحمل قول أهل اللغة " الظن شك ويقين" [النهاية 3/163 لسان العرب 13/272] قال الأنباري في كتاب "الأضداد" أن كلمة الظن من الأضداد. علم من ذلك أن الظن الممدوح في الآيات الأخرى هو الظن الراجح الذي يفيد العلم واليقين. وهو غير الظن الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم قائلاً "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" (متفق عليه) المنافي للجزم كما قال تعالى ما لهم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً فالظن
الراجح خرج عند أهل فن الحديث عن الخرص الى اليقين لأنهم تفحصوا سند
الرواية فلما استوفى عندهم شروط الصحة صار الشك بالرواية هو المرجوح
واليقين فيها هو الراجح. وهو ما يراد عند أهل العلم الذين وصفوه بأنه ظني
ولم يعهد عنهم النهي عن الأخذ به في شيء دون شيء، بل أنكروا على المعتزلة
الطعن به فالظن
الذي تفيده أحاديث الآحاد الصحيحة السند هو اليقين إذ أن دلائل الحق في
خبر الواحد العدل أكثر وأوفر لأن المنكرين أنفسهم اختاروا حجية خبر الواحد
في الأحكام الشرعية. فثبت أنهم يقولون بأن الظن الذي يفيده خبر الواحد هو
الراجح لا المرجوح لأن الظن المرجوح لا يجوز الأخذ به في العقائد والأحكام
اتفاقاً. وبهذا فقد قرروا أن أحاديث الآحاد تفيد العلم من حيث لا يشعرون فإن
أبوا لزمهم القول بعدم حجية أحاديث الآحاد في الأحكام أيضاً وإلا وقعوا
مرة أخرى في التناقض، فقد كان الخوارج والمعتزلة منطقيين مع أنفسهم عندما
جعلوا الآيات الناهية عن الظن ناهية عن الاحتجاج بحديث الآحاد في العقائد
والأحكام |